الجدار الإسرائيلي العازل يفصل بين اسر فلسطينية

يعيش رائد الخطيب على بعد أقل من مئة متر من اخته نهاد ولكنه لم يرها ولو مرة واحدة في الاسبوعين الماضيين اذ يفصل جدار من الخرسانة بين منزليهما الآن.

يقع منزل نهاد في منتصف تل على مشارف حزما وهي بلدة على الحدود المشتركة بين القدس الشرقية العربية والضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل وهو واحد من خمسة منازل عزلت عن بقية المنطقة التي يقطنها حوالي ستة الاف نسمة.

يمتد الجدار الاسرائيلي العازل لاكثر من 600 كيلومتر ويتكون من جدران خرسانية وأسوار من الصلب تعلوها أسلاك شائكة. كان السكان يعلمون بأمر الجدار ولكن لم يسعهم عمل شيء.

وقال خالد حميدة قريب نهاد وهو ضمن 50 شخصا ينتمون لاسر تربطها علاقات قرابة عزلوا بالكامل عن اصدقائهم وذويهم ومجتمعهم اسفل التل "تلقينا انذارا قبل (البناء) باسبوع وكلنا محاميا في هذه المدة واعطيناه ستة الاف دولار.

"حاول المحامي ولكنها (الحكومة الاسرائيلية) حصلت على اذن للمضي قدما في بناء الجدار في كل الاحوال."

وتقول اسرائيل ان الجدار الذي يمتد في عمق الضفة الغربية وحولها هو اجراء دفاعي ضروري لوقف التفجيرات الانتحارية الفلسطينية. وتراجعت التفجيرات الانتحارية منذ بدء بناء الجدار في عام 2002 . لكن مهاجما من حركة الجهاد الاسلامي نفذ هجوما انتحاريا في تل ابيب يوم الاثنين الماضي قتل فيه تسعة.

ويقول فلسطينيون ان الجدار الذي يستكمل هذا العام او اوائل عام 2007 يحرمهم من تأسيس دولة لها مقومات البقاء يريدون اقامتها في اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967 .

ويرون انه استيلاء على الارض ومصادرة لاتفاق الوضع النهائي يفرض عليهم حدودا بشكل مسبق. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي المكلف ايهود اولمرت قد تعهد بفرض حدود اسرائيل النهائية من جانب واحد في حالة عدم اجراء محادثات سلام والتي يعتقد انها اصبحت احتمالا غير وارد منذ تولي حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الحكم في مارس اذار.

يزيح حميدة ستار النافذة في حجرة معيشته ويشير للجدار الذي يرتفع تسعة امتار ويعززه خندق وسور من الصلب بارتفاع مترين الذي يقطع حديقته ويلقي بظلاله على منزله الذي يبعد امتارا قليلة.

وقال "كان المنظر رائعا جهة البحر الميت. كنا ندعو الناس من البلدة لتناول القهوة في المساء. لا يمكنهم المجيء الان."

تتردد نفس شكاوى سكان حزما على ألسنة عدد كبير من الفلسطينيين الذين اضيروا من جراء اقامة الجدار في شتى مناطق الضفة. فيقول فلاحون على سبيل المثال انه فصلهم عن حقولهم. وفي العام الماضي وقعت اعمال عنف في مدرسة عربية قرب القدس حين مر الجدار في فناء المدرسة.

وتبين حالة حزما كيف يهدد بناء الجدار ليس بفصل الفلسطسينيين عن الاسرائلييين فحسب بل بالفصل بين الفلسطينيين انفسهم وعزلهم عن جيرانهم وذويهم ومجتمعاتهم ويحتمل ان تستمر عواقبه في المدى البعيد او حتى بشكل دائم.

وأعلنت اسرائيل انها ستقوم بسد فجوات صغيرة في الجدار لا تزال موجودة حول حزما في الاسابيع المقبلة. ويتوقع الى حد كبير ان يرسم الجدار الحدود النهائية لاسرائيل.

وفي عام 2004 قضت محكمة العدل الدولية بان بناء الجدار اجراء غير شرعي لانه يقتطع اراض احتلت في حرب عام 1967. ورفضت المحكمة العليا في اسرائيل الحكم ولكنها امرت بتعديل مسار بعض قطاعات الجدار.

وتقول الامم المتحدة التي تراقب عن كثب القضايا المترتبة على بناء الجدار انه حتى اكتوبر تشرين الاول الماضي شيد نحو 75 بالمئة من الجدار فوق اراضي الضفة الغربية التي يطالب بها الفلسطينيون لدولتهم وان اكثر قليلا من 25 بالمئة من الجدار يسير مع الحدود التي كانت قائمة قبل حرب عام 1967.

وتعترف الحكومة الاسرائيلية بان الجدار اثار حالة من الغضب وتقول ان الشكاوى يمكن ان تقدم للمحكمة العليا التي اصدرت احكاما لصالح الطرفين.

وقال مارك ريجيف المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية "وضع مسار الجدار ليوفر أقصى قدر من الحماية للمواطنين الاسرائيليين وأدنى مستوى من الازعاج للفلسطينيين.

"يمكن عرض اي شكوى على المحكمة العليا."

وفي الوقت الحالي تسمح الفجوات الموجودة حول حزما للقلة التي عزلت بالوصول للمتاجر والمدارس في البلدة سيرا لمدة تتراوح بين 15 الى 20 دقيقة لنقطة عبور بلا حراسة.

وقال مسؤولون ان الفجوات ستسد في الاسابيع المقبلة ويعتمد توقيت التنفيذ على الحكومة الاسرائيلية.

وتقول نهاد "انه سجن" شاخصة ببصرها في اتجاه مكان عمل شقيقها بمحطة بنزين بوسط حزما كان يمكنها رؤيتها من قبل لكن يحجبها الجدار الان.

وتشير الى ان اقرب جيرانها على الجانب الذي تسكن فيه من الجدار هم الان سكان مستوطنة يهودية أعلى التل.

ويحكي أحد ابنائها كيف احتجزه الجنود الاسرائيليون لبعض الوقت في الاونة الاخيرة لاقترابه من المستوطنة ولكنه ذكر انه كان يحاول فقط الوصول لمنزله.

ومن المستبعد نقل هؤلاء المستوطنين اليهود في اطار خطة اولمرت لتوسعة مستوطنات في الضفة الغربية بما ان منازلهم جزء من (القدس الكبرى) وهو ما يعني استمرار الجيرة بينهم وبين الفلسطينيين المعزولين على المدى الطويل رغم الخلاف الايديولوجي.

احفاد نهاد غير سعداء. فالجدار سيحرمهم من الذهاب للمدرسة ولعب كرة القدم مع الاصدقاء حين تغلق الفجوات في الجدار ولا تعرف نهاد اين سيتلقى الاطفال تعليمهم حينها.

وقال نسيم (12 عاما) متحسرا "ليتهم اقاموا الجدار أعلى التل على الجانب الاخر من منزلنا حتى نكون مع بقية البلدة."

ويحاول حميدة ان يبقى متفائلا.

ويقول "ربما يقرر الاسرائيليون تغيير مسار الجدار" ولكن يبدو ان امله ليس كبيرا بعد فشل محاميه في القضية الاصلية.

وتقول جماعة حقوق الانسان الاسرائيلية بتسيلم ان الفلسطينيين كسبوا حتى الان قضية واحدة تطالب بتغيير مسار الجدار حول القدس.

ويضيف حميدة "انها قضية سياسية يمكن مناقشتها".

كما يأمل حميدة ان تمنحه اسرائيل تصريحا بدخول القدس بعد ان اصبح منزله الان جزءا من القدس الشرقية العربية التي احتلتها اسرائيل في عام 1967.

وربما يتيح له التصريح فرصة عمل افضل ويعطيه الحق في الحصول على خدمات اجتماعية ولكنه لا يعول على هذه الآمال كثيرا.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 24/نيسان/2006 -25/ربيع الاول/1427