فوز حماس يمثل التحدي الحقيقي للرؤية الديمقراطية الامريكية في المنطقة

تصادم الواقع السياسي مع الرؤية الخاصة للرئيس الامريكي جورج بوش لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط.

ففوز حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الكاسح في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية هو أبلغ دليل حتى الان على ان الانتخابات الحرة الشفافة وهي أساس أي نظام ديمقراطي يمكن ان تجيء بنتائج تتعارض مع المصالح الامريكية.

وخلال الاشهر القليلة الماضية ايضا عززت الانتخابات العراقية الاسلاميين الشيعة في العراق والاخوان المسلمون في مصر وهي امثلة اخرى على وقوف الناخبين وراء اصوليين اسلاميين وتعزز موقفهم بدرجة لم يكن يتوقعها بوش.

وبعد الهجمات التي تعرضت لها بلاده في 11 سبتمبر ايلول عام 2001 دعا بوش الى ارساء الديمقراطية كحل على المدى الطويل لمشاكل الشرق الاوسط بما في ذلك ابطال الايديولوجيات المتطرفة.

لكن بعد فوز حماس على حركة فتح الحاكمة التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ستتولى قيادة الفلسطينيين الان حركة تدمغها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بالارهاب وشنت ما يصل الى 60 هجوما انتحاريا خلال سنوات الانتفاضة المندلعة ضد الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2000 وتدعو في ميثاقها الى القضاء على اسرائيل وان كانت قد اغفلت ذلك من برنامجها الانتخابي.

ويقول رويل مارك جيريخت من معهد (امريكان انتربرايز) وهو معهد ابحاث له علاقات وثيقة بالادارة الامريكية "الموقف سيكون صعبا. عملية قبيحة (مع تولي حماس السلطة) لكن فكرة استبعاد حماس (من الانتخابات) كانت ستتسم بالسذاجة."

ويقول منتقدون ان على الادارة الامريكية اعادة ترتيب سياستها.

ويرى ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية انه بدلا من ان تكون الانتخابات "الخطوة الاولى في العملية الديمقراطية يجب ان تكون الخطوة الاخيرة" بعد ارساء المؤسسات الديمقراطية وحرية الصحافة والاحزاب السياسية.

لكن لم تظهر اي مؤشرات في واشنطن على انه سيعاد التفكير في السياسة. وأكد سكوت مكليلان المتحدث باسم البيت الابيض ان بوش عازم على مساندة الانتخابات الديمقراطية بغض النظر عن نتائجها.

وقال مكليلان للصحفيين "الانتخابات هي بداية العملية لا نهايتها. الديمقراطية تؤدي الى السلام. الديمقراطية تجيء بحكومة فاعلة."

واعترفت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس يوم الاحد الماضي بان الحكومة الامريكية أخذت على حين غرة باداء حماس القوي في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وانها طلبت من العاملين في مكتبها تحليلا لسبب فشل الحكومة في قراءة عمق كراهية الفلسطينيين لزعمائهم الذين اتهموا بالفساد وسوء الادارة.

وقال كوك ان الجماعات الاسلامية أخذت تكتسب قوة في العالم العربي منذ الانتخابات الجزائرية التي جرت في اوائل التسعينيات وكان من الضروري الا يندهش أحد من فوز حماس الممولة تمويلا جيدا بسجلها المعروف في توفير شبكة من الخدمات الصحية والاجتماعية للفلسطينيين الفقراء.

واضاف كوك "في الانتخابات الحرة النزيهة ما من حزب سياسي بوسعه منافسة السلطة المنظمة لهذه الجماعات الاسلامية."

ويرى بي.جيه.كرولي المسؤول السابق في ادارة الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون ان المشكلة الاخرى هي ان الادارة الامريكية لم تبذل الجهد الكافي لمساعدة الفلسطينيين على ايجاد بدائل بعد ان فرضت العزلة على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ثم وفاته.

وقال كرولي الذي يعمل الان في مركز التقدم الامريكي وهو معهد ابحاث مستقل "كان الاختيار المتاح امامهم (الفلسطينيون) في صناديق الاقتراع اما حركة فتح المسنة الفاسدة او منظمة فعالة لكنها عنيفة هي حماس...هذه ثمرة انفراد الادارة الامريكية بالتحرك."

ويناقش الخبراء الان ما اذا كانت حماس بعد توليها عبء الحكم قد تغير سياستها وتقبل بوجود اسرائيل وتلقي السلاح وتتحول الى حزب سياسي مسؤول.

وأعلن المسؤولون الامريكيون عزمهم على عزل حماس وحرمانها من المساعدات الا اذا فعلت ذلك.

لكن جون اولترمان مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يحذر من ان عزل حماس سيكون له نفس أثر القبول بالحركة قبل الاوان.

وقال "هذا سيعزز الرافضين ويساعد على دفع السياسة الفلسطينية الى دائرة مفرغة."

واضاف ان التحدي الذي تواجهه واشنطن وحلفاؤها الآن هو الاتفاق على عقوبات وحوافز في اطار سياسة العصا والجزرة لتشجيع حماس على الالتزام "بقواعد السياسة المنفتحة."

وفي تقرير للـ فايننشال تايمز حول هذا الموضوع قالت الصحيفةك

اذا كان الانتصار المذهل، الذي حققته حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية الاخيرة، قد عقّد عملية البحث عن حل سلمي للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي الا انه يشكل في نفس الوقت تحديا سياسيا اكبر يتمثل في التساؤل التالي: كيف يمكن التعامل مع موجة المد الاسلامي التي توشك ان تجتاح الشرق الاوسط والعالم الاسلامي؟

من الواضح، وعلى عكس الاعتقاد الشائع المستمر منذ العقد الماضي، ان للصحوة الاسلامية جذورا عميقة في المنطقة، ولقد تبين في الفترة الاخيرة ان السياسة الغربية في العراق وازاء اسرائيل او التي تدعم الحكام الطغاة الفاسدين الذين ينكرون حقوق شعوبهم، هي التي ساعدت الاسلاميين في بروزهم سياسيا.

وما فوز حماس الساحق في الانتخابات الاخيرة الا احدث مثال على ذلك.

ففي الخريف الماضي هزت حركة الاخوان المسلمين في مصر نظام الرئيس حسني مبارك بفوزها بـ 88 مقعدا في البرلمان.

صحيح ان هذا العدد يشكل خُمس مقاعد البرلمان الـ 554، لكن علينا ان نتذكر ان الاخوان خاضوا تلك الانتخابات في اجواء غير مواتية تخللتها اعمال عنف على نطاق واسع.

وعلى الرغم من الجهود الامريكية لدعم الاحزاب العلمانية في انتخابات العراق، فقد فازت الاحزاب الاسلامية على اختلاف الوانها بما مجموعه 180 مقعدا اي 65% من مقاعد البرلمان.

واذا كانت موجة المد هذه تشهد ارتفاعا وانحسارا خارج العالم العربي، الا ان الاحزاب الاسلامية منتشرة جيدا في باكستان، كما برزت حركة اسلامية واضحة من بين انقاض التجربة الاصلاحية الفاشلة في ايران، وفي تركيا تمكن حزب محافظ بجذور اسلامية من اكتساح النخبة السياسية القديمة فيها.

واذا كانت كل هذه الامثلة مختلفة، الا انها تبقى جزءا من موجة المد العامة، وهذا ما يفرض على الغرب البحث عن رد سياسي على النصر الحاسم الذي حققته المجموعة الارهابية والحركة الاجتماعية حماس.

واضافت الصحيفة: من المؤكد الآن ان اصدقاء امريكا العرب، كالرئيس حسني مبارك، سيدعون واشنطن بعد استيقاظهم من صدمة رؤية حزب حاكم ـ فتح ـ تلفظه صناديق الاقتراع، للتخلي عن «عبثها» بالديموقراطية لان ذلك يصب في مصلحة الاحزاب الاسلامية. لكن على واشنطن تجاهل هذه الدعوة. اذ ان سياسة الارض المحروقة التي تنتهجها الانظمة الاستبدادية لم تترك لخصومها سوى المسجد للتجمع فيه مما زود تلك الاحزاب بالمؤيدين والانصار.

وتختم الصحيفة تحليلها: لذا، يتعين على الغرب الاستمرار في محاولته تعزيز التحرك الديموقراطي وتأمين البيئة الديموقراطية مع التأكيد في نفس الوقت على ضرورة انصياع كل الاحزاب لحكم النظام والقانون. ان اللعبة البارعة هنا تتمثل في وضع اطار عمل تستطيع ان تبرز فيه كل التيارات بما فيها العلمانية والدينية. صحيح ان الاحزاب الاسلامية ستحقق مكاسب طيبة على المدى القصير، الا انها لا بد من ان تتعثر في النهاية.

ان دعم الاستقرار على حساب الحرية لا يحقق ايا منهما. وهذا وقت مناسب جدا لتذكر ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 2  /شباط /2006 - 3/محرم الحرام/1427