
منذ فترة طويلة يموج جدل تحت السطح فارضا نفسه على الثقافة الشعبية
حتى بالرغم من أنه لم يتصدر بعد الساحة السياسية ويختص بشكل المانيا في
المستقبل.
في رواية "دمج ثلاثة في واحدة" لكوني كيرشجارتن التي تمتلك مطعما
تتحدث المؤلفة عن قصة حب في مواجهة خطط لدمج ثلاث ولايات من بين 16
ولاية في المانيا. وفي الرواية لا يمكن حتى للساسة المحليين توحيد
الصفوف لمعارضة الخطط دون تشابك بالايدي.
وتأمل الطبقة السياسية في ألمانيا الا تكون الحقيقة مماثلة للخيال
في الوقت الذي تستعد فيه للتعامل مع ما يطلق عليه أكبر تعديل في
التركيبة الاتحادية منذ عشرات السنين.
وتأمل الحكومة الاتحادية تعديل الطريقة التي يتم بها اقرار القوانين
وهي خطوة يعتبرها الكثيرون الخطوة الاولى في تناول مسائل أكبر من مدى
جدوى وجود بعض ان لم يكن كل الولايات.
وقال جيرد لاندزبيرج مدير رابطة تمثل 12500 بلدة وادارة ان الجدل "سيبدأ...اذا
كنا نريد تبسيط العلاقات المالية فلابد اولا أن تتمتع الولايات
بصلاحيات متساوية...أشك في قدرتنا على هذا بالتركيبة الحالية."
وتتنوع ولايات المانيا الستة عشرة بصورة كبيرة من حيث الحجم
والتاريخ والقوة المالية ويربطها معا نظام ضرائب وتحويلات معقد. وتريد
حكومة "الائتلاف الكبير" الجديدة بدء تفكيك هذه الشبكة في وقت لاحق هذا
العام.
وتصاعدت حدة الجدل نتيجة المتاعب المالية لبرلين عاصمة البلاد وهي
عبارة عن مدينة تثقلها ديون تقدر بنحو 60 مليار يورو (72.6 مليار
دولار). ولا ترغب ولايات أخرى أن ينتهي بها الحال بهذا الحجم من
الديون.
ويقول منتقدون انه مع اتخاذ قرارات في الاتحاد الاوروبي أكثر مما
يتخذ على المستوى الوطني فهناك عدد كبير جدا من الولايات ليس أمامها
مبررات تذكر لتفسير التكلفة المرتفعة للادارات.
وتضم الولايات الشرقية الخمس "الجديدة" التي تشكلت بعد وحدة شطري
المانيا عام 1990 نحو 15 مليون نسمة ويعيش 18 مليونا في اكبر الولايات
راين وستفاليا الشمالية. وهي قادرة على البقاء بصورة كبيرة بفضل
المساعدات الاقتصادية من الولايات الاكثر ثراء.
ويقول بعض الساسة في الولايات الغربية الان ان قرار احياء الولايات
الشرقية كان خطأ.
وقال مايكل بوردا من جامعة هومبولت في برلين ان النظام يثني
الولايات عن محاولة تحسين أوضاعها الاقتصادية.
وأضاف "الولايات الصغيرة حقا لا يمكنها التنافس (اقتصاديا). اذا
كانت ستتجه للمنافسة فيتعين عليها البدء من الوسيلة الاساسية (دمج
الولايات). سيكون هذا شيء لا يمكن الاستغناء عنه حتى ينجح الامر برمته."
ويدافع كل زعماء الولايات تقريبا عن حقهم في الوجود.
وقال بيتر مولر رئيس وزراء سارلاند في اكتوبر تشرين الاول "النظام
الاتحادي لا يعيش من كيانات بحجم متماثل...استقلال هذه الولاية أمر غير
مشكوك فيه ولن يكون مشكوكا فيه."
وهناك شبه اجماع بين الاحزاب على أن النظام الاتحادي يبطيء من
العملية السياسية اذ ان 60 في المئة من قوانين المانيا لابد أن يقرها
مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
وأدى هذا في العادة الى حدوث أزمة تشريعية عندما تسيطر أحزاب
متنافسة على كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
وتهدف الاصلاحات التي وضعها أول "ائتلاف كبير" في البلاد منذ عام
1969 الى خفض عدد القوانين التي تتطلب رأي المجلسين الى النصف من خلال
تحديد المسؤولية تجاه سياسات مثل التعليم والبيئة. على سبيل المثال
تمنح الولايات مسؤولية أكبر في مجال التعليم.
ومع سيطرة أكبر حزبين وكلاهما عضو في الائتلاف الحاكم على المجلسين
ومع وجود دعم من الحزب الديمقراطي الحر المعارض فمن المرجح حصول هذا
الاجراء على أغلبية الثلثين اللازمة في كلا المجلسين بحلول الصيف.
وقال توماس فيشر من مؤسسة بيرتيلزمان البحثية ان هذا سيمهد الطريق
"لساحة المعارك" الحقيقية في اشارة الى الجدل الدائر حول اصلاحات مالية
أوسع نطاقا التي قد تؤدي الى التفكير في جدوى وجود بعض الولايات.
ومضى يقول "لا يمكن فصل القضايا لانه اذا قيل ان الولايات عليها ان
تتخذ عددا أكبر من القرارات فلابد من التحدث عن كيفية توفير العائدات
اللازمة لتنفيذها."
وقال فيشر وبوردا ولاندزبيرج ان من غير المرجح حسم مسألة عدد
الولايات الذي ينبغي أن يكون موجودا قبل أن يصبح مستقبل برلين واضحا.
وافق سكان برلين على الاندماج مع ولاية براندنبورج المجاورة عام
1996 ولكن ناخبي براندنبورج رفضوا ذلك لخشيتهم من ان ينتهي بهم الحال
الى خدمة الديون الهائلة لبرلين.
وتتنوع الاراء المتعلقة بعدد الولايات الالمانية المفترض وجودها.
وعادة ما يتردد رقم تسعة بعد الغاء الولايات الثلاث التي تتألف من مدن
فحسب وسارلاند ودمج الولايات الشرقية مع الولايات الغربية المجاورة أو
مع بعضها بعضا.
ويدعو البعض الى أن يكون العدد ست ولايات بافتراض وجود منطقة شمالية
كبيرة ودمج ولايات هيسن وسارلاند وراينلاند مثلما اقترحت كيرشجارتن في
روايتها.
وقال بيتر هاري كارشتنسن رئيس وزراء ولاية شليسفيج هولشتاين في شمال
البلاد لصحيفة برلينر تسايتونج الشهر الماضي "اذا قال الناس انه خلال
10 أو 15 أو أي عدد من السنين سنتعاون بشكل وثيق للغاية حتى يصبح هناك
اندماج فان هذا لا بأس به... لكن اذا تحدثنا عن دمج في الوقت الراهن
فانه سيفشل تماما مثلما حدث مع برلين وبراندنبورج." |