الاكتئاب هذا المرض اللامحسوب!

يصنف بعض علماء الطب على كون الاكتئاب مرض بيد أنه يزول بـ(أحيان) بإزالة أسبابه.

وبالنسبة للتحليل الأصوب لتحديد فيما إذا كان (الاكتئاب) مرضاً حقاً أم لا؟ فبإمكان القول أن الاكتئاب ما هو إلا ترجمة لحالة من المعاناة تفوق حد التحمل لدى الإنسان فيظهر ذلك على قسمات وجهه بشكل جلي.

ولأن الاكتئاب له تأثير واضح على نفسية المصاب به لدرجة قد تجر على عموم وضعه النفسي إذ تراه قانطاً لا يلوى على شيء بشكل نشط كما حين يكون في حالاته الاعتيادية ولأن الطب قد التفت إلى ربط حالة المكتئب بالأعصاب لذا فقد بذلت جهود طبية مختبرية هائلة حتى تم التوصل إلى اختراع أنواعاً من الأدوية المهدئة أو المنومة لأجل إعطاء العلاج الممكن للمصاب بـ(الاكتئاب) من أجل أن يستفاد منها عند الاختلاء بنفسه وبالذات قبيل الذهاب مساءً إلى سرير النوم وبذا يمكن القول أن حبوب التهدئة والأدوية ذات العلاقة تخفف نوعاً ما من معاناة الاكتئاب وتساهم في تقليل الشعور بالوحدة الشخصية حين تلعب تلك العلاجات دوراً مساهماً في تنويم الفرد ولولا تلك العلاجات فعلى الأغلب أن زيادة معاناة المكتئبين ستكون أمراً لا مفر منه وربما أدى عدم تحمل لتلك الزيادة إلى وفاة المصاب بالاكتئاب. فلم سمعنا وقرأنا أن مشكلة حادة أدت إلى اكتئاب شخص قبل أن يفارق الحياة حزناً على شيء كبير فقده؟!

في إحصائية مهمة كانت قد نشرت في الولايات المتحدة قبل سنوات تبيّن أن أكثر من (16) مليون نسمة معرضون للإصابة بـ(الاكتئاب) في كل سنة وحددت أعمار هؤلاء المصابون ما بين سن البلوغ الكامل أي 18 سنة إلى سن 44. وقد أعزا التقرير إلى كون العامل الوراثي أو البيولوجي له دور في تسبيب الاكتئاب وطبيعي لم يهمل واضعوا الإحصائية الآنفة أن المشاكل المالية والاجتماعية وكذلك العاطفية كلها عوامل رئيسية يسبب الخلل بأي منها إلى الاكتئاب لمن يعنيهم الأمر.

وعلى الأرجح فالإنسان الذي يصاب بالاكتئاب هو الذي يكون على درجة من الحساسية والتحسس وبطبيعة الحال فهذا لا يعبر بالضرورة عن (ضعف في الشخصية) بل بقوة في رقة المشاعر وصدق التعامل لدى المصاب بالاكتئاب.

إن كثير من أسباب الاكتئاب يمكن أن تحل بسهولة لو ساهم بها الأشخاص المحيطون بالمكتئب خصوصاً إذا كان نابعاً عن الفشل في العلاقات العائلية أو العاطفية أو من جراء الإخفاق في الدراسة أو الوظيفة أو العمل. وعلى أية حال فلأن علاج الاكتئاب هو علاج نفسي لذا ينصح المصاب به أن يرتفع قليلاً عن الانجرار نحو الشعور الداخلي بأن مشكلته هي مشكلة المشاكل وليس من السهولة حلها!

بديهي أن للإرادة الشخصية سبباً من أسباب للمساهمة في التخفيف الذاتي عن الاكتئاب فقوة الشخص المعنوية الذي يكتشف فجأة خيانة صديق له (على سبيل المثال) تبقى في فضل الصدفة التي أوصلته إلى ذلك الاكتشاف الذي لولاه لما عرف حقيقة صديقه الخائن إذ أن مجرد كسبه لتلك الحقيقة (على مرارتها) منها عزاء مفيد لنفسه فقد يكون قد تخلص فعلاً مما يمكن أن يقوم به ضده ذاك الصديق في خساس جديد على مدى المستقبل اللامنظور إذ أن بمثل هذه الحالات لا يقدّر كسب الحقيقة في معرفة الآخر السلبي بثمن لدى كل لبيب.

هناك نوع من الاكتئاب الموصوف بـ(الاكتئاب الطبيعي) ومردّه ليس مرضياً أو بسبب مشكلة فعلية قائمة ومثال ذلك الاكتئاب الذي يصيب المرأة الحامل فهو اكتئاب مؤقت يزول بعد الوضع السليم بصورة مؤكدة ويعزو سبب اكتئاب المرأة الحامل إلى اضطرابها النفسي جراء التفكر باحتمال تشوهات الجنين المحتملة في الذهن ويتم كل هذا رغم أن المرأة تعتبر الحمل عندها ظاهرة فيزيولوجية طبيعية وكون الحمل والإنجاب فضل من الله عز وجل على عباده من أجل إدامة الحياة وبالذات شطرها السعيد.

والاكتئاب في مداه الاجتماعي رغم كونه ظاهرة غير محسوبة ونسبة عالية من الرأي العام لا تعتبره أكثر من شعور وقتي يزول مع مرور الزمن مهما كانت تأثيرات مسبباته والعاقل الناظر لأي مكتئب أو مكتئبة يمكن أن يوظف نظرته إليهما إلى ذاته هو حتى لا يتسبب يوماً في إلحاق ضرر مادي أو معنوي بالآخرين وثم يكون طرفاً مسبباً لاكتئاب الآخرين. إن أتعس نجاح هو ذاك النجاح الذي يحققه شخص ضد آخر ويسبب له شعوراً بالإحباط الذي قد يتحول عنده إلى اكتئاب إذ يمكن إدراج ذلك ضمن المظالم التي يتعرض لها عادة الطيبون وينجو منها التافهون.

إن الحياة لا تستقيم تماماً قبل أن يعرف كل إنسان حدود الآخرين مثلما يعرف حدوده الذاتية وبموازاة عادلة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 9/كانون الاول/2005 -  6/ذي القعدة/1426