
تتزامن ذكرى أربعينية سيد الشهداء الامام الحسين(ع) مع الذكرى
الثالثة لخلع الدكتاتور صدام من كرسيه بعد عدة عقود من الحكم المجحف
بحق العراقيين والانسانية جمعاء، وليس من باب تجميل الزمن الراهن أن
نقارن بين ماكانت عليه تأدية مراسيم مثل هذه الزيارة التي تشكل ركنا
مهما وواسعا من معتقدات شريحة كبيرة ومذهب واسع من المذاهب الاسلامية،
وبين ما كانت عليه طقوس هذه الزيارة المباركة في عهد النظام الدكتاتوري
الشمولي المقبور.
فالفرق بين الزمنيين لا يحتاج الى كبير جهد او تمحيص لكي نكتشف ما
كان يحدث من ظلم في ظل النظام الدكتاتوري لزوار مؤمنين لا هدف لهم سوى
مرضاة الله وأوليائه، وهذا الفرق يتضح للعالم أجمع من خلال الغبن
الكبير الذي كان يقع على الزوار الكرام، لا لشيء إلاّ لكونهم يريدون
تأدية شعيرة دينية مقدسة آمنوا بها لأنها تخص رمزا كبيرا من رموز
أوليائهم الصالحين وثوارهم الكبار ألا وهو الامام الحسين بن علي عليهما
السلام.
ولعلنا لا نغالي اذا قلنا ان السنوات الثلاث الماضية أفصحت بوضوح
كبير للعالم أجمع عن عطش الزوار الكبير وغير المحدود لتأدية مراسيم
الزيارات وعموم شعائرهم الاسلامية المقدسة بعد ان توافرت لهم حرية
تأدية هذه الطقوس وحرية التعبير عن مشاعرهم من دون ضرر او تخويف او
عواقب وخيمة كانوا يتعرضون لها في عهد الطاغية لمجرد انهم يمشون سيرا
على الاقدام قاصدين المراقد المقدسة للأئمة الأطهار من أهل البيت عليهم
السلام أجمعين في المناسبات الدينية والزيارات خاصة.
ولا نخطئ اذا قلنا بأن البعض ممن لا يروق لهم حكم الشعب العراقي
لنفسه بنفسه، يرى في اجواء الحرية ضربا لمصالحه واهوائه الخاصة التي لا
تتوافق إلاّ مع أهدافه الذاتية بعيدا عن مصالح الشعب عامة.
ومنها بعض الجهات الاعلامية المغرضة التي حاولت ومازالت تحاول تغذية
الاتجاهات المضادة للمكاسب الديمقراطية الجديدة التي تحققت للشعب
العراقي بزوال الدكتاتورية الشاملة، ولعل التبريرات التي تذهب الى ان
الأمن كان أفضل في زمن الطاغية وغيرها من الامور والجوانب التي لا زالت
بحاجة للمعالجة، تعد تبريرات واهية امام حجم ما تحقق للناس من حرية
التعبير وتأدية الطقوس الدينية المقدسة، ناهيك عن تحسين القدرة
الشرائية للمواطن العراقي الذي باع مجمل أثاث بيته في السابق لكي يواصل
حياته من حيث المأكل فحسب.
ولعل هدف هذه التبريرات هو تسويغ عودة الديكتاتوية بلباس جديد حيث
يروج الى ان الفوضى والفوضى الامنية الشاملة التي تقود نحو الحرب
الاهلية لانتهي الا بوجود حاكم قوي يستعين بالعسكر لفرض هيبته، حيث
تحاول بعض الدول الاقليمية والدولية مصادرة حركة الدستور والانتخابات
لصالح توافقات جديدة تتجاوز خطوط الديمقراطية التي سجلتها المراحل
السابقة.
ومن هنا فأن استكمال تحقيق الديمقراطية وعدم عودة الاستبداد يعتمد
على ضرورة حركة الدولة والاحزاب من اجل تحسين الظروف الامنية
والخدماتية ، بالتعاضد المتواصل بين الاطراف الحكومية والأهلية، بمعنى
آخر ان تتحمل الحكومة العراقية المنتخبة بدماء الشعب مجمل واجباتها
ازاء من أوصلها الى دفة الحكم وهم جماهير الشعب.
وبالمقابل هناك دور المواطن المهم ومسؤليته الكبيرة في معاونة
مؤسسات الدولة الأمنية وغيرها لتحسين الاوضاع بصورة عامة.
وهكذا يمكن لنا القول ان الدكتاتورية مضت الى غير رجعة وان
العراقيين يغذون الخطى في الطريق الصحيح وان حريتهم في تأدية الشعائر
الدينية ما هي الا مظهر من المظاهر الايجابية لسقوط الطاغية، فمعا معا
لتدعيم الحرية العراقية الجديدة ومعا للتمسك بالفرصة التأريخية للشعب
لكي يبني مؤسسات الدولة القوية المزدهرة في ظل نظام سياسي يأتي من
الشعب ويعمل من أجل صالحه في الوقت نفسه.

  |