السيد الشيرازي: يجب التعلم من رسول الله الأخلاق ونقتدي به ونصنع كما كان يصنع

قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي انه يجب التعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله الأخلاق ونقتدي به ونصنع كما كان يصنع، ونقابل إساءة الأصدقاء والجار والأقارب وغيرهم وهذا بحاجة إلى عزم، ومن يعزم يوفّقه الله تعالى فالتوفيق لا يحصّل دون عزم وتصميم.

جاء ذلك خلال كلمة قيمة القاها سماحته في  جمع من طلاب العلوم الدينية من أفريقيا في ليلة السابع عشر من ربيع الأول 1427 للهجرة في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، حيث قال فيها:

اسأل الله سبحانه وتعالى بفضله العميم والواسع في هذه الليلة المباركة بذكرى ميلاد سيد الأولين والآخرين، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله، وذكرى ميلاد حفيده وناشر علومه الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه، أن يشمل الجميع بواسع فضله وتوفيقه وسعادته في الدنيا والآخرة. كما أسأل الله تعالى رعاية سيدنا ومولانا بقية الله الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف لنا جميعاً، كما آمل أن تكون كريمة أهل البيت مولاتنا فاطمة المعصومة سلام الله عليها شفيعة لنا في حوائج الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى في القرآن الحكيم: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر»(1).

ثم قال سماحته: المعنى المستفاد من هذه الآية الشريفة هو أن القرآن يأمرنا أن نتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله كلّ شيء، حيث قال علماء البلاغة: «حذف المتعلَّق يفيد العموم». فاقرأوا تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله واستثنوا ما كان من مختصاته صلى الله عليه وآله كصلاة الليل التي كانت واجبة عليه، وزواجه من تسع بالعقد الدائم، ودخوله مكة المكرمة بالسلاح حيث أبيح له ذلك ولمرة واحدة فقط وهذا الأمر لا يجوز لغيره مطلقاً. فاقرأوا وانظروا كيف كان يتعامل مع الأسرى والعبيد والأطفال والمؤمنين والعاصين والمنافقين. وكيف كان يعاشر زوجته وأصحابه وأقرباءه، وكيف تعامل مع أعدائه ومع ماله الشخصي ومال الأمة، وكيف كان يتعامل مع الله سبحانه. انظروا إلى سيرته بتمعّن ثم تأسّوا به، فالتأسّي برسول الله صلى الله عليه وآله لازم لمن يريد الفوز والنجاة في الآخرة كما قال عزّ من قائل: «لمن كان يرجو الله واليوم الآخر».

وحول سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله قال سماحته: سأذكر لكم نقطتين فقط عن حياة وسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأكتفي بذكر مثال واحد عن كل نقطة، لأن الحديث عن سيرته صلى الله عليه وآله يتطلّب المئات والمئات من الليالي والأيام.

النقطة الأولى: صموده صلى الله عليه وآله.

فقد كان صلى الله عليه وآله صامداَ في الحق ولأجل الله تعالى. وهناك العشرات من الأمثلة على ذلك ومنها: عندما بعثه الله تعالى كانت الكلمة الأولى له صلى الله عليه وآله مع المشركين هي: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا». وبما أن المشركين كانوا يعبدون آلهة متعددة ومتنوعة حيث كان لهم إله من خشب ومن قطن وحديد، وإله من حجر وطين، وإله من قماش وذهب وفضة ونحاس، وكان لكل قرية صنم، ولكل عشيرة صنم، ولكل عائلة صنم وأحياناً لكل فرد صنم، وبما أنهم كانوا قد نشأوا على عبادة الأصنام فكان قول رسول الله صلى الله عليه وآله هذا عليهم كبيراً. فشقّ عليهم ذلك وجاؤوا إلى أبي طالب سلام الله عليه عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا له: إن ابن أخيك سفّه أحلامنا وأفسد شبابنا و...، فقل له إن كان يشكوا العُدم فسنجمع له من المال ما يكون به أغنى العرب ونملّكه علينا، وذكروا كثيراً من هذه المغريات. فنقل أبو طالب سلام الله عليه كلامهم إلى رسول الله وكان بإمكانه صلى الله عليه وآله أن يقول: هذا اعتقادي، ولي أدلة عقلية تثبت ذلك وأستطيع إقناع من يناقشني بأنه لا إله إلا الله وأني رسول الله إلى الناس. لكنه صلى الله عليه وآله أجابهم بكلام قطع فيه عنهم الطريق من المجيء له ثانية حيث قال: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما فعلت»(2).

هذا صمود رسول الله صلى الله عليه وآله، وكلّ من يعرف الحق ويقتنع به فليستقم كما في قوله تعالى: «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(3) وليصمد، ولكن بأخلاق حسنة، لا بعنف أو بإرهاب أو بشدّة.

وأضاف: لنتعلّم الصمود من رسول الله صلى الله عليه وآله، ونحن في ذكرى ميلاده الشريف علينا أن نعزم في نفوسنا وقلوبنا أن نعاهده صلى الله عليه وآله على الصمود، عندها سنحظى بدعائه صلى الله عليه وآله لأنه يعلم بذلك. فكل إنسان مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عمّا يعتنق ويعتقد، ومسؤول في الدنيا أمام مجتمعه وأمام من يبلغهم خبره وأمام التاريخ في المستقبل. فالذي يعتقد برسول الله صلى الله عليه وآله عليه أن يصمد في سبيل رسول الله، والذي يعتقد بأمير المؤمنين عليه أن يصمد في سبيل أمير المؤمنين سلام الله عليه، والذي يعتقد بفاطمة الزهراء فعليه أن يصمد من أجلها وفي طريقها سلام الله عليها، والذي يعتقد بالحسن والحسين عليه أن يصمد معهما سلام الله عليهما، والذي يعتقد بباقي الأئمة عليه أن يصمد معهم سلام الله عليهم، والذي اقتنع بوليّ الله الأعظم صاحب العصر والزمان فليصمد معه عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

النقطة الثانية: أخلاقه صلى الله عليه وآله الفاضلة.

تصفحوا التاريخ واقرأوه بتمعّن حتى تعرفوا أخلاقه العظيمة ومنها: عندما كان صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة وكان يومها حاكماً ورئيساً للدولة الإسلامية وكان كلّ شيء تحت أمره ونهيه جاءه «أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظرتُ (القول لأنس بن مالك) إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أثّرت به حاشية الرداء من شدّة جبذته ثم قال له: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فضحك وأمر له بعطاء»(4) أي أنه صلى الله عليه وآله عفا عنه ولم يقابله بالمثل. وكان بإمكانه صلى الله عليه وآله أن يصفع الأعرابي أو أن يترك ذلك لأصحابه أو أن يقتصّ منه لأن الله تعالى يقول: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»(5) لكنه صلى الله عليه وآله لم يكافئه بالسيئة بل عامله بالفضل. فهل في دنيا اليوم يوجد رئيس حكومة يمكن الاقتراب منه فضلاً من جذب ردائه؟!

وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله زوجات وكان بعضهن سيئات التعامل معه صلى الله عليه وآله وقد عاتبهن القرآن أكثر من مرة كقوله تعالى: «إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير»(6). بل إن إحداهنّ شكّت في نبوته صلى الله عليه وآله. فقد ذكرت الروايات أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: أنت تزعم أنّك نبيّ؟ ولم ينقل أحد أنها تيقنت بعد ذلك. ونقل أيضاً: كان بينها وبينه صلى الله عليه وآله كلام فأدخل أباها حاكماً فقالت (لرسول الله صلى الله عليه وآله): قل، ولا تقل إلاّ حقّاً. فلطمها أبوها وقال: يا عدوّة الله! النبي يقول غير الحق(7) ؟!

فلم نجد ولو لمرة واحدة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قابل إساءة إحداهن بالمثل، سواء كانت إساءة بالكلام أو بالفعل.

كما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله أصحاب كثيرون وكان فيهم الجيّد والجيّد جداً، والسيئ والسيئ جداً، بل بعضهم كان من المنافقين بصريح القرآن الكريم حيث قال تعالى: «وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثم يُردّون إلى عذاب عظيم»(8). فابحثوا في التاريخ وانظروا كيف تعامل معهم صلى الله عليه وآله.

وشدّد سماحته قائلاً: يجب إذن أن نتعلّم من رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الأخلاق ونقتدي به ونصنع كما كان يصنع، ونقابل إساءة الأصدقاء والجار والأقارب وغيرهم كما كان يصنع مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا بحاجة إلى عزم، ومن يعزم يوفّقه الله تعالى إلى أن يكون في قائمته سبحانه ضمن من اقتدى برسول الله وتأسّى به صلى الله عليه وآله، وممن عمل بالآية الشريفة. فالتوفيق لا يحصّل دون عزم وتصميم.

وخاطب سماحته الطلاب الأفارقة وقال:

وراءكم مئات الملايين في القارة الأفريقية التي هي الآن معظمها حرّة أو مقبلة على الحرية، فحاولوا الاستفادة من أجواء الحرية بإيصال تاريخ وسيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم إلى كل هذه الملايين. فإن تسعين بالمئة من الشعب الأفريقي ليسوا مسلمين أو لا يعرفون أهل البيت سلام الله عليهم لكنهم ليسوا معاندين، وحتى المتعصبين الذين خضعوا لغسيل الدماغ إذا عرفوا الصورة الحقيقة للرسول الأكرم وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليه وعليهم تبدّلوا وتغيّروا. فلعل كلمة واحدة أو قصة واحدة أو سطراً واحد من عبارة تغيّر تاريخ الإنسان وحياته، كما حصل لعالِمٍ لم يكن يعرف أهل البيت سلام الله عليهم واستوقفه حرف الجرّ (من) في قوله تعالى: «وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً» وهو المقطع الأخير من الآية 29 في سورة الفتح التي ذكرت صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.

هذا العالِم تأمّل في هذه الآية الشريفة وتدبّر فيها، وفكّر وبحث في الكتب والأحاديث والتاريخ فوجد الحقّ وصمد في سبيله. حيث استنتج أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ليسوا كلّهم على صواب أو مغفوراً لهم، وليس كلّهم يؤجرون على صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وعلى ما أدّوه من صلاة وصيام وحجّ و... .

وأكد دام ظله: أنتم في المستقبل ستكونون إن شاء الله تعالى ممثلين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته الأطهار، فعليكم الاقتداء بهم صلوات الله وسلامه عليهم في القول والعمل، وأن تطبقوا في حياتكم أسلوب رسول الله صلى الله عليه وآله، وتعلّموا منه الصمود والأخلاق الحسنة، فالملايين في أفريقيا ينتظرون هدي الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بسببكم وبواسطتكم، وهدي القرآن الحكيم عبركم، وهدي أهل البيت سلام الله عليهم بقلمكم ولسانكم وأسلوبكم، فلا تحرموهم، وهذا بحاجة إلى خدمة وتعلّم كبير ومعمّق، وعمل واسع حتى توفّقوا.

اسأل الله سبحانه وتعالى ونحن نعيش هاتين الذكريين العظيمتين ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وذكرى ميلاد حفيده الإمام الصادق سلام الله عليه، أن يوفّق الجميع للاستنان بسنّته رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

------------------------

1/ سورة الأحزاب: الآية 21.

2/ تفسير القمّي/ج2/تفسير سورة ص /ص228.

3/ سورة الأحقاف: الآية 13

4/ مكارم الأخلاق/ في تواضعه وحيائه صلى الله عليه وآله/ص17.

5/ سورة البقرة: الآية194.

6/ سورة التحريم: الآية 4.

7/ الصراط المستقيم/ للبياضي/ج3/فصل في أم الشرور/ص165، وانظر الإحياء للغزالي أيضاً.

8/ سورة التوبة: الآية 101.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 25/نيسان/2006 -26/ربيع الاول/1427