خدعة الديمقراطية الكبرى.. الأمارات نموذجاً

مهند حبيب السماوي

 تُعد الديمقراطية، في الوقت الحاضر, من بديهيات ومسلّمات الفكر السياسي في أغلب الدول الأوربية الحديثة التي وجدت فيها الديمقراطية تطبيقاً على أرض الواقع.إذ قد أجمعت هذه البلاد _ وكما هو معروف_ على أن من أهم متطلبات الحياة السياسية يتمثل في صيغة الديمقراطية ومرتكزاتها التي تتألف من الانتخاب الحر للسلطة السياسية، وضرورة الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووجود دستور تستمد منه الدولة قوانينها وتشريعاتها، بالإضافة إلى حرية التعبير عن الرأي واحترام حقوق الإنسان وتكوين الأحزاب والتجمعات السياسية وإنشاء وسائل أعلام مستقلة.....الخ.

وفي رأيي الشخصي - أن الديمقراطية- من حيث أنها شكل من أشكال الحكم السياسي, ليست حتمية تاريخية، ولا مطلب عالمي، ولا ضرورة كونية، على الرغم من كل الشعارات الزائفة والكليشهات الخادعة والعبارات المموهة والمصطلحات المنمقة التي تحاول أمريكا تسويقها عبر وسائل الأعلام إلى دول العالم عموماً وبعض بلداننا العربية خصوصاً.

فالمنطق العقلاني التحليلي الهادئ من جهة أولى واستقراء الواقع المعاش والتجربة السياسية اليومية من جهة أخرى، يؤديان بنا-كل على حده- إلى رفض الادعاء العريض المتعلق بحتمية الديمقراطية, وضرورة تطبيقها في كل أرجاء دول العالم الأخر،خصوصاً في عالمنا العربي الذي تجد أمريكا فيه سوقاً كبيراً ومرتعاً خصباً لتسويق مفهوم الديمقراطية وما يتضمنه من أفكار أخرى تتعلق به تعلق الطفل بأمه الرءوم وذلك بسبب الأفعال المشينة والتصرفات الحمقاء والسلوك الأهوج لبعض حكّامه بحق شعوبهم المبتلية بهم.

واعتقد أن موقفي الواضح والصريح الذي يتبنى رفض مبدأ حتمية الديمقراطية وضرورة تطبيقها في كل بقاع العالم، لا ينطلق من موقف عرقي مغلق أو أساس تعصبي أعمى, بوصف الديمقراطية ( بشكلها المعاصر) نتاج الآخر الذي هو ليس أنا، بالمعنى الفردي والجمعي للكلمة، وبالتالي لا ينتمي إلى فضاء هويتي ومجال حضارتي ومساحات ثقافتي. بل هو موقف يستند إلى ثلاثة أسباب وجيهة يُعضد بعضها الأخر :

الأول: يتعلق في اختلاف التجربة السياسية لكل شعب من شعوب العالم, مما يعني  استحالة أو عدم أمكانية سلخ تجربة ما من سياقها التاريخي واستنساخها في بلد آخر, لأنها لا تدور في سياق تجاربنا.حيث أن بعض تلك المفاهيم المصدرة إلينا قد ولدت ونشأت ونضجت من خلال أتون تجارب ومخاضات بلدان معينة اختمرت في فترة زمنية محددة وفي ظروف مكانية محكومة بقوانين تاريخية تختلف بل وتتناقض مع بلدان العالم الأخر التي تعيش في عوالم أخرى ( بالمعنى الانطولوجي والابستمولوجي) سواء كانت في نفس القارة أو غيرها.

الثاني: يتركز في أن أمريكا وغيرها من مصدري مبدأ الديمقراطية تروم فرض هذه المصطلحات علينا بالقوة كصيغة مثلى للعيش ونمط وحيد للحياة من ناحية, وكجزء من خياراتها التي تراها كونية ومطلقة وقابلة للاستنساخ من ناحية أخرى, وذلك من اجل تحقيق مآرب وغايات معينة تتخفى وراء هذه المفاهيم, بدليل أن أمريكا التي تحاول تصدير الديمقراطية وتبشر بها تتحالف وتؤيد الكثير من البلدان التوتاليتارية والأنظمة الدكتاتورية التي بينها وبين الديمقراطية بوناً شاسعاً.

الثالث: أن شكل الحكم الذي يختاره شعب ما يستند بالأساس إلى قيم نفعية ومصالح برغماتية يراها هذا الشعب أو ذاك مناسبة له وملبية لطموحاته ومتوافقة مع عقائده التي يؤمن بها ويراها صحيحة وتقوده عبر سفينتها إلى بر الأمان متحملين في الوقت نفسه مسؤولية قرارهم واختيارهم. ولذلك من غير الضروري أن تكون الديمقراطية صيغة وحيدة للحكم تلغي وتستأصل الصيغ السياسية الأخرى للحكم التي ربما يقررها شعب من شعوب العالم بملء أرادته المستقلة.  

ولعل ابسط مثال على بطلان ضرورة الديمقراطية كشكل وخيار وحيد للحياة السياسية, تجربة بعض الدول الخليجية في الوطن العربي، كالأمارات العربية المتحدة. فالمواطن الإماراتي، مثلاً، لا يفكر في الديمقراطية ولا يطالب حكوماته بأجراء انتخاب ولا يحاول تشكيل أحزاب سياسية لأنه يعيش- وببساطة- برفاهية عالية وبمستوى معاشي أفضل حتى من الإنسان الأوربي, بحيث يتوفر له ما يطلبه وما يحتاج إليه في حياته اليومية وبالتالي تُشبع ميوله وتُلبى رغباته وتتحقق طموحاته وأحلامه وأمنياته التي يسعى إليها مع الغياب الكامل، بطبيعة الحال,لانتهاكات حقوق الإنسان لديه من قبل حكومته.

 في حين على النقيض من ذلك نلاحظ أن المواطن السوري أو المصري, مثلاً،يُطالب بالديمقراطية كصيغة للحكم لأنه يتوقع أن الأخيرة يمكن أن تخلصه من أوضاعه المزرية وانتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة الذي يعيش في كنفها، فضلاً عن المستوى المعاشي المتدني الذي يرزح تحت وقره مع العلم أن حكوماتهم، لو رفعت المستوى المعاشي والخدماتي للمواطن وأعطى لكل ذي حق حقه وأصبح في مقدور أي إنسان العيش برفاهية وبمستوى راقي، لما طالب بالديمقراطية ولأصبحت لديه مجرد شعار مستلب المضمون ومجرد المحتوى وعاري الدلالة لا يتناسب مع واقعه الذي يعيشه كما هو الحال بالنسبة لنظرة المواطن الإماراتي  للديمقراطية عموماً.

واستناداً إلى هذا التحليل البسيط يتبيّن لكل قارئ خطيئة زعم حتمية الديمقراطية ووهم ضرورة تصديرها من أوربا وتطبيقها في كل بلدان العالم الأخر وخصوصاً بلداننا العربية التي ينظر بعضها للديمقراطية كحل محتمل للهروب من ضباب النفق المظلم الذي ساقها إليه _ كقطعان الماشية _ بعض حكّامها وقادة أنظمتها الهزيلة المهزومة.                                               

 [email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد  2/تموز /2006 -/جمادي الاخرى/1427