الإمام علي والنصارى: وحدة العدل وسعة الأفق... لبناء المجتمعات الإنسانية

جاسم فيصل الزبيدي

 *- كيف تعامل الإمام علي (عليه السلام) مع معارضية والطوائف الأخرى..؟؟

*- كيف كان الإمام ينظر إلى خصومه في سوح الحرب؟؟

هل لابد من ضرورة إلى ديباجة أو مدخل؟؟

إذا كانت فلتكن إلى عليّ…ولتكن ركعتان …واحدة:ـ لليد التي امتدت لترعى ذلك الرجل النصراني الكبير بعد ان أنهكنهُ الأيام وسلبته أجمل لحظات الشباب ورونقها ليٌسجل في ديوان بيت المال ويمنح مايسد به رمق العيش..فما دام علي وأبناء علي في الوجود فالعدل والقسط موجود

والثانية:ـ لابتسامة الاحتجاج التي ارتسمت على شفتيّ علي المطعمتين بالصلاة وقداسة الزهد وجوهر التقوى …ابتسامة ارهقتها أماني العراقيين وشغب العرب وعناد المسلمين.

علي بن ابي طالب(عليه السلام)…رجل لم يعرفهُ العرب والمسلمين سوى مولدهِ..وكيف يعاشر السيف،ويعقد مابين حقل ورمح…رجل كان بريئاً من شهوة السلطة الاان يقيم حقاً او يدفع باطلاً..رجل كانت الظروف اكبر من امانيه..كان حريصاً على عدم سفك الدماء..كان ملجماً بالورع والتقوى..ولذلك انتصر خصمهُ في حلبة السياسة التي لاتعرف الرحمة وتعتبر ان الغاية تبرر الوسيلة.

علي بن ابي طالب(عليه السلام)…رجلٌ جمع الكون بكُلْيماتٍ..لإنهُ موقن بان عظمة الله تعالى في معرفتهِ…رجلٌ لم يحاسب أي إنسان بسبب تفكيرهِ أو عقيدتهِ…رجلٌ كان يبكي على أعداءهِ وهو يراهم صرعى مجندلين على الرمضاء وهو يقول:ـ انهم مسلمون؟

رجلٌ تستلم زمام الحكم (وكانت دولتهِ تشمل أكثر من خمسين دولة بجغرافية اليوم، ثلثي الكرة الأرضية كانا تحت سلطته..حيث لم تكن هناك منظمات حقوق الإنسان حتى يتخوف الحاكم من هجوم كاسح لمنظمات حقوق الإنسان عليه. لم تكن توجد دولة أخرى تخيف وتنافس ويلجأ إليها المعارضون لو ضغط عليهم، في هذا الجو وبتلك المقدرة والقوة أصدر الإمام مجموعة من القرارات في خلال فترة زمنية معينة

وبعد أن أصدر أمير المؤمنين (ع) هذه القرارات وبينما كان جالساً في المسجد وإذا به يسمع ضوضاء خارج المسجد، فسأل ما الخبر فقيل له: إن هنالك جمعاً خارجون في يتظاهرون ضد الإمام علي بن أبي طالب (ع). يحتجّون ويعترضون على منعك صلاة التراويح ما الموقف الآن؟

حاكم مطلق، ثلثا الكرة الأرضية تحت سلطته، في أوج قوته ولا توجد منظمات حقوق الإنسان أو أبواق إعلامية أو أي شيء من هذا القبيل هل يعتقل؟ هل يضرب؟ هل يفرق المظاهرة بالقوة؟ الإمام أجاب بكل بساطة: حسناً فليفعلوا ما يحلو لهم.

إذا كان الواجب أن أنهاهم عن المنكر - إلى هذا الحد - من الواجب على الإنسان أن ينهى عن المنكر لكن ما وراء ذلك؟ هل يعجبهم؟ فليفعلوا ما يريدون.

إذاً هذه القيمة من القيم، محرم من المحرمات من جهة ومن جهة ثانية أصالة الحرية الموجودة في الإسلام وقانون الأهم والمهم وملاحظة سائر تبعات القضية، إن الإمام (ع) فسح لهم المجال. إنه كواجب شرعي يجب إبلاغهم بأن ذلك ممنوع ومحرم، لكن لو رفضوا الامثال فلا سجن ولا تعذيب لا تفريق للمظاهرة لا ملاحقة لا قطع للعطاء من بيت المال، بل العكس اتركهم على حريتهم.النماذج على ذلك ليست بقليلة في حياة الرسول الأعظم (ص) وفي حياة أمير المؤمنين (ع).

نموذج آخر: الأشعث بن قيس هذا الرجل الذي ساهم في التخطيط لاغتيال الإمام علي (ع) وبنته جعدة هي التي سمّت الإمام الحسن (ع) وابنه محمد هو الذي شارك في قتل الإمام الحسين (ع) فأية عائلة هذه؟

الأشعث بن قيس - بنى في داره مأذنة، والإمام علي (ع) كان شخصياً يرتقي مأذنة مسجد الكوفة ويؤذن، وهذا مستحب - لأن الأذان هو رمز ارتباط الخلق بالخالق، فالأفضل أن يكون القمة في الكمالات البشرية والروحانية هو ذلك الذي يحمل هذه الرسالة - نحن نتصور أن المؤذن ذو مرتبة دانية، ولكن الأمر بالعكس، فالأمير شخصياً كان يؤذن والأشعث بن قيس بنى في بيته مأذنة وكان يرتقي هذه المأذنة بمجرد أن يعتلي الأمير المأذنة ويبدأ بالهجوم اللاذع والسباب البذيء لأمير المؤمنين، فكيف كان تعامل أمير المؤمنين وهو الحاكم لبلاد المسلمين؟ حيث كان الأشعث يقول في إحدى عباراته: أيها الرجل إنك لكاذب فاجر، وفي مواطن أخرى كان يقول له: إنك لكاذب كافر وهذه تعد أسوأ مسبة في عرف المسلمين خاصة بالنسبة لحاكم المسلمين الأعلى.

والمأذنة في ذلك الوقت بمنزلة الإعلام المسموع في هذا اليوم. وهي تعني الأداة التي توصل صوتك إلى أكبر عدد ممكن من الناس، فكيف تعامل معه أمير المؤمنين (ع)؟ هنا نجد شيئين قيمة الحرية وقيمة ثانية، لا للتعدي.. إذ لا يحق لك أن تجرح شعور الآخرين، مع قطع النظر عن كونه حاكماً بل عن كونه أمير المؤمنين، أنت حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين. بالنتيجة فكما أن لهذا حق، فذلك له الحق أيضاً، وأنا لا يحق لي أن أهاجم كل واحد أو أسب كل واحد، هذه قيمة من القيم لكن كيف تعامل الأمير مع هذا الأمر؟

رجح جانب الحرية على هذا الجانب، الأصحاب يضغطون عليه إذ أنهم لا يتحملون ذلك إنه حاكمهم المحبوب أميرهم وإمامهم، وذلك عبّر عنه الرسول (ص): (يا علي إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وغيرها من العبارات المختلفة. قيل له هذا يسب جهاراً وفي وضح النهار ولأيام طويلة، فضغطوا على الأمير لكي يعتقله فرفض الأمير، ضغطوا لكي يمنعه رفض، ضغطوا لكي يهدم مأذنته رفض الإمام وقال: أو ليس قد بناها في داره؟

إذن الحرية قيمة من القيم، الأكثرية قيمة من القيم، العدل والإحسان قيمة من القيم، المحرمات والواجبات كلها قيم مختلفة، هذه القيم ينبغي أن تلاحظ بشكل مجموعي ثم نفرز المحصلة النهائية.

قد تكون القضية في بعض المواطن لصالح الأكثرية أو لصالح الحرية كالأمثلة التي ذكرتها لكم عندما يحدث التعارض حسب قانون الأهم والمهم. وقد يكون أحياناً الأمر لصالح ذلك الجانب الآخر مثل قيمة العدل كنموذج).

عليّ بن ابي طالب(عليه السلام)…رجلٌ مر على خرِبة فقيل لهُ:ـ هذه كنيسة؟..قال:ـ بلى هي كنيسة فقيل لهُ:ـ لكم أُشركَ بالله هاهنا؟فانبرى بأفقه الواسع قائلاً:ـ ولكم عُبدَ الله هاهنا…انتم تنظرون من منظاركم انتم،لا بمنظار اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل لاجل هذه النظرة تعشقت النصارى بِحُبِ عليّ وابناءُ عليّ وتغزلت بهم وصدحت حناجرُ شعراؤها هاتفة:ـ

يقولون:ـما بال النصارى تُحِبُّهم

                       واهل النُهى مِن أعرُبٍ وأعاجمِ

فقلت لهم:ـ إني لأحسبُ حبهمُ

                      سرى في قلوب الخلق حتى البهائمِ

 

بقراط بن أشوط(الوامق الارميني)

بقراط بن أشوط،الوامق الارميني،النصراني،كبير بطارقة أرمينية في القرن الثالث الهجري،كان عالما بفنون الحرب وشؤونها،وقائداً فذاً في ميادينها،عاش في زمن طاغية بني العباس(المتوكل)الذي منفك يطارد شيعة ومحبيّ أهل البيت(عليهم السلام) يُسمل عيونهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويلصبهم على جذوع النخل،حتى وصل بهِ الأمر إلى هدم قبر الإمام الحسين(عليه السلام)ويضيق الخناق على الإمام علي الهادي(عليه السلام)في أمور يفصلها أصحاب السير والمقاتل فليراجع من احب الاطلاع والزيادة تعشق بقراط بن أشوط بسيرة مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)وانشد فيه الأشعار ضاع منها الكثير سوى ما نقلهُ شيخنا(عبد الحسين الأميني النجفي)في موسوعتهِ الرائعة(الغدير) يصف ابن شهرآشوب بقراط بن أشوط في كتابه(معالم العلماء)بأنهُ:ـ(من مقتصدي المادحين لأهل البيت)واعتقد كما يعتقد الكثيرين من الباحثين ان أحداث أرمينية والاضطرابات التي حصلت كانت نتيجة اعتقال بقراط بن أشوط سنة 237هـ وتسيرهِ مع ولده نعمة إلى المتوكل العباسي كما يذكر ابن الأثير في كامله واليعقوبي في تاريخه يقول بقراط بن أشوط في قصيدته:ـ

أليس بخُمًّ قد أقام محمَّد عليّاً

                        بإحضار الملا في المواسمِ

فقال لهم:ـمن كنتُ مولاهُ منكُم

                       فمولاكُمُ بعدي عليّ بنُ فاطمِ

قال:ـإلهي كنْ وليّ وليّهِ وعادِ

                       أعاديه على رغـــــــــم راغمِ

 

زينبا بن أسحق الرسعني الموصلي النصراني

بعض المؤرخين يذكر أسمهُ كذا(زبيتا)و(زينبا)وزينب بنت اسحاق..يذكرهُ شيخنا المرحوم(عبد الحسين الاميني النجفي)(طيب الله ثراه الطاهر)في غديره:ـ(ذكر له البيهقي في المحاسن والمساوئ،والزمخشري في ربيع الابرار،وابو حيّان في تفسيره البحر المحيط،وابو العباس القسطلاني في المواهب اللدنية،وأبو عبد الله الزرقاني المالكي في شرح المواهب،والمقري المالكي في نفح الطيب،والشيخ محمد الصبّان في أسعاف الراغبين(ص117) نقلاُ عن إمامهم أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي قولهُ:ـ

عديٌّ وتيمٌ لا أحاول ذِكرَها

                          بسوءٍ ولكنّي مُحِبٌّ لهاشمِ

وما تعتريني في عليٌّ ورهطِهِ

                       إذا ذكروا في الله لومة لائمِ

يقولون:ـما بال النصارى تُحِبُّهم

                       واهل النُهى مِن أعرُبٍ وأعاجمِ

فقلت لهم:ـ إني لأحسبُ حبهمُ

                      سرى في قلوب الخلق حتى البهائمِ

 

أبي يعقوب النصراني

ومن النصارى أيضاً أبي يعقوب النصراني الذي يذكره الشيخ عماد الدين الطبري في الجزء الثاني من كتابه(بشارة المصطفى)ويذكر مقطع من قصيدته نقتطف منها هذا البيت:ـ

إني بحبهم أرجو النجاة غدا

                        والفوزَ معْ زمرةٍ من احسنِ الزُمَرِ

 

عبد المسيح الإنطاكي المصري

وهو من متأخري النصارى الذين مدحوا الإمام عليّ(عليه السلام)فقد نظم قصيدته العصماء التي بلغت حسبما ذكرهُ شيخنا المرحوم عبد الحسين الاميني النجفي(طيب الله ثراه(5595) نذكر منها قولهُ:

كذا النصارى بحبّ المرتضى شُغِفَت

                              ألبابُها وشَدت فيهِ أغانيها

فلست تسمع منها غير مدحته الــ

                              ـغرّاءِ ماذَكَرتهُ في نواديها

فارجع لقُسّانها بين الكنائس مع

                        رُهبانِها وهي في الاديار تأويِها

إلى آخر القصيدة الجميلة الرائعة واخيرا وليس آخر فقد تحركت قريحة الأستاذ(بولس سلامة)لينظم حبهُ للإمام علي(عليه السلام) شعرا وملحمة اسماها(عيد الغدير)وهي مؤلفة من(3085)بيتاً.ولولا التطول لذكرنا المزيد من شعراء النصارى الذين مدحوا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وتغزلوا بمولانا الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 14/تشرين الاول  /2006 -20/رمضان /1427