احصاء قتلى الحروب: آلاف المدنيين يموتون يوميا

كيف يمكنك أن تحصي حصيلة القتلى في حرب بدولة لا توجد بها احصاءات أو سجلات طبية والناس بها منتشرون في قرى نائية بالغابات أو محشورون في مخيمات مؤقتة.

تقول وكالات المساعدات انه اذا علم السياسيون والناس كيف أن الافا كثيرة من المدنيين يموتون يوميا في بعض من أسوأ مناطق الحروب في العالم مثل جمهورية الكونجو الديمقراطية وأوغندا والسودان فربما يصبحون أكثر ميلا الى التحرك.

غير أن تحديد معدلات وفيات دقيقة في بعض من أكثر البيئات التي تشهد عداءات شديدة في العالم قد يكون صعبا وخطيرا وقد تكون له في بعض الاحيان جوانب سياسية.

وقال فرانسيسكو شيكشي الخبير في سجلات الوفيات في مناطق الكوارث "الارقام ...تهم لانها يمكن أن تغير سياسة."

وعندما كشف مسح أجراه في عام 2004 خبراء في الصحة العامة أن 100 ألف عراقي توفوا منذ إطاحة القوات التي تقودها الولايات المتحدة بنظام الرئيس صدام حسين في عام 2003 قالت الحكومة البريطانية إن منهجية المسح لم تكن سليمة رغم أن التقرير نشر في نشرة (لانسيت) الموثوقة.

وقال ريتشارد هورتون مدير تحرير (لانسيت) ان السياسيين يدركون أن معدلات الوفيات المرتفعة يمكن أن تظهرهم في صورة سيئة لذلك يواجه الباحثون في بعض الاحيان حملات تشويه وفحص دقيقة.

وفي بعض الاحيان تهز الارقام الكبيرة بخصوص الوفيات العالم وتدفعه الى التحرك.

وفي عام 2000 نشرت لجنة الاغاثة الدولية مسحا أظهر أن الحرب في جمهورية الكونجو الديمقراطية كانت الاكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية حيث قتل قرابة 1.7 مليون شخص بسبب العنف أو الامراض المرتبطة بالحرب وبسبب الجوع.

واحتل هذا الرقم العناوين الرئيسية بوسائل الاعلام واحيا الاهتمام بواحدة من أكبر "العمليات الطارئة المنسية" في العالم. وقال ريتشارد برينان مدير شؤون الصحة بلجنة الاغاثة الدولية ان تمويل المساعدات الدولية لجمهورية الكونجو الديمقراطية الواقعة في وسط أفريقيا ارتفع الى أكثر من ثلاثة أضعافه بعد نشر نتائج المسح.

وقال رينان "لا يمكن أن نقول ان بيانات لجنة الاغاثة الدولية فقط هي التي فعلت ذلك.. ولكن من المؤكد أنها لعبت دورا."

لكن التمويل الجديد لم يضع حدا لمأساة الشعب الكونجولي.

وفي عام 2004 أظهر مسح آخر للجنة الاغاثة أن حصيلة الوفيات ارتفعت الى رقم مذهل بلغ 3.9 مليون شخص.

غير أن ميليشيات وجنود ومقاتلين قبليين كانوا لا يزالون يستهدفون المدنيين خاصة في منطقة الشرق النائية ويحرمون القرويين من المحاصيل والمياه الامنة والمراكز الصحية.

ولا يزال التمويل المطلوب لجمهورية الكونجو الديمقراطية قاصرا غير أن الاستجابة الكبيرة عقب المسح الذي أجري في عام 2000 تظهر أن البيانات الخاصة بالوفيات يمكن أن تحث على بذل جهود أكبر على الاقل لبعض الوقت. لكن المشكلة تكمن في الحصول على بيانات دقيقة ثم بعد ذلك التأكد من أنها غير قابلة للطعن فيها.

ورغم أن الكونجو تضم حاليا أكبر قوة حفظ سلام في العالم ومن المقرر أن تجرى بها انتخابات تاريخية في يونيو حزيران فان عملية جمع البيانات مهمة معقدة في بلد التنقل فيه عبر الانهار دائما ما يكون أكثر أمنا من الطرق وبتعرض لدرجة حرارة خانقة ونسبة رطوبة تقترب من 100 في المئة.

وقال برينان "انها الطائرات والقطارات والسيارات."

وكان بين كوجلان مع فريق لجنة الاغاثة الدولية الذي ذهب إلى الكونجو خلال الفترة من ابريل نيسان وحتى يوليو تموز 2004 لإعداد دراسة حول عدد الوفيات نشرتها (لانسيت) في يناير كانون الثاني 2006.

وعمل الفريق مع باحثين محليين زاروا عينة من المنازل وسألوا عن أعداد المواليد والوفيات خلال فترة محددة. وقارنوا النتائج بتقديرات حول معدلات الوفيات "الطبيعية" في بلدان مشابهة وانتهوا إلى حصيلة كبيرة.

وكانت الرحلة بالنسبة للزائرين كابوسا فيما يتعلق بالنقل والمؤن.

فقد اضطروا إلى حمل حقائب مملوءة بعملات كونجولية بينما كانوا يسافرون وسط الغابات إلى مخيمات اللاجئين المترامية.

وقال كوجلان الذي شارك في كتابة المسح نيابة عن معهد بيرنت الأسترالي "لقد جعلنا ذلك أكثر غضبا."

وفي إحدى المراحل وجد كوجلان نفسه يقود دراجة بخارية مؤجرة وسط حرائق الغابات ومعه نقود وخزان وقود فارغ مربوط في مؤخرة الدراجة. وفي حادثة أخرى كان على فريقه أن يتحدث إلى طفل من الجنود وقاده المخمورون مرة واحدة على الأقل في طريقهم للسماح له بالمرور.

وكان على الباحثين أيضا أن يكسبوا ود السلطات المحلية والوطنية وهو ما يعني دائما التفاوض مع حكومات متغطرسة وسريعة الغضب للسماح لهم بالمرور إلى مناطق الحرب وبعد ذلك السماح لهم بنشر معلومات قد لا تروق لهم.

وقدر مسح لعدد الوفيات في مخيمات النازحين في شمال أوغندا التي تقوم جماعة متمردة متدينة بالاغارة على المدنيين به منذ قرابة 20 عاما أن 26 ألف شخص توفوا خلال الفترة ما بين يناير كانون الثاني وحتى يوليو تموز 2005.

وواجه الباحثون في البداية مشكلات في اقناع كمبالا بالتصديق على تقريرهم الذي أظهر أن معدلات الوفاة في الأسبوع الواحد تصل إلى 1000 شخص.

وتعد منطقة دارفور بغرب السودان إحدى المناطق الأخرى التي يصعب إجراء بحوث فيها. وقتل عشرات الآلاف من الأشخاص واضطر أكثر من مليونين آخرين إلى النزوح خلال ثلاث سنوات من الحرب.

وفي عام 2004 قدرت منظمة الصحة العالمية أن ما بين 5000 و14 ألف شخص كانوا يموتون شهريا كما أحصت نحو 70 ألف متوف بين النازحين أغلبهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها خلال الفترة من مارس اذار وحتى سبتمبر ايلول من العام نفسه.

وشكت منظمات دولية غير حكومية من تعرضها لتحرشات من جانب السلطات السودانية كما طلب من عدد من تلك المنظمات المغادرة.

وحتى في الوقت الذي ينشر فيه الباحثون نتائجهم في اصدارات مثل (لانسيت) فيمكن أيضا أن يتعرضوا لانتقادات من جانب صحفيين وحكومات تهاجم الحلول التي تطلبها تلك النتائج.

وهذا هو السبب وراء الأهمية الكبيرة للدقة الشديدة.

وقال هورتون مدير تحرير (لانسيت) "إذا كنت ستدخل في تقديم مشورة سياسية أو القيام بدور دفاعي.. فيجب أن تتأكد من أن الأرقام صحيحة... ذلك من أجل مزج العلم بفكرة الشهادة... والهدف هو تقليل الخسائر في الأرواح."

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 19/اذار/2006 -17/صفر/1427