في عيد الأم أسيرات فاسطينيات يعانين من قسوة السجان ومرارة الحرمان من الأبناء

خمسة عشر يوماً من الإضراب عن الطعام والعزل الانفرادي خاضتها الأسيرة عطاف عليان والتي تخضع للاعتقال الإداري فى سجن الرملة هذه المرة  ليس هدف الإضراب تحسين شروط حياة الأسيرات السيئة داخل السجن، ولا المطالبة بإدخال أغراض المأكل والملبس التى تحرمهم إدارة السجن من دخولها، ولكن الهدف هذه المرة كان احتضان الأسيرة عليان لابنتها "عائشة " ذات الستة عشرة شهراً وضمها إلى حضانتها داخل أسوار السجن البغيضة، التى بالكاد يقوى عليها الكبار الراشدين المناضلين فما بال الأطفال الرضع.

وكانت سلطات الاحتلال قد اختطفت الأسيرة عليان من منزلها فى رام الله وأمام أبنائها وأصغرهم الطفلة الرضيعة عائشة التى حرمت من حنان أمها ورعايتها وبقيت فى رعاية والدها وليد الهودلى الذى أكد انه يشعر بالمرارة بعد ان أصبحت طفلته الرضيعة فى الأسر لتصاحب والدتها الأسيرة فى زنزانة لا تتجاوز المتر والنصف، ولكنه فعل ذلك ليريح زوجته الأسيرة بحضانة ابنتها، واصفاً الأمر بأنه صعب للغاية عليه ويسبب له إرهاقاً نفسياً وحياة صعبة.

حالة الأسيرة عليان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فى ظل احتلال يسعى دائماً إلى ممارسه الضغط النفسي والجسدي على الأسيرات من اجل زيادة معاناتهن وكذلك تدمير الشخصية والحالة النفسية للأسيرة بهدف  تخريب البيئة الاجتماعية والنفسية لكافة الأسيرات، وتدمير شخصية الأسيرة لتصبح غير قادرة على العطاء والبناء، وتفقد الثقة فى وطنها وشعبها

وأكدت الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى والمحررين فى تقرير لها بمناسبة عيد الأم والذي يصادف الواحد والعشرين من آذار من كل عام بان الأم الفلسطينية تستقبل  هذا اليوم الذي خصصه العالم لتكريم الأم، بمرارة وحزن فهو  في حياتها شكل أخر، يترجم لحظات الألم التي تعيشها جراء فقدان زوج أو ابن أو أخ، فبدل التوجه الى الاحتفال، فان أمهات فلسطين في هذا اليوم يتوجهن الى المقابر والى السجون وكل منهن تقاوم حزنها، كون ان ابنها شهيدا او أسيرا  يتحدى السجان بقوة إرادته.

وهذا ما يؤكده شعور أم أحمد والدة الأسير أحمد البكري التى قالت بأنها تعيش بمرارة منذ أن دخل ابنها السجن وزج به في المعتقلات، حيث أنها فقدت أكبر أبنائها في لحظة واحدة، وأشارت إلى العذاب الذي ذاقته طوال هذه السنين عندما تتذكر المواقف الحميمة التي كانت تجمعها مع ابنها، وخاصة فى عيد الأم عندما كان يدخل عليها ويقبل يديها ويهنئها بالعيد، مؤكدةً أن الشعور بحجم المأساة التي تعيشها أمهات الأسرى لا يمكن وصفه، ولا يمكن تصوره، وحول شعورها عندما  تلتقي مع ابنها داخل السجن أكدت أن شعورها عبارة عن مزيد من الفرحة والألم في آن واحد، الفرحة بلقاء الحبيب، والألم عندما تشاهده خلف القضبان وما تمثله هذه القضبان من معاناة وحسرة وألم وعذابات، مؤكدةً أن الأسرى دفعوا الثمن باهظًا وقضوا زهرة شبابهم خلف القضبان.

واشار تقرير الدائرة الإعلامية بأنه عوضاً  على انه يوجد الآلاف من أمهات فلسطين يفتقدن أبنائهن فان هناك العشرات من الأبناء يفتقدون فى هذا اليوم أمهاتهن اللواتي تم تغيبهن قصراً وراء القضبان وفى عتمات الزنازين الرطبة البائسة،  أبناء الأسيرة منال غانم (إيهاب ونفين وماجد) عبروا عن اشتياقهم بكل امل للإفراج عن والدتهم الأسيرة  منذ 17/4/2003،وكانت حينها حامل فى شهرها الثالث وتعانى من حالة صحية سيئة، وتقضى حكماً بالسجن لمدة 4 سنوات ونصف، ووجهوا نداءً الى  الأسرة الدولية والمؤسسات الحقوقية والإنسانية فى مناشدة لإطلاق سراح أمهم المحتجزة فى سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتعانى من مرض الثلاسيميا، وكذلك إطلاق سراح أخيهم الأسير الرضيع نور ابن العامين والأربعة اشهر والتى مددت سلطات الاحتلال فترة وجوده مع والدته فى السجن بصورة مؤقته لحين صدور قرار جديد بحقه، ولم تراعى  طفولته حيث يتعرض لجميع الانتهاكات والمضايقات التى تتعرض لها الأسيرات داخل السجن، وتعرض مرة الى الرش بالغازات السامة والمياه الباردة مثله مثل بقية الأسيرات فى السجن، كذلك تعرض للعزل عن والدته وحرمته سلطات الاحتلال حتى من الرضاعة الطبيعية التي هى حق طبيعي لكل طفل على وجه الأرض.

  أبناء الأسيرة منال غانم ليسوا لوحدهم من يفتقدون أمهاتهم خلف القضبان فى هذا اليوم، بل هناك العشرات من الأطفال افتقدوا أمهاتهم فى عيد الأم، والعديد منهم  حتى لا يستطيع ان يزور أمه ولفترات طويلة، وإذا استطاع زيارتها لا يتمكن من احتضانها وتقبيلها، او حتى الحديث معها بشكل واضح نظراً للحاجز الزجاجي الذى تضعه إدارة السجون على شبابيك الزيارة للأسيرات والأسرى، وإحدى الأسيرات الأمهات أم لتسعة أطفال وهي (زهور حمدان) من مدينة نابلس، كما أن شقيقتها زكية كانت معتقلة إدارياً وهي أم لأحد عشر ولداً، قبل الإفراج عنها.

وأضافت الدائرة الإعلامية بان أبناء الأسيرات يفتقدون أمهاتهم فى هذا اليوم الحادي والعشرين من مارس في كل عام حيث تواكب ذكرى عيد الأم، فخلف قضبان السجن الصماء تعيش (117) أسيرة فلسطينية موزعات على سجني تلموند وهشارون، والرملة، من بينهن (22) أسيرة متزوجة، و(18) أسيرة منهن ام لديها عدد من الأبناء، ويبلغ عدد أبناء الأسيرات الأمهات جميعهن أكثر من(60) من الأبناء،،  والأمهات الأسيرات يحرمن من زيارة أبنائهن الأطفال بحجج أمنية واهية، ومنهن من لم ترى أطفالها منذ سنوات كالأسيرة (سونا الراعي) من قلقيلية التي لم تشاهد ابنها الوحيد سوى مرة واحدة طيلة انتفاضة الأقصى.

الأسيرات الأمهات فى السجون الإسرائيلية يعشن حالة نفسية صعبة نتيجة القلق الشديد،والتوتر و التفكير المستمر بأحوال أبنائهن وكيفية سير حياتهم بدون أمهاتهم، والأكثر قسوة بالنسبة للأسيرة الأم هو عندما يكون زوجها أسيراً أيضاً حيث يعيش اطفالهما دون رعاية أي منهما حيث يوجد فى السجون الإسرائيلية من بين الأسيرات (4) أسيرات  أزواجهن ايضاً فى السجن، مثل حالة الأسيرة (إيرينا السراحنة) وهى روسية مسلمة، ويعيش طفليها مع جديهما بعد اعتقال والداهما.

وأفاد التقرير بان عيد الأم يمر على الأسيرات الفلسطينيات الأمهات ولا يزلن يعانين قهر الأسر  وظلم السجان، فها هي المرآة الفلسطينية الأم تحتفل بيوم عيدها وقلبها ملئ بالآلام والأحزان، ففي الوقت الذي تحتفل فيه جميع أمهات العالم بعيد الأم، تحاصر الأم الفلسطينية الأسيرة بالدموع تحلم بيوم تتحرر فيه وتحتفل بهذا اليوم مع أبناءها وهي تحتضنهم وتتقبل منهم الورود والهدايا فى هذه المناسبة، فالأم الأسيرة وحيدة هناك في عالم موحش يحكمه الجلادون تعيش أقسى أنواع الحياة ومحرومة من ابسط الحقوق التي نصت عليها الشرائع السماوية والأرضية، وكفلتها حتى الاتفاقيات الجائرة.

فهي تعيش مرارة السجن ومرارة الحرمان من الأبناء والأهل، فحياة الأسيرات داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية مليئة بالمضايقات والاستفزازات والحرمان، حتى من التعليم حيث لا زالت إدارة السجون مستمرة فى المماطلة بالسماح لأربعة أسيرات داخل السجن بالتعلم وتقديم امتحانات التوجيهي، حيث يوجد بين الأسيرات (27) أسيرة من الطالبات في المدارس و الجامعات، وكذلك تعانى معظم الأسيرات من أمراض مختلفة، فى ظل إهمال طبي متعمد ومقصود من قبل الإدارة  وعيادة السجن التي تشارك الإدارة في تعذيب الأسيرات وتهمل أوضاع المريضات, فلا يوجد في عيادة السجن طبيب مختص ولا طبيبة نسائية لتراعي شؤون الأسيرات، والأمراض التى تعانى منها الأسيرات هى أوجاع في العيون وديسكات في الظهر بسبب الجلوس في ظروف إعتقالية وحشية وفرشات سيئة ورقيقة ومبللة من الرطوبة العالية وقلة التدفئة ونقصان شديد في الملابس الشتوية.، وأمراض جلدية نتيجة قلة النظافة،وانتشار الحشرات، وأمراض الكبد والسكري. 

وأوضحت الدائرة الإعلامية أن عدد من الأسيرات الأمهات يعانين من أمراض مختلفة ولا تتوفر لهن الرعاية الطبية الكافية حيث تتعمد إدارة السجن ممارسه سياسة الإهمال الطبى للأسيرات ومن بين الأسيرات الأمهات المريضات الأسيرة  رجاء الغول (36 عاماً " أم قيس " والمعتقلة في سجن "الجلمة" حيث تعاني من آلام في الصدر لإصابتها بمرض في القلب، وهي بحالة صعبة نتيجة عزلها في الزنازين منذ اعتقالها في 15/2/2006، وهى ناشطة فى مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الأسرى ومتابعة أوضاعهم والتواصل مع ذويهم، وكما افاد محامي نادي الأسير فريد هواش الذي يتابع أحوال الأسرى من جنين انه قاد بزيارة الأسيرة الغول فى سجنها مناشداً الجهات الإنسانية والحقوقية بضرورة التدخل من أجل الإفراج عن السيدة "أم قيس"، لما تعانيه بسبب مرضها والضغوط التي تمارس ضدها في التحقيق الذي يتواصل 24 ساعة، مما يؤثر بشكل مباشر على حياتها"، محملاً سلطات الاحتلال المسؤولية كاملة إن حصل مكروه للأسيرة الغول.

وكذلك تعانى الاسيرة (سونا الراعي) من مرض نفسي ولا يوجد لها متابعة من قبل طبيب نفسي، وتعانى الأسيرة (منال غانم) من الثلاسيميا، وهي أم لأربعة أطفال أصغرهم الطفل نور الذى وضعته فى السجن ولا يزال يقبع معها داخل المعتقل، والأسيرة (قاهرة السعدي) من مخيم جنين تعاني من مرضٍ بالعينين و الأسنان و ديسك بالظهر، وهي أم لأربعة أطفال، وزوجها أسير في معتقل النقب، ومحكوم عليها بالسجن 3 مؤبدات و80 عاماً،  الأسيرة (آمال محمود)  من الجولان المحتل، تعاني من التهاباتٍ في الظهر و حالتها صعبة جدّاً، و الأسيرة (ابتسام العيساوي) من القدس المحتلة، تعانى من حروق فى يداها نتيجة انسكاب ماءٍ ساخن عليها داخل السجن، وتركت بدون علاج، و الأسيرة (أحلام الجواريش) من بيت لحم، تعاني من التهابٍ في المفاصل.

وأفادت الدائرة الإعلامية بان أوضاع الأسيرات صعبة للغاية حيث تتعمد إدارة السجن التضييق عليهن وإذلالهن وخاصة باستمرار سياسة التفتيش العاري، والاعتداء بالضرب والعزل على الأسيرات الذين يرفض التفتيش العاري، بالإضافة إلى منع العشرات منهن من زيارة ذويهم بحج أمنية،  كذلك فان الأسيرات يعانين كثيراً من استمرار عمليات اقتحام الغرف من قبل الإدارة وبعدد كبير من الشرطيين، وقلب محتويات غرفهن رأساً على عقب بحجة التفتيش، كما أمعنت إدارة السجون بسياسة العزل الانفرادي للأسيرات، والغرامات المالية الباهظة التى تخصم من كنتين الأسيرات، كذلك لا يسمح للأسيرات بالخروج الى ساحة النزهة سوى ساعتين وان الساحة ضيقة جدا مساحتها 30 متر مربع.

وأكدت الأسيرة دعاء الجيوسي والمحكومة ثلاثة مؤبدات، فى رسالة لها  بان الأسيرات في سجن هشارون في شمال إسرائيل، يعانين من استمرار تدهور أحوالهن المعيشية وظروفهن الاعتقالية، خصوصاً خلال فصل الشتاء.

وقالت بأن الأسيرات القابعات في قسم 11  يعانين من نقص حاد في الملابس الشتوية، التي لا تسمح إدارة السجن بإدخالها سوى مرة واحدة كل شهرين.

وأشارت إلى الرطوبة العالية بالغرف وصغر حجم مساحة الفورة، التي هي أشبه بغرف السجن، حيث الاكتظاظ الشديد وبدون غطاء في ظل الأجواء الماطرة أو أشعة الشمس حيث طالبت الأسيرات كثيرًl  بوضع غطاء على سقف الفورة إلا أن طلباتهن قوبلت بالرفض إمعاناً من الإدارة بالتضييق عليهن، إضافة إلى انتشار الزواحف والفئران في ظل امتناع إدارة السجن رش تلك الزواحف بالمبيدات الحشرية، و لا زالت إدارة السجن تمنع إدخال الكتب المدرسية والثقافية والملابس إلى الأسيرات وتضع عراقيل جمة أمام زيارات المحامين والأهالي، كذلك فان شبابيك الغرف والزنازين مغلقة بصاج من الحديد مما يمنع دخول أشعة الشمس والهواء،  أما فيما يتعلق بالطعام يتم تحديد الكميات التي تدخل الكانتين ونوعيتها، حيث تكون في معظمها منزوعة القيمة الغذائية بنسبة 80%، وهي عبارة عن معلبات تحوي المواد الحافظة فقط، وقد أدى ذلك إلى تراجع  صحة وانتشار حالات فقر الدم بينهن، مما يضطر الأسيرات إلى اشراء الطعام من الكنتين وعلى حسابهن الخاص.

وقد شهدت سجون الأسيرات فى الفترة الأخيرة حملة مركزة استهدفت نفسية الأسيرات، بهدف الضغط والتضييق عليهن، وقد تكررت حوادث التنكيل والاعتداء بالضرب على الأسيرات ورش الغاز والماء عليهن.  

وناشدت وزارة  الأسرى والمحررين المؤسسات الإنسانية، والمنظمات التى تنادى بحقوق الإنسان، والمؤسسات التي تعنى بقضايا المرآة، التدخل العاجل لوضع حد لمعاناة الأسيرات المتفاقمة، وتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأسرى والأسيرات والتي تزداد أوضاعهم قساوة يوماً بعد يوم، والضغط على إسرائيل لكى تنهى تلك المعاناة وتعيد الأسيرات الى أبنائهن.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 21/اذار/2006 -20/صفر/1427