الخوف من الخطر الدنيوي

منتصر محمد

ربما لا نجانب الصواب اذا قلنا ان رحلة حياة الانسان الطويلة قد تتخللها أخطاء فادحة تقوده من خسارة الى اخرى أكثر ضررا وأذى عليه شخصيا وعلى من يرتبط معه بعلاقة اجتماعية او غيرها، وطالما ان الخطأ الفردي غير محدد في خانة الفرد او الانسان الخاطئ لوحده لأنه لا ينعزل في مكان محدد بل يعيش في محيط انساني اوسع، فإن الخطأ سيتعمم على غيره بدرجات متفاوتة، وفي الحصيلة النهائية ستكون خسارة الفرد هي خسارة المجتمع برمته وذلك عندما تتجمع الاخطاء الفردية لعناصر ومكونات المجتمع لتشكل في آخر الأمر خسارة جمعية تصيب الكل ولكن بدرجات متفاوتة.

ومن ينظر الى العراق ارضا وشعبا وتأريخا سوف يصاب بالذهول عندما يقارن بين العناصر المذكورة وامتيازاتها وبين الوضع الحياتي المؤسف الذي يعيشه هذا الشعب دونا عن بقية الشعوب الاسلامية والعربية وغيرها، ولعل من بداهة الاستنتاجات ان نرصد التناقض الحاد بين وفرة ثروات العراق وبين الفقر المدقع الذي يأكل أبناءه والجهل الذي يتلبسهم والامراض التي تفتك بهم والأحزان التي تكتنف حياتهم، وسوف نتفق على ان الاخطاء الفردية التي تراكمت بمرور الوقت وشكلت قاعدة أخطاء جماعية هي التي تقف وراء هذا التناقض المقيت بين غنى البلد ووفرة ثرواته من جهة وفقر ابنائه من جهة ثانية.

ولنأت الآن الى الاسباب الرئيسة التي تجعل الانسان يتردى ويضعف حتى يقع في مهاوي الخطأ الفادح، ولعل ابرز هذه الاسباب هو (الخوف من خطر دنيوي) كما يقول الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله، وفعلا دللت الدراسات العلمية والتجارب العملية في حياة الانسان والشعوب عامة على ان الخوف هو الداء الأكثر فتكا ببني الانسان، حيث يسهم الى حد كبير في صنع الدكتاتوريات الصغيرة والكبيرة ايضا، فثمة دكتاتورية الأب ضمن نطاق البيت الشرقي لتأتي الدكتاتورية الاشمل وهي التي تخص القائد السياسي الذي يقف على قمة الهرم السلطوي للبلد، ولذلك سيكون الخوف دافعا للكذب تحاشيا للعقاب وايضا دافعا للتملق أملا بالتخلص من العقاب والحصول على امتيازات مادية او معنوية، وفي كلا الحالتين فإن الخاسر ليس الفرد الخائف لوحده بل المجتمع برمته سيكون عرضة لخطأ الكذب والتملق (كما حدث إبّان النظام السابق الذي ارعب الشعب كله) الامر الذي قاد الى ترسيخ النهج الدكتاتوري وبالتالي الوصول الى أحادية التفكير والعمل في آن واحد وبما يخدم الحاكم او نظامه السياسي، وصولا الى الخسائر الفادحة التي عانى منها الشعب بأكمله، وكل ذلك سببه الخوف من خطر دنيوي يتمثل في الاعدام او الحبس الدائم او التهجير والتشريد والتعذيب وما شابه ذلك من الاساليب التي تمنطق بها الدكتاتور ليحافظ على عرشه بمساعدة (الخوف) الذي زرعه في نفوس ابناء الشعب كبارا وصغارا.

وهناك سبب آخر يقود الانسان الى الخطأ الفادح ايضا يتمثل بضعف النفس البشرية امام الملذات والمتع الدنيوية الزائلة، وكما هو معروف لنا فان النفس البشرية (أمارة بالسوء) إنْ لم يردعها رادع، وهي أي النفس تدفع حاملها الى البحث عن المتع واللّذات والجاه والمال والقوة متناسية ان هناك يوم قادم (لا ينفع مال ولا بنون) فيه، ولذلك نجد ان هذه النفوس المجردة من الايمان الحقيقي سوف تبحث عن المال وتستقتل من اجل الحصول عليه حتى لو كان سحتا حراما، وما أصعب أن يسرق الأخ أخاه كما يحدث الآن في العراق حيث الفساد الاداري الذي استشرى بين الغالبية والتهم المال العام الذي هو حق جمكيع افراد الشعب، فنرى تكالب كل من يستطيع النهب والاختلاس من اموال الفقراء، وعجبا كيف يقبل مسلم بل أي انسان كان ان يترك أخاه الانسان (بالدين او نظير له بالخلق) جائعا متضورا بعد ان يسرق امواله بطرق ووسائل لا تليق بالمسلمين مطلقا.

والآن نقول هل هناك خطأ أفدح من ان تسرق اموال الشعب، وهل هناك خطأ افدح من مساندة مسؤول متجبر لايرعوي ولا يتنبّه لحاجة الرعية، ان العراقيين يمرون اليوم بمخاض عسير وعليهم ان يتركوا الخوف جانبا ويقولوا بصوت عال لهذا المسؤول او ذاك مهما عظم مركزه او صغر انك اخطأت وعليك ان تصحح مسارك او غادر مكانك فورا الى من هو افضل منك، كما اننا جميعا يفترض ان نتحلى بأخلاق الاسلام الحق ونبتعد عن تفضيل المصلحة الذاتية على العامة ونستغل الفرصة الجديدة التي خلفها زوال النظام السابق لنبني عراقا جديدا مرفها قائما على العدالة والحق المساواة في كل شيء . 

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 10/اب /2006 -15/رجب/1427