من أنطق هذا  الجبان!

صدام يعطي دروسا ساذجة لسوريا في الاستراتيجيا

ادريس هاني

   توسط محامي الاجرام  المدعو خليل الدليمي في نقل تصريح ينضح وقاحة وتفاهة وعنصرية للرئيس العراقي المخلوع، يحذر فيه هذا الأخير سوريا من خطر التحالف مع إيران وغدر الفرس.

تصريح ليس فقط أنه غارق في الكراهية والعنصرية وحامل لآثار حظه العاثر، بل إنه يحمل مستوى  الثقافة السياسية لحليفه الزرقاوي قبل أن يلقي  هذا الأخير حتفه وعلى لسانه الطويل جهلا، تصريح غبي مفاده أن حزب الله عميل لإسرائيل. يعزز الرئيس المخلوع وكله حقد، هذه الحقيقة الزرقاوية، مضيفا إليها حكما آخر مفاده أن هناك تحالفا بين أمريكا وإسرائيل وإيران. وبأن إسرائيل ستمنع أمريكا من ضرب إيران.

تحليل لا يقل  تفاهة عن كل الهذيان الصدامي المستغبي لمخاطبيه، حيث يتوقع منهم غباء الأولين والآخرين. وبذلك يؤكد المحامي وباقي طاقم الدفاع مرة أخرى بوقاحة، بأنهم لم يأتوا قط بدافع الحمية للدافاع عن صدام وأعوانه، بل جاءوا ليجلبوا لانفسهم الأضواء وليستعرضوا عضلات عصابة من المحامين الفاشلين أساؤوا لشرف المحاماة والمساهمة في طمس الحقيقة التي لم يعد يتسع لها مكر التاريخ العراقي الحديث.

ويبدو أن المحامي المذكور الباحث عن الأضواء في ظلام الوجع العراقي وفوق بحر من الدماء العراقية، عبر عن وقاحته وعن فشله، وهو يقف مع جلاد دموي كالبهلوان، ليس ضد جهة ما فحسب، بل ضد الشعب كله. لم يعد دور المحامي الألعبان يتمثل في التنكر لكل الضحايا ومحاولة التشكيك حتى في المقابر الجماعية داخل المحكمة العراقية التي حولها صدام وأعوانه إلى مدرسة للمشاغبين، بل هو اليوم يحاول انتزاع أدوار سياسية إقليمية ودولية. يحاول كالأحمق مواجهة حركة التاريخ بغباء. إنه يحلم بصدام في واجهة الأحداث مجددا. وياله من أمل بعيد، ويا له من أمل غبي! لكن دعنا من المحامي ووقاحته التي تكتسب استمراريتها من سعة صدر القضاء العراقي، ومن حماية الاحتلال الأمريكي، لنقرأ ما بين السطور. لقد حاول صدام عبر محاميه أن يستغل تطورات الأحداث في المنطقة، كي يبلغ خطابا تعيسا وليكون حاضرا في المشهد من داخل الحجز. يريد من جهة ان يشبع عطشا أزليا لم يمت داخل صدام الحالم بالسلطة حتى لو اقتضى الأمر إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لا يريد ان يكون غائبا عن الأحداث ولو بالتهريج. لكن بأي معنى وماذا تبقى لصدام المخلوع من مصداقية لكي يعطي دروسا في الاستراتيجيا  لسوريا حول من يكون حليفها. فصدام ليس الرجل المناسب ولا هو في الموقع المناسب لكي يقدم هذه الدروس لأي بلد عربي آخر وتحديدا سوريا، التي تآمر عليها أكثر من إسرائيل، وأعاق مشروع الوحدة بين الحزبين بعد أن قام وصفى كوادر البعث الحقيقيين ليستبدلهم بمجرمين عاثوا بشعارات البعث فسادا في أرض العراق. لقد تآمر صدام على سوريا وحاول مرات عديدة استهداف قياداتها. صدام الذي كان من اكثر العرب تحريضا على خروج سوريا من لبنان، ودعم الحكومة العسكرية المتمثلة حينئذ في العميد ميشل عون قبل أن تفشل محاولته الانقلابية ويصبح خارج لبنان. لكن عون اليوم هو أشرف من صدام، وأكثر وطنية من صدام.

 لا يزال صدام يحمل كراهية لإيران اكثر من صهيون والولايات المتحدة، حيث أمسك به جنودها كالجرذ التعيس في حفرة الذل. يتحدث صدام من داخل السجن حديثا يرضي أمريكا  وإسرائيل ـ انظروا بطلكم القومي يا تعساءـ طمعا في أن يطلق  سراحه ليعود فيلعب الدور الذي لعبه كعميل قذر في المنطقة وليدخل مرة أخرى شعبين شقيقين في حرب عبثية. ويجهل صدام وهو يحلم بعودة التاريخ إلى الوراء، حيث لا يمكن هذه المرة ان تحلم معه الولايات المتحدة، بأنه بلغ بعقله السياسي إلى الباب المسدود، وكان لا بد أن يسقط، حيث فضل بخبثه السياسي أن يسقطه الاحتلال قبل أن يسقطه الشعب، بعد أن بدأ الطوق يضيق على الجلاد، وغدا سقوطه حتمية عراقية لا محالة، بل وحتى يلوث شرف إسقاطه بيد الشعب العراقي؛ إنه لا يريد أن يعطي للشعب شرف الانتصار على الطاغية! فالشعب العراقي حتى اليوم صامت يراقب العملية السياسية وينتظر اللحظة التي لا يمكنه فيها إلا ان ينهض بمقاومته الحقيقة ضد الاحتلال الأمريكي، حينما يصل إلى الباب المسدود. هل حقا أمريكا هي من أسقط صدام؟  إنه ما كان لها ان تسقطه لو لا ان الشعب عزله شعوريا.

 إذن الشعب هو الذي اسقط صدام وليس أمريكا. ولذلك أدركت ان العملية السياسية فرضت عليها استحقاقات، فباتت تناور من اجل زعزعة الاستقرار والتآمر مع الإرهابيين لإفشال حكومة التوافق والمصالحة الوطنية. تدرك أمريكا بأن هناك جدولة ـ ضمنية لخروج المحتل الأمريكي ومعه إرهابه الدخيل ـ غير معلنة مقروءة بياناتها في الوجدان العراقي، ومكتوبة في صمته، حيث ليس في إمكان أمريكا ان تعبث بإرادة الشعب العراقي، حتى لو ساندت الإرهاب وتآمرت على العملية السياسية كما يبدو في هذه الأيام. لكن ما يحاوله صدام عبر وسيطه المحامي الفاشل، انه يتشبث كغريق بآخر أمل، إنه يعرض خدماته على أمريكا وإسرائيل بطريق غير مباشر. وهو كما يبدو للذين عرفوا حقيقته، لا يحسن إلا أن يكون عميلا، وبعدها يكون بطلا، بطلا مزيفا لا يهم!

 ليس الحلف السوري الإيراني جديدا. بل هو قديم، حتى أيام الحرب العراقية الإيرانية، كانت سوريا وخلافا لكل العرب تدرك عمقها الاستراتيجي الحقيقي، وكان أن قدمت رؤية مستقبلية على قدر من الذكاء والنضج. كان على صدام وهو يغامر بحروبه العبثية ضد جيرانه وضد شعبه الأعزل،أن يتعلم السياسة ويتعلم كيف يحكم كآدمي وليس كوحش كاسر، يخفي جبنه وعمالته  في استعراضيته التي كذبتها الوقائع و الأحداث. كل ما نحن فيه من تراجع على مستوى القضية الفلسطينية والشرخ الحاصل في الصف العربي هو بسبب حماقات صدام التي ملأت دنيا العرب ضجيجا دون أن تصنع حدثا واحدا يشرف العرب. لقد جنى على العرب ذلا على ذل هزائمهم المنكرة، بنموذجه الديكتاتوري الوحشي ورعونته ومغامراته وجبنه الذي خيب آمال حتى أولئك الذي أخطئوا فيه  بطلهم القومي. فكان صدام تعويضا مرضيا عن حلمهم بالبطل المفقود في دنيا هزائمهم واندحاراتهم، هذا  قبل أن يصدموا  بالبطل الكبير  ـ الذي تخيلوا له منزلة داخل دبابة أو خلف منصة صاروخية أو في تحصين ما يوجه عمليات  المقاومة ضد الاحتلال أو  فوق السحاب يمتشق سيف البطل الأسطوري ـ  نزيل مغارة الذل، هاربا بجلده بعد أن جلب الاحتلال على العراق ولم يرد أن  يحارب حرب الرجال. فكان أن قال الأغبياء المأخوذون من شيء ما غير عقولهم بوهج البطل/الجبان، إنه شخص ما آخر غير صدام. إن صدام  في نظر هؤلاء البؤساء لا يهزم. أجل، لقد هزم  شر هزيمة. غير أن للوقاحة عمرا أكبر مما يتصور الطيبون!

 إن صدام الذي وفر ترسانته وأخفاها داخل البساتين، قبل أن يدمرها الاحتلال، ودون أن يلقي بها فوق سماء إسرائيل التي توعدها بالدمار، وهو شرف لم يحرزه وما ينبغي لعميل مثله أن يحظى به، حيث ما يزال عالقا بالذاكرة الساذجة للذين اخطأوا بطلهم القومي، قصة بضع صواريخ خاوية على عروشها  رمى بها المخلوع فوق إسرائيل  دغدغة لمشاعر البؤساء العرب، وفي حالة من العزف النشاز على الأحاسيس القومية، يجد نفسه تافها وجبانا وكاذبا، حيث اليوم المقاومة اللبنانية ترسم التحدي بسواعدها، وتقول وتعمل ولا تتراجع حيث تراجع جلاد العراق الجبان الذي احترف التحدي بالثرثرة، وحيث أمكنها أن تمطر إسرائيل بصواريخها مئات المرات وهي تقترب من الألف وسيستمر  الأمر لا محالة..

إذا كان صدام بتحالفه وعمالته مع أمريكا حصد كل هذا الاندحار، وسوريا بتحالفها مع إيران على الأقل حققت نوعا من التوازن الذين حال دون  أن تكون لقمة سائغة للضربات الأمريكية والإسرائيلية فضلا عن أنه الموقف القومي والاستراتيجي الصحيح والمشروع، فكيف لا تسمح الوقاحة للرئيس المخلوع بأن يعطي دروسا في الاستراتيجيا لسوريا. ليس ثمة تفسير  آخر لوقاحة صدام، الذي لا يزال يحلم بالأدوار البطولية المزيفة برسم العمالة والتآمر على المنطقة وعلى الشعب العراقي، سوى كونه دخل مرحلة الهذيان الأخير الذي يسبق الموت. إنه يحلم وثمة غوغاء من أعضاء الدفاع الذين هم اليوم تحت حماية المحتل الأمريكي يشاركونه الحلم التعيس نفسه.

 لا زال صدام يرفض الاعتراف بأنه كان ديكتاتورا قذرا غير مرغوب فيه، وبأن الشعب العراقي داس على تاريخ مجده المزيف. لا يريد أن يرى الأشياء كما هي، حيث لا أحد أسقط صدام غير شعبه. فهل كان بالإمكان أن تغزوا أمريكا العراق في بضعة  أيام، لو كان أحد في السلطة غير صدام ؟  إنه حلم صدام الأزلي حتى وإن بات على مشارف أعواد المشانق..إنه الصمود الوحيد الذي يتقنه الجلاد ؛ صمود حتى الموت لا يمنع من الحلم بالسلطة والعمالة وضرب أخماس بأسداس..فما لم تغرغر يجوز لك الحلم  بعرش الطاووس كجلاد مخلوع، تلك سنتهم..فهل هناك من يسكت مدرسة المشاغبين العراقية، ويلجم الدفاع عن الاستمرار في وقاحته والاستهتار بالإنسان العراقي؟.. حتى ذلك الحين ليس لنا إلا أن نقول: خسئت يا صدام!

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 24/تموز /2006 -26  /جمادي الاخرى/1427