توابع التبعية

دراسة في ميكانزمات أزمة تخلف المجتمعات العالم ثالثية

بقلم : عبدالاله سطي*

 إن الإشكالية الرئيسية التي تحاول هذه الدراسة ملامستها تتجلى في ظاهرة خطيرة، ظهرت ملامحها بجلاء ووظوح، مع بداية العشرية الأخيرة من القرن العشرين أي مع تدشين ما أصبح يصطلح عليه بالنظام العالمي الجديد الذي يقوم على عولمة العالم وجعله قرية صغيرة تذوب فيها الحدود الوطنية واقتصادياتها وثقافاته، هذه الظاهرة هي "ظاهرة التبعية".

ــ فما هي تعريفات هذه الظاهرة ؟

ــ وما هي أبرز تجلياتها وانعكاساتها على اقتصادات وثقافات وسياسيات الدول التابعة؟ بإعتبارها البنيات الأساسية التي تقوم عليها كل حضارة.

ــ وهل هذه الظاهرة تشكل قدر محتوم على الدول الضعيفة تبعا للمنطق الخلدوني القاضي بأن" المغلوب مجبول على تقليد الغالب في كل شيء"؟

ــ من هو المسؤول الرئيسي عن ظاهرة التبعية ومن هو المستفيد الأكبر منها ؟

ــ وما هي الآليات الكفيلة بمواجهة هذه الظاهرة ؟وكيف السبيل للحد من انعكاساته الخطيرة على كل ما يتعلق بالهوية والثقافة والاستقلال السياسي.

 مفهوم التبعية:

إن مصطلح التبعية من المصطلحات السياسية ذات الطبيعة المطاطية، لتميزها بتعدد تعاريفها وبإختلاف استعمالاتها،فمن التوصيفات التي تعطى له نجد على سبيل المثال لا الحصر تبعية الفرد لوطنه الانتماء القانوني للفرد بوطنه وهذه تسمى بالتبعية الوطنية فنقول مثلا (فلان تابع لدولة فرنسا،وفلان تابع لدولة الجزائر..).ثم نجد أيضا التبعية السياسية ومعناه انتماء الفرد لتوجه سياسي معين...

لكن من التوصيفات المهمة لمصطلح التبعية والتي عليها معولنا في هذه الدراسة نجد مصطلح التبعية للغرب أي تبعية المجتمعات المتخلفة بقواعدها السياسية الاقتصادية والثقافية إلى المنظومة الرأسمالية العالمية المتمثلة في دول المركز.وهذا ما سنعمل على تحليله وتبيان أبعاده وتجلياته وكذا وجوه تأثيره على وتيرة التطور والتنمية في البلدان التابعة.

فمفهوم التبعية إنطلاقا من التوصيف الأخير هو عبارة عن علاقة تنطلق من التابع إلى المتبوع، عبر عملية إلحاق قصري بوسائل سياسية وإقصادية وعسكرية، وغزو ثقافي وفكري لتعميم نظام الانتاج الرأسمالي، وتسويغ للهيمنة التي تمارسها دولة عظمى أو مجموعة دول أحرزت تقدما في محال الاقتصاد والتيكنولوجيا والتعليم فتستخدمها لتحقيق أهداف مادية واستراتيجية، بما تفرظه على أمم وشعوب أخرى أقل تقدما من إجراءات تلزمها بها وتجبرها على تنفيدها كي يمكنها البقاء والإستمرار.(1)

إذن فالتبعية هي ظاهرة ملموسة وواقع سياسي واقتصادي مفروض ومعاش،والحديث عنها يجعلنا ننطلق من فرضية أساسية مفادها أن النظام العالمي الجديد يتميز بتركيبة تنقسم إلى صنفين من البنا الاجتماعية:

الصنف الأول تمثله الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى وتسمى بدول المركز(centre) أو ما يعرف في المفهوم الشائع بدول الشمال والتي لا تمثل إلا 20 في المائة من مجموع سكان العالم،أما الصنف الثاني فيتمثل في التشكيلات الاجتماعية المتخلفة والتي تسمى بدول الهامش (peripheral) أو ما يعرف في المفهوم التقليدي بدول الجنوب والتي تشكل الحصة الكبرى من مجموع سكان العالم ب 80 في المائة.وهذا التقسيم الطبقي ما هو إلا نتيجة للإستعمار الكلاسيكي الذي خلف مجتمعات متأخرة خاضعة لمنظومة كونية globalization تشكل حياتها وتحدد مساراتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما أكده المفكر "محمد عابد الجابري" عندما قال(لقد شكلت الدول المستقلة عن الاستعمار الكلاسيكي ما يسمى بالعالم الثالث، وهي تشكل دول التخلف بالمقارنة مع الدول التي كانت تستعمرها من قبل، والتي بقيت تتحكم في اقتصادياتها، مما جعل العلاقة بين الطرفين تبدو لبعض الكتاب آنذاك في صورة علاقات طبقية على مستوى عالمي، من هنا وصفتأمام البلدان المستقلة حديثا بكونها أمم بروليطارية). ونفيد من هنا أن السياسة الطبقية إذا كانت على المستوى الوطني تتجلى في إستغلال الطبقة البورجوازية التي تسيطر على معظم وسائل الانتاج ومختلف آليات السلطة للطبقية البروليطارية التي تتكون في معظمها من الطبقة المسحوقة في المجتمع،فإن السمة البارزة التي تطبع العلاقة ما بين دول الشمال التي كانت تشكل دول الاستعمار المباشر في السابق ودول الجنوب التي كانت تشكل الدول المستعمرة (بفتح الميم)، هي علاقة العبد بالسيد، والنبيل بالعامي، والمنتج بالمستهلك...والمستغل (بكسر الغين) والمستغل (فتح الغين) أو بمعنى آخر هي علاقة طبقية على مستوى عالمي،يترتب عنها تكريس وتعميق وضعية الانحطاط والتخلف التي يقبع فيها المجتمع الجنوبي، عن طريق سلب إرادة الشعوب وإستقلالها السياسي والاقتصادي والثقافي، وعن طريق تقييد حريتها وسيادتها وسط عصر سريع الاقاع تظل الشعوب المتعثرة فيه تهرول وراءه كالعطشان الضمآن وسط الصحراء القاحلة الذي يلهث نحوالسراب دون جدوى.

وهنا يثار سؤال ماهي وجوه تأثير ظاهرة التبعية على اقصادات وثقافات وسياسات دول الجنوب؟

توابع التبعية الاقتصادية:

يقوم الاقتصاد العالمي في ظل النظام العالمي الجديد على التبادل الغير متكافئ بين البلدان الاستعمارية الرأسمالية التي تسيطر على معظم الخدمات التيكنولوجية والتي تحتكر إنتاج السلع المصنعة وبيعها بأسعار إحتكارية لدول الجنوب التي تقتصر في عملياتها الانتاجية على تصدير المواد الأولية وإنتاج بعض الصناعات الخفيفة وكذا تقديم بعض الخدمات المعدنية فتقوم ببيعها بأسعار زهيدة تفرضها طبيعة السوق .مقابل الأسعار النارية للمواد المصنعة القادمة من الشمال. مما يجعل عملية التكافئ بين هاته البلدان غير ممكنة بل قل مستحيلة خصوصا إذا علمنا أن دول المركز التي تسيطر على العوامل الرئيسية للتبادل والرساميل تجبر بلدان الهامش من خلال الشركات المتعددة الجنسية على نمو غير متوازن بالتخصص في إنتاج المواد غير مصنعة ذات القيمة المضافة الضعيفة ــ المواد الأولية والخدمات المعدنية البسيطة والطاقة الرخيصة ــ(2)

وبهذا الشكل ستضمن الدول الرأسمالية الكبرى سوقا خصبة تروج فيها سلعها ورساميلها وتحقق من خلالها ثروات ضخمة وتراكمات مالية هائلة على حساب أزمات دول الجنوب التي تعتبر في خضم هذه المعادلة مجرد مجتمعات مستهلكة بإعتمادها على بنا اقتصادية مشوهة وعلى آليات تدبير بدائية لا تناسب مستوى مثيلتها لدى بلدان الشمال. فماهي إذن الغايات الحقيقية وراء استنزاف اقتصاديات دول الجنوب من قبل دول الشمال؟

هناك حقيقة أكدتها الدراسات الفكرية التي قام بها مجموعة من المفكرين الاقتصاديين بتعدد توجهاتهم وتلويناتهم الفكرية، على أن معدل الربح في النظام الرأسمالي يتجه على المدى نحو التدهور والتراجع عن مستوياته العالمية. ومن هنا تتأكد نظرية الدورة الاقتصادية التي تبدأ في مراحلها الأولى بالازدهار ثم تليها بعد ذلك فترة من الكساد والأزمة. ومن هنا صيغت المقولة الشهيرة التي تأكد أن تاريخ الرأسمالية عبارة عن سلسلة من الأزمات الدورية،والمتضرر الأول من هذه الأزمات هي الطبقة الكادحة،ففي فترة الرواج تكون تحت طائلة الاستغلال البشع،وفي فترة الكساد تعاني من تخفيضات الأجور أو تجميدها. وعلى العموم يؤدي هذا التناقض على المدى الطويل إلى التفاوت ما بين قدرة النظام الرأسمالي الكبيرة على الانتاج والتراكم المالي من جهة وبين التدهور الكبير على القدرة على تصريف المنتجات واستهلاكها نتيجة سوء توزيع الدخل الوطني وتدهور القدرة الشرائية لدى العمال الذين يشكلون القوة الاستهلاكيةالرئيسية للنظام من جهة أخرى... من هنا يشرع النظام في البحث عن سبل تدبير أزمته بدلا من علاجها، حيث يكون الهدف إنتاج نفس الشروط السابقة للإنتاج والتراكم على الصعيدين الداخلي والخارجي ثم السقوط بعد ذلك في أزمة جديدة. ويشكل التفاوت الدائم بين القدرة الهائلة على زيادة حجم الانتاج وبين القدرة المحدودة على تصريف المنتجات،تناقضا أساسيا يهدد النظام الرأسمالي بعدم التوازن وبصعوبات تكرار الانتاج الموسع واندلاع الأزمات، لذلك يصبح تصريف فائض الانتاج داخل النضام الاقتصادي الرأسمالي مع مرور الوقت مستحيلا. لذا وجد النظام الرأسمالي أن حل التناقض يجب أن يكون خارجيا، أي خارج دائرة الاقتصاد الوطني، وفي بيئات غير رأسمالية، أي في مناطق وبلاد لم تتحول بعد إلى النظامالرأسمالي، لأنه لو تمت محاولة التصريف في بيئات رأسمالية مماثلة، فإن المشكلة ستستفحل أكثر.(3)

من هنا يلجأ النظام الرأسمالي لتصريف أزمته، عن طريق غزو إقتصاديات الدول السائرة في طريق النمو، بضخ استثماراتها في شرايين اقتصاديات هاته البلدان، وبتسهيل عملية التنشيط المالي عن طريق تقديم الديون والمساعدات المالية وكذا بتخصيص برامج اقصادية إصلاحية لها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل كما أكدت"روزا لوكسومبورغ"على أن الانتاج الرأسمالي لا يقدر على الوجود بذاته فهوفي حاجة إلى أنظمة اقتصاديةأخرى كأدوات وكتربية للنمو والتكاثر. فالنظام الرأسمالي يجد نفسه عاجزا عن النمو والتطور بدون أسواق شاسعة تمكنه من بسط نظمه ومناهجه الاقتصادية التي تعتبر الأساس لتحقيق أطماعه وغاياته الوحشية.

هذه الأطماع التي تنحصر في استنزاف الثروات الباطنية واستتباع الطاقات المادية والبشرية لدول الهامش، وكذا في زرع الثقافة الانهزامية، حتى تتمكن الدول الامبريالية من عزل الدول الفقيرة وحصرها في قاع الاقتصاد العالمي. (قي الوقت التي تنمي هي الثروة وتدفع بعجلة نمو اقتصادياتها مخلفتا العوز والتدهور لذا دول الهامش التي ستبقى دائما وفق هاته الخطط الوحشية على هامش التاريخ) .فالامبريالية كما يعرفها المفكر الاقتصادي "أندريه جندر فرانك"بأنها أسلوب للإستعمار والاستغلال تتوجه إلى؛ حصر النمو الاقتصادي للدول المتخلفة في قطاعات التعدين والزراعة، لكي تأمن المواد الخام للدول الرأسمالية المتقدمة في توجهها إلى تصنيع أكبر، ليزيد الغني في غناه وليستمر الفقير في فقره وباستمرار العوز والتدهور ستبقى دول الهامش في حاجة دائمة إلى إستثمارات ولأموال وصناعات المركز، وبالتالي ستبقى في تبعية دائمة لهذا الأخير الذي سيعتبر بهذا الشكل قد حقق أسما غاياته الاستعمارية.

لكن ماهي الآليات التي يعتمد عليها النظام الرأسمالي لتحقيق ذلك؟

لقد لعبت الشركات المتعددة الجنسية(multinational firm) لمدة تزيد عن خمس عقود دورا محوريا في تنامي الرأسمال الغربي وفي تمتين أدواته ومرتكزاته لدى دول الجنوب، بإعتبارها تقوم على منطق أن الرأسمال لا وطن له أولا حدود له، وبهذه الطريقة شكلت الشركات العبر وطنية إحدى أقوى الآليات التي إعتمدها المركز الرأسمالي لإمتصاص أزماته الاقتصادية والمالية، فالتأثير القصير المدى لهذه الشركات على إقتصاديات دول الهامش كما يرى ذلك "بيكفورد"يزيد من حجم الدخل القومي ويفتح مجالات جديدة للإنتاج، ولكن تأثيره المؤسساتي البنيوي الطويل الأجل يتمثل في تشويه استخدام الموارد في إقتصاد المحيط وكذا في إستخدام الأرض وأسواق العمل وحصص الاستثمار، ويضيف" بيكفورد" أن المنطق الذي تعمل بيه هذه الشركات مشتق من هدف المشروع ككل، ومن ضمنها عملية التصنيع والتسويق في المركز، وبالتالي فهو يؤثر في تخصيص الموارد من وجهة نظر هذه بإستخدام عيوب السوق(قوة الاحتكار في المبيعات والاستهلاكات) للوقوف ضد مخاطر الكوارث الطبيعية والاستهلاكية. إن إهتمامهم بالحفاظ على عمالة رخيصة نسبيا وعلى ضرائب منخفضة وعلى حرية المناورة لا يناسب عادتا التنمية المتوازنة لدول المحيط التي ينتجون فيها.(4)

وهكذا يلاحظ أن عملية الاستيطان التي تقوم بها هذه الشركات تمر بمرحلتين:

تتمثل الاولى في عمليات الاستثمار والتوسيع من نطاق الانتاج وضخ العملة الصعبة في البلد، كل هذه العوامل تساهم في الرواج الاقتصادي وفي الرفع من مستوى الدخل الإجمالي للبلاد. وعلى العموم فهذه المرحلة تتسم بالليونة واللطافة إن صح التعبير، بيد أن، هذه العملية تعتبر مرحلية أو بمعنى أصح مجرد تبسيط للساحة، من أجل عملية ومرحلة أخرى تتمثل في إحتكار الانتاج الصناعي والسيطرة على المنافذ المالية، والتحكم في آليات التسويق ثم الاستحواذ على معظم الاستثمارات في مجال المواد الأولية،وهذه المرحلة التي يمكن تسميتها بالمرحلة الوحشية على نقيض سابقتها تؤدي إلى إفقار الانتاج المحلي ثم القضاء عليه وكذا نمو نشاط إقتصادي تصديري موجه للخارج، إنفصام البنية الانتاجية وتفاوت في توزيع الدخل ثم بزوغ بورجوازية تجارية كمبرادورية مرتبطة بالرأسمال الأجنبي،وبالتالي تشويه البنية الاقتصادية المحلية وجعلها في علاقة تناسبية مع الاقتصادات المستعمرة.

وهذا ما يفسر سيطرة ثلة قليلة جدا من الشركات معظمها أمريكية على معظم إقتصادات العالم، إلى درجة أصبح الدخل الإجمالي للواحدة منها يفوق الدخل الإجمالي لمعظم دول جنوب الصحراء.

وتتجلى ظاهرة التبعية الإقتصادية بجلاء خصوصا على مستوى العلاقات التجارية لدول الهامش، حيث نجد الأرقام الإحصائية والنسب المأوية واضحة وفاضحة في هذا الجانب:

ــ فعلى المستوى التيكنولوجي تستورد هذه الدول جل مستلزماتها من الصناعات الثقيلة والخفيفة والمتوسطة من دول المركز بنسبة تزيد عن 70 في المائة من إستعمالاتها.

ــ وعلى المستوى الغذائي تصل نسبة المواد الغذائية القادمة من المركز إلى الجنوب إلى 60 في المائة حتى تتمكن من هذه الأخيرة من تحقيق حاجاتها وأمنها الغذائي. كما أن مساهمة التجارة الخارجية في الناتج المحلي لهذه البلدان تفوق 80 في المائة وهورقم جد مهول.

ــ وعلى المستوى المالي فإن المديونية الإجمالية للدول العربية على سبيل المثال لا الحصرـ كنموذج لدول الجنوب ـ تبلغ اليوم حوالي 380مليار دولار وهي بذلك تساوي إجمالي الدخل السنوي لبلدان الوطن العربي مجتمعة.

ويجب التذكير بأن المديونية الخارجية كانت دائما هي السبيل الناجم عن التحكم المطلق للرأسمالية على الصعيد العالمي، ويعتبر هذا التحكم المطلق هو التعبير الاقتصادي والسياسي على بلوغ مرحلة العولمة الليبرالية.(5)

فهذا الرقم الفاحش من المديونية العربية سيبقى كرقم سجين على صدرها، لأنها ستبقى حبيسة الرأسمال الأجنبي ورهينة لمناهج ونظم إقتصادها، تفرضها عليها بعض المنظمات التي وجدت خصيصا لخدمة ظاهرة التبعية ولتنميط النظام الرأسمالي على سائر بقاع العالم في ظل ما أصبح يصطلح عليه بالنظام العالي الجديد، ونجد من بين أبرز هذه المنظمات والمؤسسات الإستعمارية (البنك الدوليworld bank، صندوق النقد الدوليinternational monetary find، الجاط gatt، منظمة التجارة العالمية...).

كما أنه بقراءة بسيطة للأرقام السالفة الذكر يتضح أن أسواق دول الهامش تمثل أسواقا إستهلاكية وتربة خصبة للخدمات القادمة من دول المركز، وبالتالي سيبقى مصير هاته الأسواق محكوما بمدى توسع وانكماش وضعية الرأسمال الأجنبي ففي الوقت الذي سيعرف فيه إنتعاشا وزيادة في حجم التراكمات الماليةسيصل هذه البلدان نصيبها من فتات التنمية والرخاء، أما في الأوقات التي سيمر فيها الرأسمال الأجنبي من لحظات الانكماش فإن الواقع سيكون مهولا على الدول التابعة له. وهنا تكمن المفارقة التي تبين مدى ضخامة الوحشية الرأسمالية، حيث أن الازدهار المالي الناتج عن التراكم المالي الذي تم تصريفه في دول الهامش لا تستحق منه هذه الأخيرة إلا الفتات القليل، بيد أن ثقل الأزمة وظروف الأزمة التي قد يمر بها الوضع الرأسمالي العامي لبرهة لا تتحملها ولا تتكبدها إلا الدول المستضعفة. وهذا ما يفسر حالات البطالة والعطالة والفقر والتهميش والفساد والتشظي الأمني والأهلي الذي تمر به معظم دول الهامش. بحيث لايعقل أن تستحوذ دول المركز التي تمثلها الدول الأكثر غنا في العالم على معظم الثروات المالية في العالم مع العلم أنها لا تمثل سوى20 في المائة، في الوقت الذي تقبع فيه 80 في المائة من سكان العالم الذين يمثلون الدول الفقيرة على عتبات الفقر والجوع والحرمان والكساد والإنفلات الأمني.

 وحاصل القول في هذا الجانب هو أن التبعية الإقتصادية وما لها من إنعكاسات على إقتصادات دول الهامش من خراب في هياكلها وفي نظم تسييرها وفي إستقلالية قراراتها الإقتصادية، وكذا في إنعكاساتها على مستوى معيشة الشعوب، تلك ماهي إلا شكل من أشكال التبعية الممنهجة للغرب الرأسمالي الذي لا تنحصر أطماعه في بسط يده على إقتصاد العالم فقط بل يتعدى ذلك إلى الإختراق والتعدي على ثقافات وحضارات الشعوب وأيضا حتى إستقلالها السياسي.

فكيف يتم ذلك؟

توابع التبعية الثقافية:

 إذا كانت من الانعكاسات السلبية "للتبعية " على المستوى الإقتصادي كما سلف الذكر تتجلى في بوغ درجات دنيا من مستويات التنمية وفي تفشي ظواهر خبيثة من فقر وعوز وبطالة وركود وإنهيار مهول للخدمات الاجتماعية والصحية وإفتقاد شروط الحياة الكريمة وبزوغ هوة ضخمة بين طبقات المجتمع،فإن إنعكاسات هذه الظاهرة على المستوى الثقافي والحضاري ــ وهو ما يسمى بالغزو الثقافي أو التغريب الحضاري ــ يكون أكثر كارثية بحيث يتجلى ذلك في تفكيك قيم المجتمعات وتدمير نسيجها الثقافي والتاريخي وإستبدالها بمنظومات قيم أخرى وبنيات ثقافية جاهزة يقال عنها أنها الأرقا.

فماهي أشكال هذا الغزو الثقافي؟ وما هي أبرز مظاهره الحالية؟ وأين تتجلى نتائجه وانعكاساته على مستوى الثقافات الوطنية والقومية؟

 يختلف الغزو الثقافي عن الغزو العسكري في أن هذا الأخير كان يستمد قوته من آليات الإخضاع الخارجي، من إستراتيجيات عسكرية ومن أسلحة فتاكة ومن جيوش ضخمة بالإضافة إلى المناورات والضغائن السياسية. بخلاف الغزو الثقافي الذي يعتمد على آليات الإخضاع الداخلي وهي أشد خطرا من سابقتها، لأنها من جهة غير ظاهرة ومن جهة أخرى غير خشنة بإعتمادها على أساليب لينة ومهظومة،وبالتالي فعدو الأمس كان محترسا لأنه كان يعلم بأنه سيواجه مقاومتا شديدة ورفظا مطلقا من أصحاب الدار، بينما عدو اليوم هو في أتم راحته وطمأنينته لأنه يعلم ببساطة أنه يستطيع أن يخترق جميع البيوت حتى المحكمة إغلاقا أبوابها ونوافذها.

وهكذا فالاستراتيجية القديمة التي كانت قائمة على منطق "إخضاع الأبدان أولا... ثم إخضاع النفوس" تحولت اليوم إلى إستراتيجية إخضاع النفوس أولا التي ستعبد الطريق إلى إخضاع الأبدان بعد ذلك بكل سهولة ويسر، وبدون إستخدام أي نوع من أساليب الضغط العسكر.

فلا جرم من القول إذن بأن "الغزو الثقافي" هو آلية لتذويب الثقافات الوطنية والثافات القومية بزعزعة هوياتها وطمسها وسلب مكوناتها وجعلها رهينة لنمط ثقافي واحد ووحيد هي ثقافة المركز المهيمن بزعامة أمريكا.وقد سبق أن قال الرئيس الأمركي السابق "غروفور كليفلاند"(1893)في إحدى خطبه :"إن دور أمريكا الخلاق هو تحضير العالم ليصبح أمة واحدة تتكلم لغة واحدة" أي بمعنى آخر جعل الأمم سجينة سلوكيات وثقافة أمريكا الهجينة، بنقل هوامش الثقافة التي تعبر عن واقع وطن أو أوطان أخرى أجنبية ذات ماض وحاضر مختلفان، بقدر كبير، إلى حاضر وطن آخر بل إلى ماضيه وحتى مستقبله.

ووبهذه الطريقة ستفرز لنا الثقافة التابعة أو"التبعية الثقافية" مجتمعات معادلة للثقافة اللاوطنية واللاقومية، بإعتبارها قائمة على تجاهل تراثها وقيم تاريخها. وهنا يلاحظ بأن مفهوم التبعية الثقافية مرتبط كل الإرتباط بمفهوم التغريب والإستلاب، أي الإحتداء بالغرب وبأنماط عيشه المختلفة، وخلق هوة شاسعة مابين المرء وواقعه. حيث تسكن الذات مشاعر التغرب والانسلاخ عن الذات،الشيء الذي يحولنا (نحن الأمم التابعة) إلى أمم ميتة، جامدة مقلدة، مستهلكة وغير منتجة، مفعول بها وغير فاعلة.

وهنا يقدم جبران خليل جبران توصيف عميق يصلح لتصوير حالة الاستلاب والعجز التي أصبحت تعرفها البلدان المتخلفة بصفة عامة والبلدان العربية بصفة خاصة في ظل ما أصبح يصطلح عليه ب (النظام العالمي الجديد)، حيث يقول(كان الغربيون في الماضي يتناولون ما نطبخونه فيمضغونه محولين الصالح منه إلى كيان غربي، أما الشرقيون في الوقت الحاضر فيتناولون ما يطبخه الغربيون ويبتلعونه ولكنه لايتحول إلى كيانهم بل يحولهم إلى أشبه غربيين وهي حالة تبين لي الشرق كعجوز فقد أضراسه وطور آخر كطفل بدون أضراس).

وتتم عملية التنميط الثقافية عبر شتى وسائل السيطرة التقنية والمعلوماتية والإتصالات، ولاسيما إستعمال الأقمار الصناعية.ولا شك أن أخطر مظاهر التنميط وسيلتا هو شيوع ثقافة الصورة بديلا عن ثقافة الكلمات، وإنتشار الكتاب الإلكتروني (أقراصcd.rom) مما يضع جمهور الأطفال والناشئة أمام الاستبداد التقني الذي يقلل الخيال والإبداع جراء ذلك، ناهيك عن سرقة الوقت... والمشاعر والأفكار ووضع هذا الجمهور في حالة عطالة ذهنية وثقافية أمام منتجات التنميط الثقافي وقوتها الهائلة.(6)

وبهذا الشكل يسهل على الإحتلال الثقافي أن يرسي جذوره وأن يوسع مقامه داخل الثقافات المحتلة بعدما يكون قد تخلص من كل ما له صلة قريبة أوبعيدة من الثقافة المحتلة.

فبرؤية بسيطة لمجال الإعلام على سبيل المثال لا الحصر نجد الإحصاءات أيضا واضحة وفاضحة، بحيث تسيطر دول الشمال على 95 في المائة من وسائل الإعلام العالمي مقابل 5في المأة لدول الجنوب. فألا تدل هذه المعدلات على مدى السيطرة الغربية على مجال الإتصال بكافة أنواعه، من القنوات الفضائية ومن الأقمار الصناعية ومن الصحف والمجلات والإذاعات والكتب، بالإضافة إلى وكالات الأخبار التي تسيطر على جل مصادر الخبر. وبالتالي قدرتها على تسريب ما يحلو لها من الأفكار والبرمجيات والثقافات التي تخدم مصالحها وتذكي علوها وهيمنتهان على حساب خصوصيات الآخر وثقافته وحضارته.

فخطاب الغر المستعلي في ظل زمن العولمة أو ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، هو خطاب العقل والنفوس، وعليه (فإن الهجوم الثقافي الواسع يحمل خطاب متعدد الأوجه والأبعاد. وملتمس بمائة خطاب، وهو موجه بالدرجة الأولى إلى العالم الثالثي بغية تذليله وتحويله إلى مجرد جهاز مستقبل مكدود ومحدود). الشيء الذي سيجعله جهاز سلبي وفقير مسلب الخصوصية والهوية ومفتقد إلى روح الإبداع والإبتكار لأنه مجرد عقل تابع وجامد.

وفي خضم هذه البهرجة الغربية نجد معظم النخب المثقفة في بلدان العالم الثالث تتشبث بالأنجاد والأوتاد بالتجربة الغربية وبإستراتيجيتها الحداثية المبنية على منطق وحشية الرأس مال، بل تعمل على إستلهامها وزرع كيانها داخل تراب أوطاننا وأراضينا وواقعنا. وبالتالي تكريس ثقافة التبعية للغرب وتسليمه مصيرنا وأوراق إعتمادنا له بإعتباره الوكيل الذي يملك المفاتيح التي ستخرجنا من غيابات التخلف واللا إستقرار. غافلين غير شاعرين بمسوؤولية هذا الملاك الوهمي عن هذا التخلف وحالة البطالة والعطالة التي نتكبد خسائرها يوما بعد يوم، وما انغماسنا في نظمه الثقافية والإقتصادية إلا تعميق للأزمة المعاشة وتكريس لمنطق الهزيمة التي يريدها لنا الغرب. فإنصراف النخب للإنبهار بالغرب والإنشغال بالجدل اللفظي والحوار العقيم، بدل أداء دورها التحسيسي والتوعوي بالأخطار الحقيقية التي تصدر عنه، يجعلها نخبة عميلة ومستلبة تضر ثقافات وحضارات وقيم بلدانها أكثر مما تنفعها.

ومخلوص القول هو يجب الاعتراف بأننا نعيش حالة من غزو الثقافات والخصوصيات وهذا ما أكدته أطروحات غربية عديدة"كصراع الحضارات لهنغتنتون"، و"نهاية التاريخ لفوكويام" وغيرها من الالأطروحات (التي سنحاول إلقاء شيء من الضوء عليها في مقالات مقبلة).

فما هو السبيل للتصدي لهذا الغزو؟ وأليس التبعية السياسية هي التي تمهد للتبعية الاقتصادية وكذا للتبعية الثقافية؟ وبالتالي الحد منها هو الحل في التصدي لذلك؟

توابع التبعية السياسية:

 أدى إنهيار المعسكر الاشتراكي وتوحيد الألمانيتين عشية بداية التسعينات، إلى تغيير واضح على مستوى النظام الدولي ودواليبه وتشكيلاته، بحيث برزت مجموعة من القوى العالمية والإقليمية الجديدة والتي أخذت تنافس الدول في المجال السياسي، ومن أهم هاته القوى المجموعة الأوربية التي تشكل أكبر تكتل إقليمي في العالم، ثم نجد إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بعد إنزياح السوفييت عن الطريق.

كل هذه العوامل وعوامل أخرى ستساهم في رسم حريطة جديدة للعالم من أبرز سيمها، بروز مايسمى بالقطبية الأحادية وأطماع السيطرة على العالم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق" الإستتباع السياسي " الذي يعتبر الممر للتبعية الإقتصادية ثم التبعية الثقافية والاجتماعية.

فكيف يتم إخضاع القرارات السياسية للإرادة الأمريكية؟ وما هي أبرز تجليات هذا الإخضاع على السيادات الوطنية؟

إن سيادة الدولة وإستقلالها السياسي كانا يشكلان دائما الوحدة الارتكازية لممارسة الدولة لصلاحياتها ونشاطاتها وقراراتها وتشريعاتها ومراقباتها لأراضيها وثرواتها، أصبحت الآن مجرد حلقة صغيرة ضمن سلسلة من العلاقات والتأثيريات في عالم يزداد إنكماشا يوما بعد يوم " فالقرارت التي تتخد في عاصمة من العواصم العالمية، والتشريعات التي تخص دولة من الدول تستحوذ مباشرة على إهتممام العالم بأسره.والسياسات التي تستهدف قطاعات اجتماعية في مجتمع من المجتمعات تؤثر تأثيرا حاسما في السياسات الداخلية والخارجية لكل المجتمعات القريبة والبعيدة"

فالبلدان المتخلفة في ظل النظام العالمي الجديد ونظام الأحادية القطبية، هي مجرد مفعول بها بفعل فاعل الفعل السياسي الدولي، الذي تلعب فيه أمريكا ومن حولها باقي البلدان عالم المركز، مركز صنع القرار السياسي وترسيم الخيار الاقتصادي ورسم التصور الأيديولوجي للعالم.

وهذا ما يظهر بجلاء على ساحة العلاقات الدولية التي أصبحت محكومة بسياسة softpower تارة وhardpower تارة أخرى، الهادفة إلى سلب إرادة الشعوب السياسية وإخضاع قراراتها وإختياراتها السياسية، حتى تتمكن من تحقيق مخططاتها التوسعية في المجال الإقتصادي وحتى الحضاري. سواء من خلال سياسة القوة الناعمة softpower التي ترمي إلى إخضاع الشعوب للقرارات الأمريكية بالوسائل السلمية، أومن خلال سياسة hardpower التي تستعمل فيها قوة السلاح والعسكر والقمع والحصار ضد الشعوب الرافض لسياسة أمريكا التسلطية. وأبرز توصيف لهذه الآلية الحرب على العراق الذي رفض الرضوخ للمخططات الأمريكية فكان مصيره الغزو العسكي الذي إستطاع بقوة الحديد والنار أن يخضع مصيره وفق المصالح الأمريكية. ونفس المآل عرفه الأفغان حيث تم إستبدال نظام الدولة السياسي بنظام يتوافق مع الإرادة الأمريكية وكذلك وذواليك مع الحصار الذي كان مضروبا على ليبيا بالإضافة إلى إيران وسوريا...

كما تتجلى أشكال التبعية السياسية حتى في أحقية تقرير مخططاتنا الإصلاحية، فها هو"مشروع الشرق الأوسط" يطل علينا مبشرا بالإصلاح والتنمية المزعومة، وهو مشروع أمريكي محض مضمونه الأساسي الليبرالية وفق المقاصاة الأمريكية، أي ديمقراطية إطلاق العنان لحرية السوق وللمضاربات الرأسمالية دون التفكير فيما يتفاقم عن هذه القوانين المضنية من إضعاف إرادة الدولة ونهب خيراتها وإحتكارها بيد طبقة واحدة وبالتالي تنامي المشاكل الإجتماعية وسحق الطبقات الدنيا وبروز طبقة بورجوازية عميلة لأطماع المركز. بالإضافة إلى إقحام إسرائيل في المنطقة وإعطائها الدور الريادي في تسيير دواليبها، وكذا الترويج لمصاح الشركات الإستيطانية، إضافتا إلى حراسة المصالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

ولا تتجلى التبعية السياسية فقط في إخضاع سيادة الدول للمركز، بل تتجلى أيضا في إخضاع وتوظيف بعض المنضمات الدولية كالأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية من أجل خدمة مصالح القوى العظمى في العالم، بالضغط على حكومات الدول وخاصة دول العالم الثالث، والتأثير على سياستها وقراراتها السيادية.

ونخلص مما ذكر إلى أن التبعية السياسية تعتبر المفتاح والقنطرة التي يمر منها إلى التبعية الإقتصادية والثقافية. لأن الإرادة السياسية والإستقلال الوطني والحرية في الإختيارات السياسية هي المحدد لمصير الشعوب(فلو حصرنا ذاتنا مثلا بفرض أنظمة سياسية ملائمة للمعطيات الإجتماعية الوطنية وللخصوصيات الثقافية المحلية، وفرضنا قيود صارمة على الإملاءات التي تأتينا من المركز من المأكد أنه سنستطيع بناء مجتمعات مستقلة صامدة ضد كل الرياح التي تأتي من الخارج ولو كانت من طينة الأعاصير.

نهاية من أجل البداية:

وبعد إننا نخلص من هذه الدراسة المقتضبة حول إنعكاسات وتجليات ظاهرة التبعية على النظم السياسية والبنيات الإقتصادية والسوسيوثقافية للمجتمعات العالم الثالثية إلى نتيجة واضحة وفاضحة، مفاذها:

ــ أننا نعيش في مجتمع عالمي طبقي تستحوذ فيه أقل من 300 عائلة غربية على 80 في المائة من ثروات العالم.

ــ زرع إستراتيجية "تنمية التخلف" داخل البلدان النامية من أجل تمتين جذور التبعية.

ــ تفشي الإستيلاب الثقافي الناتج عن الإنبهار بالحضارةالغربية.

ــ ظهور بورجوازية كمبرادورية داخل البلدان التابعة كعملاء للإستراتيجيات الغربية.

ــ تبعية القرار السياسي للغرب الرأسمالي عن طريق سلب إرادة الشعوب بمختلف وسائل الإخضاع الوحشية.

ــ هيمنة النظام الرأسمالي الإحتكاري بمبادئه وقواعده على الإقتصاد العالمي.

كل هذا وذاك يجعلنا نعيش اليوم في مرحلة مواجهة بين الشمال والجنوب، بحيث لا يمكن وضع حد لهذا الصراع إلا بتغيير حقيقي للنظام الدولي، بما يحقق دمقرطة العلاقات الدولية وتطبيق المبادىء الديمقراطية التي ينادي بها الغرب داخل بلدانه على الصعيد العالمي وتحقيق العدالة الإجتماعية والإقتصادية ومحاربة الرشوة والفقر والأمية والأمراض داخل بلدان العالم الثالث. إذ لا يعقل أن يبقى الغنى الفاحش في مناطق جد محدودة من العالم والفقر المدقع في بقية المعمور.(7)

بيد أن لاشك من أنه لابديل عن السير قدما نحو الخلاص من دواليب التبعية وتبعاتها ورسم أفق التقدم والإزدهار الإقتصادي، إلا بإحداث طفرات واسعة على مستوى الإطار السياسي والإقتصادي والثقافي الذي نعيش فيه، وإقامة مجتمعات مدنية مستقلة الإرادة تستمد قوتها من أسس ديمقراطية متينة. ورسم مشاريع سياسية وإقتصادية إنتاجية متحررة عن النموذج الغربي .ثم وضع خطط إستراتيجية دفاعية ضد كل الأطماع الأجنبية على ثرواتنا وعلى أسواقنا. وتكثيف التعاون الإقتصادي جنوب ــ جنوب وإحداث تظيملت مالية خاصة بها.بحيث أن هذا لايعني إحداث قطيعة تامة مع الغرب الرأسمالي بل بالعكس من ذلك من الضروري إحداث تلاقح معه على كافة المستويات والمجالات على أساس الإستفادة من تجاربه التيكنولوجية وكذا الإقتصادية والإجتماعية ومحاولة تبيئتها وفق أنساقنا السياسية ووفق خصوصياتنا السوسيوثقافية. فهل يمكن ذلك؟

 ســـؤال فـــيـــه نــظــر...

ســـؤال يــؤســس لــقــول ولإشــكــال آخــر...

 * باحث في العلوم السياسية والإقتصاد السياسي


(1) محمد سعيد الطالب : الثقافة والتنمية المستقلة في عصر العولمة.(من منشورات إتحاد كتاب العرب)عن موقع إتحاد كتاب العرب.دمشق.

 (2) نفسه...

 (3) عبد السلام أديب : الأزمة الإقتصادية في المغرب إلى أين؟منشورات النهج الديمقراطي 2005 ص:23و24.

 (4) تيمونز روبيرتس، أيمي هايت، ترجمة: سمر الشيشكلي: من الحداثة إلى العولمة. سلسلة عالم المعرفة عدد 310 ص:57.

 (5) عبد السلام أديب نفس المرجع السابق... ص:19.

 (6) عبدالله أبو هيف.الغزو الثقافي.مجلة النبأ العدد 63.

 (7) المهدي المنجرة.حوار التواصل (من أجل مجتمع معرفي) دار وليلي 200 ص:60.

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 20/كانون الثاني/2006 - 19/ذي الحجة/1426