الشجرة

قصة علي حسين عبيد

بدأت تزداد سرعة الريح .. كان الفتى يسير على الطريق المحاذي لبستان الرجل الذي داهمه الموت فجأة ليلة البارحة .. ظل الفتى مشغولاً بفكرة الموت وحين سأل اباه عن الموت ذات مرة لجمه ابوه بخدة وقال له : انك لا تزال صغيراً على امور كهذه وردت في ذهن الفتى حكاية موت الاشجار وهي واقفة ، لقد سمعها وقرأها اكثر من مرة ولم يفهم معناها بشكل كامل ، اذ ما معنى ان يموت الكائن الحي وفي الوقت نفسه يظل واقفاً .. ازدادت سرعة الريح حتى اخذت تطلق صفيراً وهي تمر خاطفة بالاشياء التي تقابلها ، اما الشجرة فقد راحت تحني جسدها ( ساقها واغصانها واوراقها الخضر ) مع اتجاه الريح حتى بدت للفتى مثل قوس يكاد يقترب طرفاه ليكونا دائرة كاملة .. احتمى الفتى بجدار متين وظل يراقب ( موت ) الشجرة التي داهمتها الريح بوحشية اذ بدأت اوراقها بالتدفق مع اتجاه الريح ، بل ان بعض اغصانها تكسر وغادر شجرته مع الريح التي جرفتها بقوة الى اماكن لا يعلمها الا الله .. تمنى الفتى لو انه يمتلك قوة تجعله قادراً على مساعدة الشجرة وصد الريح التي امعنت بقسوتها واخذت تهاجمها بسرعتها الهائلة حاملة معها اشياء كثيرة متطايرة تنصفق بقوة في ساق الشجرة واغصانها .. نظر الفتى الى انحناء الشجرة حتى اخذ يحني جسده مثلها من غير ان يعي ذلك وتذكر الرجل ( صاحب البستان والشجرة ) الذي فارق الحياة ليلة البارحة وقال لنفسه ( ربما ستلحقه شجرته ايضاً ) . صفرت الريح وزمجرت وصاحبتها بروق خاطفة قوية انشطرت في وجه السماء معلنة يوماً مدججاً بالعواصف والرياح العاتية التي ستقتل كل شيء يقف في طريقها وفي هذه اللحظات التي غلفت الفتى بالمرارة والحزن فوجئ بالشجرة تعدل رويداً قامتها .. وقد رأى ذلك بوضوح عجيب حين بدأت الاغصان الصغيرة تحتمي بالساق وتقف بوجه الريح ثم اخذت الشجرة بالاستقامة شيئاً فشيئاً حتى ضاع تقوسها تماماً . وها هي الريح تسرع وتصفر وتعربد وتمر خاطفة من بين احشاء الشجرة التي راحت تصد الريح ببسالة كبيرة حتى ان الفتى رأى بداية تقعر الشجرة التي اخذت تمثل قوساً معاكساً للريح وقد بدأت تخف سرعتها حتى هدأت تماماً بينما طل الفتى ينظر بامتنان للشجرة التي استقامت شامخة باتجاه السماء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/اذار/2006 -12/صفر/1427