زلزال فوز حماس يضع جهود السلام في مهب الريح وينشر الرعب في اسرائيل

أصبحت دبلوماسية السلام الدولية في الشرق الاوسط في مهب الريح يوم الجمعة بعد فوز حماس المسبب للصدمة في الانتخابات الفلسطينية وتعهد الولايات المتحدة بعدم التعامل مع حركة المقاومة الاسلامية حتى تنبذ العنف ضد اسرائيل.

وكثف العديد من زعماء العالم الضغوط على حماس لتخفف سياساتها. واستبعدت اسرائيل نفسها اجراء محادثات مع أي حكومة فلسطينية تضم منظمة تصر على تدميرها وكانت وراء عشرات التفجيرات الانتحارية.

واحترمت حماس الى حد كبير هدنة تم التوصل اليها منذ عام لكنها تقول انها لن تتخلى عن السلاح أو ميثاقها الذي يطالب بقيام دولة اسلامية في الاراضي التي تضم اسرائيل الحالية والضفة الغربية وغزة.

وزادت المخاوف من وقوع اضطرابات فلسطينية داخلية عندما سار مئات المسلحين الذين ينتمون لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مدينة غزة وأطلقوا النار في الهواء للاحتجاج على فوز حماس والمطالبة باستقالته.

وقال الرئيس الامريكي جورج بوش في مؤتمر صحفي واشنطن "اوضحت بجلاء ان الحزب السياسي الذي يتبنى تدمير اسرائيل ضمن برنامجه هو حزب لن نتعامل معه."

وصعد بوش مشاركته في جهود الوساطة للتوصل الى اتفاقات بين الجانبين بعد ان أصبح عباس رئيسا في العام الماضي.

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي المؤقت ايهود اولمرت ان أي حكومة تضم حماس لا يمكن ان تصبح شريكا في السلام. ورفضت اسرائيل ايضا التفاوض مع الحكومة السابقة قائلة انها فشلت في محاربة منظمات متشددة مثل حماس.

وقال اولمرت الذي الذي تولى سلطات ارييل شارون بعد اصابة رئيس الوزراء بجلطة في الرابع من يناير كانون الثاني "اذا كانت هناك حكومة ترأسها حماس أو تشارك في تشكيلها فان السلطة الفلسطينية ستتحول الى منظمة ارهابية."

وقال اولمرت وهو يستخدم نفس التعبير الذي اطلقه شارون مرة على عرفات "العالم واسرائيل سيتجاهلونها وسوف تصبح ليست ذات علاقة."

لكن استطلاعا للرأي في صحيفة يديعوت احرونوت أظهر ان 48 في المئة من الاسرائيليين يؤيدون اجراء محادثات مع حكومة فلسطينية تقودها حماس بينما عارض 43 في المئة ذلك.

وبينما لا تجري محادثات سلام منذ عام 2000 فقد لمح اولمرت الى تحركات آحادية الجانب لتحديد الحدود مع الفلسطينيين بشروط اسرائيلية. وسحبت اسرائيل بالفعل مستوطنيها من قطاع غزة بدون الدخول في مفاوضات.

وأجرت الولايات المتحدة التي تضع حماس في قائمة المنظمات الارهابية محادثات هاتفية عاجلة مع بقية دول رباعي الوساطة لانهاء الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين.

وقال اسماعيل هنية المسؤول الكبير بحماس ان الادارة الامريكية والدول الاوروبية يجب ان تمارس الضغوط على دولة الاحتلال وليس على الاراضي المحتلة والشعب الفلسطيني المشرد.

وقال الاسرائيلي زانا (46 عاما) الذي استمع في رعب يوم الخميس لانباء فوز حركة حماس المتشددة التي قتلت ابنه في الانتخابات الفلسطينية "اظهر الفلسطينيون وجههم الحقيقي بانتخاب حماس. هذه الجماعة لا تريد السيطرة على السلطة الفلسطينية انها تريد السيطرة على كل اسرائيل."

ومن بين المتوقع فوزهم بمقاعد في البرلمان الفلسطيني الجديد مريم فرحات المعروفة باسم ام نضال التي حثت ابناءها في شريط فيديو مسجل على القيام بهجمات بما في ذلك الهجوم على مستوطنة يهودية الذي قتل فيه ابن زانا الذي كان يبلغ من العمر 18 عاما.

وينظر الفلسطينيون الى فوز حماس على انه تصويت من اجل التغيير بعيدا عن حركة فتح المسيطرة المتهمة بالفساد وسوء الحكم.

قال المحلل الاسرائيلي يوخانان تسوريف "حماس لم تنتخب لتنفيذ الهجمات ضد اسرائيل. وانما انتخبت لاحداث تغيير. علينا ان نرى كيف ستتطور الامور."

ولكن مثل هذه الاراء لا تهدئ من مخاوف كثير من الاسرائيليين.

وقال شيمي بروتمان المرشد السياحي (22عاما) " من الصعب ألا تكون اكثر تشاؤما الان حول احتمالات عملية صنع السلام. يمكن ان نرى ان المكان كله قد انخرط في مزيد من العنف. وعلى اسرائيل ان تخطو بحذر شديد."

وانهارت محادثات السلام في عام 2000 قبل بدء الانتفاضة.

ورفضت اسرائيل والولايات المتحدة التفاوض مع حماس حتى تنزع السلاح وتغير ميثاقها.

قال يوسي امزاليك (52عاما) صاحب متجر "لو كان شارون قادرا على الاستمرار لكانت الامور افضل. انه يعرف كيف يتعامل مع حماس."

وبعد أن تنتهي نشوة الفوز في الانتخابات التشريعية الفلسطينية سيواجه زعماء حركة المقاومة الاسلامية حماس مشكلة لم يتوقعها كثيرون قط .. الا وهي كيفية استخدام السلطة التي فازت بها فجأة؟

ويضع الفوز في الانتخابات حماس في مواجهة تحدي ما اذا كانت ستستمر كجماعة نشطاء تسعى للقضاء على اسرائيل.

وفي الداخل تواجه حماس آمالا كبار يعلقها عليها الفلسطينيون الذين ضاقوا ذرعا بالفساد وعدم قدرة الحكومة السابقة التي أدارتها حركة فتح.

واكتسبت حماس سمعة طيبة مع تقديمها اعانات خيرية وتوفير خدمات تعليمية واجتماعية لكن خدماتها لم ترق الى المستوى الحكومي.

وتواجه الحركة أيضا تعايشا صعبا على الارجح مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذى أكد أنه سيواصل سياساته لتحقيق السلام التي تتعارض تماما مع موقف حماس.

كما لا بد وأن تطالب حماس بأن يكون لها رأي في ادارة مؤسسات ظلت طويلا تحت سيطرة حركة فتح التي يتزعمها عباس والتي تشعر بمرارة هزيمتها بعد عقود من الهيمنة ولا تبدو في حالة مزاجية للتعاون ولديها تنظيمات مسلحة تتوق الى القتال.

وقال المحلل الفلسطيني هاني حبيب المقيم في غزة ان حماس تواجه أزمة اذ أنها غير قادرة على الاجابة على اسئلة كبيرة فرضت عليها على غرة دون ان تكون مستعدة لمواجهتها.

واضاف ان حماس التي رفعت خلال حملتها الانتخابية شعار التغيير والاصلاح ستجد نفسها مجبرة على التغيير.

وفازت حماس بأغلبية كبيرة في البرلمان الفلسطيني مما يعني أنها ستشكل بالتأكيد حكومة جديدة لكنها وجهت بسرعة دعوة لفصائل أخرى لاجراء محادثات حول شراكة.

وقال اسماعيل هنية أحد كبار مسؤولي حماس ان الحركة حريصة على صون وحماية الوحدة الوطنية الفلسطينية.

وتوقع محللون أن تشكل حماس حكومة ائتلافية موسعة تضم شخصيات معتدلة فيما من شأنه تخفيف الصورة الاسلامية المحافظة التي لا يتقبلها بارتياح كثير من الفلسطينيين.

وقال مهدي عبد الهادي المحلل لدى الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية وهي مركز أبحاث فلسطيني بالقدس لشبكة سي.ان.ان. التلفزيونية "حماس مهتمة بتغيير الوضع الراهن الفاسد لنظام فاسد."

والتحدي الاكثر وضوحا هو أن مفاوضات سلام مع اسرائيل تقتضي من حماس على ما يبدو الاعتراف بحق الدولة اليهودية في الوجود. ومهدت فتح الطريق لذلك في عام 1988. ووقعت في التسعينات اتفاقيات مؤقتة مع اسرائيل ونبذت العنف.

وسارعت البلدان الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بالضغط على حماس كي تقبل الدولة اليهودية.

وأشارت حماس قبل الانتخابات الى أنها مستعدة لاجراء محادثات غير مباشرة مع اسرائيل لكنها ظلت متمسكة بفقرة في ميثاقها تدعو الى القضاء على اسرائيل وتمسكت برؤيتها لاقامة دولة اسلامية على كامل أرض ما كان فلسطين ابان الانتداب البريطاني.

ومن المحتمل أن يكون الرهان هنا على أموال المانحين الغربيين التي تحتاجها السلطة الفلسطينية بشدة من أجل البقاء.

وأظهرت حماس بالفعل قدرة على التكيف والوفاء بتعهدات مع اجبار مسلحيها على الالتزام بتهدئة مع اسرائيل على مدى نحو عام.

لكن استمرار الهدوء قد يتطلب انخراط اسرائيل مع حركة حماس سياسيا بدلا من أن تستمر في مواصلة المزيد من الخطوات الاحادية كضم تكتلات استيطانية في الضفة الغربية المحتلة دافعة بعدم وجود شريك للسلام.

وقال عزام التميمي مدير معهد الفكر الاسلامي العالمي في لندن وهو فلسطيني المولد "اذا وافق الاسرائيليون على التفاوض على هدنة مع حماس فان حماس ستكف عندئذ عن استعمال القوة للترويج لافكارها."

لكنه يرى أن حماس ستنظر الى هذه الترتيبات باعتبارها مسألة مواءمة وليست خطوة نحو تعايش دائم.

وأكبر تحدي تواجهه حماس في المدى القصير هو التوصل الى اتفاق مع فتح لمنع حدوث شلل سياسي وصراع أهلي.

واستبعد بعض كبار المسؤولين في فتح تشكيل حكومة ائتلافية مع حماس قائلين انهم يفضلون أن يكونوا في المعارضة.

ويبرز اشتباك مسلح بين اعضاء من فتح وحماس في قطاع غزة يوم الجمعة واشتباكات بين نشطاء من الحركتين في مدينة رام الله بالضفة الغربية يوم الخميس احتمال وقوع أعمال عنف.

والامر سيعتمد على ما سيحدث مع قوات الامن التي صوتت بقوة لفتح.

ومن بين الافكار المطروحة دمج مقاتلي حماس في قوات الامن الفلسطينية بشكل يلبي مطلبا في خطة "خارطة الطريق" للسلام التي تدعمها الولايات المتحدة بنزع أسلحة جماعات النشطاء الفلسطينيين.

لكن من المؤكد أن تثير أي سلطة لحماس على قوات الامن الفلسطينية عدم ارتياح لدى بعض كبار افراد قوات الامن خاصة اولئك الذين شاركوا في حملات ضد نشطاء اسلاميين في الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 29  /كانون الثاني/2006 - 28/ذي الحجة/1426