عن حقوق الانسان في العراق

نزار حيدر

   لقد بات الحديث عن حقوق الانسان في العراق، يشبه الى حد بعيد، النكتة التي يضحك منها اليتيم المفجوع للتو بفقد أحد أبويه، أو رسم الكاريكاتور الذي يعبر عن واقع مرير.

   السؤال هو؛

   لماذا وصلت الحالة الى ما هي عليه اليوم حالة حقوق الانسان في العراق؟ ومن المسؤول؟ ولماذا تفاقم الأمر الى هذا الحد؟.

   في البدء يجب أن نتذكر بأن حقوق الانسان ليست شعارا يرفع أو لافتات تعلق في الشوارع أو جمل انشائية مصفوفة في بيانات حكومية أو حزبية للاستهلاك المحلي والانتخابي، بل انها حقائق لا بد أن يلمسها المواطن في كل لحظة من حياته، في أكله وشربه وملبسه ورفاهيته وأمنه وتعليمه وصحته وماله، وفي حله وترحاله.

   انها منظومة القيم التي تحقق للانسان كرامته، والى هذا المعنى تشير الآية الكريمة في كتاب الله العزيز{ولقد كرمنا بني آدم} ما يعني أن الكرامة التي يجب أن تتحقق للانسان من خلال صيانة حقوقه، يجب أن لا تنظر الى دينه واثنيته وانتمائه الفكري والسياسي، بل يجب أن يكون المبدأ والمعاد الى آدميته فقط، كون الناس، كل الناس، عباد الله الذي خلقهم من نفس واحدة.

   لذلك، فان التمييز بين المواطنين على أساس الدين، هو انتهاك صارخ لحقوق الانسان، كما أن التمييز بين العباد على أساس القومية أو المذهب أو اللون أو المنطقة أو الهوية السياسية والفكرية، ان كل ذلك هو انتهاك صارخ لحقوق الانسان، بغض النظر عمن ينتهكها، معمما كان أم أفنديا، مدنيا كان أم عسكريا، حزبيا كان أم مستقلا، سلطة كانت أم معارضة، متدينا كان أم متهتكا، فالحقوق التي يجب أن تصان، حزمة واحدة لا يجوز تجزأتها، فنبرر انتهاك بعضها وندافع عن البقية، كما أن الدفاع عنها يجب أن يشمل حقوق الجميع، فلا يجوز أن ندافع عن فئة اذا ما انتهكت حقوقها، ونغض الطرف عن الفئة الاخرى اذا ما تعرضت لنفس الانتهاك، لأسباب طائفية مثلا أو عنصرية أو دينية أو ما الى ذلك، وقديما قالت الحكمة (صن حقوق الآخرين من الانتهاك، لتضمن صيانة حقوقك، واصرخ بصوتك عاليا دفاعا عن حقوق الآخرين، لتسمع صراخ الآخرين دفاعا عن حقوقك اذا ما تعرضت للانتهاك) أما أن تسكت اذا تعرض جارك للظلم، وتتلفع بصمت أهل القبور اذا ما انتهكت حقوقه من قبل أي كان، وتقيم الدنيا ولا تقعدها اذا ما خدش حق من حقوقك على يد كائن من يكون، فان ذلك التمييز بعينه، الذي لا يصون حقوقا ولا يساعد على ردع ظلم أبدا.

   ان صيانة حقوق الانسان لا يمكن أن تتحقق الا في جو سالم ملؤه احترام الانسان وحقوقه، ولذلك، فاما أن تصان حقوق الجميع أو لا يصان حقا أبدا.

   لقد فشلت كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في بغداد منذ سقوط الصنم ولحد الآن، بما فيها الحكومة الحالية، في اقناع أو الضغط على الادارة الأميركية لتسلمها الملف الأمني في البلاد كأبرز مصاديق السيادة، ولذلك ظلت القوات متعددة الجنسية ترتكب من الفضائع ما يندى لها جبين الانسانية، وما يفضح حقيقة المشروع الأميركي في العراق الذي تقول ادارة الرئيس بوش انها ذهبت الى هناك لمساعدة العراقيين على بناء النظام الديمقراطي، فعلى يد هذه القوات، لا زالت حقوق الانسان تنتهك بشكل فضيع، تتمثل تارة بالمداهمات العشوائية لبيوت الآمنين، وتارة أخرى بالاعتقالات العشوائية لأعداد غفيرة من العراقيين وبطرق وأساليب وحشية لا تراعى فيها أبسط قواعد حقوق الانسان، لتعقبها حملة اطلاق سراح عشوائي من دون الرجوع الى القضاء والقانون، وتارة أخرى تتمثل بمشاركتها في عمليات القتل والذبح وتفجير السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة واطلاق القذائف عن بعد، ان بغض النظر عن مجموعات العنف والارهاب، أو بتساهلها مع حليفاتها من الأنظمة العربية الطائفية التي تدعم الارهابيين لتدمير العملية السياسية، كالسعودية ومصر والأردن واخواتهن، أو من خلال دعمها وتأييدها  لما يسمى بقوات حماية المنشآت التي ارتكبت من الجرائم البشعة الشئ الكثير، أو من خلال التساهل مع المجموعات المسلحة التي حاورتهم الادارة الأميركية عبر سفيرها في بغداد، الطائفي زاد.

   ان فشل الحكومات العراقية في تحقيق نقل حقيقي وواقعي للملف الأمني في اطار جدول زمني قصيرالمدى وواضح من القوات متعددة الجنسيات الى قوات الأمن العراقية، تسبب في انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان الى درجة التدمير، ولقد بات واضحا، اثر قرار واشنطن الأخير القاضي باعادة انتشار القوات الأميركية في بغداد، انها تريد اعادة احتلال العاصمة بعد أن ندمت على تسليم بعض مناطقها الى القوات العراقية، وان كان ذلك قد تم بشكل صوري وغير حقيقي.

   لقد وصل استخفاف الأميركيين بالحكومة العراقية ومؤسساتها الأمنية الى درجة أنهم باتوا يعرقلون خطط القوات العراقية في ملاحقة الارهابيين، وهذا ما كشف عنه مؤخرا السيد عبد العزيزالحكيم، رئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد، في معرض كلمته التي القاها في مدينة النجف الاشرف في الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد شقيقه آية الله السيد محمد باقر الحكيم، على يد الارهابيين التكفيريين.

   كما أن ابلاغ الأميركيين الحكومة العراقية بعدم وجود أية موازنة اضافية للصرف على مشاريع تأهيل وتدريب وتسليح القوات العراقية بما يمكنها من استلام الملفات الأمنية في مناطق العراق المختلفة، دليل على خطتهم المبيتة القاضية باعادة احتلال بغداد، تمهيدا لاعادة احتلال بقية مناطق العراق، بعد أن شعروا بأن البلد يسير في غير الاتجاه المرسوم له، الى جانب تحسبهم لوقوع تطورات غير محسوبة في ظل الأزمة التي تعيشها المنطقة بسبب العدوان الاسرائيلي على لبنان، والمتحالف مع الرجعية العربية والطائفية التكفيرية الوهابية والمجتمع الدولي.

   اذن، فان كل القادة والزعماء السياسيين العراقيين الذين تصدوا للمشهد السياسي بعد سقوط الصنم، يتحملون المسؤولية الأكبر في كل هذا التدهور في حقوق الانسان، لأنهم لم يتصرفوا بمسؤولية عالية تجبر أو تقنع الأميركيين على تسليمهم الملف الأمني في البلد، ما سبب مواصلة انتهاك حقوق الانسان على يد هذه القوات بشكل فضيع ومستمر.

   كما أن فشل مؤسسات الدولة في فرض هيبتها، شجع الأميركيين على الاستخفاف بها، كما شجع الارهابيين على التعامل مع الواقع، وكأنه ليس في البلاد حكومة، فضلا عن أن ذلك جعل العراقيين يشعرون وكأن البلد في حالة انفلات حكومي وفراغ في السلطة.

   كما أن مجموعات القتل والارهاب تتحمل مسؤولية كبيرة في تدهور حالة حقوق الانسان بسبب هذا القتل العشوائي والتدمير المنظم للبنى التحتية، وكذلك بسبب القتل المستمر لعناصر القوات العراقية، الأمر الذي سبب في فشلها في النهوض بمسؤولياتها في حفظ أمن البلاد والعباد.

   لقد انتهك قادة العراق الجديد حقوق الانسان العراقي، انتهاكا جماعيا، عندما اتفقوا على تجاوز نتائج الانتخابات العامة التي عمادها (صوت واحد لمواطن واحد) ليستبدلوها بدلا عن ذلك بنظام المحاصصة، فمن الذي خولهم ذلك؟ ومن الذي أجاز لهم أن يذبحوا نتائج الانتخابات على مذبح أنانياتهم ومصالحهم الخاصة، وبسكين الارهابيين والقتلة من الذين بذلوا كل جهدهم من أجل فرض أجنداتهم السياسية بصور الذبح والقتل والأشلاء المتطايرة والرؤوس المقطوعة؟.

   أما تجار الدين، الذين نصبوا أنفسهم ولاة أمر قيمون على العباد بغير حق، من أنصاف الفقهاء والمعممين الجهلة والمتدينين المتحجرين، الذين يفسرون الدين على هواهم، فيحللون ويحرمون كيف ومتى يشاؤون، أولئك الذين تبوأوا مقاعد الفتيا واصدار الأحكام بغير جدارة، هؤلاء كذلك، مارسوا أبشع أنواع الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان، فتارة يقتلون العراقي على الانتماء الديني، وأخرى على الانتماء المذهبي وثالثة بسبب عدم التزامه بتعاليم الدين، وهكذا، فطاردوا المرأة العراقية وأجبروها على ارتداء الزي الديني، وطاردوا الشباب لأنهم يلبسون أزياء الغرب، على حد زعمهم، وهاجموا محلات الصاغة وبيع الأشرطة والأزياء والملابس، وفجروا صالونات الحلاقة وذبحوا أصحابها تحت مسميات شتى يجمعها الحقد والجهل والاستعلاء وحب السطوة والسيطرة والتحكم بنفوس وأرواح وأموال وعقول الناس، من دون أن يجدوا رادعا من سلطة أو قانون.

   كما أنهم حرموا العراق من الاستفادة من طاقاته الخلاقة، فهذا لا يصلح أن يكون وزيرا لأنه يتختم بالذهب، وذاك لا يحق له أن يتبوأ المنصب الفلاني لأنه لا يصلي، وثالث محرم عليه أن يكون مسؤولا في الدولة، لأنه من أتباع المرجع الفلاني، ورابع لأنه ليس من العائلة الحاكمة أو المالكة، لا فرق، وخامس لأنه ليس من الحزب الفلاني، وسادس لأنه كان قوميا في يوم من الأيام أو يساريا في غابر الزمان، وهكذا دواليك، وكأن العراق للتيار الديني فقط أو حكرا على ثلة من الناس، أو كأن العراق ملك لهم ورثوه عن آبائهم في حرب أو غزوة، أو كأن هولاء ليسوا مواطنين ليحق لهم أن يشاركونهم المسؤوليات، أو كأن البلدان تبنى وتدار بهذه العقليات السخيفة التي يرفضها الدين والعقل والمنطق والمعنى الحقيقي للمواطنة، فما الفرق اذن بينهم وبين الطاغية الذليل صدام حسين؟ سوى الزي ومسقط الرأس وربما العمر؟.

   انها قمة الانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها حقوق الانسان في العراق، فعندما يكون المعيار في التصدي هو الالتزام الديني أو الاتجاه الفكري أاو الزي أو ما الى ذلك ، ولم تكن معايير المفاضلة مستندة الى الخبرة والتجربة والحرص والانجاز والنجاح، فعلى العراق السلام، وعلى العراقيين نقرأ الفاتحة.

   كما فشلت الحكومات المتعاقبة في تأمين أبسط أسباب الحياة الحرة الكريمة، مثل الماء الصالح للشرب والكهرباء والوقود، ما جعل المواطن العراقي المسكين يقضي جل وقته في البحث عنها بلا طائل، ويواصل ليله بنهاره عند محطات البنزين عله يحصل على بضع لتيرات منه ليعود الى عمله متوكلا على الحي الرزاق بحثا عن لقمة العيش ليسد بها رمق عياله المساكين مثله.

   أما فرص العمل والتعليم والصحة، وهي من أولى المقومات التي يصون بها المرء حقوقه، فقد غابت جملة وتفصيلا، حتى أن نسبة الرسوب في المدارس، وبالتالي نسبة التسيب الى الشارع ارتفعت الى أكثر من ثمانين بالمئة، كما أن نسبة البطالة، والتي تعني فقدان المواطن لفرص العمل الكريم، ارتفعت الى أكثر من ستين في المئة، بالاضافة الى أن نسبة أكثر من سبعين في المئة من الشعب العراقي يعيشون تحت خط الفقر، والذي يعني ذلك أنهم يفتقرون الى وسيلة العيش الكريم، ناهيك عن التدهور المرعب في الخدمات الصحية، والتي تعني افتقار المواطن لفرصة الحياة لأبسط الأسباب، وأتفه الأمراض.

   لقد باتت حسرة على المواطن أن يعيش بأمان في بلاده ، فتضاعفت أعداد الهجرة والتهجير من العراق وبين مناطقه، اما لأسباب طائفية أو اقتصادية أو أمنية، ما يعني أن حق الانسان في الاقامة في المنطقة التي يحب من بلاده، باتت في خبر كان، اذ لم يعد المواطن العراقي هو الذي يختار المكان الذي يحب السكنى فيه، وانما عليه أن يستسلم للقدر الذي سيختار له مكانا ما ليسكن فيه رغما عن أنفه، وان كان هذا المكان قبرا مجهولا أو في قاع النهر أو بين نخيل البساتين مقطوع الرأس أو في خرابة من خربات هذه المدينة أو تلك أو تحت الخيام مشرد، فأين الجكومة، يا ترى، لتعيد حق السكن والاقامة الى المواطن العراقي؟.

   كذلك فان الفساد المالي والاداري الذي استشرى كالارضة في كل مفاصل الدولة العراقية، يعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان العراقي، لأنه يسلب فرصة التنمية والمشاركة الحقيقية من المواطن، كما أنه يعد سرقة لأموال عامة تعود للعراقيين، ائتمن عليها المسؤول، كما هو الحال مثلا مع أموال النفط التي تسرق بالملياردات شهريا، من دون أن يسأل عنها أحد، وهي أموال العراقيين التي كان من اللازم أن تصرف على تحسين فرص الحياة والمعاش والصحة والتمنية والتكنلوجيا والتعليم والقضاء على الفقر والأمية والجهل.

   ان أعظم انتهاك تتعرض له حقوق الانسان، عندما لا يجد المواطن فرصته للمشاركة في الحياة العامة، أو لتبؤ الموقع والوظيفة والمسؤولية التي يرى نفسه أهلا لها، وذلك بسبب التمييز بكل أشكاله، وهذا ما يعيشه العراقيون اليوم بسبب المحاصصة والتوافقات الطائفية والحزبية والأثنية.

   اما المواطنون العراقيون في بلاد المهجر، فهم الآخرون تتعرض حقوقهم لانتهاكات خطيرة، تتمثل في اصرار قوانين وزارة الخارجية العراقية المبلغة الى سفارات العراق، على تطبيق نفس قوانين نظام الطاغية الذليل في تمشية معاملاتهم، فلا زالت مواطنية العراقيين تقسم الى عدة درجات، فهذا الف وذاك باء، هذا عثماني وذاك تبعة، وهكذا دواليك، وقديما قال العراقيون المثل المشهور{نفس الطاس يا عباس} اذ لا زال على المواطن العراقي أن يبرز شهادة الجنسية العراقية بنسختها الأصلية، فالاستنساخ غير مقبول، قبل أن يحصل على جواز سفر بلاده، حتى اذا كان قد أصدر جوازه العراقي قبل عام مثلا من نفس السفارة العراقية، ما يعني انها تحتفظ بالوثائق التي طلبتها منه في المرة الأولى، الا أن ذلك لا يشفع له، اذ عليه أن يبرز كل الوثائق المطلوبة وبنسخها الأصلية كل عام، هذا بالرغم من أن زعماء العراق الجدد وقادته، والذين عاشوا ظروف المواطن العراقي في المهجر لسنين طويلة، يعرفون جيدا أن من بين العراقيين في الخارج من ترك بلاده قرابة ربع قرن لأسباب سياسية، بعد أن كانت الأجهزة القمعية التابعة للنظام البائد قد استولت على كل وثيقة تثبت مواطنيته، وان سجلات النفوس تم تدميرها وحرقها أكثر من مرة خلال الربع قرن الأخير، فمن أين بامكان هذا المواطن أن يحضر النسخ الأصلية من الوثائق المطلوبة؟ ثم، ألا ينص الدستور العراقي الجديد على أن العراقي هو كل من يولد من أب عراقي أو أم عراقية؟ ما يعني أنه الغى شهادة الجنسية العراقية، والتي كان قد الغاها من قبل قرار مجلس الحكم الانتقالي؟ فلماذا، اذن، هذا الاصرار على الخطأ.

   كم مرة ناشد العراقيون في عدد من بلاد المهجر، الحكومة العراقية، لاعادة النظر في قوانين الخارجية، وكذلك في تعييناتها في عدد من السفارات؟ الا أنهم للآن لم يلحظوا أي اهتمام من قبل الحكومة بهذه المناشدات، وكأنهم ينادون ميتا، على قول الشاعر{أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي}.

   والأدهى والأمر من كل ذلك، هو أن على العراقي الذي يريد السفر الى بلاده بجواز سفر غير عراقي، أن يدفع رسوم تأشيرة السفر، على الرغم من أن الجواز الأجنبي يشير الى أنه عراقي المولد، علما بأن الدستور العراقي الجديد أجاز للعراقي أن يحتفظ بجنسيتين.

   ان كل ذلك تعد انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في العراق، على القادة والزعماء، وخاصة ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب، أن يفكروا بجدية ويعملوا بحرص على اعادة الأمور الى نصابها، والا فللعراقيين حديث آخر معهم.

   حتى الرياضة باتت مهددة بالانقراض في ظل فشل الحكومة العراقية في تأمين حياة الرياضيين، فاثر كل عملية قتل أو اختطاف تطال لاعب أو فريق رياضي أو بطل من أبطال العراق، لم نسمع من المسؤولين سوى الكلام المعسول والتسويف القاتل، الذي لم يعقبه عادة أي رد فعل حقيقي بحجم الكارثة.

   وان المضحك المبكي في كل القصة، هو أن الوزارة التي يطلق عليها في الحكومة العراقية اسم (وزارة حقوق الانسان) لم تنبس ببنت شفة، وكأنها لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم، أو أنها مسؤولة عن حقوق الانسان في جزر الواقواق، ، أو كأنها ميت الأحياء، كما يقولون، مع أنها تنفق من الأموال العامة الملايين من الدولارات سنويا.

   ترى، أوليس من الأجدر بها أن تحترم نفسها، فتبادر الى حل نفسها، فعلى ذقن من تضحك هذه الوزارة؟.

   ان ما يدمي القلب ويبكي العين بدل الدموع دما، هو أنه الى جانب هذه الصور المحزنة، هناك ثلة من السياسيين المتخمين بكل وسائل الراحة والعيش الرغيد، ما يرسم صورة المصداق لقول الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام{ما رأيت نعمة موفورة الا وبجانبها حق مضيع} فلماذا كل هذا التفاوت بينكم وبين المواطن ياقادة العراق وزعمائه؟ وهل ستلومون العراقيين اذا ركلوكم بأقدامهم ورموكم الى حيث تستحقون؟.

   كم كنت أتمنى أن يتمثل الزعماء بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي دونه في كتاب له الى عثمان بن حنيف الانصاري، عامله على البصرة، وقد بلغه أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها، فمضى اليها؛

{أَمَّا بَعْدُ، يَابْنَ حُنَيْف، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَة، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الاَْلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلى طَعَامِ قَوْم، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ.

فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ.

   أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُوم إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ.

أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْه، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ.

أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة وَسَدَاد فَوَاللهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً.

بَلَى! كَانَتْ في أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ.

وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَغَيْرِ فَدَك، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَد جَدَثٌ، تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا، وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا، وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا، لاََضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ، وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ، وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الاَْكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ.

وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ، وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الاَْطْعِمَةِ  وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْيَمَامَةِ مَنْ لاَطَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ  أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة * وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ!

وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِب، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الاَْقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ.

أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالْرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً، وَأَبْطَأُ خُمُوداً، وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ.

وَاللهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا، وسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الاَْرضَ مِنْ هذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ.

إِلَيْكَ عَنِّي يَا دُنْيَا، فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ، وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ.

أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بَمَدَاعِبِكَ؟! أَيْنَ الاُْمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ؟! هَاهُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ.

وَاللهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً، وَقَالَباً حِسِّيّاً، لاََقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللهِ فِي عِبَاد غَرَرْتِهِمْ بِالاَْمَانِي، وَأُمَم أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي، وَمُلُوك أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ، إِذْ لاَ وِرْدَ وَلاَ صَدَرَ!

هَيْهَاتَ! مَنْ وَطِىءَ دَحْضَكِ زَلِقَ، وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ، وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لاَيُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ، وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْم حَانَ انْسِلاَخُهُ.

اعْزُبِي عَنِّي! فَوَاللهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، وَلاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي.

وَايْمُ اللهِ  يَمِيناً أسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّوَجَلّ  لاََرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهشُّ مَعَها إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً، وَلاََدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاء، نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا.

أَتَمْتَلِىءُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ؟ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ!

طُوبَى لِنَفْس أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِي مَعْشَر أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ (أُولئِكَ حِزْبُ الله، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

فَاتَّقِ اللهَ يَابْنَ حُنَيْف، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ، لِيَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ}.

   لماذا كل ذلك؟ أمن أجل هذا صبر العراقيون عقودا طويلة، ضحوا خلالها بالغالي والنفيس؟ ألأجل أن يتربع زيد أو عمرو على سدة الحكم فقط؟ سالت كل هذه الدماء وتحطم البلد؟  أم من أجل أن يعيشوا حياة حرة كريمة؟.

   ترى، أهذه هي ملامح الديمقراطية التي بشرتم بها العراقيين؟ وهل تستحق كل هذه الدماء والدمار، اذا كانت هي بالفعل هذا ما بشرتمونا به؟.

[email protected]  

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 6/تموز /2006 -11/رجب/1427