قراءة في رواية:

حديقـة _ مارغريت  دورا _

علي حسين عبيد

   ربما يتبادر الى الذهن… إننا لانجد ما نقوله عن هذه الرواية ونحن ننتهي من قراءتها.. وقبل ذلك حينما ننتهي من قراءة المقدمة التي كتبها مترجم  الرواية .. الناقد فاضل ثامر .. فهذا العمل الأدبي على الرغم من انه ينتسب الى جنس الرواية بكل الشروط والتعقيدات_ البنائية ولأسلوبية، الفكرية والفلسفية _ التي يجب ان ينطوي عليها العمل الروائي كما يرى ذلك كثير من النقاد، إلا انه يكشف لنا عن تفاصيله ، شكلاً ومضموناً ، ببساطة قلّما نجد ما يماثـلها في الروايـات الـفرنسية التي تنتسب الى موجة الرواية الحديثة في فرنسا كما روَّج  لها روادها من أمثال آلان روب غرييه وكلود سيمون وناتالي ساروت وغيرهم .

   إن المترجم ينسب هذا العمل الأدبي _ في المقدمة _ الى الرواية القصيرة او الى القصة الطويلة ، ولكنه في آخر الأمر لا ينظر إليه سوى كونه عملاً روائيا يفرض نفسه بجدارة الى جانب الأعمال الروائية العديدة التي كتبتها دورا.

   ان الكاتبة في روايتها هذه، تطرح امامنا شخصيتين _ رجلاً وفتاة في العشرين _ لديهما من تقارب الأفكار والنظرة للحياة ودقائقها مثل ما لديهما من تباعد في هذا الجانب.. وهذه الأفكار التي تراقب وتستبطن ماهية الاشياء ، على الرغم من بساطتها

إلاّ انها تنطوي في طياتها على افكار فلسفية عميقة تتعلق بالأنسان ومجريات حياته ونظرته الى الموت والأمل ..وينسحب ذلك على المشكلات الحياتية التي تفرزها بعض وقائع المجتمع الغربي.. إن الرجل وهو يعيش مرحلة ما بعـد الشـباب _ بائعاً متجولاً _ لايرى سبباً واحداً يدفعه لتغيير نمط حياته البائس نحو الأفضل ، وهو يكرر هذا عن قناعة تصل حد الاستسلام المطلق بأن ليس ثمة شيء في هذه الحياة يدعونا الى التحوّل .. لذلك فهو ((لم يشعر بأن ثمة شخصاً ما بحاجةٍ الى خدماته او صحبته لدرجة يحس فيها احياناً بالدهشة لانه يشغل حيزاً مافي هذا العـالم .ص27 )) في حين نرى الفتاة على النقيض من ذلك ، بالرغم من انها تقترب في واقعها الاجتماعي والعملي من حياة الرجل سوى فارق السن الذي يـبرر لها في حدود معقولة ما تصبو إليه من تغيير قد يحدث في أي لحظة قادمة وهي تمتلك إستقدام هذه اللحظة من حيث الاستعداد النفسي في الوقت الذي تشاء .. فهي ترغب في تغيير نمط حياتها البائس ولها من القدرة النفسية والجسدية ما يجعلها _ في حدود تفكيرها_ قادرة على ذلك.

   ان الفارق الوحيد بينها وبين الرجل.. هو انها تمتلك رغبة التغيير .. لكنها تربط لحظة التحوّل المرتقبة بقدوم الرجل الذي يرغب فيها بقصد الزواج منها لابقصد آخر .. في حين نرى ان سطوة اللاّتحوّل والثبات على واقع الحال والرضوخ له تسيطر تماما على تطلعات الرجل _ إنْ جاز لنا تسميتها بالتطلعات_ فهو لايشعر في يوم ما بمشاعر الحزن او الفرح ازاء ذلك .. وهنا نكتشف حيادية هذا الأنسان نحو واقع الشقاء الذي يعيشه.

    ان المفارقة المحزنة التي تطرحها هذه الرواية من خلال اللقاء الذي يتم بين هاتين الشخصيتين في حديقة عامة ، هي ان المرأة لم تجد رجلاً يرغب فيها لكي يتزوج منها وانها تعلن عن استعدادها لقبول الرجل الأول الذي يرغب فيها لتحقيق هدف الزواج.. أي ان قرار الأختيار متروك للرجل الذي سيطلبها زوجة له وهي بذلك تربط لحظة التحول الأولى باللحظة التي يتم فيها هذا الأختيار .. في حين نجـد ان الرجـل_ الشخصية الثانية_ لايعتقد ان ثمة إمرأة ما في هذا العالم يمكن ان تختاره زوجا لها وهو يصرِّح بذ لك امام الفتاة التي اعلنت له تلميحاً بقبوله اذا ما رغب فيها زوجة له … ورغم ذلك فانه يبقى مسوَّراً بحالة الأستسلام لسطوة اللاّ تـغيـير التي تهيمن عليه كلياً. إلاّ ان التناقض الذي يتمظهر في بناء شخصية الرجل يسوقنا الى التساؤل عن كيفية رفضه لحالة التحوّل من نمط حياتي الى آخر في الوقت الذي يؤكد فيه للفتاة بانها ستصل الى لحظة التغيير التي ترتقبها ثم يدفعها الى هذه اللحظة حين يقول لها (( يوماً ما سيكتشف شخص ما إنك موجودة بالنسبة له وللآخرين على حد سواء)).. ولعل ما يبرر ذلك هو التمهيد الذي وضعته الكاتبة لتصل في نهاية روايتها الى معالجة انسانية تفتح آمالاً واسعة لهذا الرجل لعله يجد في الفتاة سبباً معقولا للسعي من اجل التغيير في الوقت الذي يشكل لها لحظتها الأولى التي تبتدىء فيها حياتها الجديدة ولذلك نرى ان الفتاة تفترق عن الرجل لكن على مضض وتستحثه من اجل اللقاء مرة اخرى: ((ربما عليَّ ان اقول وداعاً ، ربما سنلتقي مرة اخرى يوم السبت القادم : أليس كذلك؟ص117 ))  

   ملخص القول ان هذا العمل الروائي القصير يذكرنا بالروايات القصيرة التي تفتح أمام القارىء آفاقا فكرية وفلسفية وحياتية واسعة تماما مثلما تقدمه تلك الأعمال الروائية التي تمتد على مئات الصفحات ، وهو عمل روائي يقف بجدارة الى جانب الأعمال اللاّحقة التي انجزتها مارغريت دورا ومنها روايات(( العاشق/ موديراتو كانتابيل/ هيروشيما حبيبتي/ لاشيء بعد الآن.)) وغيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 26  /كانون الثاني/2006 - 25/ذي الحجة/1426