أوقفوا الزهد في المعارضة... نحو حكومة ظلّ ائتلافية

فـؤاد عـباس*

الحكومات على نوعين:

هناك حكومات تسمى بحكومات الأمر الواقع أو حكومات حقبة الإضطرابات والقلاقل الجذرية الكبيرة، مثل الحكومات التي تتشكل بعد الإنقلابات أو الثورة او الحرب الأهلية، حيث ينقسم السكان ويختلفون بشكل حاد وكبير، وهذه الحكومات يطعن في شرعيتهما لكونها لا تمثل إرادة الشعب،هذا عن النوع الأول، اما النوع الثاني فيتمثل في الحكومات المرتكزة على الإرادة الشعبية وبموجب الأشكال الدستورية، حيث يتم تشكيل الحكومة بعد الإنتخابات  على أساس إتفاق بين القوى والكيانات الفائزة في الإنتخابات البرلمانية على تأليف حكومة تدوم ولايتها مادام ذلك الإئتلاف الحكومي قائماَ، وإذا كان الخيار الاستراتيجي للعراق والعراقيين يتجسد في الركون الى تشكيل الحكومة مرتكزة على الإدارة الشعبية:

إذن لماذا الإصرار على تشكيل حكومة ائتلافية على أساس التوافق بعيداَ عن الإستحقاقات الإنتخابية في الإنتخابات العراقية الأخيرة ؟

هذه الدعوة تتكرر تصريحاً وتلويحاً وتخيم على تصريحات الكثير من المعارضة والمعارضين للنتائج الأولية للإنتخابات المذكورة وفي الوقت الذي يعترف الجميع بزيادة المشاركة الشعبية في الإنتخابات في كل مرة، حيث بلغت المشاركة في الإنتخابات الأخيرة  أكثر من (75) في المائة بينما كانت في الإستفتاء على الدستور أكثر من (65) في المائة، في الوقت الذي كانت في الاقتراع الذي سبقه أكثر من (55) في المائة.

ألا يدل تصاعد حجم المشاركة في الإقتراع على النموالمطرد لتمسك العراقين بالخيار الديمقراطي ؟

إذن:

لماذا الزهد في الديمقراطية من قبل بعض النخب السياسية بالدعوة الى حكومة الأمر الواقع ؟

وبالتستر وراء أسم حكومة الوحدة الوطنية التي تضم كل الأطراف التي شاركت في الإنتخابات الأخيرة، وفي الوقت الذي يزداد ويتأصل تمسك الشعب بالديمقراطية.

لماذا هذا الصراع والتدافع المرير على الإشتراك في الحكومة ؟

والى جانب الزهد الكامل في المعارضة، فلا أحد من النخب يتكلم عن حكومة الظل، او حكومة المعارضة، او لعب دورها حتى بعد اليأس من الفوز بمقاعد تؤهله للدخول وكما يطمح في الإئتلاف الحكومي المرتقب.

ربما هذا الزهد الكبير في المعارضة يمثل أحد الأسباب الرئيسية للصراع المرير على الإشتراك في الحكومة حتى لو كان الثمن حكومة الأمر الواقع وضرب مصداقية الديمقراطية الفتية، وقاد إلى الحكومة ضعيفة غير فاعلة تفتقد الإنسجام والإستقرار والشفافية. وأسباب هذه الزهد المفرط في أداء دور المعارضة العلنية الرسمية المستقلة عديدة منها:

تدني الرصيد الثقافي والمعرفي الميداني لأداء الدور المذكور، حيث لم يكن العراق تاريخيا -إلا في فترات قصيرة- ساحة يمكن أن تلعب المعارضة العلنية الرسمية المستقلة دورها السياسي المطلوب، ولسبب كبير واحد آلا وهو إنعدام الديمقراطية، لكن اليوم ومع الوضع اللبنات الأولى للديمقراطية في العراق، وفي ظل هذا التمسك الشعبي المتنامي بالديمقراطية لابد من تكريس وتعزيز وتنظيم كل آليات المعارضة العلنية الرسمية المستقلة، لان المعارضة ركن من أركان الديمقراطية، وهي جزء لا يتجزأ من الدولة الديمقراطية الدستورية، وهي المرآة التي تستكشف الحكومة  بها الأخطاء قبل فوات الأوان، بل هي مدرسة فريدة وميدانية ومتميزة لصناعة وإعداد صقل الكوادر والقيادات التي يحتمل ان تفوز في الدورة الإنتخابية القادمة.

أتصور ان بعض الزهد في المعارضة يعود إلي إنعدام التنظيم الدستوري الواضح للمعارضة وموقعها القانوني والرسمي إضافة الى تجاهل إمكاناتها المطلوبة، فاننا بحاجة إلى حكومة ظل، ولتكن كما في بعض الدول مؤسسة برلمانية يرأسها زعيم المعارضة او زعماء المعارضة في لجنة رئاسية في البرلمان، ولا ضير في أن يعتبر مسؤولاً حكومياً، ويتقاضى مخصصات سنوية بشكل لا يمكن أن تمس إستقلاليته، وتتكون المؤسسة البرلمانية المذكورة من ناطقين بأسم المعارضة يتم إنتخابهم على أسس ديمقراطية من بين صفوف المعارضة البرلمانية، وفي مختلف الإتجاهات المشابهة لمجلات عمل الحكومة كالتعليم والدفاع والخارجية والداخلية وما الى ذلك من وزارات، على أن يقوم هؤلاء في حكومة الظل أو حكومة المعارضة بمتابعة سياسات الحكومة وإنتقادها والتعبير عن رأي  المعارضة في المختلف المجالات، وكل في مجاله، على أن يتم إختيار اعضاء ووزراء حكومة الظل بواسطة زعيم المعارضة ( أواللجنة الرئاسية للمعارضة في البرلمان )، ويحتفظ عادة هؤلاء ربقائبهم الوزارية عند وصول المعارضة الى الحكم في الإنتخابات النيابية الجديدة و... والخ.

صحيح ان حكومة الظل بحاجة الى عراقة مفهوم العمل الحزبي والثنائية الحزبية، والحال في العراق ليس كذلك لكن في الإمكان تحليل الأسس التي تستند إليها الفكرة، والممارسات التي تتعلق بها لتطويرها وتجنيدها في الواقع العراقي، وإلا ستبقى الديمقراطية هشة وعقيمة، ويبقى الحرمان من المعطيات الكبيرة للمعارضة قائماً، ويستمر الزهد في المعارضة المطلوبة، فتنمو المعارضة في إتجاهات سلبية وتتحول الى وسائل تخدم التسقيط والمزايدة وعرقلة الأداء الحكومي ودفع الرأي العام نحوالمثاليات فاليأس بدلاً من بلورته وإنضاجه في اطار الواقع وضمن دائرة الممكن.

أجل العراق بحاجة الى حكومة ظل ائتلافية برلمانية رسمية تستند الى التنظيم الدستوري وقوانينه الفرعية، وتقوم أقطاب المعارضة من النواب بتشكيلها وفقاً لأسس ديمقراطية بأن يؤخذ بنظر الإعتبار عدد المقاعد التي حصل عليها كل قطب من المعارضة، وعدد الأصوات التي حصل عليها كل نائب معارض قي الإقتراع العام إنتخاب زعيم المعارضة او الهيئة الرئاسية للمعارضة، ويتم توزيع الحقائب الوزارية والإمكانات في حكومة المعارضة الائتلافية هذه بناء على التصويت والأكثرية، وهكذا بالنسبة لما يرتبط بأداء حكومة المعارضة الائتلافية ومتابعتها السياسات الحكومة القائمة، والخطوة الأولى على هذا الطريق أن نستحدث ورسمياً منصب زعيم المعارضة، ويتم الإعتراف في الدستور بأهمية وموقع هذه المعارضة ويضمن منحها الإمكانات المتعارفة بما في ذلك المادية وبما لا يمسّ إستقلاليتها، فإيجاد وتكريس حكومة المعارضة ( او الظل ) الائتلافية خير من خسارة وجود منظم للمعارضة بكل ايجابياته وهوخير من الإضطرار الى تشكيل حكومة الأمر الواقع بأسم حكومة الوحدة الوطنية العريضة التي لا تمثل الإدارة الوطنية لأنها لا ترتكز الى الإدارة الشعبية حين تقوم على أنقاص الإستحقاقات الإنتخابية، وتشكيل وتعزيز حكومة المعارضة هذه يساهم في وضع حدّ للزهد في المعارضة، كما يضع حداً للصراع المرير الساخن وغير الديمقراطي للمشاركة في الائتلاف لتشكيل الحكومة.

*معهد الإمـام الشيرازي الـدولـي للدراسات – واشنطن

Siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء10/كانون الثاني/2006 - 9/ذي الحجة/1426