فرصة العراقيين التأريخية

منتصر محمد

من المثير للجدل والدهشة أن تجد بلدا يغصّ بالثروات المتنوعة (المعدنية، الزراعية، المائية، والثروة الحيوانية وغيرها) وفي ذات الوقت يعاني أهله الأمرين من الفقر والجهل والمرض وما شابه ذلك، وهذا البلد هو العراق الذي تنام في بطونه ثروات هائلة أُهدر بعضها ومازال الاهدار لهذه الثروات متواصلا حتى هذه اللحظة، والسبب كما هو متفق عليه هو سوء الادارة السياسية والاقتصادية وغيرهما.

وقد منّ الباري عز وجل على العراقيين بعد طول عذاب وتعذيب وعسف وظلم قاهر من قبل سلطات النظام الدكتاتوري البائد، منّ عليهم بالقضاء على ذلك النظام الشمولي الظالم وهذا يعد بحد ذاته نقلة جوهرية في التأريخ السياسي للعراق، حيث تثبت العقود بل القرون المتعاقبة ان هذا الشعب لم يذق طعم الحرية ولم يتمتع بثرواته وخيراته الكثيرة منذ زمن بعيد، والآن وقد ولّت الدكتاتورية (كما يفترض ذلك) وجاءت فرصة العراقيين التأريخية وصارت واقعا لا يقبل الشك فكيف يتعاملون معها كشعب ذاق الامرين مثلما ذكرنا قبل قليل؟.

ان المسألة الجوهرية الاولى التي يجب ان ينتبه لها العراقيون هي انهم ما لم يحسنوا استغلال فرصتهم هذه فأنهم سوف يعودون القهقرى الى ما كانوا عليه وسوف تعود الدكتاتورية للتحكم بهم وبحياتهم من جديد، والمسألة الثانية، هي وجوب الانتباه الى الجهات التي تعادي هذا الشعب في أسس سعادته وتطوره المتوقع في ظل حكومة وطنية منتخبة على وفق النظام الحر المتفق عليه من قبل مراجع ووجهاء القوم وطليعتهم والمأخوذ من مبادئ ديننا الحنيف وقيمه الانسانية الخلاّقة.

ولعل اول هذه الجهات المعادية، هي تلك التي تعمل على تفريق شرائح الشعب العراقي اكثر مما توحده، وفي هذا الصدد يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله :

( كل صوت يدعو الى التفرقة فهو مرفوض عند المسلمين ذلك لان الوحدة فوق كل شيء، كما الانسان الملزم بالوحدة العامة كذلك ملزم بالوحدة الخاصة، من هنا، كان اللازم ان نتمسك بالوحدة الخاصة: أي ان يطبق كل واحد منا الوحدة على اسرته).*

هكذا اذن مطلوب ان نتوحد كشعب عريق يقطن أرضا غنية مترامية الاطراف، وتبدأ هذه الوحدة من الاسرة اولا صعودا الى التشكيلات الاجتماعية الأعلى وصولا الى المجتمع برمته.

والامر الآخر الذي يجب ان يتنبّه له العراقيون هو دور الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة في زيادة وتثبيت لحمة المجتمع مما يقود الى اشاعة روح المحبة والتسامح بين افراد وجماعات المجتمع، ولذلك فان أي صراعات جانبية مجانية سوف لا تؤدي إلاّ  للمزيد من الصراعات وبالتالي للمزيد من التفرقة لتصب بعد ذلك في الاهداف التي يريدها الاعداء الذين يغذون بذور الفتنة والتفرقة بين ابناء الشعب الواحد، (والكلمة الطيبة صدقة) كما يقول رسولنا الاكرم ويحضرنا هنا مثل شعبي معروف في هذا الصدد يقول (ان الكلمة الحلوة تطلع الحيّه من الزاغور) ويقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في هذا الباب:

(عندما يفتح المجتمع صدره واسعا للموعظة الحسنة، والكلمة الطيبة، لتنمو فيه بذور الاخلاص وتتكاثر، فسوف يجد نفسه تلقائيا وقد خطا خطواته الاولى نحو السعادة والتطور.)**

ونحن نعتقد ان فرصة العراقيين بزوال نظام الطاغية اصبحت مواتية تماما اذا ما تصرفوا معها بالطريقة التي تليق بها وبهم حيث الابتعاد عن الاستئثار وحب الذات ونزعة الاستحواذ وحب المصلحة الخاصة وتفضيلها على مصلحة الشعب عموما مع انتهاج اساليب التسامح والمحبة والتعاطف المتبادل واشاعة قبول الرأي الآخر والتحاور معه وصولا الى ما يرتضيه الرحمن الرحيم على وفق ما جاء به كتابه الكريم وما ورد في آياته البينات.

وهكذا سنتفق على ان فرصة العراقيين اصبحت مواتية جدا اذا احسنوا التعامل معها ونتفق ايضا على ان الجهة التي تحاول ان تشيع التفرقة بين شرائح الشعب ومكوناته هي جهة معادية للشعب عموما على ان لا ننسى جميعا بأن طريق السعادة والتطور لا يأتيان إلاّ عن طريق الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة كما ورد هذا سابقا في اقوال السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله.

وان تكاتف ابناء الشعب بجميع اطيافه هو الرد الامثل على رهان الاعداء حول زرع بذور التفرقة بين الناس، الامر الذي يتطلب زيادة في الوعي لدى عامة الناس وهذه هي مهمة الواعين المتنورين من طليعة الشعب من رجال دين ومثقفين وسياسين وغيرهم، فالهدف قبل كل شيء هو صيانة وحدة البلد وتحريم سفك دم ابنائه تحت أي ذريعة كانت، وقيادته نحو مرافئ الحرية والسلام والامن والرفاه الدائم والتمتع بخيراته الوفيرة والكثيرة بعد ان ضيعها عليه سلوك النظام الدكتاتوري الطائش في حروبه المجانية وسياساته الرعناء العشوائية التي أثقلت كاهل فقراء الشعب وأضافت لأغنياء الحروب وتجارها الكثير الكثير من السحت الحرام.

ومع اننا نجد الكثير من الاخطاء قد رافقت زوال النظام السابق، ونجد غيابا للسلوك المسؤول من قبل الساسة الذين قادوا المجتمع العراقي خلال السنوات الثلاث الماضية، والسبب كما هو معروف تفضيل الذات على الجمع والمصلحة الخاصة على العامة، مع ذلك نقول لا يزال الباب مفتوحا امام العراقيين الخيرين منهم والتنويريين خصوصا على السير بالمجتمع العراقي الى طريق العلو والتطور والازدهار، والتعامل بطريقة صحيحة ومخلصة مع افضل فرصة للعراقيين يحصلون عليها على مدى التأريخ.

 

هامش:

·        كتاب/لكي لا تتنازعوا/ للامام السيد محمد الحسيني الشيرازي/ ص 24 

·       كتاب/ حلة في آفاق الحياة/للامام السيد محمد الحسيني الشيرازى/ ص109

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس  27/تموز /2006 -1  /رجب/1427