حماس ضغوط شديدة وتحديات أكبر

بقلم: هيثم أبو الغزلان

صدمت حماس مرة أخرى الجميع، فلسطينيين وعرب وغربيين بفوزها الساحق الذي لم تتوقعه قياداتها، فالفلسطينيون عاقبوا رموز فتح المترهلة، ووضعوا حماس في وضع صعب بدون أي حسابات للمستقبل. وكما كان الشعب الفلسطيني طيلة مراحل نضاله صاحب المفاجآت الكبرى؛ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، الانتفاضة الأولى، اوسلو، انتفاضة الأقصى، فوز حماس الساحق. فإن من الواضح أن هذا الفوز يحمل في طياته رسائل عديدة موجهة بمجملها إلى فتح والعالم العربي والدول الأوروبية والأمريكية. أما الرسائل الموجهة لفتح فمفادها العقاب على الفساد والمحسوبية المنتشرة في أروقتها وأروقة الوزارات التي تشغلها، وعدم قدرتها على ترتيب صفوفها والحفاظ على تماسكها والارتقاء بمستوى أدائها تجاه ألازمات والتحديات والمشاكل التي يعانيها المواطن الفلسطيني والذي تجاوزت نسبة البطالة في صفوفه 60%.

أما الرسائل الموجهة للعرب والأوربيين وأمريكا، أن الفلسطينيين قادرون على إعطاء صورة مشرقة تثبت قدرتهم على ممارسة الديمقراطية بأرقى صورها، رغم حالة الفلتان الأمني المستشري، ووجود الاحتلال. وحاكى الفلسطينيون بذلك دولاً عريقة ولها باع طويل في ممارسة الديمقراطية. كما أنها شكلت صدمة قوية وشديدة التأثير على المشروع الأمريكي في المنطقة الذي جاء غازياً العراق ومهدداً المنطقة باسم نشر«الديمقراطية» والحفاظ على حقوق الإنسان. وبهذا فإن فوز حماس يشكل عامل اعتراض شعبي على ما وصلت إليه الأمور نتيجة الضغط الأمريكي المتواصل والموجه ضد الفلسطينيين والعرب.

وبات من الواضح أن التأييد الكاسح الذي حصلت عليه حماس الأصولية لم يأت من فراغ، بل نتيجة حتمية لحالة التسيّب والفوضى، وعدم المبادرة لإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وفي استشراء الفساد وممارسة القمع بشكل متزايد، وغض الطرف عن مواصلة "إسرائيل" لسياستها العدوانية في بناء المزيد من المستوطنات، وفي القتل والأسر والتعذيب وبناء جدار الفصل العنصري. يضاف إلى ذلك أن المجلس التشريعي الفلسطيني خلال عشرة أعوام لم يحقق أي منجز في التقصي عن الحقائق، متخلياً بذلك عن مسؤولية موقعه الوطني في المحاسبة والرقابة.

ولهذا فإن حركة حماس أمام اختبار صعب في أن لا تناقض مسيرتها التي أوصلتها إلى مركز القرار الفلسطيني لأنها تمثّل إرادة الشعب الفلسطيني بالدخول في دهاليز سياسة التفاوض مع إسرائيل، بأن تعمل على ترتيب وتنظيف البيت الفلسطيني من إساءات الماضي.

مسؤوليات كثيرة، وأعباء حاسمة وثقيلة تضع حركة حماس على المحك، بين تقديم برنامج مقاوم، ودخولها دهاليز السياسة، وبين احتمالات ترويضها كوجه جديد للحكومة الفلسطينية المحلية..

والعارف بحركة حماس ذات الأيديولوجية العقائدية بسماتها البراغماتية، يدرك أنها تملك أيديولوجيا أثبتت أحلك الأيام والظروف أنها لم تتخل عنها. ففلسطين بالنسبة لها «أرض وقف إسلامي، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها»... وهي تعارض الحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية، وتعتبر أن التفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين نفسه.

وتصر حماس على مواصلة مقاومتها للاحتلال، حيث يقول خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة: «إن هذا الدور للمقاومة الباسلة، والعمليات الجهادية التي تحقق الضغط المتواصل على العدو، تحرمه من الاستقرار... وبالتالي هذا الطريق هو الصحيح لإنجاز التحرير». ولكن المفارقة التي قد تواجه حماس بعد تشكيلها الحكومة أنها ستكون أكثر براغماتية ومرونة في التعامل مع الواقع الموجود بكل ما يحويه.

وتؤمن حماس بالوحدة الوطنية القائمة على المحافظة على الثوابت الوطنية، وترى أن ساحة العمل الوطني الفلسطيني تتسع لكل الرؤى والاجتهادات في مقاومة المشروع الإسرائيلي. وهي تسعى إلى التعاون والتنسيق مع جميع القوى والفصائل، انطلاقاً من تغليب القواسم المشتركة في وجهات النظر ومساحة الاتفاق على  مواضع الخلاف. وتعتقد حماس أنه مهما بلغت الخلافات في وجهات النظر أو تباينت الاجتهادات في ساحة العمل الوطني، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال، لكائن من كان، أن يستخدم العنف أو السلاح، لفض النزاعات أو فرض الآراء أو التصورات داخل الساحة الفلسطينية...

كما أن حماس تؤمن بأن اختلاف المواقف حول المستجدات السياسية، لا يحول دون اتصالها أو تعاونها مع أي من الجهات التي لديها الاستعداد لدعم صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال...

وتعايشت حماس مع أبو مازن الذي عارض «عسكرة الانتفاضة»، واعتبره خياراً غير مفيد وغير منطقي. وعلى الرغم من أن حماس أدركت أن برنامج أبو مازن لا يتطابق مع برنامجها؛ وقف العمليات، وتدني مطالبه، إلا أنها تعاملت معه في الماضي وتتعامل معه الآن، على اعتبار أن إسرائيل لن تقدم له أو لغيره أسباب النجاح.

وتدرك حماس وغيرها أن فوزها ـ حماس ـ، يقلق إسرائيل التي تدفع باتجاه إشعال حرب أهلية فلسطينية، وفي تقرير للبروفيسور ستيفان دافيد، بعنوان: «الحرب الأهلية الفلسطينية المطلوبة»، دعا فيه إلى الدفع باتجاه الحرب الأهلية الفلسطينية الداخلية، معتبراً أن هذه الحرب تخدم إسرائيل في أمرين:

ـ أنه لا يمكن لإسرائيل أن تقيم سلاماً إلا مع حكومة فلسطينية قوية وقادرة على تصفية المنظمات «الإرهابية»، وكل الذين لا يسلمون بحق إسرائيل في الوجود.

ـ أن إسرائيل قد تجد صعوبة في السيطرة على «الإرهابيين»، ومن شأن ذلك أن يكون صعباً جداً وأن يكلفها غالياً، ولذا من الأفضل أن يقوم الفلسطينيون بذلك بأنفسهم.

ومن هنا فإن «إعطاء» حماس فرصة لإثبات قدرتها على تنفيذ برنامجها ومن ثم الحكم على النتائج وفق الوقائع الموجودة سيجعل الأمور أكثر صواباً ودقة. وهذا لا يعني بحال من الأحوال تخلي حماس عن أفكارها «المتشددة» برفض وجود الاحتلال الإسرائيلي على كل أرض فلسطين، ولكن يبدو أن موقف حماس المستقبلي سينبع من مضامين تتراوح بين غياب الفاعلية الدولية ضد إسرائيل والضغوط الشديدة التي ستواجهها، ومحاولتها الفكاك من أسر الآليات التطبيقية الملزمة المتمثلة بمراعاة الواقع دون الخضوع له. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستقبل إسرائيل وأمريكا ودول الإتحاد الأوروبي أن تلعب حماس اللعبة الواقعية دون الإعتراف بإسرائيل وتغيير برنامجها الداعي لتدمير إسرائيل؟

يبدو أن حركة حماس التي باتت قيادتها تتحرك على اكثر من صعيد سياسي أنها تريد اللعب على أساس التوازن في اللعبة الواقعية السياسية بحيث أنها تريد السعي الى حشر إسرائيل والولايات المتحدة، من جهة. والتملص من الأسباب الداعية الى تكبيل حماس باتفاقات واعترافات لا ناقة لها فيها ولا جمل. ولعل الكشف عن وجود اتصالات سرية بين حركة "حماس" والولايات المتحدة حول العديد من القضايا، وعرض القيادي في حماس، محمود الزهار، على إسرائيل هدنة طويلة الأمد مقابل الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967 وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، عاد رئيس مكتب حماس السياسي، خالد مشعل وأكد أنها لا تعبر عن سياسة حركته. وبعث حماس، برسالة إلى اللجنة الرباعية الدولية دعتها فيها إلى التعامل بعقل مفتوح وبمسؤولية عالية مع نتائج الانتخابات الفلسطينية التي فازت بها الحركة واحترام نتائج الديمقراطية وإرادة الشعب الفلسطيني. ولكن التصريحات الأمريكية والأوروبية، أيضاً، كانت واضحة وقاطعة ولكنها في الوقت نفسه مُسلَّمة بنتائج الإنتخابات النزيهة. فقد أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش والاتحاد الأوروبي مواقف متشابهة  أن برنامج حركة حماس الداعي إلى تدمير دولة إسرائيل يجعل "من المستحيل" أن تكون الحركة شريكا في عملية سلام.

مضيفاً "ثمة نقاط في برنامجهم تجعل من المستحيل أن يكونوا شريكا في السلام".

وزاد أن "حركة حماس قالت بشكل واضح إنها لا تؤيد حق إسرائيل في الوجود وقلت بوضوح إننا لن نؤيد حكومة فلسطينية تشارك فيها حماس طالما أنها تعتمد هذه السياسة".

هل يحصل تغيير؟

من المعروف أن السياسة هي فن الممكن، وحماس تستند في برامجها على البراغماتية والواقعية الشديدتين مما أهلها ألى الوصول إلى الوضع الذي هي فيه الآن. وبما أن المقاربة الآن ضمن سياق قراءة موقف حماس وتعاملها مع الواقع، وهل سيؤثر ذلك على برامجها أو أن التغيير يلحظ فقط الخطاب السياسي لها، وهو ما نرجحه فعلاً.

من الواضح أن طبيعة الخطاب الذي تقدمه حماس كان سابقاً مستنداً الى الديني أكثر منه الى البراغماتية السياسية؛ ويمكن ملاحظة ذلك بموقفها من مشاريع التسوية الفلسطينية- الإسرائيلية والأسس التي تقوم عليها. يضاف إلى ذلك مسألة الاعتراف بإسرائيل،  وأخرى تتعلق بأهداف حماس المتعلقة بأرض فلسطين.

وترى الكاتبة الفلسطينية المقيمة في رام الله رولا سرحان أن :"خطاب حماس قد أخذ مع تأسيس الحركة وخلال سنوات عمل السلطة الفلسطينية الأولى وحتى وقت قريب طابعاً متشدداً في المفاوضات، والاعتراف بإسرائيل، وأهداف الحركة في فلسطيني وتحريرها، إلا إنه بدأ مع عام 1997 يأخذ شكلاً أقل تشدداً وتصلباً ويُعطي إشارات أكثر ليونة، أمّا في الوقت الحالي وبعد فوز "حماس" في الانتخابات أصبح طابع الخطاب السياسي يأخذ شكلاً يميل إلى الواقعية في الأولى، وتعديلاً في الثانية، وشكلاً أكثر براغماتيةً فيما يتعلق بالمسألة الثالثة".

ويعيد كثير من المحللين البراغماتية في خطاب حماس السياسي إلى العام 1997، عندما أعلن الشيخ أحمد ياسين استعداد حماس الدخول في هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. وقد عاد الشيخ ياسين في (9/1/2004) ليؤكد من جديد على هذا الطرح بقوله إن حماس قد تقبل بقيام دولة فلسطينية على كامل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وفق حدود 1967 مقابل هدنة مع إسرائيل دون الاعتراف بالدولة اليهودية على بقية أرض فلسطين التاريخية.

من جهة ثانية جاء في تصريح عبد العزيز الرنتيسي بتاريخ 25/1/2004 أن "حماس" تقبل قيام دولة في الضفة الغربية بما في ذلك القدس وقطاع غزة وأن الحركة تقترح هدنة تستمر 10 أعوام مقابل انسحاب إسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي السياق ذاته يأتي التصريح الذي أدلى به محمد غزال أحد قادة حماس، في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ (22/9/2005)، والذي جاء فيه أن "حماس" قد تقبل بحل مؤقت للقضية الفلسطينية يسمح بقيام دولة فلسطينية علـى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

ورغم النفي الشديد الذي أصدرته "حماس" لهذه التصريحات في أكثر من مناسبة في وقت سابق، إلاّ أن تصريحات أخرى صدرت ولمحت إلى ذلك، ايضاً عاد ونفاها السيد خالد مشعل.

مسألة الشراكة

إن وجود حماس في السلطة يطرح مسألة الشراكة في القرار السياسي والاستراتيجي على الساحة الفلسطينية بمجملها، باعتبار أن الشراكة لا تنطلق دائماً من الندّية مع الأطراف الأخرى في اتخاذ القرار، وهي ليست ديموقراطية على الدوام. فأي نوع من الشراكة تتجه اليه «حماس»؟ خصوصاً أنها تجد نفسها ملزمة، انطلاقاً من مسؤوليتها الدستورية والسياسية، الخوض في غمار مسائل تتعلق بالاتفاقات الفلسطينية – الاسرائيلية منذ أوسلو وحتى اللحظة، وبالتزامات السلطة والمنظمة بقرارات القمم العربية، وخريطة الطريق بتلاوينها المتعددة من جهة، ومن جهة أخرى بالخيارات التي ستقود خطواتها في المستقبل، سواء على صعيد تشكيل الحكومة أم على صعيد الاجابة عن كثير من الأسئلة المطروحة بإلحاح من قبيل: هل ستقلب «حماس» كامل الهرم الذي بنته السلطة منذ عام 1994؟ وما مصير أجهزة ومؤسسات السلطة التي أقيمت على أساس هيمنة «فتح» على النظام السياسي؟ وما نوع الشراكة السياسية؟ وهل يمكن لـ»حماس» الحفاظ على الوحدة الائتلافية التي سبق أن ضمت «فتح» والفصائل الأخرى في إطار المنظمة منذ نشأتها؟ وأي التزامات تجد نفسها في مواجهتها ازاء المجتمع الدولي؟ وما هو التصور العملي الذي ستقدمه حماس لاعادة ترتيب وصياغة النظام السياسي الفلسطيني بمجمله كما وعد بذلك رئيس مكتب حماس السياسي، خالد مشعل في (8/2/2006). وهل ستواجه معارضة قوية من الجهاد الإسلامي في المرحلة المقبلة؛ فالأخيرة حسمت أمرها وأعلنت عدم مشاركتها في أي حكومة (مؤتمر صحفي في غزة لخالد البطش، 8/2/2006).

وعلى ما سبق فإن أمام حماس مهام أساسية وعوائق محتملة في المرحلة المقبلة أبرزها:

- إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني. وعدم الاستفراد كما حصل مع حركة فتح بتوقيع اتفاقيات سيئة تحت شعار (هذا أقصى المكن)، وبالتالي تحويل هذه الاتفاقيات إلي مشاريع شخصية، وربحية لا تمت بصلة لفتح، ولا للسلطة، ولا للشعب، ولا لفلسطين، وهو مستبعد عن قادة حماس.

- خوض عملية إصلاح شاملة؛ اصلاح ديمقراطي والقضاء على الفساد، وهي التي اختارها الفلسطينيون على أساس برنامج المقاومة والاصلاح. وسيكون الحكم على مدى نجاحها أو إخفاقها موضع اهتمام من الأعداء الكثيرين المتربصين بها الدوائر، وأولهم اسرائيل وأمريكا. وثانياً الخصوم والمنافسين في الساحة الفلسطينية والعربية والاسلامية. ويجب اتخاذ فشل فتح في إدارة السلطة وعجزها عن وقف الفساد والمفسدين الذين يعتبرون من ابرز قادتها ورموزها المثال القوي في المحاسبة القوية التي قام بها الشعب، فلقد حول جزء من قادة فتح باسمها السلطة إلى مرتع للفساد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي... وذاق الشعب مرارة هذا الفساد وسط تدهور في أحواله المختلفة. وبالتالي من الضروري أن تدرس حماس تجربة فتح على مدى أربعين عاماً وتحدد جملة الأخطاء والسلبيات والايجابيات والاستفادة منها بشكل كبير في فكرها وسلوكها وأدائها. فحركة «حماس» بفوزها الساحق وتسلمها مقاليد الحكم والتشريع، كأنها «تتلقف» كرة من نار قد تحرق يديها وتاريخها وتشعل النار في محيطها. فما هو معروض عليها تركة ثقيلة محملة بالأعباء والهموم وصواعق التفجير وحقول الألغام، بل مجرد حطام من كل بناء وأطلال في كل مفترق طرق. فالسلطة مهترئة عاجزة، وكانتونات وأجزاء من وطن محاصر من كل حدب وصوب، وخزينة مفلسة، وشعب ينتشر في دول الشتات وفي مخيمات البؤس، وكثافة سكانية في المناطق المحررة من غزة تنذر بانفجار اجتماعي رهيب، وفقر مدقع وبطالة متزايدة في صفوف الشباب، وإدارة غير قادرة على معالجة المشاكل المستعصية والمتراكمة...

ومعظم التوقعات والتحليلات تجمع أن صعوبات وعقبات كثيرة ستواجه السلطة الفلسطينية التي ستقودها «حماس»، ومنها:

ـ اتفاقات أوسلو والموقف منها، ويبدو أن تصريحات قادة حماس تشير وبوضوح إلى أنها ستتعامل مع الأمر الواقع لجهة الحصول على الخدمات الحياتية من إسرائيل؛ الكهرباء والاتصالات والجمارك والاستيراد والتصدير وجوازات المرور والسفر والاستشفاء...

- يبدو أن حماس تتجه إلى إقرار هدنة طويلة الأمد لتتفادى الجمع بين نهج المقاومة والسلطة في آن؟ فإسرائيل لا يمكن لها أن تقبل بذلك، وهي التي تقوم بتحميل السلطة مسؤولية أية عملية استشهادية. وتتذرع بذلك لتنفذ ما تبقى من مخططاتها للتهويد والضم والاستيطان والسيطرة على القدس. وهذا يعني أن لا يمكن لها ـ وفق الظروف المعقدة التي بها حماس الآن ـ أن تحكم وأن تنفذ عمليات استشهادية في الآن نفسه.

وهذا الامر تناوله الإسرائيليون، فتحت عنوان "خطوة حماس المقبلة" نشرت هآرتس ‏مقالاً للكاتب "زيفي برايل" ذكر فيه أن ‏المعضلة الأولى التي ستواجه ‏حماس هي كيف توحد قوة ‏أمنية لا تخضع للسيطرة في الوقت الحاضر. ويورد الكاتب أقوالاً للمتحدث باسم حماس ‏يتحدث فيها عن "تشكيل قوة عسكرية" لكنه يقول: "إنه لا أحد يمكنه التكهن بما إذا ‏كانت فتح سوف توافق على الالتحاق بمثل هذه ‏القوة أم أنها ستشكل معارضة "مقاتلة" كما كانت ‏حماس بالنسبة لفتح".

ويذكر الكاتب أن الإجابة على هذا السؤال الأساسي سيشكل إشارة لنوايا حماس وقدرتها على إدارة ‏السلطة الفلسطينية لفترة معقولة من الزمن، كما ‏ستتيح إمكانية تقييم مقدرة حماس ‏على الحفاظ على استقرار وقف إطلاق النار (بين ‏الفصائل الفلسطينية وإسرائيل)، وفي صدارة ذلك "‏قدرتها على كبح جماح حركات مثل الجهاد ‏وكتائب شهداء الأقصى".

ويخلص الكاتب إلى أن إستراتيجية حماس ‏من خلال هذا النهج مشابهة لإستراتيجية حزب ‏العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، لكنه يستدرك قائلا: "ومع ذلك فعندما تضطلع حركة ‏دينية بمهام الحكم في دولة عربية حتى لو كانت ‏دولة على الورق فقط، فإنها تثير مخاوف خطيرة ‏بين الدول العربية حيث يراود مخيلتها السودان ‏وطالبان وإيران وليس تركيا". ‏

وبالعودة الى حماس التي وجدت نفسها وطبقاً للعديد من المتغيرات مصطدمة بواقع صلب لا يمكن خرقه أو النفاذ منه؛ فتعاطت مع الكثير من القضايا السياسية الراهنة والمستجدة ببراغماتية سياسية، ويمكن التدليل على ذلك بقبولها مع غيرها من الفصائل الهدنة التي أعلنت في (29/6/2003)، والعودة والقبول بتهدئة استمرت على مدى العام 2005، والتزمت بها حماس أيما التزام.

كما أنه لا يمكن فصل ما جرى ويجري في الساحة الفلسطينية عما هو حاصل من تطورات وأحداث في المنطقة العربية والعالم. والاستجابة الأمريكية للسياسة الإسرائيلية المعلنة بعدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات، وفي الوقت نفسه طرح شرط لقبول أي مفاوض فلسطيني أن يحارب «الإرهاب»، وتجفيف منابعه والقضاء على رموزه.

ومع تأجيل الرئيس بوش لوعده بإقامة دولة فلسطينية، وقوله بعدم واقعية العودة إلى خط 1949، واستمرار بناء جدار الفصل العنصري رغم القرارات الدولية بإدانته وضرورة وقف بنائه، والاستمرار في مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات، وعمليات التجريف والاجتياحات ضد المناطق السكنية، ومع مرض شارون والحالة الاسرائيلية التي يبدو أنها تقتدي بخطاه وتسير على رؤاه فإن آفاق التحرك السياسي الجديد بعد تنفيذ خطة «فك الارتباط» التي من موجبات طرحها «تجميد» مسار العملية السياسية إلى سنوات عدة، ولذلك فإن الأفكار التي تطرح بشأن توسيع فرص التقدم السياسي، لا ينبغي التعويل عليها، وخصوصاً أن برامج الأحزاب السياسية الاسرائيلية للانتخابات المزمع إجراؤها في آذار (مارس) تكاد تكون متقاربة لجهة طرح تنفيذ خطوات أحادية الجانب، وترسيم حدود الدولة العبرية.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" ومعهد "داحاف" (9/2)، أن غالبية الجمهور الإسرائيلي (60%) تؤيد الانفصال عن أكبر عدد من الفلسطينيين من خلال تنفيذ انسحابات أحادية الجانب، الأمر الذي يلتقي مع برنامج "كديما" والعمل" في الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية والقدس وغور الأردن تحت ما يسمى «السيادة الإسرائيلية»، مما يعني أن الانسحاب سيكون من مساحة لا تتجاوز 40% من أراضي الضفة الغربية! أما النسبة المتبقية من الإسرائيليين فغالبيتها تعارض الانسحاب.

وبيّن الاستطلاع أن 93% من المستوطنين المستطلعين يعتقدون أن في حال فوز إيهود أولمرت برئاسة الحكومة فإنه سيبادر إلى فك ارتباط آخر. وفي حال فوز نتانياهو أشار 55% من المستطلعين إلى إمكانية أن يبادر إلى تنفيذ فك ارتباط.

البراغماتية في الخطاب والممارسة

ويُلاحظ من خلال الممارسة السياسية لحماس في الفترة الأخيرة طغيان الجانب السياسي البراغماتي على الجانب الأيديولوجي، بخلاف الفترات السابقة.

ويأتي ذلك، في سياق الفكاك من الضغوط الشديدة التي تتعرض لها حماس والجهاد وحركات المقاومة الأخرى، وليس في سياق التغيير البنيوي الداخلي في فكر وسلوك حماس كما هو مرجح وفعلي. ولهذا يمكن القول إن حماس قد تعاملت مع الواقع المتغير بشيء من الواقعية دون الخضوع له؛ وفق قراءة أفكارها. ويمكن القول إن قراءة واقعية لإنجازات المقاومة ضد الاحتلال مع الأخذ بعين الاعتبار الوقائع الجديدة الحاصلة على المسرح السياسي الفلسطيني بما يعزز حالة التوافق الداخلي الفلسطيني وصولاً إلى تكريس الوحدة الوطنية عبر برنامج نضالي وكفاحي شامل سيساهم بشكل أو بآخر في تحقيق المزيد من الإنجازات للشعب الفلسطيني. 

وكتب خالـد مشعـل، رئيس المكتب السياسي لحماس، مقالاً بعنوان (رسائل إلى من يهمـه الأمــر)،  الاتحاد الإماراتية (2/2)، جاء فيه: رسالتنا للإسرائيليين هي: إننا لا نحاربكم لأنكم تنتمون إلى دين معين أو ثقافة معينة. فاليهود عاشوا في العالم الإسلامي على امتداد 13 قرناً من الزمان في سلام وانسجام. وكتابنا الكريم يسميهم ''أهل الكتاب'' أي الذين لهم عهد وميثاق من الله ورسوله الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالاحترام والحماية.

إن صراعنا معكم ليس دينياً وإنما هو سياسي. فلا مشكلة لدينا مع اليهود الذين لم يقوموا بمهاجمتنا، وإنما مشكلتنا مع هؤلاء الذين جاءوا إلى أرضنا، وفرضوا أنفسهم علينا بالقوة الغاشمة، ودمروا مجتمعنا، وشردوا شعبنا.

إننا لن نعترف مطلقاً بحق أية قوة تسلب أرضنا، وتحرمنا من حقوقنا الوطنية.. ولن نعترف مطلقاً بشرعية الدولة الصهيونية التي تمت إقامتها على أرضنا للتكفير عن خطايا ارتكبها الآخرون، أو لحل مشكلات الآخرين.

ولكن إذا كنتم على استعداد لقبول مبدأ الهدنة طويلة الأمد فإننا على استعداد للتفاوض معكم على شروط تلك الهدنة إن ''حماس'' تمد يدها بالسلام لجميع هؤلاء الذين لهم اهتمام حقيقي بالســـلام القائم علـــى العدل.

ويراهن العديد من مسؤولي الحركات الإسلامية وحماس تحديداً على أن يتعامل الأمريكيون مع حماس خلال الفترة المقبلة بواقعية مختلفة بسبب المشكلات التي لا تحصى والتي تواجه الولايات المتحدة في المنطقة وخاصة في العراق، ولكي لا يتم تكرار ما هو خطأ بالنسبة للإدارة الأمريكية في رفضها السابق في التعامل مع حكومة فلسطينية "معتدلة" سابقة هي حكومة فتح؛ ويعتبرون البديل هذه المرة أخطر وهو عودة الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي للمربع رقم صفر وعودة التوتر الحاد للشرق الأوسط، وبالتالي استمرار مشاعر الكراهية نحو الولايات المتحدة في المنطقة واحتمالات استمرار انتقال "العنف" من المنطقة للولايات المتحدة كما حدث في 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

ويرى العديد من المراقبين السياسيين والمختصين في ندوة بعنوان: (التحديات والتوجهات)، عقدت في مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان في كانون ثاني (يناير) 2006، أن على حماس لمواجهة المرحلة المقبلة وتحدياتها الكبيرة إدماج القوى الفلسطينية في أجهزة الأمن والادارة الفلسطينية، وتشكيل حكومة فلسطينية تضم كافة القوى. وأن تسعى لدى الدول العربية والجامعة العربية لتدعم الحكومة الجديدة لإنجاح التحولات وإطلاق الديمقراطية في الوطن العربي، والمطالبة بقوانين انتخابية ديمقراطية. وضرورة إعطاء إشارات تطمينية واضحة في المقاومة والسياسة، عن طريق طرح مبادرة وحدة وطنية جديدة وواسعة. والانفتاح على العناصر في فتح التي ترغب باستمرار المشاركة في إدارة المجتمع الفلسطيني أوالسياسة الفلسطينية أو مقاومة الاحتلال. وجلب الاستثمار الفلسطيني والعربي والدولي، حيث يقع عبء كبير على جامعة الدول العربية لتشجيع مختلف الأطراف على هذا الاتجاه. وإتقان الدبلوماسية، من أجل تصحيح الاختلالات التي حصلت في مؤسسات السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. وأن تركّز حماس على التوازن بين دورها في السلطة الرسمية والمحافظة على رصيدها الشعبي كحركة مقاومة. والعمل على إلغاء الانتماءات الحزبية داخل أجهزة الأمن ليتحول إلى أمن وطني بحق. وترحيل ملف المفاوضات الى الخارج، والنفاذ الى العالم العربي والتعامل مع العرب والانفتاح على النظام الدولي. والاستقواء بدول كبرى كالصين وروسيا، ونامية من خارج الوطن العربي لا تتفق والسياسة الأمريكية خصوصاً مثل تركيا وايران وشرق آسيا، وكذلك دول أمريكا اللاتينية. والحكمة في اختيار الأولويات الداخلية والخارجية والتوازن بين برنامجي المقاومة والتسوية، واتخاذ قاعدة المشاركة السياسية من الجميع لمصلحة الجميع وعدم الاستفراد بالسلطة والقرار كما فعلت فتح من قبل.

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 25/اذار/2006 -24/صفر/1427