مكافحة الفساد إنها قضية أخلاقية وتحد أمام التنمية في العراق

المهندس مصطفى فؤاد الصادق

مراجعة الدكتور أكرم محمد علي

خطورة الإرهاب كبيرة، لكن خطر الفساد أكبر، وأكبر بكثير، ولا خلاص للعراق الإ مع التحرر من الفساد، والتحرير منه.

المأزق الكبير لجهود مكافحة الفساد يتمثل في دفع جهود المكافحة المذكورة في إتجاه حصرها  في التشهير بحالات فساد فردية محدودة، علاوة على إحتمال الوقوع في فخ التسييس وتسوية الحسابات لتسقيط هذا وترفيع ذاك.

انه المأزق الكبير والخطير لمشكلة خطيرة،لاتقل خطورة عن الإرهاب اليومي الذي يعاني منه الشعب العراقي، وانني لا يساورني الشك في الإنتصارعلى الإرهاب، لكن الشك كل الشك يتجسد أمامي متغولاً حين أراجع حسابات الهزيمة والإنتصار في معركة مواجهة الفساد في العراق، لنرى قبل الإجابة على ذلك:

ماذا يقول الأكاديميون والخبراء في هذا المجال ؟

مكافحة الفساد في المجتمع يجب ان يتم على صعيدين:

العمل علي صعيد المجتمع ككل وهذا ما يجب ان تقوم به الحكومة لمكافحة الفساد، والعمل على الصعيد الداخلي للمؤسسات وفي إطار العمل المؤسساتي، وهذا ما يجب ان تقوم به الإدارة العليا لكل مؤسسة لمكافحة الفساد والسيطرة عليه.

أولا:

ما يجب علي الحكومة أن تفعل لمكافحة الفساد ؟

1- تثقيف المجتمع و تحويل الولاء بصورة تدريجية من العائلة والعشيرة الى الأمة والدولة

2- انتشار التعليم الذي سيساعد علي تطوير الطرق العلمية لمعالجة المشاكل الحكومية والإدارية

3- خلق رأي عام يرفض الفساد إما لأنه خطأ من الناحية الأخلاقية، أوانه غير مجد من الناحية العلمية أو للسببين معا

4- التنمية الإقتصادية الشاملة مع تعزيز تكافؤ الفرص وتكريس العدالة، فلمكافحة الفساد يعتقد

الأخصائيون بأنه يجب جعل أكبر عدد من أفراد المجتمع مناهضا للفساد، وذلك عبرتنمية التجارة والصناعة التي تمهد تمهيدا فاعلا  لزيادة نسمة ودور المتمتعين في المجتمع بالرفاه المادي نسبيا وبالثقافة والإلتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية والفضائل وحرية الفكر والتعبيرعن الرأي، وحين يصبح أكبر عدد من أفراد المجتمع من هذا الصنف الذي يطلقون عليه بالطبقة الوسطى بحسب تعبيرهم تصبح قاعدة مكافحة الفساد عريضة إجتماعيا، لأن هذه الشريحة معروفة تاريخيا بمناهضتها للفساد، أو لأن الإنسان غالبا إذا تمتع  بالرفاه المادي نسبيا وبالثقافة والإلتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية والفضائل وحرية الفكر والتعبير عن الرأي وما نحو ذلك، فسيكون مناهضا للفساد. وتعزيز هذه الشريحة يأتي من خلال وضع إستراتيجيات إقتصادية وإجتماعية لجعلها الشريحة الكبرى في المجتمع من حيث العدد كان، ومن حيث المكانة الإجتماعية للتأسي والتأثير. 

5- ترسيخ الديموقراطية التي إذا نضجت ستلغي المركزية و الفساد الناتج عنها.

6- تنمية الشريحة المهنية ودفعها لرفع مستواها الحرفي والمهني والأخلاقي وزيادة ترابطها. 

7- نشرالنفوذ والثروة والمكانة الإجتماعية بين أفراد المجتمع عامة، كي لا تكون حكرا على السياسيين.

8- زيادة أعداد المحاسبين المهرة و إعلاء شأنهم، والإعتراف بدورهم ومكانتهم قانونيا وميدانيا وإجتماعيا.

9- التطبيق الحكيم والحازم للقوانين الخاصة بالتفتيش الإداري والمالي.

10- ترويج القيم الدينية والأخلاقية.

11- التحفيز على القيام بالواجب وبإتقان وعدم إرتكاب الفساد بطرق مختلفة بما في ذلك الترغيب والترهيب.

12- تحديد الرواتب بشكل يمنع الموظف من التفكير في إرتكاب جريمة الفساد، و يرى أن الثمن سيكون باهضا.

13- السيطرة الصارمة والقاطعة على الحدود مع دول الجوار و منع المعاملات المشبوهة التي تتم في معظمها علي الحدود و من اهمها تجارة المخدرات و تجارة الأسلحة والإتجار بالبشر و ما أشبه ذلك كونها معاملات تحتاج للفساد الإداري والإ قتصادي والسياسي لكي تتم.

14- مكافحة طرق غسيل الأموال، فحين تصبح الأموال المستحصلة من الفساد غير قابلة للتنظيف أو الغسيل أو التبييض،يصعب تداولها و تصبح عمليات الفساد مكشوفة، وملاحقتها القانونية والقضائية أقل تعقيدا، ولا يتمكن المجرم من إستثمار تلك الأموال المستحصلة.

15- وضع إستراتيجيات تكافح البطالة والتضخم اللذان يولدان الفساد في كافة أشكاله و منه الفساد الإقتصادي والإجتماعي.

16- تطوير أداء الأحزاب السياسية وتصحيح وترسيخ مفهوم التحزب الى الإيجابي.

17- تحديد القطاع العام من خلال خصخصته بعيدا عن الثورية وحرق المراحل  ومع الدعم التدريجي والمؤقت والمشروط للقطاع الخاص، لأن الفساد أكثر شيوعا وانتشارا في القطاع العام.

18- جعل الفرص الإقتصادية اكثر من الفرص السياسية في المجتمع، ولاسيما الفرص السياسية التي يمكن أن تجند لتحقيق مكاسب إقتصادية، كي لا يكون الإنجذاب للعمل السياسي والإنخراط فيه لإنعدام الفرص الإقتصادية وللحصول علي الرفاه والإقتدار الإقتصادي عبر العمل السياسي لأن ذلك يؤدي الى نمو وإنتشار الفساد، وتدهورالأداء السياسي والإقتصادي و... الخ.

19- ترسيخ ودعم إيجابيات الإقتصاد الحرّ الذي يعتمد على السوق، فحين تقوم الحكومة بلعب دور السوق سيكون الفساد الإقتصادي و السياسي مروعا.

20- مكافحة البيروقراطية الإدارية بتكريس اللامركزية الإدارية والمرونة في القوانين والأساليب الإدارية في مؤسسات الدولة أو التابعة للدولة.

21- استحداث نظام جديد لتقييم الأداء في المؤسسات الحكومية.

22- تشكيل لجنة عليا مستقلة تماما لمكافحة الفساد على ان:

أ- تمتلك صلاحيات قانونية كافية ورادعة.

ب- تكون مستقلة فعلا و تقوم بتقديم تقاريرها الى أعلى سلطة، وبصورة مباشرة و ليس من خلال أي جهة أخرى تشريعية كانت ام تنفيذية.

ت - يكون موظفيها خارج نطاق الخدمة المدنية.

ث- يجب ان تشكل هذه اللجنة العليا لجان إستشارية تتشكل من المواطنين و منظمات المجتمع المدني وتضم منتقدي الحكومة،ومن المعارضين للدولة أيضا.

ح- يجب ان تضم اللجنة العليا لجان مستقلة لكسب ثقة الجماهير من جهة، وثقة منظمات المجتمع المدني من جهة ثانية، وثقة ممثلي الشعب في البرلمان.

ثانيا:

ما يجب ان تقوم به داخليا الإدارة العليا لكل مؤسسة لمكافحة الفساد والسيطرة عليه.

الإدارة العليا يجب ان يكون لديها القناعة بان هناك مشكلة تعاني منها المؤسسة وهي الفساد اولاً، كي تكثف جهودها لتطويقه والسيطرة عليه ومعالجته والوقاية من عودته باتخاذ القرارات الحاسمة، كما على الإدارة العليا التمييز بين معالجة الفساد الداخلي للمؤسسة والذي يتعلق بالموظفين الذين يعملون في المؤسسة و الفساد الخارجي و الذي يتعلق بالزبائن او عملاء المؤسسة. وفي مجال مكافحة الفساد الداخلي يجب إتخاذ الخطوات التالية:

1- الإهتمام بدرجة الأمانة، النزاهة، الإلتزام وإنخفاض قابلية الإنزلاق في الفساد عند إختيار الموظفين، الى جانب الكفاءة الفنية والحرفية والمهنية.

2- تغيير الثواب والعقاب الذي سيواجهه الموظف مقابل أدائه.

3- إقرار وتطبيق فاعل لكل ما يزيد من إحتمال كشف عمليات الفساد، وليس ذلك تسهيلاً للمتابعة فالملاحقة والمعاقبة فقط، بل لخلق قناعة راسخة عند الموظفين بحتمية كشف وإنكشاف عمليات الفساد، ومن ثم حتمية العقاب بحجمه العادل والرادع، وهذا بدوره يستدعي وضع انظمة داخلية لمكافحة الفساد.

4- تغيير مواقف الموظفين تجاه الفساد من خلال التثقيف والإصلاح والتحصين وزرع الأخلاق والفضائل.

5- تغيير النظام الإداري للمؤسسة بحيث يمنح  قدراً من حرية التصرف للموظفين، لأن إنعدام الحرية المذكورة تعني المركزية الإدارية التي تساهم في تغذية الفساد.

6- تخصيص موارد وأرباح المؤسسة بصورة عادلة.

7- تضعيف حوافز الفساد في المؤسسة.

8- تقليل وتضعيف العلاقة المباشرة بين الزبون والموظف بإستخدام معطيات تكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر.

9- تصميم نظام داخلي بسيط وعادل لتقويم أداء الموظفين، وربط نتائج التقويم مباشرة  بالراتب الشهري والترفيعات والعلاوات والجوائز والتقديرات.

10- جعل التكاليف المادية و المعنوية المترتبة على الفساد باهظة وحاسمة وعادلة، وبما لايفتح الباب للتسقيط، او إشاعة الفاحشة، اوخرق حقوق الإنسان وحرياته وكرامته. 

11- تضعيف الشخصانية وتعزيز وتكريس الثقافة المؤسساتية في إدارة المؤسسات، بإيجاد الإنتماء المؤسساتي من خلال تغيير طرق إتخاذ القرار و إتباع الطرق الشورية والديموقراطية في إتخاذ القرار، ولاسيما عندما يكون القرار عاما و يرتبط بمصالح الجميع و ليس في الأمور التقنية والإختصاصية.

ولضمان النجاح في مواجهة الفساد على الصعيدين المتقدمين يجب الإنتباه الى امور منها:

• محاسبة تكاليف مكافحة الفساد المادية وغير المادية، لتحاشي تجاوز تفوقها على خسائر وتكاليف الفساد نفسه، فكثيرا ما يتم تبرير تجميد فإلغاء خطط مكافحة الفساد بهذا العنوان.

• المراجعة الدورية المتواصلة لأليات ووسائل مكافحة الفساد.

• يجب أن لا تفتح عدة جبهات في مرحلة واحدة، بل يجب أن ندرك بأن الإصلاح تدريجي و المكافحة يجب ان تنجز بهدوء تام وخطوة فخطوة، وتبدأ من معالجة الجذور، والعلل والأسباب، لا القشور، وبمساعدة وإنقاذ المتورطين في الفساد للعودة الى واحة النزاهة والنظافة. كما يجب ان نتذكر بأن النجاح لن يكتب لمكافحة الفساد إلا إذا كانت مع الدعم السياسي الجدي، ومن أعلى سلطات البلاد التي يجب أن تكون قدوة ومثالا يحتذى به في النزاهة والأمانة والشفافية، ولابد أن تكون جهود مكافحة الفساد ولجانها نزيهة وشفافة، بعيدة عن التشهير والتسقيط والتسييس وما نحو ذلك.

•المواطنون هم حجر الزاوية في نجاح خطط ومشاريع مكافحة الفساد، فلابد من تثقيفهم لإدراك التداعيات والإنهيارات الخطيرة والكبيرة العامة والفردية المترتبة على الفساد، وتعارض الفساد مع الأخلاق والفضائل والقيم والمبادئ الدينية والوطنية والإنسانية، والإيجابيات التي تترتب على النزاهة، وعلى عدم المساهمة في الفساد، بل وبالمساهمة في الرقابة على الفساد، لكن لن يكون باستطاعة المواطنين الوفاء بوظيفة المراقبة على الفساد إلا إذا تمَّ التأكد من تحقيق أعلى درجة من الشفافية في التعامل مع الأموال العامة. فالنـزاهة والشفافية من المحاور الرئيسية التي تدورحولها عمليات مكافحة الفساد.

• للفساد أسباب عديدة ومتنوعة منها على سبيل المثال: الفردية في فرق العمل، الفساد الإداري، الفساد القانوني، إنعدام الإستقلال القضائي، إفتقاد الرقابة والمساءلة،إنعدام المئسسة، طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة، وإنهيار الأخلاق، وإنتشارالفساد العالمي العابر للقارات، فالحل الأحادي لن ينفع، كما أن الحل المحلي اوالقطري لابد وأن يعالج الفساد المتسلل من الخارج مع بعض الشركات العابرة للقارات من جهة، ويساهم في خلق إرادة دولية متحدة لمكافحة الفساد عالميا من جهة ثانية، ويستفيد من تجارب الدول المتقدمة في مكافحة الفساد من جهة ثالثة، ويتعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة او ذات العلاقة في هذا الإتجاه من جهة رابعة بما ينسجم مع واقعنا وقيمنا ومبادئنا، وذلك مثل منظمة الشفافية الدولية، والبنك الدولي.  

والمأزق الكبير لجهود مكافحة الفساد يتمثل في دفع جهود المكافحة المذكورة في إتجاه حصرها  في التشهير بحالات فساد فردية محدودة، علاوة على الوقوع في فخ التسييس وتسوية الحسابات لتسقيط هذا وترفيع ذاك.

انه المأزق الكبير والخطير لمشكلة خطيرة،لاتقل خطورة عن الإرهاب اليومي الذي يعاني منه الشعب العراقي، وانني لا يساورني الشك في الإنتصارعلى الإرهاب، لكن الشك كل الشك يتجسد أمامي متغولاً حين أراجع حسابات الهزيمة والإنتصار في معركة مواجهة الفساد في العراق الجريح في ضوء الأداء الحالي لمكافحة الفساد الى جانب الإنغماس الكامل في مكافحة الإرهاب، وأخشى أن تُذبح الديمقراطية في العراق بخنجرالفساد بعد أن يكسر الشعب  خنجر الإرهاب... لأنه خنجرغير مرئي، وضحاياه غير مرئيين، وهم  كل العراقيين تقريبا، ولأنه..... ولأنه يوقف عجلة التنمية ويصادر ميزانيات إعادة الإعمار وينشر الفقر ويأصله ويخلق شرخا عميقا بين السلطة والشعب، ومن ثم بين الديمقراطية الفتية والشعب، وتتبخر الآمال لا قدرّ الله - فعلى أقل تقدير:

هل ْستتحكم المعايير المطلوبة لمكافحة الفساد في اختيار أعضاء الحكومة العراقية الجديدة ووفقا للإستحقاقات الإنتخابية وبعيدا عن المحاصصة والطائفية والتوافقية ؟

وهلْ ستكون مكافحة الفساد على رأس أولويات الحكومة الجديدة ؟

المصادر:

1- السيطرة على الفساد – روبرت كليتجارد – ترجمة د. علي حسين حجاج – مراجعة فاروق جرار.

2- تعريف بكتاب شبكة الفساد ( كيف تقوم حركة عالمية بمحاربة الفساد )- بيتر آيجن - دار كامبوس - فرانكفورت 2003 – من: ليتركس الألمانية  - مراجعة هايكه فريزل - ترجمة لؤي المدهون.

*معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

Siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 4/كانون الثاني/2006 -  3/ذي الحجة/1426