الاعتداد الفائق عن الحد بالذات

ما معنى أن يكون المرء معتدا بنفسه أكثر من الحد المعقول؟تساؤل نطرحه لمناقشة هذا الامر الحساس.

 أن الإنسان بطبيعته الاجتماعية يرى ما حوله من أناس نظراء له على الرغم من اختلافه معهم في بعض الخصوصيات لكن إذا ما تعدى إدراكه خط مصادرة الآخر.. فعندها يكون ذلك المرء مصاباً بمرض نفسي يقتضي علاجه.

من بداهة القول أن الاعتداد بالنفس صفة محببة وضرورية لكل إنسان، فبدون هذا الاعتداد لما أنجز الإنسان كل هذا التطور والسيطرة والتفوق في مجالات عديدة في الحياة. ولا شك أن الصدفة في أحيان كثيرة تخدم أناساً معينين وتحجب الخط الإيجابي عن أناس آخرين وهذا التخلخل بين ما يمكن تسميته بـ(أفراد وصلوا)وآخرين (لم يصلوا) إلى مراميهم أو أكثر مما كانوا يعتقدون من الوصول إليه تعزز حالة من عروض إجادة الدور المسؤول لما يتطلبه مركزهم الشخصي أو الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي فمثلاً نرى أن إيماءة التحية عند الحكام للناس تختلف عن شكل التحية لمدير عام أو رئيس عشيرة وهكذا الامر في حالات أخرى.

وهذا المتطلب في طبيعة التحية يصاحبه شعور أقرب إلى (تطبيق الاتكتيك) وموازٍ لـ(منطق الاعتداد) وهنا تكمن مسألة بماذا يمكن أن يتصرف الوجيه الكبير إذا كان ذا إنجاز اجتماعي مهم كأن يكون عالماً أو مبتكراً أو سياسياً مناضلاً حقيقيا أو رئيساً لعمل مشهود بنجاحه في مؤسسة خاصة أو عامة؟ مع أن الموضوع غير بعيد عما يعتمل في الذات الإنسانية لكن الاخفاق يأتي عادة إذا ما شعر الإنسان انه أصبح تحت دائرة ضوء الشهرة أو اعتقد بذلك خطأ بسبب إصابته بمرض الاعتداد المريض بالذات أي الفائق عن حدود المطلوب.

وميزة الفكر كخاصية تتبع عادة النظرة إلى ثبات المرء الأخلاقي بحيث لا تجعله متكبراً إذا ما حصل على مركز أعلى في الوظيفة أو الحياة فقد أثبتت تجارب الحياة أن أنجح الأشخاص في الحياة هم أولئك الذين يزداد تواضعهم وعدلهم كلما ازدادت مسؤولياتهم المعنوية أو الوجاهية في مجال معين.

أما من لا يصدق نفسه جراء حصوله على مال كثير أتاه بالصدفة(من وراثة أو صفقة ما) أو من جراء وصوله إلى وظيفة عليا أو يعتقد أنها وظيفة فريدة لا توجد وظيفة قبلها ولا بعدها فهو خاطئ اذ عليه ان يصبح حريصاً على ما وصل إليه ويتذكر أن واجبه يقتضي الإبداع في صرف وتوظيف ماله وإلا فإن ذلك المعتد بنفسه لحد الغرور إذا خالف هذا التوجه فهذا يعني أنه قد خطا الخطوة الاولى نحو السقوط الآجل حتماً.

إن التأمل بعمق في الموقف من الحياة يتعين على المرء أن يبقى في حالة اعتداد يمتاز بمعرفة سمات الفضيلة للذات الإنسانية عنده وعند الآخرين وبذلك يمكن اجتياز مؤشر سلبية العلاقات.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 17/كانون الثاني/2006 - 16/ذي الحجة/1426