رد الفعل بين العقلانية والسذاجة

ماجد عزيزة - كندا

ما قام به البعض من احراق السفارات والهجوم على الكنائس وغير ذلك كرد فعل على قيام صحيفة دانماركية بنشر صور كاريكاتورية تسيء للنبي محمد (ص)، قد تجاوز حد العقلانية في التصرف والرد، فمن ناحية الإحتجاج واستنكار الفعل، نحن مع ذلك إلى آخر الكلام. لكن أن يتجاوز الأمر إلى ماحدث، فإن ذلك يكرس صورة سلبية للإسلام في العقل الغربي، فالإعلام وخاصة الغربي، يركز على مثل هذه المشاهد المقززة، وهذا الأمر يثير الكراهية في نفوس الغرب تجاه الإسلام والمسلمين، فالعنف الذي ظهر على شاشات التلفزيونات والفضائيات، قد أضر ولم ينفع، وهو تجاوز الحد حسب التعبير الإعلامي الغربي، فالغربيين اناس عقلانيون و موضوعيون والكلمة ترد بالكلمة وليس بالرصاص كما يفعل الآخرون.

العرب والمسلمون ليسوا بحاجة إلى اضافة تهمة جديدة إلى سجلاتهم الدولية، فهم بحاجة الى تصحيح علاقاتهم مع الغرب. ولكن هذا الأمر بحاجة الى حكومات عربية وإسلامية قوية، تستمد قوتها من شعوبها، وتقف عند المبادئ ولا تبيعها بالدولارات. وكذلك فالعرب والمسلمون بحاجة الى إعلام قوي وقادر على التعبير عن هموم وقيم ومفاهيم المجتمع العربي والإسلامي، وحتى يتحقق ذلك أعتقد أنهم بحاجة الى جهود هائلة، و اندماج أكثر في الحياة السياسية باسلوب حضاري يعكس القيم التي حملها أجدادهم.

 وعلى العرب والمسلمين البدء بحملة عالمية من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن ـ ومنظمات الأمم المتحدة ومن البرلمانات الغربية لتجريم كل من يعتدي على المعتقدات والمشاعر الدينية للناس.

إن ما حدث، لا يدخل أبدا في حرية الصحافة، لكن ذكاء بعض الدوائر السياسية، التي تدير السياسة الدولية من وراء الستار، تمكنت من استخدام (البعض) في تأجيج  نار الفتنة، فاستخدموا ريشة رسام غير معروف، في تمرير أفكارهم السيئة لإفتعال أزمة، وقد نجحوا بسبب سذاجة الآخرين. 

أنا اقول أنه، ليس كل دانماركي مسيحيا، ولا كل مسيحي دانماركيا..، فما قامت به مجموعة ضالة من الكلاب في تفجير السيارات والقنابل قرب الكنائس العراقية  وغيرها من الدول الأخرى، والتهديدات بتفجيرها إن أقيمت فيها الصلوات، ما هو إلا عمل ينم عن ان من قام ويقوم به، هو مسلوب العقل، لا يصلح حتى أن يعيش في زريبة خنازير ! فلو كان سبب هذه الأعمال الإجرامية هي الرد على الرسوم التي نشرتها احدى الصحف الدانماركية وبريشة رسام دانماركي، فإنها سذاجة رد الفعل، ومن السذاجة بمكان أن يكون رد فعل المسيحيين العراقيين عليها أكثر من الذي جرى من الإستنكار والصلاة من أجل الضحايا.

نحن لسنا مع الإساءة للرموز الدينية (أية رموز دينية) سواء أكان ذلك في وسائل الإعلام، اوفي العلن، وإننا إذ ندين بل ونستنكر ما قام به (رسام أو صحفي) دانماركي فإننا نعلم جيدا، بأن الدانمارك تعيش فيها أقوام وأديان متعددة ومختلفة، فالشعب الدانمركي شعب متنوع الإديان  والمعتقدات، وليس بالضرورة إن الذي فعل ذلك كان مسيحيا، وحتى لو كان مسيحيا، فأيهما اقرب إلى حبل الوريد..(المسيحي الدانماركي) أم (العراقي.. اي عراقي) ؟ هذا سؤال أوجهه لحاملي الجنسية العراقية الذين قاموا بفعل التفجيرات والتهديد.

ثم دعوني (أدخل في العميق أكثر)، فيوم أساء (الدانمركيون أنفسهم)  للسيدة البتول وأم المسيح  مريم العذراء بوضع صورتها على (نعال) كان يباع في الأسواق، لم ينفعل المسيحيون لا في العراق ولا في جزيرة الواق واق، ولم يتظاهروا أو يحرقوا الأعلام أو يكسروا زجاج المحلات أو يفجروا شيء، فقد تصرفوا بعقلانية، وخمد الأمر وهو في بدايته... فمثلما هو الفرق كبير بين الفاعل والمفعول به، وبين الصليب والصليبيين، فالفرق كبير ايضا بين الفعل والإنفعال.

فلقد أراد (نفر دانماركي) إن كان دانماركيا حقا ً، أن يؤجج الضغينة بين الأخوة والأشقاء والأهل، وقد اصاب فعلا، لكن (العتب ليس عليه)، إنما العتب على (الساذج اللي شرب المقلب) !

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 12   /شباط /2006 -13 /محرم الحرام/1427