بالرغم من أننا أكثر الشعوب اعتزازاً بتراثنا وقيمنا ودفاعاً عن قيم
التسامح والحرية إلا أننا لا زلنا في سلوكنا وفي تعاطينا مع النساء
والأطفال أدنى بكثير من مستوى الطموح وأقل بكثير مما تحفل به كتاباتنا
ومواقفنا، فلا زالت الكثير من تقاليدنا وسلوكنا يحتاج فعلاً إلى إعادة
نظر، ولا زال تأسيس علاقة صحيحة مبنية على اللطف والتفهم والتعامل بروح
المسؤولية غائبة حتى عن حواراتنا ومواقفنا.
إن واقع الطفولة في عالمنا العربي والإسلامي لازال يرزح تحت سطوة
الجهل بأهمية بناء الشخصية الفاعلة والتي هي أحد أهم أسس حضارتنا
وقيمنا وديننا كذلك هي النساء فهن يتعرضن ليس فقط للعدوانية والدنيوية،
وإقصاءها عن مفاعيل الحياة الاجتماعية، إنما ثمة أخطر من ذلك يجري
استبعاد مواقعها من الخيارات المتاحة أمام مستقبلها، وإضعاف مشاركتها
حتى في بعض المواضيع التي هي حصراً جزءاً طبيعياً من دورها الإنساني
والاجتماعي، باعتبارها أماً وأختاً وزوجة، لتدفع بها إلى زاوية الإهمال،
ولتكرس حالة الإحباط والتشأوم والسلبية والتي للأسف لازال الكثير منا
لا يقدّر نتائج هذه العلاقة السلبية على الجو والمناخ الأسروي بكل
تفاصيله بدءاً بعلاقتها مع نفسها وانتهاءً بعلاقتها مع محيطها وخاصة
أطفالها، وبالرغم من البحوث والدعوات المخلصة لإعادة الاعتبار إلى دور
المرأة ووظيفتها الاجتماعية والإنسانية إلا أن جزءاً كبير من موروثاتنا
الاجتماعية تقف بالمرصاد أمام أي تطلع أو تغيير للعلاقة بين طرفين
متعادلين في الحياة (المرأة والرجل) والتي هي بحق غريبة عن ثقافتنا
وأخلاقنا.
وتشهد الكثير من الأحداث على أن الطرفين الأضعف في المجتمع العربي
والإسلامي (المرأة والطفل) وهما أكثر المتأثرين بكل نتائج الواقع
الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، ونعتقد أن إعادة الحياة
الطبيعية إلى مجتمعاتنا تبدأ في ترسيخ علاقات إيجابية سليمة معهما،
باعتبارهما الأساس المتين لأي مستقبل زاهر، حيث يفترض بالإعلام
والمؤسسات التربوية والتعليمية زيادة الاهتمام بترسيخ أصالة الإسلام
الحقيقي، لبلورة موقف اجتماعي وإنساني من قضية الطفولة والأمومة، بحيث
يتم توظيف المنتجات الإعلامية بما يخدم المشروع الحضاري الإسلامي
المبنية على التسامح والتفهم، وضمان أكثر للمشاركة الصحيحة للمرأة
والطفل في الحياة.
ويسجل للأسف إعلامنا العربي ببرامجه الفنية والتربوية والإخبارية
والاجتماعية مكرساً لكل ما يضعف حقوق المرأة والطفل، وذلك يحرم أوسع
شريحة إنسانية من حقها في التعبير عن تطلعاتها وطموحاتها ويضيفها عبئاً
إضافياً لكل برامجه التنموية، وكذلك يتأخر تصحيح كل معوقات الفقر
والتخلف، وتزداد الأمراض والأوبئة والعادات السيئة والتي هي غريبة عن
مجتمعاتنا إن التعامل الموضوعي المبني على إحقاق حقوق المرأة والطفل في
عالمنا الحاضر أصبح مقياساً لكل تطور لاحق، بل هي رسالة حضارية مكثفة
لأوضاع مجتمعاتنا، فلننظر إلى الغرب الذي يتباهى في انحياز لحقوق
حيواناته الأليفة وغيرها، فيما نحن للأسف لازلنا ننظر إلى واقع الطفولة
والمرأة تارة بشفقة وتارة بمرارة، فيما تشهد الكثير من تعاليم ديننا
أهمية العلاقة السليمة مع نساءنا وأطفالنا.
إن تصحيح العلاقة وتقديم كل ما يعزز نجاحاتها على كل الصعد الشخصي
والأسروي والاجتماعي أصبحت قضية جوهرية فأطفالنا هم في كل مكان في
الشارع والبيت والمدرسة، كذلك حضور المرأة متجاوزة وظيفتها بغياب زوجها،
وراعية لأخيها، ومساندة لكل الأعباء التي تتطلب حضورها، فلنقدر جهدها
وعملها ووظيفتها وعالمها التي يجب أن نوفر لها كل الهدوء والطمأنينة
والنجاح في حياتنا وحياتها.
aboalibassam@gawab.com |