الرئيس اليمني وعقدة الحكم

الدكتور طالب الرماحي

 (إنه الملك.. ولو نازعتني عليه لأخذت الذي فيه عيناك).. هذه النزعة (الهارونية) حكمت عقلية الحكام العرب وما زالت تستحوذ على مشاعرهم، وما بعد ذلك لايمثل إلا دجلاً ونفاقا وخداعاً لشعوبهم وللعالم وللأمة العربية.. ومن هؤلاء الذين برعوا في الدجل كأسلوب للبقاء في السلطة هو حاكم العراق المخلوع صدام الذي كان يضع ورقة الإستفتاء بين يدي المواطن العراقي وعلى رأس ذلك المواطن سيف مشهر يطيح برأس من لم يؤشر على مربع الـ (نعم)، هذا ووسائل إعلامه المرئية والمسموعة تنعق بترانيم الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان المصانة وحقوقه المضمونة تحت ( صاية ) القائد الضرورة.

علي عبد الله صالح التلميذ الشاطر الذي أحسن تقليد إستاذه (صدام)  في صنع مسرحية يخدع بها شعبه ويخدع بها العالم، لقد سبق وأن أسمع العالم أجمع في  حزيران سنة 2005 وقطع على نفسه وعداً للشعب اليمني ، أنه لن يرشح نفسه لولاية أخرى، وبذلك أراد أن يُفهم العالم أنه زاهد في الحكم وأن نزعة الديمقراطية التي تستحوذ على الحكام العرب لم تستطع أن تلوي ذراعه وها هو يطلب من حزب المؤتمر الشعبي أن يبحث عن بديل له في انتخابات 22 أيلول 2006 وليفتشوا عن آلية لأنتقال السلطة سلميا لمن يختاره اليمنيون في انتخابات حرة ونزيهة. في الواقع لم يصدق الشعب اليمني المظلوم ذلك الإدعاء وكذلك لم يصدق ذلك  أغلب المحللين السياسسين والمراقبين للوضع السياسي في اليمن وخاصة أولئك الذين يعرفون ثقافة علي عبد الله صالح ( البعثقومية ) والتي استقاها من تراث الأحزاب القومية وتراث ومتبنيات ميشيل عفلق وخاصة أن ( صالح ) أمضى ردحاً من حياته في بغداد في مدرسة البعث الصدامية التي تعتبر أقبح مدرسة صدَّرت الى الأمة العربية مفاهيم الكفر السياسي والإنحراف الخلقي، ولذلك فإن عودة الرئيس اليمني في 24 حزيران 2006 عن رغبته في عدم ترشيح نفسه لولاية أخرى جاءت متطابقة مع توقعات كل السياسيين وتوقعات الشرفاء من أبناء الشعب اليمني والذين يدركون أن سنخ هذا الرئيس من سنخ الحكام العرب الآخرين الذين تمسكوا بحكم البلاد ورقاب العباد حتى أذن الله لعزرائيل أن يختطف أرواحهم وينتزعهم من كرسي الحكم انتزاعاً، أو أن تأتي صاعقة غير متوقعة تطيح بهم وبأحلامهم وعلى شاكلة الصاعقة الأمريكية التي أطاحت بإحلام قائد الضرورة وسيف العرب وحارس البوابة الشرقية في العراق في 9 أبريل 2003.

إن هذه الخطوة المراوغة التي خطاها علي عبد الله صالح والتي جاءت مطابقة لما درج عليه  أغلب الحكام العرب تنم عن رغبة حقيقية وإصرار على البقاء جاثما على صدر الشعب اليمني، فقد أوعز الى زبانيته في  مؤسسته الحزبية ( المؤتمر الشعبي العام ) بشراء تأييد الفقراء والمعدمين والجهلاء والبسطاء حيث أخبرني أحد اليمنيين المراقبين لمشاهد هذه المسرحية أن لجان المؤتمر الشعبي العام قد قامت بجولات متتابعة في محافظات اليمن ووزعت على جموع المعدمين بعض الأموال الزهيدة مقابل أن يتجمعوا وسط صنعاء وفعلاً استطاعت لجان حزب علي عبد الله صالح من نقل عشرات الآلاف منهم ليهتفوا بشعارات خطتها أنامل الحزب الحاكم مسبقاً. كما أن هذا الحاكم المتغطرس استغل ضعف جبهة المعارضة والتي أطلقت على نفسها (بأحزاب اللقاء المشترك) والتي تتألف من حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يرأسه السلفي والوهابي الهوى عبد الله الأحمر وقرينه الزنداني الذي سبق وأن اتهم بالإرهاب بعد أن ثبتت عليه هذه التهمة من خلال ارتباطه بالكثير من شيوخ الإرهاب في اليمن من أمثال ( ابو الحسن السليماني المصري ) ويعتبر حزب الأحمر من أقوى حلفاء الرئيس اليمني وهو أقوى طرف في  جبهة المعارضة مع الحزب الإشتراكي الذي يعاني من ضعف مزمن نتيجة لإغتيال أمينه العام المساعد جار الله عمر من قبل مخابرات الدولة في سنة 2003. أما الحزب الوحدوي الناصري والذي يشكل أحد زوايا مثلث ( احزاب اللقاء المشترك ) هو الآخر يعاني من أمراض مزمنة ورفض شعبي وتهميش متعمد من قبل الحكومة  لقياداته، ناهيك من أنه يعيش أكثر من أزمة داخلية واستطاع علي عبد الله صالح  نتيجة لذلك من أن يروضه لصالحه بعد أن منح بعض قياديه مناصب ثانوية في الدولة.

وهكذا استطاع ( صدام اليمن ) أن يجرد ( احزاب اللقاء المشترك ) من أي فاعلية أو أثر على مبادرته الأخيرة ونقضه الوعد الذي قطعه على نفسه في عدم إعادة ترشيح نفسه لولاية أخرى وإعلان ذلك أمام الملآ بإسلوب مسرحي فج ليبقى جاثماً على صدر الشعب اليمني سبعة سنوات عجاف أخرى.

إن علي عبد الله صالح مازال يعيش في عقلية اقرانه من الحكام العرب، عقلية الحاكم الذي يتصور أن في وسعه أن يخدع شعبه بوعود كاذبة أو إغراءات تناغم مشاعر الفقراء والمساكين، ويظن أن وسائل الترغيب إذا ما أخفقت في إخضاع الشعب فإن أدوات البطش كفيلة بذلك، هذه العقلية لم تستوعب بعد طبيعة رياح التغيرات العالمية التي عصفت بشرق أوربا وبعض دول العالم ووصلت أطرافها للعراق وهي في طريقا لكل شبر في الشرق الأوسط. إن ( صدام اليمن ) لا يريد أن يصدق أو أن يدرك أن العالم بدأ يرفض كل اشكال الديكتاتوريات وأي نوع من النظم الشمولية بعد أن عرف العالم أن خطورة مثل هذه الأنظمة ليست على شعوبها وحسب وأنما لها تداعيات على البشرية جمعاء وخاصة أن هذا العالم يشهد تطورات مثيرة في تبادل المعلومات وسبل التواصل تجعل منه أقرب الى الدولة الواحدة، ناهيك من أن الشعوب  بدأت تدرك أهمية إعادة النظر في حماية حقوق الإنسان في كل أرجاء الدنيا، بعد أن شهد الكثير من الإعتداءات الصارخة من قبل أنظمة ديكتاتورية على شعوبها كانت حصيلة ممارساتها اللاإنسانية الملايين من القتلى والمفقودين وألمعوقين، وما حصل بشكل فضيع في العراق وكمبوديا ودول أوربا الشرقية زمن النظم الشيوعية بل وحتى في بقية الدول العربية في وقتنا الحاضر ومنها اليمن، وما عاد هذا العالم يقبل أي نوع من أنواع الإضطهاد والإلغاء ومصادرة الحريات، وفرض الإرادات والقيادات والحكام.

هذه الحقائق بدأ الشعب اليمني يدركها جيدا وأن هناك حركة دؤوبة بين المثقفين والشرفاء بل وفي صفوف كل فئات الشعب اليمني تسير باتجاه رفض أي إجراء تقوم بها الحكومة اليمنية لا تنسجم مع إرادتها وتطلعاتها وأهدافها في بناء دولة يمنية حرة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان اليمني وترعى مصالحه، ولهذا فإن واجبا وطنيا وإنسانيا وشرعيا يقع على عاتق المثقفين والكتاب وكل الشرفاء في اليمن أن يبادروا الى التحرك محليا وعالمياً لإسقاط إكذوبة الرئيس اليمني في أن الشعب متعلق بأذياله ولا يستطيع العيش من غيره، وليثبت عكس ذلك إذ أن اليمنيين قد ضاقوا ذرعا به وبرموزه الذين كتموا أنفاس الشعب اليمني منذ سنة 1987 عندما سرقوا الحكم من أبناء اليمن على طريقة الإنقلابيين العسكريين العرب في انتزاع الحكم انتزاعاً دون إرادة الشعب أو اختياره. كما أن التحرك باتجاه المؤسسات الإنسانية العالمية ومنظمات حقوق الإنسان في الخارج ومخاطبتها جدير بأن يثني علي عبد الله صالح عن خطوته الأخيرة والتفافه على إرادة الجماهير في البقاء سبع سنوات أخرى سوف تزيد من البطالة والفساد الإداري وتفشي الرشاوى وفسح الفرصة لرموز حزب المؤتمر اللاشعبي العام بسرقة المزيد من قوت الشعب وتعميق حالة التخلف والفقر.

 إن وقت استرداد الشعب اليمني لحقه وكرامته واستلام زمام أموره قد اقترب مع ازدياد صرخاته المدوية والمطالبة بحقه في أن يحكم نفسه ويتخلص من كل شكل من أشكال العبودية والقهر....

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء  28/حزيران /2006 -/جمادي الاخرى/1427