الإبداع... كيف نحميه ؟
من اهم العوامل المؤثرة على حركة المؤسسة نحو الأمام وتطورها
المستمر, كيفية تعاطيها أو بالأحرى ستراتيجيتها للتعاطي مع المبادرات
الخلاقة والإبداعات ودعمها وتوجيهها لمثل هذه المبادرات. إن الإبتكار
والخلاقية هي التي تنشط المؤسسة وتبعث فيها روح التقدم والتطور فعلى
الإدارة العليا في كل منظمة أو مؤسسة وضع ستراتيجية للتعامل مع هذه
المبادرات والإبتكارات لإستيعابها وترغيب العاملين على تقديمها.
طبعا كل مؤسسة تختلف عن غيرها في أهدافها وبالتالي في شكل الإهتمام
الذي توليه لهذه المسئلة وبالطبع النتائج ستكون مختلفة أيضاً مما سيؤثر
سلباً أو إيجاباً في طريق تطور المؤسسة.
لكن هل مسألة الإبتكار والمبادرات الخلاقة والإهتمام التي بدأت
تحظى بها هي مسألة جديدة أوما الذي دفع بها أن تطفو على السطح وترتفع
إلى أولى سلم الإهتمامات الإدارة العليا في المؤسسات العملاقة العالمية
أو غيرها من المؤسسات الطامحة ؟
إن العولمة الإقتصادية ووجود الشركات العابرة للقارات دفعت الشركات
والمؤسسات إلى الدخول في سباق محتدم لا يتحمل الثبات والإستاتيكية
ويحتاج إلى ديناميكية الحركة والتعاطي المستمر مع المتغيرات وهذا ما
جعل الإبتكار والمبادرة الخلاقة حجر الزاوية في تأقلم المؤسسات مع
الظروف المتغيرة دائماً.
يعتقد البعض من المدراء أن مسألة المبادرات الخلاقة والإبتكار هي
مسئلة شخصية تعود للأفراد أنفسهم وبالكيفية التي يتعاملون مع المشاكل
متجاهلين أي دور للمؤسسة في التشجيع والتحفيز لإيجاد مناخ ملائم لنمو
مثل هذه المبادرات. وهذا ليس بصحيح، إذن:
ما هي العوامل والأليات التي يمكن أن تستعملها المؤسسة لدعم وتشجيع
صدور مثل هذه المبادرات وحماية المبادرات الخلاقة؟
هناك مجموعة من المحققين قاموا بوضع الية التقييم الداخلي للمؤسسة
على قدرتها لحماية المبادرات الخلاقة (IAI).
إن نظام IAI يركز على 5 عوامل من شأنها دعم المبادرات الخلاقة في
المؤسسة وتشجيعها.
ما هي هذه العوامل؟
1- الحماية الإدارية : إن الحماية الإدارية هي الحد التي تقوم به
الإدارة إلى تحفيز مواظفيها إلى الإبداع والمبادرات الخلاقة وغرس هذه
الفكرة فيهم بأن الإبداع هو جزء من وظيفتهم وواجبهم اليومي الذي يجب
عليهم القيام به كسائر واجباتهم المهنية في المؤسسة.هناك عدة عوامل
تساعد الإدارة على تجذير وغرس هذه الحالة لدى الموظفين:
أ- الإستيعاب السريع للأفكار الخلاقة والأطروحات المفيدة أو تلك
التي يمكن ان تكون مفيدة بشكل مبدئي.
ب- التعرف على الذين لديهم القابلية والقدرة على طرح مثل هذه
المبادرات وإنجازها وتطويرها.
ج- دعم ورعاية المشاريع الإختبارية والمبادرات الخلاقة الصغيرة
وتامين الدعم المالي والإستثمار فيها لضمان دوامها.
2- الإستقلال والإعتماد الذاتي والإدارة الذاتية للموظفين :
والمقصود منه إطلاق أيدي الموظفين في رفع فاعليتهم وطاقاتهم بشكل أكثر
تأثير في العمل ولإنجاز هذا يجب أن لا تتدخل الإدارة في أدق التفاصيل
للعمل اليومي ونؤكد أدق التفاصيل!! وليس كل التفاصيل وتتيح المجال امام
الموظفين للإختيار في طرق إنجاز مهامهم اليومي والذي سيؤدي إلى خلق
مناخ ملائم لظهور المبادرات الخلاقة لكن هذا الإختيار يجب ان يكون إلى
الحد الذي لا يخل بأسس العمل.
3- إتاحة الفترة الزمنية الكافية : إن تربية الأفكار وتطوير
المبادرات الخلاقة تستلزم إتاحة الوقت الكافي لصاحبيها ومما يساعد
المؤسسة للنيل من هذا هو تعديل فترة العمل للموظفين حيث ترفع القيود
الزمنية الزائدة عن العمل اليومي وتخصص فترة زمنية أمام موظفيها للبحث
عن طرق حل المشاكل المزمنة للعمل بالمشاركة مع زملائهم الأخرين.
4- المكافئة والحماية : إن المكافئة من أهم وسائل تحفيز الافراد
للبحث وطرح المبادرات الخلاقة والمكافئة يجب أن تشمل شقيها المادي
والمعنوي ومن أهم وسائل تفعيل التحفيز هي:
أ- خلق علاقة مباشرة بين المكافئة والأداء النوعي للفرد
ب- خلق التحديات الإيجابية في العمل.
ج- الشكر والتقدير والترقية الإدارية والشكر والتقدير وإعلان ذلك في
المؤسسة.
5- توسيع الحدود والافاق المؤسساتية في الأفراد: وهذا يعني توسيع
حدود المؤسسة الحقيقية والمجازية حتى تشمل كل أفراد والعاملين في
المؤسسة وتعطي إنطباعاً لدى الفرد بأنه يجب أن لا ينظر إلى مشاكل
المؤسسة من منظار خارجي بل يجب أن تتوسع حدود المؤسسة حتى يعتبر الفرد
مشاكل المؤسسة هي مشاكله وإنجازاتها أيضاً إنجازاته ومن سبل توسيع
الأفاق هي التقليل من التوصيفات الدقيقة وغير المرنة إطلاقاً للمناصب
والمسؤوليات في المؤسسة والروتين السلبي الذي يقتل روح المبادرة في
الموظفين.
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن مؤسساتنا بشكلها الحالي ووضعها
الراهن ليس بإمكانها النهوض والتقدم إذا لم تبادر وبشكل جدي وجذري
إصلاح نفسها وقواعدها الإدارية ولكن مع التنويه بأننا لن نقصد بما تقدم
للإصلاح الإداري ودعم الإبداع إطلاقاً هدم كل القواعد العلمية
والبيروقراطية الإيجابية وعدم إستعمالها في زمن التغيير وهوما يتهم
البعض به كل من يطالب بالتغيير المذكور في المؤسسات.
ومن المفارقة أن هذا الإتجاه المحافظ بحد ذاته يمثل أحد عوائق
الإبداع الرئيسية في مؤسساتنا.
معهد الإمام الشيرازي الدولي
للدراسات – واشنطن
www.siironline.org |