معاناة فلسطينية شعبية وسط أزمة مالية طاحنة

لم يكن محمد الامين وهو صاحب سوبرماركت يجد غضاضة في بيع المواد الغذائية على الحساب لموظفي الحكومة الفلسطينية. لكن هذا الوضع تغير الان.

وفي ظل عدم قدرة الحكومة التي تقودها حركة المقاومة الاسلامية (حماس) على صرف رواتب مارس اذار وابريل نيسان فان الامين يقول انه اضطر الى وقف البيع على الحساب الى موظفي الحكومة الذين يدينون له بمئة الف شيقل (22 الف دولار).

وأوقف الامين أيضا التعامل مع الوزارات الفلسطينية بعدما تراكمت عليها فواتير بقيمة 300 الف شيقل. وسوبرماركت الامين في رام الله بالضفة الغربية هو أحد أكبر المتاجر في المناطق الفلسطينية حيث بيع السلع على الحساب أمر معتاد.

وقال الامين وهو يسحب نفسا عميقا من سيجارة "ليست لدى سيولة لاشترى البضائع ويجب أن أجمع الديون المتأخرة. لكن لا يمكنني عمل ذلك لان الناس ليس معهم نقود. لذا توقفت عن البيع على الحساب والا سأفلس."

وتوضح معضلة الامين الضائقة التي تواجه الفلسطينيين العاديين وأيضا قطاعات الاعمال فيما يتعمق أثر حملة تشنها اسرائيل والبلدان الغربية لعزل الحكومة الجديدة.

وقطعت الدول الغربية المساعدات المباشرة الى الحكومة في حين أوقفت اسرائيل تحويلات الضرائب الى أن تعترف حماس بالدولة اليهودية وتلقي السلاح.

ويقول مسؤولون فلسطينيون ان الضغوط الامريكية أجهضت أيضا خطة ساندتها حماس تقضي بايداع الجامعة العربية أموال المانحين مباشرة في حسابات 165 الف موظف حكومي. وحذر البعض أن الاقتصاد قد ينهار في غضون شهور.

وتهاوت مبيعات الامين بمجرد وقف صرف الرواتب الحكومية التي تدعم بشكل غير مباشر واحدا من كل أربعة فلسطينيين في أعقاب تشكيل حماس للحكومة في 29 مارس.

وحتى الفلسطينيين الذين لايزال لديهم أموال قصروا المشتريات على الاساسيات مثل الخبز والزيت والارز.

وأضاف الامين "الناس لم يعودوا يشترون مثبتات الشعر. انهم لا يشترون مستحضرات التجميل... لم تعد ترى العربات تجوب السوبرماركت. انظر... انها تصدأ بالخارج."

وقال خالد الخليلي وهو جزار انه كان يبيع في السابق عشرة أغنام يوميا. والان يعتبر نفسه محظوظا اذا باع رأسين. وأضاف أن الزبائن يشترون كميات قليلة جدا من اللحوم.

وقال وهو يلوح بسكين داخل متجره في رام الله "من النادر جدا أن ترى موظفا حكوميا هنا." وتقول لافتة على حائط متجره ان البيع على الحساب غير مسموح به.

وقالت خديجة حسين (36 عاما) وهي موظفة حكومية انها اقترضت هي وزوجها أموالا من أصدقاء لشراء الطعام لبناتهما الثلاث لكن الاموال التي في حوذتهما نفدت. ويستحق عليهما ايجار شهرين أيضا.

وقالت "لم نأكل لحما أو دجاجا منذ شهر. نعيش على الخبز وزيت الزيتون والعدس."

وقالت وهي تحبس دموعها "الشيء الاكثر ايلاما هو عندما يريد ابنك شيئا ولا تستطيع شراءه... أحيانا أندم أني جئت بالبنات الى تلك الحياة."

ولم تقطع الدول الغربية المساعدات الانسانية في حين قالت واشنطن انها ستزيد تلك المساعدات. ولكن الرواتب الحكومية ظلت لفترة طويلة المحرك لاقتصاد مزقته سنوات من الصراع وسوء الادارة والقيود الاسرائيلية على التنقل.

وقالت خديجة "هذه مسؤولية الحكومة. اما أن يفوا بتلك الالتزامات أو يستقيلوا."

ويقول فلسطينيون اخرون ان عزلة حماس التي تقودها الولايات المتحدة ستعزز فقط شعبية الحركة التي يدعو ميثاقها الى القضاء على اسرائيل.

وفي مواجهة ارتفاع هائل في أسعار البنزين وقلة عددد الركاب يستخدم عبد الحكيم يس وهو سائق سيارة أجرة فلسطيني اسطوانات غاز الطهي لتشغيل سيارته القديمة في وقت تتفاقم فيه الازمة المالية في قطاع غزة.

ويقول يس (25 عاما) انه عندما تفرغ عبوات الغاز يتشاجر مع زوجته بشأن استخدام بعض امدادات الغاز من المنزل.

ويقوم فنيون في القطاع بتحويل سيارات الاجرة للعمل بالغاز بدلا من البنزين حيث يبلغ ثمن عبوة الغاز 36 شيقلا (ثماني دولارات) وهو ما يعادل ربع ثمن عبوة البنزين.

ورغم ان استخدام اسطوانات غاز الطهي في السيارات غير قانوني في المناطق الفلسطينية الا أن الفنيين يقولون ان المئات من سيارات الاجرة تحولت للعمل بالغاز توفيرا للمال في الوقت الذي تتقلص فيه الاعمال وترتفع أسعار النفط العالمية الى مستويات قياسية.

وقال يس المتزوج حديثا بينما كان يقف في أكثر ميادين غزة ازدحاما "ماذا أفعل... أسعار البنزين تتصاعد والناس ليس معهم نقود ولم يحصل الموظفون على رواتبهم. رجال الشرطة يفضلون المشي على ركوب سيارة أجرة هذه الايام."

والحكومة غير قادرة على دفع رواتب نحو 165 ألف موظف بالسلطة الفلسطينية والذين تعد رواتبهم محفز رئيسي للنشاط الاقتصادي في قطاع غزة والضفة الغربية.

وحذر المسؤولون الفلسطينيون من امكانية انهيار الاقتصاد في غضون شهور في الوقت الذي تكثف فيه اسرائيل والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الضغوط على الحكومة الجديدة التي تقودها حركة المقاومة الاسلامية (حماس). وقطعت الدول الغربية المساعدات المباشرة فيما أوقفت اسرائيل تحويل عوائد الضرائب المستحقة للسلطة.

وليس بوسع المواطنين الفلسطينيين العاديين سوى البحث عن وسائل أرخص من أجل البقاء.

وتم حظر استخدام عبوات غاز الطهي لتشغيل السيارات في غزة حيث أنها غير مصممة للعمل باستخدام بدائل أرخص من الوقود.

وقال عثمان مغربي وهو سائق سيارة أجرة بينما كان الغاز يتسرب من اسطوانة قريبة "انه خطر للغاية. السيارات غير مجهزة لذلك ويمكن أن يحدث تسرب وربما انفجار."

وأضاف "عندما يشعر الركاب بالضيق بسبب الرائحة.. اقول لهم انها تأتي من السيارات الاخرى. لا يمكنني المجازفة بفقدهم."

وباتت الاشتباكات بالايدي على الزبائن أمرا متكررا بشكل أكبر بين سائقي سيارات الاجرة. ويذهب البعض الى أي مدى للعثور على ركاب.

وقال عثمان "اقوم بمطاردة الركاب واقول لهم انني مستعد لنقلهم الى المريخ." واضاف انه يحتفظ بعصا غليظة داخل سيارته تحسبا لاي مشادات مع رفاقه السائقين.

لكن البعض يفضل التعامل مع الازمة الاقتصادية بطريقة مختلفة.

وقال الشرطي أبو الفهد ان أسرته المكونة من ثمانية أفراد اضطرت للتضحية بخصوص الطعام. غير أن الرجل الذي شاب شعره قال انه لا يفكر في تحويل سيارته للعمل بغاز الطهي.

وأضاف "افكر في بيعها والعيش بثمنها مع أسرتي."

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت  6/ايار/2006 -7/ربيع الثاني/1427