هل الهجوم الاوربي على الحجاب الى طلاق بائن بين اوربا والمسلمين؟

كتب: علي النواب

  

في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 يكون قد مضى 16 عاما على بدء معركة الحجاب في فرنسا، إذ في العام الدراسي 89/1990 ولأول مرة منعت فتيات مسلمات مغاربيات يرتدين الحجاب من دخول مدرستهن الثانوية بدعوى خرقهن قانون العلمانية الذي لا يسمح بإدخال الرموز الدينية إلى المدرسة العمومية، وأرغمن على ترك الدراسة رغم أنهن مواطنات فرنسيات ولدن في فرنسا ويعشن فيها. ويومها كوفئ بطل هذه المعركة مدير الثانوية أرنست شانفير ببعض المناصب تقديرا له على هذا الموقف، ولقب في الصحافة الفرنسية باسم "بابا العلمانية".

ورغم مرور هذه المدة بأكملها على أول إثارة للقضية، يبقى مسلسل الحجاب مستمرا ولا يبدو أنه سينتهي قريبا. إذ لا يزال يصنع الحدث السياسي والإعلامي في فرنسا، وهو ما حاول المؤلف وبأسلوب العرض الصحفي تأكيده من خلال استقرائه لعدة تصريحات وبيانات أهمها تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي ألقاه أثناء زيارته لتونس في ديسمبر/ كانون الأول 2003 حين قال إن "الحجاب اعتداء على المرأة يصعب على الفرنسيين تقبله".

وماتعرضت له البرلمانية التركية  مروة قاوقجي عام 1999، من ضغوط وهجوم إعلامي وسياسي منحاز لإجبارها على نزع الحجاب او ترك البرلمان، ومنعها من أداء واجبها كنائبة منتخبة ممثلة للشعب الذي اختارها بالوسائل القانونية، ثم إسقاط الجنسية التركية عنها، وعودتها إلى الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تقيم فيها قبل عام 1994 وتحمل جنسيتها.

وعندما أسقطت عنها الجنسية التركية وأجبرت على ترك البرلمان بسبب الحجاب، غادرت إلى الولايات المتحدة لتكمل دراستها في جامعة هارفارد، وتعمل حاليا عضو تدريس في كلية العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، وتكتب في صحيفة "وقت" في إسطنبول.

كانت مروة تعيش مع والديها في الولايات المتحدة اللذين كانا يعملان أستاذين في جامعة أتاتورك وتعرضا لمضايقات عدة بسبب التزامهما الديني، ثم انتقلت لتعيش في تركيا لتفسح المجال لابنتيها لتعلم اللغة التركية، واقتباس الثقافة التركية، وقد نالت بسبب موقفها في قضية الحجاب شهرة عالمية، ودعما واسعا في العالم الإسلامي.

وتقدمت مروة للانتخابات النيابية على قائمة حزب الفضيلة (الرفاه سابقا) بقيادة نجم الدين أربكان، ونجحت في الوصول إلى المجلس الوطني التركي (البرلمان) برغم تعرضها لمضايقات كبيرة، ومحاولات إفشال، ولكن ما لقيته بعد نجاحها يفوق كثيرا المعاناة التي سبقت، وكانت أول نائبة محجبة في تاريخ تركيا، وكانت تضطر في كل تنقلاتها وتحركاتها إلى اصطحاب أختها وعدد من الأصدقاء ليصدوا عنها الإساءات والمضايقات وتطفل الصحفيين.

وقد اقترح بولنت أجاويد النائب، رئيس حزب اليسار الديمقراطي، ورئيس الوزراء التركي لمرات عدة، أن يخصص لمروة قاوقجي مكتب خاص بها بعيدا عن قاعة البرلمان، وألا يسمح لها بحضور النقاشات واللجان البرلمانية، هذا السيد الديمقراطي اليساري يعتبرها امرأة من الدرجة الثانية.

عندما دخلت مروة قاعة البرلمان الكبيرة لأداء قسم اليمين، حدثت فوضى، تصفيق ودعم من قبل حزب الفضيلة، وصراخ جماعي من قبل نواب حزب اليسار الديمقراطي ونواب الحركة القومية "اخرجي، اخرجي"

كان السؤال الذي تطرحه كل وسائل الإعلام: هل ستخلع مروة قاوقجي حجابها، وقد زادتها المضايقات إصرارا على الحجاب، وشعرت بسعادة التمسك بالحجاب أكثر من المقعد النيابي.

واقترح عليها مجلس الحزب أن تذهب إلى السيد "سبتي أوغلو" أكبر نواب البرلمان سناً لتقبيل يده، وسؤاله حول مشاركتها في مراسم اليمين، وإذا وافق تذهب، وإذا لم يوافق تعقد مؤتمرا صحفيا تعلن فيه قرارها عدم دخول البرلمان، ولكن مروة رفضت لأنه من حقها دخول البرلمان كبقية النواب.

واتخذ الحزب قراراً بأن تؤدي يمينها في نهاية المراسم حتى يهدأ الوضع، وأعلن الرئيس ديميريل أن مروة قاوقجي هي السبب في توتير الأوضاع في تركيا، واجتمع المجلس الرئاسي وقرر عدم السماح لمروة بدخول قاعة اللجنة العامة لأداء اليمين، في الوقت الذي كان يترقبها الملايين أمام شاشات التلفاز بفارغ الصبر وهي محجبة ليكون ذلك انتصارا لهم، وبداية لإنهاء معاناتهم بسبب الحجاب.

وفي اليوم التالي ألقت مروة خطابا أمام الصحافة بينت فيه الاستخفاف الذي جرى بإرادة الشعب وانتهاك الدستور والحقوق والحريات العامة، والمتمثل بمنعها من أداء اليمين بسبب الحجاب في بلد ثلاثة أرباع نسائه محجبات، وقررت عدم حضور الجلسات القادمة في البرلمان، وشكرت الشعب الذي ساندها منذ إعلان ترشيحها.

وبدأت الصحافة تنفذ حملات من التشويه والتطفل والتدخل في الخصوصيات الشخصية والعائلية لمروة وعائلتها، وتعرضت لملاحقات يومية وإزعاج متواصل، وكذلك جميع أفراد عائلتها.

ووصلت المضايقات إلى عائلة مروة وابنتيها الصغيرتين اللتين لا تتجاوز الكبرى منهما السنوات العشر، وتعرضتا لمعاملة وقحة من الصحفيين وأدعياء العلمانية، تكتب مروة عن ذلك بعد أربع سنوات من الأحداث، ولكنها تبدو غير قادرة على نسيان الأذى الذي لحق بابنتيها، ولا مسامحة أولئك الذين لم يرحموا براءتهما، والغريب أن الحزب لم يفعل شيئا لوقف هذه الإساءات ولا لحراستها وعائلتها!

واضطرت لتغيير مكان إقامتها والتخفي، وإخراج طفلتيها من المدرسة، وكانت تبقى تحت الرقابة الدائمة من الصحفيين والشرطة، وتراقب مكالماتها الهاتفية، بل ويجري نشر هذه المكالمات في الصحف.

وبدأت الحكومة تتحرك لإسقاط الجنسية التركية عن مروة تذرعا بأنها تحتمي بجنسية أجنبية (أميركية) برغم أن عددا كبيرا من النواب يتمتعون بالجنسية الأميركية، ويسمح القانون الأميركي والتركي أيضا بالجنسية المزدوجة، وقد سئل أجاويد فيما بعد في واشنطن باسم مئات الآلاف من الأتراك الذين يحملون الجنسية الأميركية، هل ستسقط الحكومة الجنسية التركية عنا، فقال: لا، لقد أسقطت الجنسية التركية عن مروة قاوقجي بسبب وضعها الخاص.

وقبل اسابيع ضم رئيس الوزراء الايطالي رمانو برودي صوته الى نظيره البريطاني توني بلير في الاعراب عن القلق بشأن ارتداء المسلمات للنقاب.

وفي الوقت الذي قال فيه بلير إن ارتداء النقاب يعد "علامة انفصال"، اوضح برودي انه يجب الا يستخدم للاختفاء خلفه.

وقال برودي ان على المسلمات المهاجرات ألا "يختبئن" تماما وراء حجاب كامل اذا كن يردن الاندماج في المجتمع وأن يصبحن جزءا من مستقبل ايطاليا .

وكان بلير قد قال ان النقاب يجعل البعض "من خارج الجالية (الاسلامية) يشعرون بعدم الارتياح".

كما دعم رئيس الوزراء البريطاني أيضا مجلس كيركليس الذي أوقف المساعدة المدرسية عائشة عزمي لرفضها نزع النقاب عن وجهها في مدرسة ابتدائية تابعة لكنيسة إنجلترا.

كما أغضب وزير شؤون العلاقات العرقية بالحكومة، فيل وولاس، بعض الجماعات الإسلامية بالدعوة لإقالة عزمي، البالغة 23 عاما.

و في هذا الشان ادلى بدلوه وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو  قبل أسبوعين حينما قال إنه طلب من النساء اللاتي يزرن مكتبه كشف وجوههن.

من جانبهم قال نواب بريطانيون وزعماء مسلمون إن الجدل الدائر حول ارتداء المسلمات للنقاب "صحي".

وقالوا إن النقاش الصريح يساعد في كسر الحواجز بين المسلمين والقطاعات الأخرى في المجتمع البريطاني.

وقال النواب والزعماء إن وزراء الحكومة على صواب أيضا في التعبير عن رأيهم بشأن المسلمين البريطانيين.

وقد جاءت تلك التصريحات بعد أن قال مجلس مسلمي بريطانيا إن التصريحات التي أدلى بها وزراء ومسؤولون "تظهر المسلمين بصورة شريرة".

غير أن أحلام أكرم المدافعة عن حقوق الإنسان قالت إن مجلس مسلمي بريطانيا "حساس أكثر من اللازم".

وأضافت "هذا الجدل جيد وصحي".

وتابعت "المسلمون يشعرون بالاغتراب بشدة في الوقت الحالي، ونحن قلقون عما يحدث في هذا البلد، ولكننا، والمنظمات مثل مجلس مسلمي بريطانيا، صرنا حساسين أكثر من اللازم".

يذكران  الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد كرم  القتلى المسلمين في معركة فيردان في الحرب العالمية الاولى بازالة الستار عن نصب تذكاري اقيم على شرفهم.

وهذا اول تكريم للمسلمين الذين سقطوا في المعركة خلال 300 يوم من الاشتباكات في المدينة الفرنسية الاستراتيجية وغيرها.

وجاءت الذكرى في فترة تطرح فيها عدة اسئلة حول واقع المسلمين في فرنسا، بعدما منع الحجاب على التلميذات المسلمات في المدارس في 2004 وشهدت 2005 مظاهرات عنيفة تعتبر ردة فعل غاضبة لابناء المهاجرين المغاربيين.

وعبر دليل بوبكر، رئيس المجلس الاسلامي الفرنسي، عن امله في ان يساعد هذا النصب التذكاري في تهدئة النفوس.

يؤكد الكثيرمن الباحثين في علم الاجتماع ان التزام معظم نساء المسلمين وغير المسلمين ايضا بارتداء الحجاب من انه ظاهرة تسعى الى التجذر عبرالانفتاح على خصائص الدين الاسلامي الحنيف وماانتجته التجربة الحياتية من ان الحجاب له مزياه الكثيرة في تدعيم المنحى الاخلاقي والاجتماعي للمراة وعلى مر الازمنة .                                                             

شبكة النبأ المعلوماتية--الاثنين 30/تشرين الاول  /2006 -7/شوال /1427