المرجع السيد الشيرازي: الغضب أساس كثير من المعاصي والعزم والتصميم هو اساس الخير والصلاح

 

المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله: إنّ أي إنسان، رجلاً كان أو امرأة، كبير السنّ أو شاباً، عالماً أو جاهلاً، فقيراً أو غنياً، سليم البدن أو مريضاً، يمكنه أن يكون من خير عباد الله سبحانه وإن عاش في أجواء غير صالحة. وخير مثال على ذلك هي آسيا بنت مزاحم إمرأة فرعون.

جاء ذلك خلال توجيهاته وارشاداته القيمة التي ألقاها على جمع من أعضاء (حملة العقيلة زينب سلام الله عليها) من مدينة صفوى السعودية، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة في يوم الاثنين المصادف للتاسع والعشرين من شهر جمادى الأولى 1427 للهجرة.

وتلا سماحته الآية الشريفة: «وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة و...» وقال: إن الله تبارك وتعالى يضرب المثل بزوجة فرعون التي كانت امرأة مؤمنة عاشت في بيت خلا من الصلاح، وكان فاسداً اخلاقياً، وعقائدياً، وسلوكاً وعملاً، وهو بيت فرعون. وهي لم تكن خيّرة وصالحة فحسب، بل بلغت الذورة والقمة في الخير والصلاح، حتى جعلها الله عزوجل مثلاً يقتدى بها، للنساء المؤمنات، وللرجال المؤمنين، وذلك بقوله عزّ من قائل: «للذين آمنوا».

وأوضح سماحته: إن عبارة (الذين آمنوا) تعمّ الرجال والنساء. ويمكن القول عند التعبير في مقام بيان المقصود من الآية الكريمة: إن الله جلّ شأنه هكذا يقول: أيتها المؤمنات تعلّمن من زوجة فرعون، وأنتم أيها المؤمنون تعلّموا أيضاً منها.

وتساءل سماحته: من البديهي أن من يولد في بيت صالح، وينمو ويتربى في بيئة صالحة، وينشأ في أجواء صالحة سيكون صالحاً، لكن قد يُتساءَل كيف يتسنى لمن يعيش في أجواء غير صالحة أن يكون صالحاً ويبلغ الذروة في الخير والصلاح كامراة فرعون مثلاً؟

فأجاب: إن الذي جعل امرأة فرعون أن تكون هكذا هو عزمها على الصلاح والخير، ونبذ الفساد والضلال. فالله تعالى منح كل إنسان قدرة يمكنه بها أن يرتقي القمة في الأخلاق والعقيدة والعمل والسلوك.

وشدّد سماحة قائلاً: إذا عزم الإنسان وصمّم وبنى أمره على أن يكون جيّداً وصالحاً، ويتحلّى بالفضيلة والأخلاق الحسنة، ويلتزم بالقول السديد والعمل الصالح، مع الله سبحانه ومع الناس ومع نفسه فسينال التوفيق الإلهي في حياته. فالذين وفِّقوا في حياتهم كانوا مثلنا ومثلكم، رجالاً أو نساءً، كما أنه كان هناك بون شاسع بين أخلاق فرعون وأخلاق زوجته. لكن الذي أوصل امرأة فرعون إلى تلك المرتبة السامية، ووفَّق الآخرين ـ من أمثالها ـ في حياتهم هو العزم والتصميم على الخير والصلاح.

وخاطب دام ظله الضيوف الكرام مؤكداً: أنتم أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات في زيارة إمام معصوم وهو مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه، وفي زيارة أخته الجليلة كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة سلام الله عليها، فاستفيدوا من فرصة الزيارة بالعزم والتصميم على الخير والفضيلة وصلاح العقيدة والأخلاق والقول والسلوك، وعلى العمل الحسن مع الله تبارك وتعالى ومع غيركم ومع أنفسكم، وخصوصاً في هذه الأيام، أيام ذكرى استشهاد سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها. فلتصمم الزوجة على أن تتعامل بالحسنى مع زوجها وإن كان يتعامل معها بسوء، فهو مهما أساء لن يبلغ مستوى فرعون في الإساءة. وليصمم الزوج على التعامل الحسن مع زوجته وإن كانت غير جيدة في تعاملها معه. وهكذا بالنسبة للآباء والأمهات في تعاملهم مع أولادهم، وتعامل الأولاد مع آبائهم وأمهاتهم، والأرحام والجيران في تعاملهم مع بعض، سواء في الحضر أو السفر، وفي المسجد والحسينية، وفي أي مجال، يجدر أن يبنوا أمرهم على الصلاح والخير، حتى يحظوا بالتوفيق والسعادة في الدارين.

وفي هذا السياق أكّد المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله أن الغضب أساس كثير من المعاصي والموبقات. فأكثر حالات الطلاق يكون أساسها الغضب، وأساس أكثر المشاكل بين الآباء والأولاد، وبين زملاء العمل، بل وظلم الحاكم للرعية هو الغضب. فينبغي ضبط النفس عن الغضب حتى لا تقع المشاكل ولا تُقترف المعاصي.

وقال سماحته ذلك في كلمة اخرى ألقاها بجمع من الزوّار من مدينة القطيف السعودية، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة يوم الاثنين المصادف للتاسع والعشرين من شهر جمادى الأولى 1427 للهجرة. وأضاف سماحته:

ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق سلام الله عليه قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله رجل بدوي فقال: إني أسكن البادية فعلّمني جوامع الكلام. فقال: آمرك أن لا تغضب. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرّات، حتى رجع الرجل إلى نفسه فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله إلا بالخير».

وعقّب سماحته قائلاً: هذه الكلمة الواحدة من رسول الله صلى الله عليه وآله تكون سبباً لانتهاء الإنسان عن كثير من المعاصي وانتشاله من كثير من الموبقات. لأن الغضب يؤدي بالإنسان إلى اقتراف المعاصي كالقتل، أو السرقة، أو الظلم، وماشابه ذلك.

وأوضح سماحته: في الواقع من الصعب أن يملك الإنسان نفسه من الغضب إذا تهيأت له أسبابه، ولكن يمكن الغلبة على الغضب بالعزم والتصميم على عدم الغضب أبداً، مهما كانت أسبابه ومهما بلغ. فالعزم مقدمة للتوفيق في كلّ مجال ومنه تمالك النفس وضبطها عن الغضب، أو تلافي الغضب الكثير، وبالنتيجة تلافي آثاره السلبية. وبالعكس من لم يصمم على أن لا يغضب فسيضيّع دينه ودنياه، وأقرباءه وأصدقاءه، وطاعاته وخدماته وأعماله، وربما يؤدّي به إلى الانتحار أو قتل غيره.

يقول الإمام أميرالمؤمنين صلوات الله عليه: «من طلب شيئاً ناله أو بعضه».

وأردف سماحته: إن العزم والتصميم على ملك النفس عن الغضب لجميل في أي زمان ومكان، وسيكون أجمل لو صمم المرء على ذلك في هذه الأيام، أيام ذكرى استشهاد مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وفي حال زيارته للأماكن المقدسة ومنها مرقد الإمام الرضا ومرقد كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة صلوات الله وسلامه عليهما.

وأكّد دام ظله: لو صادف أن ابتلي الإنسان بأسباب الغضب فينبغي له أن يستغفر الله تعالى أولاً، وثانياً يعزم على أن لا يغضب مرة أخرى. فبهذين الأمرين يقترب الإنسان من السعادة، ويعش حياته موفّقاً وسعيداً.

المصدر: www.s-alshirazi.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 4/تموز /2006 -/جمادي الاخرى/1427