
قد لا تظل زنزانة سلوبودان ميلوسيفيتش خالية لفترة طويلة. فوفاة
الرئيس اليوغوسلافي السابق كانت انتكاسة قصيرة الامد فيما يعتبر
-باستثناء هذا الحدث- فترة ازدهار للعدالة الدولية وعاصمتها لاهاي.
وحرمت وفاة ميلوسيفيتش اثناء احتجازه المحكمة التابعة للامم المتحدة
لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة من اصدار حكم في محاكمة أبرز مشتبه
فيه لكن اخرين سيحتلون مكانه في لاهاي قريبا منهم الزعيم الليبيري
تشارلز تيلور.
وقال افريل مكدونالد من معهد تي.ام.سي اسر/ منظمة أبحاث في القانون
في لاهاي "المحكمة يمكنها البقاء بالتأكيد بعد وفاة ميلوسيفيتش." وأضاف
"تجري أمور كثيرة في الوقت الراهن." وتتنامى الامال في أن تتمكن صربيا
من اعتقال راتكو ملاديتش أبرز الهاربين والمتهم في جرائم ابادة جماعية
في حرب البوسنة بين عامي 1992 و1995. ومنح الاتحاد الاوروبي بلجراد
مهلة حتى منتصف ابريل نيسان لتسليم الجنرال السابق زعيم صرب البوسنة
والا جمد المحادثات الرامية لانضمامها الى الاتحاد الذي يضم 25 دولة.
وحتى اذا ظل ملاديتش طليقا فان المحكمة أكثر انشغالا من أي وقت مضى بعد
وصول مجموعة من المشتبه فيهم خلال الاثني عشر شهرا الماضية. وتعتزم في
أغسطس اب المقبل أن تبدأ محاكمة مجمعة لصرب البوسنة المتهمين بجرائم
ابادة جماعية في مذبحة سربرنيتشا عام 1995.
وفي الاسبوع الذي أعقب وفاة ميلوسيفيتش استقبلت المحكمة الجنائية
الدولية الجديدة ومقرها لاهاي كذلك أول مشتبه فيه وهو توماس لابانجا
زعيم ميليشيا في الكونجو. وتأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002
لتصبح أول محكمة دائمة لمحاكمة أفراد في جرائم ابادة جماعية وجرائم ضد
الانسانية. ومن المتوقع أن تستقبل كذلك الرئيس الليبيري السابق تيلور
الذي اعتقل في نيجيريا الشهر الماضي وأرسل للمحاكمة في سيراليون. وطلبت
محكمة جرائم الحرب في سيراليون التابعة للامم المتحدة نقل تيلور من
فريتاون الى لاهاي خوفا من أن يثير انصاره اضطرابات في سيراليون
وليبيريا.
ونفى تيلور 11 اتهاما موجها اليه في جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية
تتعلق بدوره في مساندة المتمردين الذين اغتصبوا وشوهوا مدنيين وجندوا
أطفالا اثناء الحرب الاهلية في سيراليون بين عامي 1991 و2002. وفي
لاهاي مقر الحكومة والاسرة المالكة في هولندا. وأصبحت مركزا للقانون
الدولي منذ ان استضافت مؤتمر سلام عام 1899 قاد الى تأسيس محكمة
التحكيم الدائمة التي أنشئت للفصل في النزاعات بين الدول.
والى جانب محكمة التحكيم الدائمة والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة
يوغوسلافيا تضم لاهاي محكمة العدل الدولية أعلى هيئة قانونية بالامم
المتحدة والتي تحتفل بعيدها الستين يوم 12 ابريل نيسان الجاري. ويعمل
بالمحكمة مئات الخبراء القانونيين البارزين من مختلف ارجاء العالم مثل
كارلا دل بونتي أكبر ممثلة ادعاء بالامم المتحدة التي حققت في الجريمة
المنظمة في سويسرا اضافة الى لويس مورينو اوكامبو ممثل الادعاء في
المحكمة الجنائية الدولية الذي أحضر قادة الجيش الارجنتيني للمحاكمة في
اتهامات بالقتل الجماعي وانتهاك حقوق الانسان. وأول اعتقال للمحكمة
الجنائية الدولية واحتمال توليها محاكمة تيلور يمثل تقدما كبيرا لمحكمة
عارضتها بشدة الولايات المتحدة التي تخشى استغلالها في محاكمات ذات
دوافع سياسية لجنودها ومواطنيها.
وقال مكدونالد خبير القانون الدولي "يريد الناس التأكد من نجاحها
قبل اقرارها." وأضاف "يتعين علينا ان نصل الى عدد معياري معين. انها
مسألة حشد." وقالت جانيت اندرسون من معهد تقارير الحرب والسلام ان
المحافظين الجدد في الولايات المتحدة مازالوا يعارضون المحكمة لكنها
أشارت الى أن واشنطن تنتهج اسلوبا أكثر عملية يتعلق اساسا بعدم تعطيلها
قرار مجلس الامن احالة جرائم منطقة دارفور في السودان الى المحكمة.
واضافت "هناك اعتبارات سياسية عملية وراء حقيقة ان المحكمة
الجنائية الدولية أصبحت قائمة... وذلك لانها دائمة وليست محكمة مؤقتة.
ولها تفويض واسع النطاق." ومن نواح أخرى حقق القانون الدولي ازدهارا
كبيرا. فالامم المتحدة تدرس تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة مشتبه فيهم في
اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي قتل في انفجار
قنبلة في بيروت العام الماضي. والعراق الذي يحاكم الرئيس السابق صدام
حسين في محكمة وطنية يعتمد على خبرة المحاكم الدولية. وقطعت العدالة
الدولية شوطا كبيرا منذ محاكمات نورمبرج وطوكيو للنازي والزعماء
اليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية.
وتقول روزالين هيجينز رئيسة محكمة العدل الدولية التي تفصل في
النزاعات بين الدول ان القانون الدولي يزدهر في عهد يسوده سلام نسبي
منذ انتهاء الحرب الباردة. وقالت القاضية البريطانية "العولمة تعني
أننا نفهم أكثر وأكثر ان ما تقوم به أي دولة سيكون له أثره على الدول
الاخرى." وسيحضر كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة الاحتفال بذكرى
مرور 60 عاما على تأسيس محكمة العدل الدولية في مقرها في قصر السلام
الذي بني بالطوب الاحمر قبل مئة عام ليضم محكمة التحكيم الدائمة وموله
رجل الصناعة الامريكي اندرو كارنيجي.
وفي حين تميل محاكمات زعماء مثل ميلوسيفيتش في جرائم حرب الى اجتذاب
الاهتمام تقول هيجينز ان الفصل في المنازعات بين الدول أمر لا يقل
أهمية. وتنظر محكمة العدل الدولية في دعوى قضائية مهمة رفعتها البوسنة
على صربيا تتهمها فيها برعاية عمليات قتل جماعي. وقالت "أصبحنا نتولى
المزيد من القضايا المهمة... فهناك في الحياة الدولية ما هو أكثر من
الاشرار." وانتخبت هيجينز في فبراير شباط الماضي لتصبح أول سيدة تتولى
رئاسة المحكمة. وهي تريد تطوير شبكات اتصال بين المحاكم الدولية. وقالت
"لدينا جميعا أصدقاء في محاكم أخرى... واريد ان يكون لهذه الصلات اطار
تنظيمي." وهذا النشاط يمثل نبأ طيبا للاهاي.
فالمنظمات الدولية كانت مسؤولة عن توظيف نحو خمسة بالمئة من القوة
العاملة في المدينة في عام 2004 وساهمت بنحو ستة بالمئة في حجم اقتصاد
المدينة. وقدمت المدينة تقريرا للحكومة الهولندية العام الماضي توصي
فيه باستثمار مليار يورو تقريبا (1.2112 مليار دولار) لتعزيز مكانتها
كعاصمة العالم القانونية. وقال ويم ديتمان رئيس بلدية لاهاي لرويترز في
حفل استقبال للخبراء القانونيين الذين يحضرون مؤتمرا عن السلام
والعدالة "نحن نولي اهتماما متزايدا للبيئة والمناخ. نريد مناخا
للقانون الدولي." وأضاف "سكان لاهاي يعرفون انها مدينة السلام والعدل
والامان. اصبح ذلك جزءا من لاهاي." |