من أسرار الفاعلية الدائمة .. بين مرحلة الشباب و وروح الشباب

محمود الموسوي

  يتحدّث علماء الإجتماع عن مراحل الإنسان التي يمر بها في حياته من ناحية النمو منذ الولادة وحتى آخر مرحلة ينتهي إليها، وهي الشيخوخة، وكل هذه المراحل تعبّر عن حركة في النمو للحالة الجسمية والصحية، والحالة العقلية والإداركية و النفسية، وتختلف طبيعتها من مرحلة إلى أخرى.

ومرحلة الشباب التي تكون في منتصف العمر تعرف بالحيوية والنشاط والفاعلية والتطلّع وحب الخير والعمل، فهي بذلك مرحلة مهمّة جدّاً، يؤسس عليها الإنسان طبيعة حياته المستقبلية، لذلك يوصى بأن تكون هذه المرحلة مليئة بالانجازات و السعي الجاد للتحصيل العلمي والتأسيس لمختلف الإهتمامات الحياتية، لكي يحصد الإنسان ثمارها وهو في حالة الضعف، وربما الخمول و ضمور التوقّد العقلي والنفسي الذي يصاب به في المراحلة المتأخّرة من حياته.

إلا أننا أمام حقائق مهمّة بخصوص هذه المرحلة العمرية، وهي أن بإمكان الإنسان أن يكون في حالة شباب دائم .. هذا ما نسظهره من التصور القرآني الذي ينبئونا أن هنالك فرقاً بين : (مرحلة الشباب) و (روح الشباب).

القرآن الكريم يتحدّث عن مراحل الإنسان التي يمر بها، ويقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج : 5]. وفي آية أخرى يعبّر عن مرحلة الشباب بـ (القوّة)، حيث يقول عز وجل : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) [الروم : 54].

أي أن مرحلة الشباب هي المرحلة التي يتمتع الإنسان فيها بالقوّة والصلابة، وبالتالي فإن ما يلازم هذه القوّة أشياء كثيرة، هي أيضاً من خصائص مرحلة الشباب وهي الإندفاع للخير والإبداع وحب التميّز والطموح وما شابه ذلك .. وفي العادة فإنه عندما تذهب تلك القوّة التي هي من صفاة الجسد بالدرجة الأولى، تذهب معها بقية الصفاة الأخرى، فتكون شيخوخة الإنسان عبارة عن (ضعف) في كل الإتجاهات.

إلا أن ما يعوّض تلك المعادلة الحياتية ويقوّم مسارها، هو معرفة (روح الشباب) وهي تلك (القوّة) التي تكون في القلب، و تحافظ على مميزات مرحلة الشباب وما يرافقها من خصائص مهمّة لكي يقوم الإنسان بما عليه من واجبات على أكمل وجه، ولكي يحتفظ بإندفاعة التطلع والإنجاز، حتى و لو كان من الناحية العمرية في مرحلة الكهولة أو الشيخوخة، فلا يحبسه ضعف الجسد عن قوّة الإنطاق ..

ولنأخذ مثالاً قرآنياً في هذا المجال، قال الله تعالى عن أصحاب الكهف : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف : 13]، لقد وصفهم الله بأنهم فتية لأنهم امتلكوا (روح الشباب) برغم أنهم كانوا كباراً في السن ..

في الكافي عن الصادق (ع) : ( أنه قال لرجل : ما الفتى عندكم ؟ فقال له : الشاب . فقال (ع) : لا .. الفتى المؤمن، إن أصحاب الكهف كانوا شيوخاً فسمّاهم الله فتية بإيمانهم). (الصافي للكاشاني ج3).

فالإيمان بالله تعالى والتمسّك بتعاليمه بقوّة الشباب، من شأنه أن يعطي الإنسان اندفاعاً مستديماً للعمل الجاد في سبيل الصلاح والإصلاح و الإنجاز، وهكذا فإن القرآن الكريم يدعونا إلى التمسّك بما أعطانا الله تعالى من تعاليم حياتية، ليس بالقوّة الجسدية وحسب، بل بالقوة القلبية التي هي روح الشباب والفتوّة الحقيقية التي تستمر مع الإنسان بل و يزيدها الله تعالى بفضله، لذلك قال تعالى عن أهل الكهف (وزدناهم هدى) فهذه الروح في حالة تنامي مستمر.

يقول تعالى : (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأعراف) : 171].

فعن الصادق (ع) أنه سئل عن هذه الآية : أقوّة في الأبدان أم قوّة في القلوب ؟ قال (ع) : فيهما جميعاً.

فمن أجل شباب دائم لابد من القوّة الإيمانية وما يصاحبها من الهمّة العالية والتوفيق المتنامي، فبذلك يمكن للإنسان أن يكون في فاعلية مستمرة حتى نهاية حياته.

www.mosawy.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 8/تموز /2006 -13/رجب/1427