من يسعى لعرقلة التقارب العراقي الخليجي!؟

علي الهماشي

منذ أحداث التاسع من نيسان عام 2003 بتخلص العراق من النظام الديكتاتوري توجس الحكام العرب من التغيير لاسباب داخلية واُخرى خارجية، وبات التعامل مع العراق وحكوماته المتلاحقة  يتم بمبدأ (شعرة معاوية )حيث لا قطيعة ولا توطيد للعلاقات بين العرب والعراق

وتشمل هذه النظرة الدول العربية المطلة على الخليج وخصوصا الدول الثلاث التي زارها رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي..

وحاول رؤساء الحكومات العراقية الانفتاح على الدول العربية المجاورة وتأجيل ملفات الخلاف والقلق الذي يشعر به العراقيون تجاه التعامل الرسمي وشبه الحكومي مع العراق الجديد...

وأبدأ اولا بالمملكة السعودية المجاورة

لم تكن السعودية راضية تمام الرضا على طريقة التغيير في العراق ومع ذلك انطلقت القوات الامريكية من أراضيها وإن لم يكن هناك اعلان رسمي لذلك فالاتفاقات المبرمة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تجيز للاولى مثل هذا التحرك وتم التغيير.

 إلا أن المملكة العربية السعودية بقت مترددة وغير متفاعلة مع الحكومة المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي الذي زار السعودية أكثر من مرة ويملك علاقات واسعة مع أمرائها وبعض أجهزتها الحكومية وقد كانت الرياض إحدى قواعد تأسيس حركة الوفاق الوطني بقيادة الدكتور أياد علاوي إلا أن هذه العلاقة لم تترجم الى دعم حقيقي للعراق الجديد ولحكومته بعد زيارته لها بالرغم من تناقل وسائل الاعلام لخبر تأييد المملكة للعراق ودعمه بمبلغ (المليار) الموعود على شكل استثمارات في العراق إلا أن شيئا من ذلك لم يترجم على أرض الواقع  ولم تتفاعل مع الرئيس غازي الياور الذي قضى نصف عمره في السعودية إلا أن المملكة لم توجه له دعوة رسمية لزيارتها بعد تبوئه منصب الرئاسة وقد صرح لصحيفة الحياة السعودية بذلك حينها وحث الملكة على التعامل مع العراق الجديد وأشار الى وجهة نظره في هذا المجال فقال: (الدور الذي تؤديه هو مع جميع العراقيين وليس مع السنة فقط وهي ستفيد نفسها والعراق اذا أقامت علاقات مباشرة مع القبائل العربية في الجنوب العراقي) حيث يشير الى توجس المملكة من الطائفية والخلفية التي تتعامل بها مع العراق الجديد منذ الحكومة المؤقتة بالرغم من أن رئيس الوزراء أنذاك الدكتور أياد علاوي الذي تعرفه السعودية تماما ولكنه لم يكن دافعا للتحرك باتجاه العراق الجديد وازداد الامر تعقيدا بترأس الحكومة الدكتور ابراهيم الجعفري المنتخب من قبل الشعب بالرغم من انفتاحه على المملكة وتوقيع الاتفاقات التي تخدم البلدين الا أن قضية عدم استقبال الحجاج العراقيين وما شهدته تلك الفترة من تصعيد اعلامي من قبل الاعلام الرسمي وغيره  ضد الدكتور الجعفري وحكومته والعراق الجديد أعادت الامور الى نقطة البداية. 

وقام رئيس الحكومة الحالي السيد نوري المالكي بزيارة المملكة السعودية لبدء صفحة جديدة من العلاقات على أساس زرع الثقة وان العراق الجديد ليس موجها ضد أحد وهاهو يمد يده ويتناسى الماضي الاليم كله.

والتساؤل من يمنع جريان علاقة طبيعية بين المملكة والعراق ؟

ولهذا الجواب ثلاثة محاور أبدأها بـ

الداخل السعودي: لازالت مراكز القوى السعودية تتوجس خيفة من العراق الجديد وتأخذ البعد والخلفية الطائفية أساسا للتعامل مع العراق واستراتيجتها في هذا المجال: عدو (سني ) خير من شيعي) مسالم  ولاننسى التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي حينما انتقد السياسة الامريكية في العراق ووصف ذلك بأنها تقدم العراق على طبق من ذهب لايران !!

 وموقف هذه القوى هو عدم تمكين  الشيعة من أخذ دور طليعي في العراق وخاصة إذا كان هذا الدور بوجه ديني ومذهبي.

كما إن هذه القوى ترى في نجاح العراق الجديد نجاح الطريقة الامريكية في التغيير وهو ما يدفع الولايات المتحدة للاستمرار في التجربة مع بقية الدول في الشرق الاوسط وهي بذلك تعطل المشروع الامريكي من خلال عدم السماح باستقرار العراق الجديد ليبقى مثالاسيئا للشرق الاوسط الجديد ولايمكن الاقتداء به وهناك سياسة دفع الارهابيين أو الشباب المتحمس خارج الحدود وتفريغ البلاد من مشاكلهم التي تفاقمت في السنوات الاخيرة  ونرى أن الاجهزة السعودية المختصة لاتتعامل بشكل جدي مع الجهات العراقية في مجال تعقب الارهابيين أو اخبار السلطات العراقية بتسللهم عبر الحدود المشتركة أو اعطاء معلومات مفصلة  عنهم،بل ان الحكومة تتعامل مع العائدين منهم بتهم جنائية ليس إلا..

و تتساهل الجهات الحكومية بشكل أو بآخر مع الوسائل الاعلامية_ التي لايمكن لها ان تخرج او تغرد خارج سرب الحكومة_ من انتقاد وتوجيه الرأي العام ضد العراق الجديد.

كما ان لخطباء المساجد الدور الاخر في توجيه الرأي العام ضد العراق الجديد والكل يعلم أن خطباء المساجد لايمكن لهم أن يتفوهوا غير ما تمليه عليهم وزارة الاوقاف السعودية.

الداخل العراقي: هناك الجهات المتضررة من العراق الجديد والتي خالفت العملية السياسية في العراق تحاول ان تعرقل انفتاح العراق وحكومته على الحكومات العربية وخصوصا دول الجوار وعدم التنسيق والتعاون بين هذه الحكومات والعراق متحججة بالاضطهاد الطائفي والتهميش الحاصل بعد  سقوط صدام وكثيرا ماتحاول هذه القوى عكس الامور في العراق على اساس طائفي والتلويح بالوجود الايراني والخطر الشيعي ، وقد وجدت هذه المجموعات في المملكة العربية السعودية خير مايصدق او يستقبل هذه الامور لوجود خلاف تاريخي ومذهبي حيث يملك التيار الوهابي القوة التي تضغط بها على الحكومة السعودية لتنفيذ رغباتها او وجود تناغم بين هذا التيار ومراكز القوى داخل الحكومة السعودية التي تمنع نمو العلاقات بين البلدين. وقد وجدت المجموعات العراقية منفذا للانفتاح على الولايات المتحدة عبر السعودية وحصولها على الوعود بالعودة الى الماضي بشكل أو باخر فكانت القوى السعودية عرابة لها.

السبب الاقليمي: وبالتحديد ايران حيث تبقى المصلحة الايرانية في عدم تحسن العلاقات العربية _العراقية، وكلما غُلق الباب العربي انفتح الباب الايراني واتجه العراق شرقا.

وتتبع السياسية الايرانية الرسمية موقف الدعم والتأييد للحكومات العراقية منذ مجلس الحكم وحتى هذه الحكومة وقد شهدت زيارات متبادلة للجانبين من أجل تعزيز هذه العلاقات.

ثانيا : دولة الكويت

بالرغم من ان الكويت سهلت بشكل علني عبور القوات الامريكية من أراضيها للخلاص من صدام الخطر الحقيقي عليها ،وبعد إزالته تنفست الكويت الصُعداء وانتقمت منه شر انتقام إلا أن هذا الامر لم ينعكس على العلاقات الكويتية مع العراق الجديد بالرغم من الزيارات المتكررة لرئيس الوزراء العراقي السابق الجعفري واتخاذه الكويت منطلقا لرحلاته الخارجية بدلا من الاردن. وهناك اسباب كويتية للتوجس من العراق الجديد داخلية والاخرى عراقية وساتعرض لهما بشكل سريع وموجز.

فما زالت أثار الغزو الصدامي للكويت عالقة باذهان النخب السياسية والثقافية والاعلامية الكويتية وهي تدفع الحكومة من خلال بعض الاطراف المشاركة فيها الى عدم توطيد العلاقات الى أكثر مما هو عليه واستراتيجيتها في هذا المجال جار ضعيف ممزق لاينفع ولايضر خير من جار قوي وان نفع!! وتحاول هذه النخب إثارة مسألة الديون وترسيم الحدود ومدى التزام العراق بالاتفاقات في هذا المجال حججا لتأزيم المواقف بين البلدين.

اما الداخل العراقي فان بعض الجهات ترى في التيار الاسلامي عمقا لعدم دعم الحكومة الحالية واتخاذ البكاء الطائفي حجة لعدم توطيد العلاقات بين البلدين.

وتحاول بعض القوى اثارة مسالة الحدود لتكون سببا للتوتر بين البلدين و ترى بعض النخب العراقية استغلال الكويت لظروف العراق الحالية لفرض امور تكون واقعا مستقبليا حيث تستعجل الكويت بترسيم الحدود وتفعيل القوانين في هذا المجال دون ان تسعى لامور تراها هذه النخب اهمية على ما  تسعى إليه الحكومة الكويتية  فهي تُحيل مسألة الديون الى البرلمان الكويتي وتطالب الحكومة العراقية بترسيم الحدود دون الرجوع الى البرلمان العراقي.

اما البعد الاقليمي فقد ذكرته في العلاقات مع المملكة السعودية.

واما الامارات العربية التي باتت مركزا لقوى صدامية ونقاط التقاء للارهابين ودعم لهم عبر عمليات التحويل المالي السريع إضافة لوجود مراكز التيارات السلفية المعادية للعراق الجديد ،يصاحبها إعلام مقرؤ ومرئ موجه ضد التحولات في الساحة العراقية،كل هذه القوى تمنع الامارات من الانفتاح بشكل كبير على الحكومة العراقية الجديدة.

اما الداخل العراقي فبقدر (المساعدات) والتبرعات التي تجمع للمجاميع المسلحة (الارهابية) يحاول هؤلاء خلق نوع من الضغط على حكومة الامارات بعدم توسيع علاقاتها مع الحكومة العراقية وما عملية استدراج القنصل الاماراتي في بغداد ومن ثم اختطافه الا خطوة في هذا الاطار نجحت في تحقيقها وباتت حجة الوضع الامني وسلامة الدبلوماسيين أحدى اقوى الحجج لمنع البعثات الدبلوماسية من قبل الامارات وبقية الدول العربية.

ومن هنا لابد لهذه الدول (السعودية والامارات والكويت)أن تفكر في مستقبل العلاقات بينها وبين العراق وايجاد رغبة حقيقة للتعامل مع العراق الجديد بعيدا عن مخاوف مزعومة واستغلال الفرص السانحة قبل فوات الاوان.

وفي المقابل تبقى حكومة الائتلاف العراقي الموحد بقيادة المالكي أمام تحد حقيقي لازالة ما يعيق تطور هذه العلاقات وبسط الامن ونيل احترام دول الجوار العربية وغيرها للتسابق الى اقامة علاقات مع العراق الجديد وإلا تبقى الامور تراوح مكانها. 

 [email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 22/تموز /2006 -24  /جمادي الاخرى/1427