تركيا .. إلى أين؟

مصطفى مبروك

 للقضية التركية العديد من الطبقات أو القشور التى تفرض على الباحث المتمعن الاختراق بلطف وبحزم فى أعماق الدوائر المطاطية المتأرجحة صعودا وهبوطا وبالعكس.

فهناك القشرة السياسية التى تتأرجح بين الأهمية الجغرافية للموقع التركى ، وكون تركيا جسر للاتحاد الأوروبى نحو بقية دول القارة الأوروبية المتطرفة شرقا مثل جورجيا وأرمينيا من ناحية، وهى على ماهى عليه من اضطراب أمنى يتمثل فى المسألة الكردية والصراع السياسى مع اليونان حول جزيرة قبرص وتخلف ديمقراطى تعد المؤسسة العسكرية التركية مسئولة عنه بالأساس وذلك من ناحية أخرى.

ثم تأتى القشرة الاقتصادية التى يختلط فيها مطامع امتصاص العمالة التركية الرخيصة داخل أسواق الاتحاد الأوروبى بالعجز الاقتصادى الدائم والذى تعانى منه دوائر المال والاقتصاد داخل أوروبا ، هذا غير الخلل الديموغرافى الذى قد ينتج عن اتساع وكثافة التجمعات السكانية الإسلامية فى مختلف مناطق الاتحاد وبخاصة داخل ألمانيا وذلك فى حالة الموافقة على الانضمام.

أما القشرة الثالثة فهى القشرة الثقافية والتى تقوم لها الدنيا وتقعد منذ أكثر من خمس عشرة عاما ، وأفرد لها الكتاب والباحثون الصفحة تلو الأخرى منذ أن دشن هذا الاتجاه كل من المنظرين السياسيين صمويل هنتنجتون و فرانسيس فوكوياما. حيث اختلطت الامور مابين الإبقاء على أوروبا مسيحية أو مزجها مع الإسلام. فصارت المسألة شبه هزلية حين تجد كل فريق يحذر ويخشى على حضارته من الزج بها تجاه الحضارة الأخرى ، الإسلاميون يحذرون من ابتلاع أوروبا لتركيا ، والأوروبيون يخشون على أوروبا من الإسلام. وبين هذا وذاك فإنك لن تجد مؤسسة بحثية واحدة قامت بحسم الأمر لصالح هذا الرأى أو ذاك.

أيضا فإن هذا هو واقع الحال داخل المعسكرين الأوروبى والتركى ، حيث يمكن اعتبار سياسة اللاأدرية هى الحكم الفصل فى توجهات تركيا والاتحاد.

فى أوروبا تجد أن صانع القرار ـ وهو هنا البرلمان الأوروبى تحديدا ـ  يتحرك بين نقطتين زمنيتين يفصل بينهما عشرة أعوام ، بدءا من العام 2004 عام قبول الملف التركى ، والعام 2014 المتوقع فيه انضمام تركيا للاتحاد. عشر أعوام يتأرجح خلالها الملف التركى اقترابا وابتعادا، إذا أنت استيقظت ذات صباح على خبر اقتراب تركيا من الانضمام بسبب ما تقوم به من إصلاح سياسي فإنك ستمسى على قلق البرلمان الأوروبى بشأن سوء أحوال الأقلية الكردية داخل تركيا، وإذا قرأت أن أوروبا تمنح جائزة لرجب طيب أردوجان على جهوده نحو التقريب بين تركيا والاتحاد الأوروبى ، فستجد البرلمان الأوروبى يحث تركيا على الاعتراف بمذبحة الأرمن ، وهكذا.

الأمر نفسه موجود داخل المعسكر التركى بصورة أكثر وضوحا ، فهاهو البرلمان التركى يجيز قانون عدم اعتبار الزنا جريمة ، توددا وتقربا لصانع القرار الأوروبى الذى يملى شروطه الواحد تلو الآخر ، بالإضافة إلى تحسن أوضاع الأكراد فى ديار بكر واستانبول وغيرها من المناطق ذات الكثافة الكردية ، الأمر الذى أشاد به فيرهوغن المفوض الأوروبى المعنى بالملف التركى بنفسه، هذا غير التقزم الذى ارتضته تركيا على تفسها بالتخلى عن التدخل فى شئون العالم الإسلامى خشية إثارة مثلث الغضب الغربى: أمريكا ، أوروبا ، وإسرائيل.

غير أننا نجد فى الوقت نفسه أن تركيا لم تخط خطوة رئيسية بشأن القضايا الكبرى التى تدخل فى صميم المحادثات التركية الأوروبية وعلى رأسها القضية القبرصية والتى ترفع من حدة التوتر بين تركيا واليونان. كما أن تركيا فى نظر الكثير من الأوروبيين لم تتنازل قيد أنملة عن ولائها للإسلام ، حيث يمكن اعتبار العلمانية التركية مجرد ظاهرة ديماجوجية أمام غطرسة الغرب ، وأن مافى القلب لا يزال فى القلب ، فالإسلام التركى من نفس نوع السجاد التركى الشهير ، تطؤه بقدميك أمام الناس لكنك تسهر عليه طوال الليل تصونه وتلمعه.

هذه هى بعض القشور أو الطبقات الرئيسية التى تغلف حقيقة العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبى ، فالذى يحكم قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى فى الأساس هو مدى الجدية الذى يتحدث بها الأوروبيون والأتراك حول هذا الشأن. إذ انه حتى هذه اللحظة لا يمكن اعتبار أى من الطرفين جادا بالدرجة الكافية للبت فى أمر هذا الملف البالغ التعقيد.

 

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 18/تشرين الاول  /2006 -24/رمضان /1427