قضايا اللاجئين فى العالم الإسلامى

بين الاعتبارات السياسية وغياب منظور للأمن الإنسانى

خديجة عرفة محمد أمين

تتسم مشكلات اللاجئين فى العالم الإسلامى- كواحدة من أخطر مصادر تهديد الأمن الإنسانى- بتعقد وخصوصية وذلك على أكثر من مستوى، يتمثل أولها فيما يمكن أن نطلق عليه نطاق أو حجم المشكلة وهو ما يتضح عند النظر إلى عدد لاجئ وطالبى اللجوء فى العالم الإسلامى سواء كنسبة من إجمالى اللاجئين فى العالم أو كنسبة إلى عدد سكان دول العالم الإسلامى، أما الأمر الثانى فيتمثل فى طبيعة الوضع القانونى للاجئ دول العالم الإسلامى ممثلا فى افتقاد إطار قانونى للتعامل مع قضايا اللاجئين فى العالم الإسلامى. وويتمثل الأمر الثالث فيما تثيره دراسة قضايا اللاجئين فى العالم الإسلامى من إشكالية خطيرة تتعلق  بإلى أى مدى هناك تغليب للاعتبارات السياسية على الاعتبارات الإنسانية فى التعامل مع مشكلات اللاجئين، وهو ما يتبدى بالأساس فى غياب منظور متكامل للأمن الإنسانى فى التعامل مع مشكلات اللاجئين بوجه خاص ومصادر تهديد الأمن الإنسانى بوجه عام، إذ تفتقد غالبية الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامى ذاتها لمنظور متكامل للتعامل مع قضايا اللاجئين ينطلق بالأساس من التركيز على اعتبارات الأمن الإنسانى. ويقصد بالمنظور الإنسانى هو ذلك المنظور الذى يضع الفرد كمحور التحليل الأساسى بحيث يصبح تحقيق أمن الأفراد أو الأمن الإنسانى هو الهدف الأساسى لصناع القرار عند صياغة سياستهم الأمنية والاقتصادية وحتى الدفاعية.

بالتطرق إلى نطاق أو حجم مشكلة اللاجئين فى العالم الإسلامى فنجد انه فى الوقت الذى يمثل  فيه سكان الدول الأعضاء فى منظمة المؤتمر الإسلامى حوالى 23% من إجمالى سكان العالم، تمثل فى المقابل نسبة لاجئ وطالبى اللجوء فى الدول الإسلامية حوالى 61.8% من إجمالى لاجئ وطالبى اللجوء فى العالم، إذ بلغ عدد اللاجئين فى دول المنظمة  وفقا لإحصاءات عام 2004، حوالى 7.325.600 لاجئ وطالب لجوء اضطروا إلى الفرار وترك ديارهم خوفا من الاضطهاد أو التعذيب لأسباب عدة تختلف من حالة لأخرى، ومنها  ظروف الحروب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي (أفغانستان، وطاجيكستان، وسيراليون)، أو حالات انهيار الدولة (انهيار الاتحاد السوفييتي وآثاره في بروز مشكلات اللاجئين فى الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى والقوقاز)، أو الظروف الاقتصادية، هذا بالإضافة إلى عامل العدوان الخارجي( حالة العراق). وربما يواجه هؤلاء الفارون ظروفا أسوأ فى الدول المضيفة تضطرهم إلى الانتقال بحثا عن الملجأ فى دولة ثالثة آمنة.

يضاف لهذا العدد الضخم من اللاجئين وطالبى اللجوء فى دول العالم الإسلامى، ما يزيد على 15 مليون نازح داخلى اضطرتهم الظروف ذاتها (بالإضافة إلى سياسات الانفتاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي والتي كان لها آثار سلبية على القطاعات الأكثر فقرا في بعض المجتمعات) إلى الانتقال لإقليم آخر داخل الدولة ذاتها، وربما يكون ما حال دون كونهم لاجئين هو عدم قدرتهم على الانتقال إلى دولة أخرى. مما اضطرهم للبقاء داخل دولتهم الأصلية مع الانتقال إلى إقليم أخر.

ولا يقتصر الأمر على هذا العدد الهائل من اللاجئين والنازحين الداخليين، إذ تبرز بالإضافة إلى ذلك في بعض الدول الإسلامية ظاهرة "انعدام الجنسية أو انعدام المواطنة" Statelessness، إذ توجد جماعات لا تعترف أي دولة بمواطنتهم، ومن ذلك "البيهاري" (Biharis) في بنجلاديش الذين يبلغ عددهم حوالي 238 ألف شخص، وكذلك بعض الجماعات في بعض الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز.

وعلى النطاق الإقليمي، تتركز النسبة الكبرى من لاجئ الدول الإسلامية فى الدول الآسيوية إذ يوجد بالأخيرة حوالي 80.84% من لاجئي الدول الإسلامية، حيث يبلغ إجمالى عدد اللاجئين وطالبى اللجوء فى الدول الإسلامية من قارة آسيا حوالى 5.9 مليون لاجئ وطالب لجوء (وهو ما يمثل حوالي 49.5% من إجمالي لاجئ العالم)، بينما توجد النسبة الباقية فى الدول الأفريقية. (حوالى 1.391 ألف لاجئ وطالب لجوء يمثلون ما نسبته 19.16% من لاجئ وطالبى اللجوء فى العالم الإسلامى أو ما يمثل 11.7% من إجمالى لاجئ العالم وذلك وفقا لإحصاءات عام 2004).

وبالنظر إلى قضايا اللاجئين على مستوى الدول الإسلامية فرادا، نجد أن العدد الأكبر من الدول الإسلامية يعاني من مشكلات اللاجئين والنازحين الداخليين(سواء أكانت دولا مضيفة للاجئين أو دولا مصدرة للاجئين، إذ تكاد لا تكون هناك أى من الدول الإسلامية لا تعانى من تلك المشكلة)، كما أن أكبر دول العالم من حيث عدد اللاجئين، سواء أكانت دول ملجأ أو دول منشأ، هي دولا إسلامية، فمن بين دول المنشأ تأتى  فلسطين، وأفغانستان كأكبر دول العالم من حيث عدد لاجئيها بالخارج، ومن بين دول الملجأ نجد إيران، وباكستان، والأردن كأكثر دول مضيفة للاجيئن فى العالم.

وتشكل هذه الأعداد المتزايدة من اللاجئين وطالبى اللجوء خطورة شديدة على كل من دولتي المنشأ والملجأ تضاف إلى مجمل ما تعانيه الدول الإسلامية من مشكلات. فعلى سبيل المثال وجود ما يقرب من 13% من أبناء الشعب الأفغاني خارج البلاد كلاجئين وطالبي لجوء من شأنه أن يؤثر تأثيراً بالغ السوء على البلاد، ففرار العمال والمزارعين يترتب عليه إهمال الأراضي الزراعية، وهجر المصانع، مما يحول دون الاستغلال الأمثل لثروات وموارد البلاد. كما أنه في حالة الصراع بين جماعتين أو أكثر فإن فرار أبناء إحدى تلك الجماعات كطالبي لجوء إلى دولة أخرى من شأنه أن يخلق حقائق جديدة على الأرض، إذ يؤدي هذا إلى اختلال الوزن النسبي بين أبناء الجماعات المتصارعة، وهو الأمر الذي من شأنه تغيير الوضع الديمغرافي بالبلاد.

والأمر ربما يكون أخطر بالنسبة لدولة الملجأ، إذ يكون للأعداد المتزايدة من اللاجئين انعكاسات عدة على الدولة المضيفة. فمن ناحية، يشكل هذا العدد المتزايد ضغطاً  على الموارد التي هي بالأساس محدودة، بالإضافة إلى تأثيراته السلبية على البيئة. ومن ناحية أخرى، يهدد هؤلاء القادمون من بيئات ثقافية واجتماعية مختلفة –خاصة فى حالات الأعداد الكبيرة من اللاجئين- النظام الثقافي والقيمي السائد بالدولة المضيفة. والأخطر من هذا أن مجمل الظروف التي يعانيها هؤلاء اللاجئون وطالبو اللجوء تؤثر على سلوكهم، إذ يتسم هؤلاء فى معظم الأحيان بالميل للعنف ومحاولة الدفاع عن أنفسهم بشتى السبل، والتخوف من الآخرين، إذ تزداد عمليات العنف فى المخيمات، خاصة أنه في بعض الأحيان يكون من بين هؤلاء الأفراد قادة عسكريين من دول المنشأ، يدخلون الدولة المضيفة فى صورة مدنيين، ويقومون بتجنيد اللاجئين فيما يعرف بـ"عسكرة المخيمات". ومن ناحية ثالثة وهي الناحية الصحية، فإن سفر هؤلاء الأفراد لمسافات طويلة، وفي ظروف غير صحية، يجعلهم في معظم الأحيان يحملون أمراضا عدة وغير معروفة، مما قد يساهم فى انتشار بعض الأمراض والأوبئة في الدولة المضيفة.

والأهم هو الانعكاسات السياسية لوجود اللاجئين على دولة الملجأ وهو الأمر الذى من شأنه فى أحيان كثيرة التأثير على العلاقات بين دولة المنشأ والدولة المضيفة، مما يجعل الأخيرة تقع فى إشكالية التوفيق بين الاعتبارات السياسية والاعتبارات الإنسانية. إذ ترفض بعض الدول استقبال لاجئين من دول بعينها خشية أن يؤثر ذلك على علاقاتها بتلك الأخيرة، كما أنه فى بعض الأحيان يلجأ هؤلاء اللاجئون -بالتعاون مع بعض المواطنين المحليين- إلى الحصول على بطاقات هوية مزورة وبطاقات انتخابية يتم استخدامها من قبل بعض المرشحين فى الانتخابات للتأثير على نتائج الانتخابات. وهى كلها إشكالات خطيرة تجعل الدول المستقبلة للاجئين فى شدة الحذر قبل السماح باستقبال اللاجئين على أراضيها.

إذا ما انتقلنا إلى الحديث عن المستوى الثانى من مستويات تعقد وخطورة قضايا اللاجئين فى العالم الإسلامى فيتبدى هذا الأمر فى غياب إطار قانونى لتنظيم أوضاع اللاجئين فى العالم الإسلامى إذ تفتقر "منظمة المؤتمر الإسلامي" حتى الآن لإطار قانوني لتنظيم مجمل أوضاع اللاجئين والتعامل مع قضيتهم في الدول الأعضاء، وهو ما يتجسد فى عدم وجود اتفاقية أو معاهدة بين دول منظمة المؤتمر الإسلامى خاصة باللاجئين. وعلى الرغم من أن وجود مثل هذا الإطار القانوني لا يعني بالضرورة تحقيق ظروف ملائمة أو تحسين أوضاع اللاجئين؛ إذ إن وجود القاعدة القانونية لا يعني الالتزام بتنفيذها. إلا أن وجود مثل هذا الإطار القانوني يعد الخطوة الأولى في التعامل الكفء والمساهمة في حل مشكلات اللاجئين المتفاقمة في الدول الإسلامية. فقد ساهم غياب الإطار القانوني في خلق مشكلات عدة، من أهمها مشكلات المفاهيم، هل نطلق عليهم "لاجئون" أم "مهاجرون غير شرعيين"؟ إذ ما زال هناك عدم اتفاق بين عديد من الدول الإسلامية حول تصنيف فئات بعينها وفقا لهذا الاعتبار، فلو استخدمت الدولة التعبير الأول فعليها استقبالهم وتوفير الحماية لهم، أما فى أغلب الحالات التي يتم فيها استخدام تعبير "مهاجرون غير شرعيين" فيحق للدولة عدم استقبالهم، وبذلك يحرمون من حماية الدولة، والفرق بين الحالتين كبير.

وعلى النطاق الإقليمي، تدخل بعض الدول الإسلامية فى اتفاقيات إقليمية لتنظيم أوضاع اللاجئين بها. فالدول الإسلامية في أفريقيا مثلا يحكمها فى تنظيم أوضاع اللاجئين بها اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969 الخاصة باللاجئين، وكذلك هناك إعلان كارتاخينا لعام 1984 الخاص بلاجئي أمريكا اللاتينية.

لذا فخطورة غياب الإطار القانوني تنصب بالأساس على الدول الآسيوية الإسلامية -التي تضم النسبة الأكبر من أعداد اللاجئين فى العالم الإسلامى كما سلفت الإشارة- إذ تفتقر هذه الدول لإطار قانوني لتنظيم أوضاع لاجئيها، سواء أكان ذلك في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي أو في إطار أي من المنظمات الإقليمية الأخرى كـ"رابطة جنوبى آسيا للتعاون الإقليمي" South Asia Association for Regional Cooperation، ورابطة أمم جنوب شرقى آسيا Association of South East Asian Nations  ، وغيرها من المنظمات الإقيمية الأخرى. وحتى على مستوى العلاقات الثنائية فى معظم الحالات، خاصة أن معظم تلك الدول لم توقع بعد على اتفاقية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين لعام 1951، أو بروتوكول عام 1967 المكمل لها.

وبرغم ما سلف، إلا إن الأمر الأكثر خطورة فى قضايا اللاجئين فى العالم الإسلامى يبرز، وكما سلفت الإشارة، فى غياب توجه أو منظور إنسانى فى التعامل مع قضايا اللاجئين من قبل دول العالم الإسلامى، إذ ما زال المنظور السياسى هو المنظور المهيمن فى هذا الصدد، إذ تكشف دراسة معظم نماذج مشكلات اللاجئين فى الدول الإسلامية عن غلبة أو سيادة افتراضات المنظور الواقعى فى العلاقات الدولية وذلك فى معظم حالات تعامل الدول الإسلامية مع قضايا اللاجئين، وخطورة هذا الأمر تتمثل فيما يقوم عليه هذا الأخير من افتراضات تتمحور حول فكرة "الرشادة" واعتبارات المصلحة الوطنية دونما النظر إلى أية اعتبارات إنسانية أخرى، إذ ينظر للدولة باعتبارها فاعلا رشيدا تسعى إلى تحقيق مصالحها القومية وفقا لمنطق عقلاني بحت يقوم على اعتبارات المكسب والخسارة، فسعي أي دولة محكوم بما يحقق لها أكبر قدر من المكاسب وأقل قدر من الخسائر الممكنة، بصرف النظر عن الاعتبارات الدولية الأخرى.

وينعكس هذا المنظور على قضية اللاجئين فى العالم الإسلامى من أكثر من ناحية تتمثل أولها فى التخوف من الانضمام للمؤسسات أو المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين، خوفا من المحاسبة. إذ تخشى الدول الإسلامية من الانضمام إلى الاتفاقات والمعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين خوفا من أن يفرض عليها هذا الأمر استقبال اللاجئين وتوفير ظروف المعيشة المناسبة لهم، ومن ناحية ثانية نجد هناك ميلا من قبل تلك الدول إلى تغليب الاعتبارات السياسية فى التعامل مع اللاجئين؛ إذ أصبح استقبال الدول المضيفة للاجئين وطالبي اللجوء على أراضيها محكوما بعملية تفاوضية لما يمكن أن يحقق لها هذا الأمر من فوائد في علاقاتها مع دولة المنشأ أو يحقق لها من مصالح قومية.

وعادة ما تلجأ الدول في هذا الصدد إلى بعض الإستراتيجيات منها:

- طرد أو رفض استقبال اللاجئين، وإعادتهم إلى دولة المنشأ مرة أخرى، وذلك رغم أن مبدأ حظر رد أو طرد أي لاجئ يعد أحد القواعد المرساة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والأعراف الدولية، ومن ذلك موقف الدول المجاورة لأفغانستان من استقبال اللاجئين الأفغان خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والضربة العسكرية التى وجهت للأخيرة، إذ أعلنت الدول المجاورة -وهى دول إسلامية باستثناء الصين- إغلاق حدودها رسميا في وجه اللاجئين الأفغان، معلنة عدم قدرتها على استيعاب أي تدفق جديد للاجئين الأفغان، متجاهلة الاعتبارات الإنسانية والالتزامات الدولية في هذا الصدد.

- فى حالات ثانية، تلجأ بعض الدول إلى تبنى إستراتيجية المساهمة في تقديم منح أو مساعدات للاجئين فى مقابل عدم استقبالهم على أراضيها، فقد أعلنت إيران مثلا بعد أحداث 11 سبتمبر عن استعدادها لبناء مخيمات للاجئين الأفغان داخل الأراضي الأفغانية ذاتها، وقرب الحدود بين البلدين بحيث تستوعب 200 ألف أفغاني، وذلك بدلا من استقبالهم على أراضيها. وخطورة إقامة اللاجئين فى تلك المخيمات تكمن في قربها من الحدود في حين تنص القواعد الدولية على ضرورة أن تكون مخيمات اللاجئين بعيدة عن الحدود، حتى لا يعرض ذلك أمنهم للخطر.

- في حالات أخرى تتبنى بعض الدول مفهوم "دولة ثالثة آمنة" Third Safe State، إذ لا تقوم بطرد هؤلاء القادمين من طالبي اللجوء، لكنها تقبل استقبالهم مؤقتا حتى يتسنى لهم تدبير أمورهم والانتقال إلى دولة ثالثة، وتسمح لهم خلال تواجدهم بالاتصال بدولة ثالثة تمهيداً للانتقال إليها.

وبذلك يثير هذا الأمر إشكالية خطيرة، فإيهما يغلب أو يسود هل الاعتبارات السياسية أم الاعتبارات الإنسانية، فوفقا للاعتبارات الإنسانية وقواعد القانون الدولى فالدولة ملزمة باستقبال هؤلاء اللاجئين وتوفير الحماية لهم وإعطائهم حق اللجوء، إلا انه وفقا للاعتبارات السياسية واعتبارات المصلحة القومية يشكل هؤلاء اللاجئون وخاصة الأعداد المتزايدة منهم تهديدا بالغ الخطورة للدولة المضيفة وفى أحيان عدة يكون هذا الأمر من شأنه التأثير على علاقة دولة الملجأ مع دولة المنشـأ وخاصة فى حالات اللاجئين السياسيين. بحيث يصبح التساؤل المطروح، أين منظور دول منظمة المؤتمر الإسلامى للتعامل مع مصادر تهديد الأمن الإنسانى ومن بينها قضايا اللاجئين والتى لا تقل أهمية عن اعتبارات الأمن القومى والأمن العسكرى، فقضايا اللاجئين لا تقل أهمية عن القضايا المتعلقة بالتعاون الزراعى والتجارى بين الدول الأعضاء والتى يوجد بشأنها عدد كبير من الاتفاقات المنظمة لها.هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كيف يمكننا التعامل مع القضايا الإنسانية بمنظور الأمن القومى والأمن العسكرى، فأمن الحدود، رغم أهميته، لم يعد هو التركيز الأوحد فى العلاقات الدولية، فالبيئة الأمنية خاصة فترة ما بعد الحرب الباردة وما تفرضه من تحديات تتطلب منظور مختلف فى التعامل مع القضايا ذات الأبعاد الإنسانية. وهو ما يطرح تساؤلا ثالثا  أكثر أهمية يتعلق  بانه فى ظل هذ الوضع الخطير لمشكلات اللاجئين والمتمثل فى أعداد متزايدة من اللاجئين مرتبطة بصراعات ذات طبيعة ممتدة، وغياب لإطار قانونى لتنظيم وضع اللاجئين ، وتغليب لاعتبارات المصلحة الوطنية على الاعتبارات الإنسانية، فهل بهذا المعنى يمكن اعتبار الدول الإسلامية دولا آمنة، وكيف يمكن تحقيق أمن الدول بمعزل عن أمن الأفراد أو الأمن الإنسانى، فإذا كان وفقا للمنظور التقليدى للأمن فانه يمكن اعتبار عدد كبير من الدول الإسلامية دولا آمنة، إلا انه وفقا لمنظور الأمن الإنسانى فكيف يمكن اعتبار الدول الإسلامية دولا آمنة إذا كان أفرادها بالأساس غير آمنون فكيف يمكن فصل أمن الدولة عن الأمن الإنسانى.

وعند هذه النقطة فإن توافر إطار قانونى لتنظيم أوضاع اللاجئين هو المدخل الأنسب للتعامل الكفء مع مشكلات اللاجئين فى الدول الإسلامية إذ إنه من شأنه وضع إطار تعريفى محدد للتمييز وتحديد من هم اللاجئين دون غيرهم من الفئات وكذلك سبل التعامل معهم بالإضافة إلى وضع قواعد ملزمة للدول لتنفيذ التزاماتها الدولية تجاه اللاجئين.

من ناحية ثانية، هناك حاجة لإدراج قضايا اللاجئين ضمن أولويات دبلوماسية المسار الثانى والثالث بين دول المنظمة لإجراء حوارا بشأنها. وتتمثل دبلوماسية المسار الثانى وهو مسار غير رسمى، فى أنشطة الباحثين والخبراء والتى تهدف إلى مساعدة صناع القرار عند صياغة سياستهم الأمنية من خلال تقديم المشورة. وذلك خلافا لأنشطة المسار الأول وتتمثل فى أنشطة المسار الرسمى الحكومى. أما أنشطة المسار الثالث أو دبلوماسية المسار الثالث فتتمثل فى انه نظرا للدور المتزايد الذى أصبحت تقوم به منظمات المجتمع المدنى فى حفظ السلم والأمن الدوليين فترة ما بعد الحرب الباردة، لذا تقوم دبلوماسية المسار الثالث على محاولة بناء صلة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى من خلال إنشاء لجنة مشتركة بين الدبلوماسيين والباحثين. ويتم هذا الدور من خلال مجموعة من المؤسسات البحثية المستقلة المعنية بدراسات السلم.

ومن هنا فإن دور دبلوماسية المسار الثانى والمسار الثالث بين دول المنظمة لابد أن ينشط من قبل حكومات الأخيرة فى مناقشة قضايا اللاجئين وقضايا الأمن الإنسانى بوجه عام بما يساعد على التوصل إلى توصيات تفيد صناع القرار فى هذا الصدد بحيث يمكن اقتراح إنشاء لجنة أو مركز بحثى فى إطار منظمة المؤتمر الإسلامى يهدف بالأساس إلى إعداد دراسات حول قضايا اللاجئين وغيرها من قضايا الأمن الإنسانى بين الدول الأعضاء بحيث يسهم هذا المركز البحثى والذى سيكون بمثابة جهة تفاوضية بالأساس فى التوصل إلى توصيات تفيد صناع القرار فى هذا الصدد. بحيث سيكون ساحة للحوار يهدف إلى مناقشة قضايا اللاجئين بما سيساهم أولا فى إدراك مخاطرها الحقيقية وثانيا العمل على وضع الحل الأنسب لها.

__________________

1-يقصد بالعالم الإسلامى هنا الدول الأعضاء فى منظمة المؤتمر الإسلامى.

2-اعتمدت الباحثة فى التحليل على بيانات اللجنة الأمريكية لشئون اللاجئين فى كتابها السنوى عن اللاجئين عبر  العالم لعام 2004.

World Refugees Survey 2004

www.refugees.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين  6 /اذار/2006 -5 /صفر/1427