حيرة الضرائب بين الإقتصاد والسياسة... بين الكفاءة والعدالة... بين قوى الضغط والرأي العام والمصالح الإنتخابية

 فؤاد عباس

(( القوى السياسية في العراق منقسمة على اساس قضايا اساسية منها :

ما تخص النموذج الاقتصادي الذي يحتاج إليه العراق للتطور جنبا إلى جنب مع نظامه السياسي الجديد. وتأمل بعض الأحزاب أن تطور نظام ضمان اجتماعي شبيها بما ابتكرته الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية في أوروبا، حيث تعمل الحكومة باعتبارها وكالة توزع الدخل الوطني مع اهتمام خاص بالفقراء والضعفاء. بينما هناك أحزاب أخرى تدعم نموذج الرأسمالية الليبرالية حيث المشروع الحرهوالأساس لا التخطيط المركزي يحدد شكل التطورالاقتصادي.

فيما يتعلق بالنموذج الاقتصادي يعتقد البعض بأنه سيكون الجعفري والصدر أقرب الى الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني والعرب السنة من البعثيين الجدد الذين يريدون ان تلعب الدولة دورا رئيسيا. اما الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود البرزاني، فسيكون اقرب الى المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق لأن كليهما يفضل ان يلعب اقتصاد السوق دورا اكبر. طبعا خطوط الاختلاف والاتفاق وسط الأحزاب السياسية ليست مرسومة بوضوح، إذ ان نفس الأحزاب ربما تجد نفسها في معسكر محدد فيما يتعلق بقضية محددة وفي المعسكر المضاد فيما يتعلق بقضية اخرى . وذلك بحسب رأي الكاتب أمير طاهري في المصدر المذكور . )) (1)

يبدو ان الإنقسام يرتبط بمفهوم وتطبيقات كل من دولة الرفاه والدولة الحارسة والدولة التدخلية ونفس هذا الجدل يدور منذ فترة ليست بالقصيرة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ان مجلس النواب الأمريكي وافق على مشروع خفض الضرائب والذي يوصف بإنحيازه للأغنياء وكان الخبر بالنص التالي :

(( بعد مناقشات قصيرة نجحت محاولة الجمهوريين بمجلس الشيوخ في تمرير مشروع قرار مقدم من الرئيس الأمريكي جورج بوش ويقضي باستمرار خفض الضرائب والتي يستفيد منها بصفة أساسية الشريحة الغنية العليا في المجتمع الأمريكي وهم المستثمرون ومن يمتلك أسهم في الشركات المختلفة الذين سيستمتعون بخفض مقداره 15% على أرباح أسهمهم ... ويبلغ حجم خفض الضرائب المقترح ما يقرب من 70  بليون دولار سنويا. وكان مجلس النواب قد سبق له ووافق على مشروع القرار منذ يومين بأغلبية 244 مقابل 185 صوتا. )) (2)

هل الخفض الضريبي المذكور هو لصالح الأغنياء فقط  ؟

لماذا ؟ وكيف ؟ وماهي النسبة ؟

عند تحديد النظام الضريبي اوالإصلاح الضريبي يبحث الأخصائيون غالباً عن نظام او قرار للضرائب يضمن تحقيق العدالة والإنصاف من جهة و يتكفل بزيادة كفاءة الإقتصاد و نشاطه وإيرادته من جهة ثانية ، و يمتلك او يمكن أن يمتلك قاعدة شعبية او إدراك شعبي كبير من جهة ثالثة ضماناً للتفاعل وحصد الأراء ، ويقتنع به السياسيون حسب توجهاتهم ووعودهم الإنتخابية وبرامجهم من جهة رابعة . هناك معضلة دائمة في النظام الضريبي تتمثل في صعوبة الموازنة بين العدالة من ناحية و الكفاءة الإقتصادية المذكورة من ناحية اخرى .هناك منْ يتمسك في التخطيط او القرار الضريبي بالكفاءة على حساب العدالة مخالفاً منْ يقف في الجهة المقابلة تماماً ، ولذلك الإختلاف والتداخل والتشابك في العوامل يقال بأن الإقتصاد و السياسة لا تداران بالكفاءة وحدها .

(( ثمة مثال جيد على هذا المأزق اثير في عهد حكومة تاتشر في بريطانيا في العام 1990 . فقد اقترحت الحكومة استبدال الضرائب القائمة المشوهة للإقتصاد بضريبة الرأس – poll tax – وهي ضريبة ثابتة وتجبى عن كل شخص . و كان تبرير ذلك أن ضريبة الرأس مثلها مثل ضريبة الأرض لن تتسبب في حدوث عدم كفاءة . فمن المستبعد على أية حال أن يهاجر الناس من البلد او ينتحروا للتهرب من الضريبة ، لذلك فإن التشوه الإقتصادي سيكون في أدني الحدود . للأسف فقد أخطأت الحكومة خطأ فادحاً في تقرير مدى شعور الشعب بعدم عدالة هذه الضريبة ، و ثقل عبئها على العائلات متدنية الدخل . فضريبة الرأس هي بكلمات اخرى : ضريبة تنازلية عالية جداً ، و تفرض عبئاً نسبياُ عالياً جداً على متدني الدخل اكبر مما تفرض على مرتفعي الدخل . والحقيقة ان حادثة ضريبة الرأس البريطانية قد لعبت دوراً رئيسياً في إسقاط حكومة تاتشر بعد بقاءها (11) عاماً في السلطة و يبين ذلك بوضوح الخيار الصعب ما بين الكفاءة والعدالة في رسم السياسة الإقتصادية )) (3)

المثال المتقدم يكشف بوضوح الترابط الوثيق بين كل من القرار الضريبي و الكفاءة الإقتصادية والرأي العام والعدالة والسياسة وخلفيات وتجارب و قناعات السياسيين ، وهناك قصة اخرى عن إدارة ريغان التي تبنت ما يسمى بمقترحات مدرسة العرض في الثمانينات فخفضت الضرائب بحدة و قد شجع مؤيدو جانب العرض ذلك الخفض على أساس أنه المحفر الضروري للإقتصاد الأمريكي المريض وقتئذ لكن كيف أقتنع ريغان بمقترحات جانب العرض ؟ وهي غامضة و رفضها – على نطاق واسع محترفو الاقتصاد ولم تكن تحظى عملياً بدعم من الدراسات التجريبية . و كيف حصل المشروع المقترح على نجاحه التشريعي ؟

(( هذا السؤال وجهه دافيد ستوكمان الذي كان مهندس لسياسيات جانب العرض في اثناء خدمته كمدير لمكتب ريغان لشؤون الإدارة و الميزانية من العام 1981 الى 1984 . فيما يلي وصف ستوكمان لطريقة تحول الرئيس ريغان .... :

في يناير 1980 قام مديرو حملة ريغان بإرساله الى المدرسة لبضعة أيام لتحسين اطلاعه على القضايا القومية هناك قام جاك كيمب ، وارت لافر ، وجود وانيسكي بتجريعه مذهب جانب العرض . فأخبروه عن منحنى ( لافر) فنزل على مسامعة و كأنه سيمفونية وعرف على الفور أنه صحيح و لم يخامره الشك بشأنه فيما بعد وكان هو نفسه قد واجه ظروفاً تنطبق عليه نظرية لافر وكان يقول دائماً :

( لقد انجزت أفلاماً تدر أموالاً كثيرة خلال الحرب عالمية الثانية ) في ذلك الحين كان الحدّ الأعلى لضريبة الدخل يصل الى (90) بالمئة  ( ولم يكن في وسعك عمل أكثر من أربعة افلام قبل أن تصل لفئة دافعي الحدّ الأعلى من الضريبة ) و يواصل القول ( لذلك كنا نتوقف عن العمل بعد إنجاز الأفلام الأربعة ونذهب الى الريف ) نسب الضريبة العالية تسبب إنخفاض العمل ، ونسب الضريبة المنخفضة تزيده و قد اثبتت تجربتة هذه الحقيقة )) (4)

و هذه القصة تثبت دور قناعات وتجارب السياسيين الى جانب العوامل الأخرى التي اشرنا الى بعضها .

الثورة و الثورة المضادة في السياسة الضريبية

 ما المدى الذي ذهب اليه كل من ريغان وبوش في تنفيذ ثورة الثمانينات المالية ؟

كانت هناك سلسلة من التغييرات المهمة في نظام الضرائب الفيدرالي في ظل إدارة ريغان تمثلت في تشريعات راديكالية سُنت في العامين 1981و 1986 . و تمشياً مع فلسفة إقتصاديات جانب العرض ، خفّض (( قانون الضريبة والإنعاش الإقتصادي )) الضرائب المفروضة على الأفراد والأعمال بقدر كبير وقد وعد مؤيدو هذه التخفيضات بانها سوف تطلق ما يكفي من النشاط الإقتصادي بحيث أن عوائد الحكومة لن تهبط وقد خفّض الحد الأعلى لمعدل الضريبة  الحدّية على الأفراد مجدداً من 50 الى 28 بالمئة بموجب قانون الإصلاح الضريبي للعام 1986 واتخذ هذا التشريع ايضاً خطوات واسعة رئيسية في مجال تحسين العدالة الأفقية للنظام الضريبي فاغلقت الثغرات ، و فرضت ضرائب على مختلف مصادر الدخل على أسس اكثر عدالة . و كانت أهم التغييرات هي تلك المتعلقة بالمكاسب الرأسمالية ( الدخل المكتسب من بيع أصول عامة مثل الأسهم والعقارات ) التي فرضت عليها ضريبة و كأنها مداخيل عادية بدلاً من فرض ضرائب بمعدلات تفضيلة  عليها ، و لم يعد في الإمكان خصم ضرائب المبيعات من الدخل اوخصم الفوائد المدفوعة على قروض المستهلكين وديون الطلاب ))  (5)

كيف كان التأثير الإجمالي لقانون الإصلاح الضريبي للعام 1986 ؟

يقول البعض : (( كان التأثير الإجمالي لذلك القانون محايداً فيما يتعلق بإيرادته الحكومية ، اي انه لم يؤد الى رفع او تخفيض مجمل إيرادات الحكومة إلا ان هذا التعادل تم تحقيقه برفع الضرائب على الشركات المساهمة وخفض الضرائب على الأفراد بالقدر ذاته . )) ( 6 )

هل تخفيض الضرائب دائماً هبة للاغنياء ؟

نواصل البحث عن الجواب بمتابعة قراءة نفس التجربة المتقدمة :

(( أشارت الدراسات الى انه على الرغم من أن قانون الاصلاح الضريبي يبدو ولأول وهلة و كأنه هبة عظيمة من السماء بالنسبة الى الأغنياء ، فقد وسع القاعدة الضريبية وزاد الضرائب على الشركات المساهمة ( التي يملك الأثرياء قسطاً كبيراً من اسهمها ) بشكل تصاعدي و لكن باعتدال .)) (7)

لماذا و كيف حدثت الثورة المضادة على تخفيض الضرائب ؟

(( شعر الكثيرون ان خفض الضرائب قد تجاوز الحدّ و حدثت الخطوة الأولى لقلب ثورة الثمانينات المالية في العام 1990 ، حين وافق رئيس جمهوري هو جورج بوش وكونجرس يسيطر عليه الديمقراطيون على خفض العجز المتعاظم في الميزانية عن طريق زيادة الضرائب و خلال تلك الفترة رُفع معدل الضريبة الحدية من 28 الى 31 بالمئة . تراجع الرئيس كلينتون عن تغييرات الثمانينات اكثر من ذلك حيث نص مشروع قانون خفض العجز للعام 1993 على : تخفيض نفقات الدفاع ، وزيادة الضرائب على الأغنياء ، وزيادة الحد الأعلى لمعدل الضريبة الحدية ، و منح الفقراء إعتمادات ضريبية )) (8)

هل الخفض الضريبي للعام 1986 كان السبب في عجز الميزانية ؟

الدراسات المتقدمة نفت ذلك فالخفض الضريبي في الإطار المتقدم لم يتسبب في العجز بل السبب يعود الى سياسة الميزانية التي قادت ومهدت للثورة المضادة حيث (( أيد الرئيسان ريغان و بوش ( الأب ) إجراء إقتطاعات حادة على النفقات المدنية ، ووضع ميزانية متوازنة فارتفعت نفقات الدفاع من 8و4 بالمئة من الناتج القومي في العام 1979 الى 5و6 بالمئة في العام 1986 ، لكن الأهداف الأخرى بقيت خاملة و نمت كذلك استحقاقات الطبقة المتوسطة مثل الضمان الإجتماعي والرعاية الطبية ، التي خطيت بشعبية سياسية واسعة خلال هذا العقد و نمى إجمالي الإنفاق الحكومي كحصة من إجمالي الإنتاج المحلي من 20 بالمئة خلال الستينات و السبعينات الى 23 بالمئة في التسعينات . أضف الى ذلك ان الجمع ما بين النفقات الفدرالية و خفض الضرائب قد أدى بالفعل الى أن تشهد الفترة ما بين 1981و 1993 أكبر عجز في الميزانية في زمن السلم ، و اعظم نمو في ديون الحكومة خلال نصف قرن . )) (9)

إذن وحسب رأي الكاتب الخفض الضريبي يبدو لأول وهلة هبة كبيرة للاغنياء فقط وهوليس كذلك دائماً ويمكن تجييره للإقتراب من العدالة والإنصاف في النظام الضريبي وكما في هو الحال إنفاق وارداته ، كما ان الخفض الضريب المذكور لوحده لم يخلق عجزاً في الميزانية ، وأسباب العجز كانت تراكمية و تكمن في سياسة الميزانية التي تميزت بارتفاع نفقات الدفاع ومجمل الإنفاق الحكومي . صحيح ان العجز في الميزانية لم يبدأ في الهبوط إلا في عهد الرئيس الديمقراطي كلينتون لكن الأخيرهو الذي حصد النصف الأخر المكمل الضروري لخفض الضرائب الذي بدأ به ريغان ، واعني تحديداً خفض الإنفاق الحكومي ، عن ذلك يعبر البعض في قوله :

(( و مما يدعو للسخرية ان العجز في الميزانية لم يبدأ في الهبوط إلا في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون .( فمن جهة حصد كلينتون منافع مشروع قانون خفض الميزانية الذي كان يسعى اليه جورج بوش في العام 1990 ، و الذي فرض سقوفاً صارمة على إنفاق الحكومة ) ، وانهيار الشيوعية الذي جعل بالإمكان الإكتفاء بميزانية دفاعية أصغر بكثير . لكن حقيقة ان كلينتون قد سعى الى خفض الميزانية باعتبار ذلك محور برنامجه الإقتصادي خلال السنة الأولى من توليه منصبه يبين وجود إدراك شعبي بان العجز الضخم لعقد الثمانينات كان مشكلة كبيرة )) (10).

و من السطور الأخيرة يتضح دور السياسة الدولية والإدراك الشعبي و الإنتخابات والبرنامج الإنتخابي والإنفاق الحكومي اضافة الى دورالتراكم في خفض الميزانية للتمكن من خفض الضرائب لصالح العدالة و الانصاف بنجاح وكفاءة إقتصادية ونشاط إقتصادي متنامي دون إجراء اقتطاعات على النفقات المدنية ولا سيما الخاصة بالضمان والرعاية و الفقراء .

الخطأ الذي وقع على عهد الرئيس ريغان انه خفض الضرائب لكن لم يخفض ميزانية الدفاع ولم يتمكن بسرعة من تقليص الإنفاق الحكومي في بناء المؤسسات التنظيمية وأجرى إقتطاعات حادة على بعض النفقات المدنية مثل الرعاية والضمان ومساعدة الفقراء فكانت الثورة المضادة التي أشرنا اليها بإيجاز .

لنرجع الى خلفيات قرار خفض الضرائب الأخير في الولايات المتحدة الأميركية والذي يقضي باستمرار خفض الضرائب الذي يوصف بان المستفيد منه بصفة أساسية الشريحة الغنية العليا في المجتمع الأمريكي وهم المستثمرون ومن يمتلك أسهم في الشركات المختلفة الذين سيستمتعون بخفض مقداره 15% على أرباح أسهمهم ... ويبلغ حجم خفض الضرائب المقترح ما يقرب من 70  بليون دولار سنويا :

(( بدأت الولاية الثانية للرئيس بوش بزوبعة من النقاش الداخلي الحاد، حول اقتراحه تعديل برنامج التأمين الوطني الخاص بالتقاعد ومخصصات الشيخوخة. الاقتراح هو تحويل جزء منها لاستثمارها في البورصة، وذلك بادعاء ان جهاز التأمين الوطني سيعلن افلاسه في غضون 40 عاما، لانه لن يكون بوسعه دفع المخصصات. غير ان هذا الادعاء لا يلقى اجماعا بين الساسة والاقتصاديين، لانه من الصعب جدا معرفة وضع الاقتصاد الامريكي وحجم القوى العاملة بعد 40 عاما. )) (11)

قوانين التأمين الوطني

(( تنص قوانين التأمين الوطني على ان يدفع كل عامل ضريبة قيمتها 6% من معاشه، وان يدفع صاحب العمل مبلغا شبيها يتم توفيرها في صندوق التأمين الوطني. وتتحول هذه المبالغ الى مخصصات ثابتة يتقاضاها العامل لدى احالته للتقاعد. وتتراوح قيمة مخصصات التقاعد لمن يتقاضى اجرا متوسطا، بين 1000-1500 دولار شهريا. ويعتبر هذا مبلغا زهيدا، ولكنه حد ادنى تضاف اليه مخصصات اخرى، مثل الرعاية الصحية المجانية وبرامج اعانة مختلفة حسب الوضع الاقتصادي للمواطن. )) (12)

لماذا هذا الإقتراح ؟

(( جورج دبليو بوش يقترح تحويل جزء من الضريبة (4%) الى حسابات منفصلة خاصة بكل عامل، على ان تعتبر توفيرا اضافيا لمخصصات التقاعد. ويتم استثمارها في اوراق مالية، الامر الذي يعني ضخ مبالغ هائلة الى البورصة.

ويثير الاقتراح حفيظة الحزب الديموقراطي والكثير من الاقتصاديين، ولهم في ذلك ادعاءان:

الاول، نتائج الاستثمارات في الاسهم غير مضمونة، فقيمتها ترتفع وتنخفض حسب العرض والطلب في البورصة، وليس حسب مشيئة احد، الامر الذي يعني تعريض توفيرات التقاعد للمخاطرة.

الثاني، ان الجدوى من الاستثمار في البورصة ليست مغرية، فنسبة الفائدة في البورصة لن تتجاوز على المدى البعيد ال3% سنويا، وهي النسبة التي يحققها جهاز التأمين الوطني للعامل من استثمار توفيراته في اوراق الاعتماد التي تصدرها الخزانة الامريكية. )) (13)

وعن المستقبل المالي للضمان الإجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية يقول ... :

(( لسوء الحظ فإن الكثيرين من علماء الإقتصاد يعتقدون ان الضمان الإجتماعي سوف يواجه مشكلة في المستقبل فهو اشبه ببرنامج – دفع النفقات عند تكبدها – الذي يعني أن منافع متقاعدي اليوم تمولها الضرائب المفروضة على أجور عمال اليوم . ونتيجة لذلك ومع ازدياد نسبة كبار السن فان العدد المتنامي من المتقاعدين سوف تعيله اعداد متناقصة من الأيدي العاملة وستكون النتيجة اما ضرائب اعلى على العمال اومنافع اقل للمتقاعدين اوكلاهما .)) (14)

ما سرّ إصرار الطاقم المحيط ببوش على ذلك ؟

يختزل البعض ذلك في السياسة والإنتخابات ومستقبل الحزب الجمهوري فيقول :

(( الطاقم المحيط ببوش يريد إحداث تغيير جذري في السياسة الامريكية، ليضمن هيمنة الحزب الجمهوري على الساحة السياسة لسنوات طويلة قادمة. وكما علّق احد اعضاء الحزب الجمهوري في مقابلة لصحيفة "نيويورك تايمز" (15/1): "فكرة "مجتمع المُلكية" (Ownership society) ستكرّس نفوذ الحزب الجمهوري، تماما كما كانت فكرة روزفيلت حول دولة الرفاه (الوفاق الجديد – "نيو ديل") وفكرة ليندون جونسون حول "المجتمع العظيم"، اساسا لفوز الحزب الديمقراطي بالاغلبية على مدى اجيال".

كيف سيضمن "مجتمع المُلكية" الاغلبية للجمهوريين؟ تعتمد النظرية على ان مستقبل العامل لن يعود مرهونا بعطايا دولة الرفاه، بل باداء البورصة والشركات المستثمرة فيها. وعلى نحو غريب سيكون من "مصلحة" العامل ان تزيد الشركة ارباحها من خلال الامعان في استغلاله والحصول على اعفاءات ضريبية من الحكومة، لان هذا سيرفع قيمة اسهمها في البورصة، بما فيها مخصصات التقاعد.

والآن، بما ان الحزب الجمهوري هو حزب البورصة والشركات الكبرى، فسيكون من الطبيعي ان تربط الطبقة العاملة مصيرها به وبرأس المال، وليس بالنقابات وبالحزب الديموقراطي الذي اسس برامج الرفاه لعدم ثقته بحسن نوايا الشركات الرأسمالية.)) (15)

مما تقدم يمكن القول ان الكثير من التحليلات والمواقف المتعلقة بعدالة الخفض الضريبي مسييسة اومؤدلجة اواحادية النظرة الى حد ما مما يبعدها عن الموضوعية والحياد فبعد تجاوز شرعية الضرائب يجب التحري عن النظام الضريبي الأعم في العدل والأوسط في الحق والأكثر كفاءة إقتصاديا (نمو الإنتاجية وسوق العمل والإدخار الشخصي ) في الحاضر والمستقبل والأقل سلبية من ناحية التاثيرات الجانبية كالتضخم والبطالة والإجحاف وما يسمى بالوقع الضريبي حيث ان دافع الضرائب يعوض ما دفعه بدفعه الى الأمام اي الى الزبائن الذين سيجدون انفسهم يدفعون اسعارا اكبر اوالى الخلف اي الى مقدمي عوامل الإنتاج مثل مالكي الأرض والعمال الذين سيجدون انفسهم يتقاضون إيجارات او أجوراقل مما كانوا يستلمونه لو لم تكن أية ضرائب علما انه لا ملازمة بين الخفض الضريبي وخفض النفقات المرتبطة بالرعاية والمعونات والرفاه فذلك يعود الى سياسة الميزانية ومدى ترشيد الإنفاق الحكومي وحجم النفقات الدفاعية علما ان النفقات الرفاهية يجب أن لا تمس القاعدة العامة التي تدعو الى الإعتماد على النفس ونبذ الإتكالية ولا تتجاهل مخاطر إزدياد تدخل الحكومة في الإقتصاد وتأخذ بنظر الإعتبار العدالة الأفقية والعمودية تمويلا وتحويلا للضرائب الى خدمات ونفقات ودفعات تحويلية نقدية لأن تلك الدفعات مسؤولة عن التغييرات في توزيع الدخل.

ومن الجدير بالذكر ان اية دراسة في هذا الإتجاه يجب ان تدرس وقع جميع اشكال الضرائب والدفعات التحويلية الى جانب الدخل ومدى الحياة بدلا من النظر الى كل سنة على حدة كي تأخذ في حسابها التغييرات التي قد تحدث على مدى حياة الإنسان ( مثال ذلك دخول الناس وخروجهم من سوق العمل ، ودفع ضريبة الضمان الإجتماعي في سن الشباب ومن ثم تلقي الضرائب كعلاوت ومنافع في سن التقاعد ) مع اخذ التعقيدات الهائلة في نظام ضريبي كالنظام في الولايات المتحدة الأمريكية . فذلك يشير الى الثغرات في المواقف والتحليلات من الخفض الضريبي المذكور وقد تزيد النقطتين التاليتين الموضوع وضوحا :

أ- (( الكونجرس يشرع الكثير من التخفيضات الضريبية التي تسمى ايضا بالتفضيلات الضريبية اوالنفقات الضريبية والتي تترك انواعا معينة من الدخل دون فرض ضريبة عليها او تخضع بقدر طفيف لضريبة او تسمح للأمريكيين بإقتطاع نفقات معينة ومن الأمثلة على ذلك : سندات حكومات الولايات او الحكم المحلي والتأمين الطبي الذي يقدمه رب العمل واعانات الضمان الإجتماعي ومكاسب صناديق التقاعد و في الوقت نفسه يسمح للأمريكيين بإقتطاع ضرائب الأملاك زالدخل التي تدفع للولاية او الحكم المحلي إضافة الى ما يدفع كفائدة على رهن المنازل حيث بلغ مجموع الأكثر أهمية من الإعفاءات او التخفيضات الضريبية من النوع المذكور 406 بليون دولار في العام 1995 م .)) ( 16 )

لنتذكر الـ 406 بليون دولار أعلاه ونرجع الى القرار الأمريكي الأخير والذي يقضي باستمرار خفض الضرائب والتي يستفيد منه بصفة أساسية الشريحة الغنية العليا في المجتمع الأمريكي وهم المستثمرون ومن يمتلك أسهم في الشركات المختلفة الذين سيستمتعون بخفض مقداره 15% على أرباح أسهمهم ... ويبلغ حجم خفض الضرائب المقترح ما يقرب من 70  بليون دولار سنويا. يبدو القرار يخص ضرائب دخل الشركات :

ماهو ضرائب دخل الشركات بإختصار ؟

(( بعد ان تقوم الشركة بدفع نفقاتها واحتساب دخلها السنوي يتوجب عليها دفع جزء من ذلك الدخل للحكومة الفيدرالية وكانت اعلى نسبة ضريبة فيدرالية على الشركات في العام 1993 هي 35 بالمئة من ارباح الشركة وتدفع الشركات الصغيرة ضريبة اقل قليلا على اول 7 ألف دولارمن ارباحها . وربما كانت ضريبة دخل الشركات المساهمة اكثر الضرائب التي تدور حولها الخلافات من الضرائب الفيدرالية . ويعارض الكثيرون من علماء الإقتصاد هذه الضريبة على اساس ان الشركات المساهمة ليست سوى كيان قانوني لا يجوز فرض ضرائب عليه . فبفرض ضريبة على ارباح الشركة وبعد ذلك على ارباح الاسهم المدفوعة من قبل الشركة الى الافراد تكون الحكومة قد اخضعت الشركة لازدواج ضريبي وبسبب الازدواج الضريبي فإن انتاج الشركات المساهمة هو القطاع الذي يتحمل اثقل عبء ضريبي في الاقتصاد وهي حقيقة قد لا تشجع على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي . ويؤيد بعض الاقتصاديين إلغاء ضريبة دخل الشركات المساهمة ويريدون بدلا من ذلك تجيير الدخل المكتسب من الشركة الى مالكيها وفرض الضريبة الشخصية وقد اظهرت بعض الدراسات ان هذه الخطوة قد تحسن كفاءة الاقتصاد بمقدار بضعة بلايين الدولارات . ))(17)

وحين ننظر في جدول مقبوضات الضريبة الفيدرالية للسنة المالية 1995 ( 18 ) مثلا نرى :

 

نوع الضريبة

المقبوضات ( بالمئة من المجموع )

تصاعدية :

 

1- ضرائب الدخل الفردية

44.0

2- ضرائب التركات والهدايا

1.0

3- ضرائب دخل الشركات

10.4

نسبية :

 

1- ضرائب جداول الرواتب

36.2

تنازلية :

 

1- ضرائب الإنتاج

5.3

ضرائب ومقبوضات اخرى

3.1

المجموع

100.0

 

ومن التدقيق والمقارنة في الجدول اعلاه يتضح حجم التضخيم والأحادية في تفسير التخفيض الضريبي الأخير حيث ان الأغنياء وغيرهم يدفعون 44 بالمئة كضرائب دخل فردية تصاعدية وهي تشكل اربعة اضعاف ما تدفعه الشركات كضرائب دخل علما انه لغير الأغنياء ايضا أسهم في هذه الشركات هذا إضافة الى نسبة التخفيض ليست بكبيرة مقارنة مع الأصل ومجموع المقبوضات وهويشمل الأموال الخاصة ببرنامج التأمين الوطني الخاص بالتقاعد ومخصصات الشيخوخة التي ستسثمر في البورصة لتحاشي افلاسه في غضون 40 عاما ، ولتمكينه من دفع المخصصات المذكورة مستقبلا .

 

 

مواضيع ذات علاقة :


1- بإختصار-4 - : الإسلام  مع الدولة الحارسة ام مع دولة الرفاهية ؟

2- خفض المساعدات الخارجية ... ومناقشة خفض الضرائب للأغنياء .

3- الجيل الجديد من اليسار الجديد .

4- مستقبل البلرية .

5- دولة الرفاه العراقية بين الوهم والحقيقة .

6- يسارجديد في مواجهة المحافظين الجدد .

7- قراءات في فكر الإمام الشيرازي الراحل ( ر ):

- الأسعار والأجور والرفاه

- التجارة الحرة وإغراق السوق

- الخصخصة والتخصص

- الإنـتـاج والـدخل والفـقـر والحرية

- تضخم الجهاز الحكومي

- لا مركزية إدارة الدولة في الدستور

 

المصادر :


 

(1) : الشرق الأوسط – 7-4-2006   

(2) : تقرير واشنطن-العدد 58-16-5-2006

(3) : الإقتصاد – ترجمة الطبعة الخامسة عشرة – بول آ . سامويلسون و يليام د . نورد هاوس – ترجمة : هشام عبدالله – مراجعة د ز أسامة الدباغ – الأهلية - ص345

(4) :المصدر السابق : ص 349 - نقلاً عن دافيد ستوكمان (( إنتصار السياسة )) – افنون نيويورك 1978 .

(5) : المصدر السابق :  ص : 346

(6) : المصدر السابق : ص346 .

(7) : المصدر السابق : ص346

(8) : المصدر السابق : ص 346

(9) : المصدر السابق :  ص346

(10) : المصدر السابق : ص346

(11) : الحوار المتمدن - العدد: 1115 – تحت عنوان : امريكا: مجتمع المُلكية ينقلب على دولة الرفاه - يعقوب بن افرات .

(12) : المصدر السابق

(13) : المصدر السابق

(14) : الإقتصاد – ترجمة الطبعة الخامسة عشرة – بول آ . سامويلسون و يليام د . نورد هاوس – ترجمة : هشام عبدالله – مراجعة د ز أسامة الدباغ – الأهلية - ص : 335

(15) : الحوار المتمدن - العدد: 1115 – تحت عنوان : امريكا: مجتمع المُلكية ينقلب على دولة الرفاه - يعقوب بن افرات .

( 16 ) : الإقتصاد – ترجمة الطبعة الخامسة عشرة – بول آ . سامويلسون و يليام د . نورد هاوس – ترجمة : هشام عبدالله – مراجعة د ز أسامة الدباغ – الأهلية -  ص 341

( 17 ) : المصدر السابق :   ص : 342

( 18 )  : المصدر السابق :   ص: 339

 

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

http://www.siironline.org  

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 19/تموز /2006 -21  /جمادي الاخرى/1427