بلوتو .. لم يعد أكثر من جُرمٍ سماوي

علي المرهون

  بلوتو .. لم يعد أكثر من جُرمٍ سماوي حاز سابقاً لقباً لم يستحقه والآن جُرِّدَ منه، هذه ببساطة حكاية المؤتمر العالمي الذي رفعت فيه أكثريةٌ من العلماء يدها لتطرد الجُرمَ السماوي من المجموعة الشمسية التي ننتمي لها، ولأن تحديد أهلية الأجرام السماوية في الإنتماء لهذه المجموعة من عدمها تُعد من صلاحيات الإتحاد الدولي لعلم الفضاء، فإن أحداً في هذه الدنيا لن يعترض على القرار الجريء، لا محبي بلوتو، ولا كارهي نبتون ولا الأطفال الذين انتقص معلموا مادة العلوم منهم بعض الدرجات حين قالوا أن الكواكب في مجموعتنا 8 في حين أنها كانت تسعة واتضح الآن أنها في الحقيقة 8 كما زعم الأطفال.

خبر سحب الجنسية هذا نشرته قناة العربية في موقعها الإلكتروني بحكم أهميته وما يعنيه في مجال علم الفضاء ودراسة هذا الكون الذي ننتمي له، لم تكن لتنتظر تعليقاً من عالم فلك عربي أو جمعية ذات صلة بالشأن تنتمي لعالمنا العربي هذا ولم تكن حتى تنتظر أن ترفض دولةٌ عربية منح هذا الطريد حق اللجوء السياسي، لكن ربما شاغبتك الأماني لتطلب أن ترى تعليقاً على الخبر مفاده .. وماذا بعد؟ عرفنا أن بلوتو ليس أخاً للأرض التي نقطنها، وليس ممن تنطبق عليه مقالة " رب أخٍ لك .. " لكن ما معنى كل هذا وما تأثيره علينا ؟ وهل سيؤدي إلى تراجعٍ في مؤشر سوق الأسهم السعودي شديد الحساسية والتأثر بالاحداث الكونية؟

كل التعليقات، أو على الأقل جُلُّها كانت ساخرة من المصير المأساوي لهذا الجُرم الصغير وما آل إليه حاله بعد طرده من مجموعة الأقوياء الشمسية، وفي أحد أكثر التعليقات عمقاً وتطلعاً لسبر أغوار هذا الكون الواسع سأل أحدهم " نفسي أعرف كيف يتم اكتشاف الكواكب .. أيش يجلس عالم الفضاء بالليل والناس نايمين ماسك المنظار يدور في الفضاء ولا كيف يعني ؟ " ناسياً أن تلك المناظير تعمل في النهار كما الليل !!

تعليقٌ آخر كُنتَ لَتَحسبُهُ صادراً عن جامعة الدول العربية لو اقتنعت يوماً أن تلك الجامعة تولي الجالية العربية القاطنة في بلوتو نصيباً من اهتمامها مفادهُ "انا اشجب واستنكر هذا القرار السافر الذي لايراعي حرمة الكواكب " في حين أنه صادرٌ عن "عربي أصيل" أبت نخوته العربية ونخوته التي منحها إياه انتماءه لهذه المجموعة الشمسية – وهي بالمناسبة غير تلك النخوة العربية – أبت أن يتسبب هذا الطرد بـ " فضيحتنا بين المجموعات الشمسية اللي حوالينا والمجرات".

أما أكثر تلك التعليقات رومانسية وحزناً على حال بلوتو فكان لأحدهم حين قارن بين طيبة بلوتو الذي لم يفكر يوماً في حجب أشعة الشمس عنا وعدوانية أمريكا وإسرائيل التي ما فتأت تقتل أطفالنا وشيوخنا مطالباً علماء الشرق الأوسط باجتماع مماثل للإجتماع العالمي للرد على القرار بقرار مماثل يطرد الكيان القزم خاتماً تعليقه بمرثية قال فيها " سأرثي حالنا وحالك اليوم يا بلوتو..وستبقى في القلب وعلى عنوانين قصائدنا ..الى اللقاء أيها الكوكب الجليدي الجميل... حتى وأن قاموا بحذفك من مجموعتنا الشمسيه.. فلن نحذفك من مجموعتنا القلبيه..." في حين رأى آخر أن القرار صائب جداً لأن " مانبغي كواكب بزران في مجموعتنا .... خل يروح يلعب بعيد ..... وبعدين اللي مب عاجبه أنا أدري أن هذا الكوكب عميل لإسرائيل , ومدسوس من قبل المخابرات الزيمبابوية"

أما التعليق الذي كان لينال استحسان الفئة الناجية وجناحها الإلكتروني المتمثل بموقع الساحة العربية لما يحمل من عمق فلسفي ومضامين دينية  فكان" لقد لفت الموضوع انتباهي, واردت ان اذكر بسورة يوسف, اذ قال يوسف لابيه يا ابت اني ارى احد عشر كوكبا والشمس والقمر لي ساجدين, العلماء يعتقدون انه لا توجد كواكب اخرى, لكن ديننا يؤكد لنا انه سيتم الوصول الى ثلاثة عشر كوكبا, وارى في محاولة نزع بلوتو التشكيك في صحة ديننا وقراننا والله تعالى اعلم. " وكذلك تعليق آخر جزم بالحقيقة التي مفادها " هيك الغرب الكفار فالحين في التقدم و بيصدرو الموت و الخراب للعرب" متذرعاً بالخوف من "راح يبكي و السما راح اتمطر دموع" بعد أن " اتعود على اصحابه الكواكب " و كان قد توج تعليقه بعلامة الجودة في الساحات " لا حرام" .

أما الذين اعتراهم القلق بخصوص المناهج العربية وما سيصيبها بعد هذا القرار وإن كانت ستتعرض للتنقيح والمراجعة مرة أخرى  فكانت تعليقاتهم تصب في خانة " مابظن انو حفظ اسم الكوكب كان مهمة كتير صعبة على الطالب كلو اسم ولفظو سهل وبعدين هلأ بعد ماعلمونا ياه وحفظناه"

جمعية الفلك بالقطيف وفي أول إصدارات سلسلتها المطبوعة الهادفه – حسب مقدمة الكتاب- إلى نشر المعارف الفلكية بين أفراد الأمة أختارت – وبعناية- كتاباً للسيد عبدالأمير المؤمن الباحث والمتخصص في علم الفلك عنوانه " الكون .. نظرة تراثية ومعاصرة" واضعةً اللبنة الأولى لنشر علوم الفلك وما يتبعها من نظريات وحقائق تهم الإنسان المنتمي لهذا الكون بالدرجة الأولى والمسلم المتعاطي مع علم الفلك وحقائقه في شؤون دينه ودنياه .

الكتاب بما يحمل من أبجديات علم الفلك وحقائق عامة عن هذا الكون الذي نحتل حيزاً منه يلبي حاجة " المتخصص وغير المتخصص"، "حيث يجد فيه الباحث أن تلك الأفكار والمعارف المتناثره حول الكون وتطور النظرة له عبر العصور قد تم ربطها بطريقة مرتبة ومتناسقة "، " إن القارىء يجد في الكتاب ما يجيب عن الكثير من تساؤلاته حول مختلف الأفكار والمصطلحات الفلكية المتداولة حول الكون وأهم مايتحصله القارىء هو النظرة المتكاملة لهذا الكون الواسع والمتناهي في الكبر والذي نقبع نحن بني البشر في جزء متناه في الصغر منه".

وحتى تفرز إسهامات الجمعية والساعين لتطوير ثقافة تتعاطى مع علم الفلك "الفضاء" من منطلق إنتماء للآية القرآنية " سنُريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهُم أنه الحق" يبقى الحال كما وصّفه أحد المعلقين على خبر العربية حين قال " اه والله حسرة علينا الناس دي عاملين جمعية ومؤتمر علشان يقولو لأ بلوتو حجمه صغير وحجمه كذا وكذا واحنا اساسا هنا مش عارفين بلوتو دا كوكب ولا نجم ولا قمر ولا مسحوق غسيل".

 

*طالب إدارة مالية – جامعة الملك فهد -

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت   2/اب /2006 -8/شعبان/1427