الدعاية الانتخابية في العراق تغرق وسائل الاعلام والمحمول والخداع يشوهها

البعض يتحدث عن السلام والبعض الاخر يتعهد بتوفير مياه شرب نظيفة.. قلة منهم يعرضون لقطات مصورة ببراعة يظهر فيها عازف عود أو آيات قرانية فيما يظهر كثيرون في شرائط بسيطة إلى جوار العلم العراقي ونبتة في اصيص.

ومع اختلاف الاساليب فان الاعلانات التلفزيونية عن الاحزاب السياسية والمرشحين أصبحت أحدث سلاح في حرب استقطاب أصوات الناخبين قبل أن يتوجهوا الى مراكز الاقتراع لاختيار أول برلمان بولاية كاملة يوم الخميس.

وتدفقت الاعلانات عبر شاشات التلفزيون وموجات الاذاعة فيما احتلت النسخ المطبوعة منها صفحات الجرائد في تناقض صارخ مع انتخابات يناير كانون الثاني لاختيار جمعية وطنية مؤقتة حين اتسمت دعاية المرشحين لانفسهم بالسرية خوفا من هجمات من العرب السنة الذين استبعدوا من العملية السياسية على نطاق واسع.

أما هذه المرة فلجأت بعض الجماعات بما فيها الاحزاب الشيعية الاسلامية التي تهيمن على الحكومة إلى اغراق هواتف العراقيين المحمولة بوابل من الرسائل القصيرة.

ويركز الائتلاف العراقي الموحد في اعلاناته على رقم الاقتراع المخصص له والذي اختير بشكل عشوائي وهو 555.

ويربط الائتلاف بين هذا الرقم وبين أركان الاسلام الخمسة وأهل بيت النبي محمد وعددهم خمسة.

وقال مصطفى علاني وهو مستشار كبير في مركز الخليج للابحاث ومقره دبي ان قدرة المرشحين على التلاعب بوسائل الاعلام تطورت بشكل كبير. وأضاف أن الاعلام لعب دورا محدودا في انتخابات يناير كانون الثاني لكن انتخابات 15 ديسمبر كانون الاول المقبلة تشهد أسلوبا مختلفا تماما في استغلال وسائل الاعلام.

وليس واضحا ما إذا كانت هذه الاعلانات ستؤثر على العراقيين اذ يتوقع أن يصوت الكثير منهم على أسس عرقية وطائفية راسخة. لكن الصخب الاعلامي قد يكون عاملا مؤثرا على الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد.

وحول الصخب الاعلامي عملية التصويت في العراق إلى ما يشبه الانتخابات الامريكية حيث تلعب الموارد المالية دورا حيويا.

ومن بين الوجوه التي صارت مألوفة على التلفزيون العراقي هذه الايام على سبيل المثال رئيس الوزراء السابق اياد علاوي الذي يستغل ثراءه لاطلاق حملة اعلامية مكثفة تروج لافكاره العلمانية.

ويظهر اعلان عن علاوي يبث بشكل متكرر صورا لرجال ونساء تبدو عليهم الكآبة وهم يطالبون بالكرامة والمياه والنفط أو الامن. وينتهى الاعلان بصورة لعلاوي نفسه.

وينفي علاوي وهو طبيب كان ينتمي لحزب البعث المنحل المزاعم بشأن دعم الولايات المتحدة له قائلا إن حملته تدار بأموال تبرع بها عراقيون ومساعدات من جهات أخرى هدفها المصلحة العامة تضم خبراء اعلاميين عرب في لبنان.

أما المرشحين الاقل ثراء فتفتقر اعلاناتهم عادة إلى الصور البراقة والنغمات الاسرة. ويبدو كثير منها كشرائط فيديو مصورة منزليا ويظهر فيها المرشحون وهم يرتدون سترات ويتململون في مقاعدهم وإلى جانبهم مزهرية أو ملصق دعائي أو علم العراق.

ويظهر في أحد هذه الاعلانات مرشح يبدو أنه لم يستطع حفظ النداء الذي يوجهه للشعب إذ قرأه من ورقة.

ويصور اعلان آخر مرشحا في لقطات قريبة وهو يلوح بأصبعه بحدة في وجه الناخبين مطالبا اياهم بالتصويت له.

لكن دبلوماسيا أمريكيا قال إن الاعلانات التي تبث حاليا أفضل بكثير من اعلانات انتخابات يناير كانون الثاني حين حذف البعض أرقام الاقتراع الخاصة بهم بحيث أصبح من الصعب على المشاهدين أن يصوتوا لهم.

وأتاح برنامج تموله واشنطن للمرشحين ثلاث دقائق على الهواء لعرض برنامجهم الانتخابي.

لكن رغم تعدد ألوان الطيف السياسي في العراق فان منتقدين يرون أن التغطية الاعلامية التي تسبق الانتخابات تذكر بهيمنة الدولة على ماضي البلد فيما يبدو ولاء المحطات التلفزيونية لمن يمولونها واضحا.

فبرامج قناة العراقية المملوكة الدولة تحفل بتغطية أخبار وزراء الحكومة فيما يظهر علاوي بشكل مستمر في النشرات الاخبارية لقناة الشرقية التجارية المنافسة.

وفي اطار الحرب الدعائية هناك عشرات الملصقات التي جرى طمسها أو تمزيقها.. وسياسيون يلجأون لتشويه سمعة منافسيهم ومرشح واحد على الاقل تعرض للخطف.

ومع احتدام التوتر قبل انتخابات ستجرى يوم الخميس المقبل لاختيار جمعية وطنية (برلمان) جديدة في العراق لجأ بعض العراقيين الى حيل ماكرة وصلت في بعض الاحيان إلى حد الاجرام لتشويه سمعة منافسيهم وتعزيز فرصهم في النجاح.

وفوجيء عراقيون كانوا يتجولون بسياراتهم عبر بغداد هذا الشهر بمشهد غريب وربما مثير للاعصاب لملصقات انتخابية حملت صور الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.

ولجأ مجهولون إلى رسم صور للرئيس المخلوع فوق وجه المرشح الشيعي العلماني ورئيس الوزراء السابق اياد علاوي فيما يبدو أنه محاولة لنزع المصداقية عن علاوي وتذكير الناخبين بصلاته القديمة بحزب البعث المنحل.

وكان علاوي ينتمي لحزب البعث في بداية مشواره السياسي قبل أن يختلف مع صدام ويشكل جبهة معارضة له من المنفى.

ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن عملية تشويه الملصقات التي أثارت استنكارا بالغا من مكتب علاوي.

واتهم علاوي الذي يتزعم ائتلافا فضفاضا الان معارضيه باستغلال حظر التجول خلال الليل في كثير من المدن العراقية لتخريب حملته الانتخابية في جنح الظلام.

وقال للصحفيين في الآونة الاخيرة إن العاملين في حزبه كانوا يضعون الملصقات في الليل ليجدونها ممزقة في النهار. وتساءل علاوي عمن يمكن أن يكون وراء ذلك في ظل عدم السماح للمدنيين بالتجول ليلا خلال فترة الحظر.

وشاهد عاملون في رويترز عشرات من الملصقات الانتخابية المطموسة في شوارع العراق.

وتعرض ملصق عليه صورة لرئيس الوزراء ابراهيم الجعفري لاقتلاع العينين ورسم حذاء داخل الفم.

وعندما أسقط تمثال صدام في بغداد في نيسان ابريل من عام 2003 بعد الهجمة الامريكية على المدينة قفز عليه عشرات العراقيين ورموه بأحذيتهم.

ونال ملصق اخر للسياسي المخضرم أحمد الجلبي رصاصة بين العينين.

وفي النجف حيث تعرض علاوي في الاونة الاخيرة لهجوم بالحجارة والاحذية داخل مسجد شكا أحد الاحزاب من أن حزبا آخر قال للناخبين خطأ بأنه انسحب من السباق الانتخابي.

وعرضت قناة الفرات الفضائية التي يديرها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق أحد دعائم الائتلاف الحاكم شريطا اخباريا زعمت فيه أن قائمة منافسة هي كتلة انتفاضة العراق الشعبانية لعام 1991 انسحبت من السباق الانتخابي.

وأحدث هذا صدمة لدى الامين العام للكتلة علي غانم الجدوعي ومحاميه علي هادي الزاملي الذي شكا إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بأن القناة ضللت الناخبين الذين كان يمكن التوقع بأنهم سيدعمون قائمة الكتلة.

ورغم أن كثيرا من هذه الانتهاكات تعد بسيطة أو ربما نتيجة لاخطاء بريئة إلا أن الحملة اتسمت في بعض الاحيان بالدموية إذ قتل العديد من النشطاء لمجرد أنهم وضعوا ملصقات في الشوارع.

ووقع واحد من أسوأ الحوادث في شمال العراق الذي يتمتع بهدوء نسبي حين هاجم حشد مكاتب حزب كردي اسلامي في ست بلدات على الاقل.

وقال الحزب إن أربعة أشخاص قتلوا وأصيب عشرة اخرون في الهجمات التي ألقوا مسؤوليتها على عاتق مؤيديين للتكتل الكردي القوي الذي يشكل أحد دعائم الحكومة الحالية.

وخطف توفيق الياسري من قائمة شمس العراق بالقرب من منزله في بغداد واحتجز عدة أيام. ونفى الياسري اتهامات من معارضيه بأنه دبر حادث خطفه ليعزز قاعدة التأييد له ويكسب تعاطف الناس.

وتقول المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق انها تحقق في العديد من المزاعم عن حدوث مخالفات في الحملة الانتخابية لكنها تصر على أن معظم العراقيين ملتزمون بالقواعد.

ويرى دبلوماسيون غربيون أن تبادل الاتهامات والدعاية السلبية خلال الحملات الانتخابية يشكل جزءا من العملية الانتخابية في كثير من الدول لكنهم أقروا بأنها تمثل مشكلة في العراق.

وقال دبلوماسي الاسبوع الماضي "فيما يتعلق بالترهيب والعنف خلال الحملات الانتخابية فان (ما يحدث في العراق) ليس أسوأ مما شهدناه في البلقان ابان التسعينيات وحتما ليس أسوأ مما شهدناه في الجزائر لكن..نعم انها مشكلة."

وأضاف "ستحدث مشاكل. والسؤال هو هل ستصل المشاكل الى حد التشكيك في مصداقية الانتخابات.. في الوقت الراهن أنا متفائل."

شبكة النبأ المعلوماتية -اربعاء 14/كانون الاول/2005 -  11/ذي القعدة/1426