البعد الديني في السياسية العربية

سعد البغدادي

يتميز الخطاب السياسي العربي أنه خطاب يتعامل مع السياسة وكأنها حقل أو فضاء يجوز فيه قول كل شيء، بحيث يتداخل السياسي مع الديني مع القانوني مع الاقتصادي مع الأخلاقي مع التاريخي، دون ربط كل ذلك بتحليل الواقع الاجتماعي.

فالمتحدث في السياسة غالباً ما يكون هدفه إما إظهار قدرته الخطابية ( اسماعيل هنية نموذجا) واستغلال هذه القوة ليصبح نجماً سياسياً، أو يكون هدفه تمرير رسالة أيديولوجية محددة خدمة لمصلحة قبلية أو طائفية أو حزبية أو سياسية ضيقة بغض النظر عن واقعية هذه الرسالة وخدمتها للجماهير (وزير الخارجية السعودي نموذجا) أو للقضايا القومية والدينية التي يُفترض أن الخطاب السياسي ورجل السياسة وجدا من أجلها وليس العكس.

الازمة العراقية واللبنانية كشفت بجلاء هذا التوجه الديني فمنذ سقوط صدام ارتفعت وتيرة التاثيرات الدينية في المنطقة العربية  ونتج عنها ارتفاع وتيرة العنف في العراق حتى وصلت الى مرحلة متطورة جدا بتفجير مرقد الاماميين العسكريين عليهما السلام وزيادة درجات  العنف المتبادل في العراق, والسبب هو عدم التمييز بين السياسي والديني.

 فالبلدان العربية نظرت الى سقوط النظام البعثي الحاكم في العراق على انه سقوط ديني مذهبي( سني) لصالح(شيعة) العراق  وبالتالي فان المستفيد الاكبر  وهذا ايضا دينيا هي ايران  هذه هي الر ؤية الدينية لما جرى في العراق وبناء عليه اتخذت الدول العربية موقفها الحاد من اي تطور سياسي في العراق واخذت تنظر اليه باعتبار انه جزء من ايران.

 واتخذت هذه التصريحات  اكثر حدة منذ تصريحات الملك الاردني عبد الله الثاني الذي وصف ماحدث في العراق انه امتداد لهلال شيعي.

ثم تدخل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ليمزج الديني بالسياسي ويصرح حول الدور الايراني في العراق ( بغض النظر عن هذا الدور) لكنه انطلق من واقع ديني

كل ذلك جعل الخطاب السياسي العربي من أكثر الخطابات السياسية في العالم أدلجة وشعاراتية وأوهاماً وأساطير، خطاب تعبوي تحريضي، هو خليط من المفاهيم والمصطلحات غير المؤصلة أو المحددة، سواء تعلق الأمر بخطاب الثقافة والهوية أو بخطاب الشرعية الدولية الخطاب الذي ملأ فضاء التنظير السياسي العربي لخمسة عقود وكانت نتيجته  مزيد من الاستبداد والديكتاتورية التي تحكمت في بلادنا  منذ التحرر من الاستعمار وتكوين الدولة العربية الحديثة.

 ماحصل في لبنان  والتاييد العربي  للهجمة الاسرائلية (  واعني النظام الرسمي العربي) هو نتيجة هذا الخلط في البعد الديني والسياسي فما معنى ان تصدر فتوى من اكبر دولة عربية لها تاثير في السياسية اعربية تجيز قتل اللبنانيين.

 وما معنى ان يقول وزير خارجية الدولة السعودية ان حزب الله يتحمل لوحده المسؤولية ؟

وما معنى الموقف السلبي لجميع الدول العربية  اتجاه المجازر الوحشية التي تحدث في العراق ولبنان.

ويتخذ هذا البعد الديني في مراحل لاحقة بعدا طائفيا وهذه نتيجة طبيعية لاختلاف المنهج الحاكم. وتؤسس على هذه النظرة الطائفية  كل برامجنا السياسية. ويشكل البعد الديني ثم الطائفي تحالفات تحدد مسيرتنا السياسية من الازدواجية والتناقض الذي لف السياسية العربية. فلطالما اشتكى السياسيون العراقيون من الامبالاة وعدم الاكتراث العربي ازاء الهجمات الارهابية التي يتعرض لها الابرياء. ولم يدرك هولاء السياسيون ان البعد الطائفي هو العامل المحرك في السياسية العربية اتجاه العراق

وأخيرا يمكن القول أن البعد الديني سيبقى عنصر صراع مع المتغيرات السياسية العربية حتى وإن حسمت أوجه الصراع الأخرى من سياسية واقتصادية وقانونية، فما دام النظام العربي يؤسس وجوده على عقيدة متعصبة، وما دام يستحضر بقوة كل الرموز والأساطير الطائفية التي لا تعترف بأصحاب المذاهب الأخرى  كأصحاب حق في العيش، وفي ظل التحالف المتين بين الجماعات الدينية المتطرفة والنخبة السياسية الحاكمة،  فان الامور سوف تسوء اكثر وسوف نرى المزيد من الانكسارات العربية والهزائم  لا على مواقع الانترنيت التي تكفر حزب الله وتنعته بحزب (الات)  وتكفر الشرطة العراقية وتصفهم بالمرتدين لانهم شيعة بل سنجد هذه الروح الطائفية  تتربع على سدة الحكم وحينذاك ستكون الكارثة الاكثر ايلاما بالنسبة للعرب.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 7/تموز /2006 -12/رجب/1427