
قد تكون تصريحات الرئيس الايراني محمود أحمدي نجادي المعادية
لإسرائيل جزءا من استراتيجية هدفها تعزيز موقفه في الداخل ودور ايران
في المنطقة.
وقوبلت تصريحاته التي قال فيها ان المحارق النازية اسطورة مختلقة
ودعا فيها الى نقل اليهود الاسرائيليين الى ألمانيا أو ألاسكا بادانة
دولية وعرضت المفاوضات الدبلوماسية مع أوروبا بشأن برنامج ايران النووي
للخطر.
لكن في الوقت الذي أرجع فيه محللون تصريحاته الى الحماسة المفرطة
وقلة الخبرة وعدم القدرة على التفريق بين المستمعين في الداخل والخارج
يقول اخرون انه من الواضح أن هجماته الشفهية المتكررة تسير وفقا لخطة
موضوعة.
ويقول المحلل السياسي محمود علي نجاد المقيم في طهران "لم تخرج هذه
التصريحات (من أحمدي نجاد) عرضا...هذا أمر تعمده وفكر فيه مليا."
واكتشف أحمدي نجاد الذي انتخب في يونيو حزيران الماضي بدعم من
الطبقات الفقيرة سريعا أن نفوذه مقيد بسبب النظام السياسي المعقد
والتناحر بين الفصائل في ايران.
وفي أعقاب توليه السلطة في أغسطس اب منح الزعيم الاعلى الايراني اية
الله علي خامنئي سلطات اشرافية مفرطة على الحكومة لمجمع تشخيص مصلحة
النظام وهو مجلس غير منتخب يرأسه الرئيس الايراني الاسبق أكبر هاشمي
رفسنجاني الذي كان المنافس السياسي الرئيسي لاحمدي نجاد في الانتخابات
الرئاسية.
ولقي أحمدي نجاد الذي عمل رئيسا لبلدية طهران 18 شهرا وانطلق من هذا
المنصب نحو الرئاسة معارضة قوية من التيار المحافظ الذي ينتمي له في
البرلمان بشأن مرشحه لتولي منصب وزير النفط.
وقال نواب البرلمان ان مرشح أحمدي نجاد يفتقر الى الخبرة الامر الذي
اضطره الى اختيار مرشح مخضرم في هذا المجال.
لكن من خلال ادلائه بتصريحات معادية لاسرائيل يكون أحمدي نجاد قد
رسم لنفسه صورة سياسية تروق لمؤيديه الاساسيين ولا يمكن نقضها بسهولة
من قبل معارضيه.
وقال علي نجاد "انه ينتهج هذه السياسة (المعادية لاسرائيل) لانه لا
يملك في الواقع أي خيار على الصعيد الداخلي والا سيُهمش. سيكون من
الصعب حتى على أناس مثل رفسنجاني تبني موقف أكثر اعتدالا."
ومن الناحية الاستراتيجية فان تصريحات أحمدي نجاد المعادية لاسرائيل
تأتي فيما يبدو في اطار سياسة "الهجوم خير وسيلة للدفاع" التي يؤمن بها
كثيرون في الاجهزة الامنية في مواجهة الضغوط المتزايدة من الغرب.
والى جانب ذلك فان نفوذ ايران المتنامي في العراق والذي من المرجح
أن يتبدى من خلال نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم الخميس
فضلا عن دعمها للفصائل الفلسطينية المسلحة يعد مصدر قوة لها.
ويرى علي نجاد أن "هناك اتفاقا عاما داخل النظام بأن ايران يمكنها
أن تخلق مشاكل للغرب في العراق وفلسطين وأنها تستطيع من خلال ذلك حمل
الامريكيين على التعامل معها بجدية ومنحها دورا أمنيا في المنطقة."
ويسود هذا الاعتقاد بشكل كبير بين صفوف الحرس الثوري الذي خدم فيه
أحمدي نجاد خلال الثمانينيات حين ساهم ضلوع ايران في لبنان في انسحاب
القوات الامريكية من هناك.
وفي الاونة الاخيرة وجدت ايران بعض العزاء في قول المبعوث الامريكي
الى بغداد انه يود اجراء محادثات مع طهران بشأن أمن العراق في الوقت
الذي تزايدت فيه الاتهامات بأن ايران لها صلات بالتفجيرات الانتحارية
التي تحدث في جنوب العراق.
وبالمثل فان التهديدات الاوروبية باحالة ملف ايران الى مجلس الامن
بعد أن استأنفت معالجة اليورانيوم في أغسطس اب لم تُنفذ وسعت أوروبا
بدلا من ذلك الى استئناف المفاوضات المجمدة مع طهران.
وتجتذب التصريحات المعادية لإسرائيل من يشعرون بأن الدور القيادي
لدولة ايران الشيعية في العالم الاسلامي الذين كان قويا خلال الثورة
الاسلامية عام 1979 هُمش مع صعود التيار الاصولي السني.
وقال محلل سياسي طلب عدم نشر اسمه "ايران تطمح الى أن تكون زعيمة
العالم الاسلامي."
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية عن أحمدي نجاد
قوله يوم الخميس "حامل رسالة الاسلام الصحيح والكامل اليوم هو الشعب
الايراني."
وانزعجت ايران من الاعتراف المتزايد باسرائيل مثل ما حدث من جانب
باكستان بعد انسحاب الدولة اليهودية من قطاع غزة.
وأضاف المحلل "بقوله هذا وضع أحمدي نجاد الزعماء العرب في مأزق
واجتذب شعوبهم التي تشعر بأن زعماءها متساهلون أكثر من اللازم مع الغرب."
لكن ما لم يتضح بعد هو مدى حجم الدعم الرفيع المستوى الذي تتمتع به
اراء أحمدي نجاد الصريحة.
واتخذ البيان الختامي لقمة منظمة المؤتمر الاسلامي التي عقدت في
المملكة العربية السعودية حيث شكك أحمدي نجاد في المحارق النازية للمرة
الاولى موقفا أكثر اعتدالا بشأن القضية الاسرائيلية الفلسطينية.
وعلى الصعيد المحلي وصف حزب جبهة المشاركة الاسلامية المؤيد
للاصلاحات في ايران تصريحاته بأنها "مستفزة" قائلا انها لن تساعد ايران
أو الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي جدد فيه مسؤولون كبار تأييدهم للفلسطينيين فانهم
شددوا على أن سياسة ايران لم تتغير.
وقال المحلل السياسي "ليس واضحا ان كان الزعيم الاعلى منحه الضوء
الاخضر ليقول مثل هذه الاشياء. اذا لم يكن الحال كذلك فانه سيكون في
مشكلة كبيرة خاصة اذا تسبب هذا في تصعيد (التوتر بشأن) القضية
النووية." |