برنامج ناخب

نـزار حيدر

   لن أتحدث هنا عن برنامج انتخابي لقائمة بعينها أو مرشح ما من مرشحي الانتخابات العامة القادمة في العراق، والتي ستجري في الخامس عشر من الشهر القادم، لأنني، وبكل بساطة، لست مرشحا فيها، كما أنني لا أريد أن أعبر، هنا، عن تأييدي أو اعتراضي على أي من البرامج الانتخابية التي تقدم بها المتنافسون في هذه الانتخابات العامة.

   وإذا كان الجميع تحدث، ويتحدث، عن برامج المرشحين، بالأصالة أو بالنيابة، فأنا هنا سأتحدث، أو أحاول على الأقل، أن أتحدث عن برنامج الناخب العراقي، من خلال الغور في أعماق شعوره وأمانيه وتطلعاته، في محاولة جادة لقراءة ما يريده ويتمناه من الفائزين في الانتخابات القادمة.

   وقبل ذلك، أود أن أبين الملاحظات الهامة التالية التي شغلت بال الكثير من العراقيين، والتي طرحت علي شخصيا في أكثر من أمسية سياسية استضافتني فيها غرف البالتوك العراقية، بالإضافة إلى الكم الهائل من الاستفسارات التي وردتني عبر الرسائل الالكترونية أو المكالمات الهاتفية، بشأنها.

   الملاحظة الأولى، بخصوص النظام الانتخابي، وفيما إذا كان نظام الدائرة الواحدة هو الأفضل أم نظام الدوائر المتعددة؟.

   برأيي، فان النظام الانتخابي الذي يعتمد الدوائر المتعددة، أفضل بكثير من نظام الدائرة الواحدة، وهو، بالمناسبة، النظام الذي كنت قد تبنيته ودعوت إليه في مقالات سابقة، وذلك للمميزات الهامة التالية التي يتصف بها نظام الدوائر المتعددة؛

1- انه الأقرب في التعبير عن إرادة الناخب، فالمرشح في هذا النوع من الأنظمة الانتخابية، يفترض أن يكون، بالضرورة، من ذات المحيط الجغرافي الذي سيمنحه الناخب صوته للتعبير عن إرادة هذه الدائرة أو تلك، فالناخب، في هذه الحالة، لا يحتاج، أو قل يضطر أو يجبر، على الإدلاء بصوته لصالح مرشح من خارج محيطه الجغرافي، كما يحصل ذلك، عادة، في نظام الدائرة الواحدة، وهو ما حصل بالفعل في الانتخابات العامة الماضية.

   إن في كل دائرة عناصر كفوءة، ما يكفي لانتخابها للتعبير عن واقعها، فصاحب الدار أدرى بالتي فيها، كما يقول المثل المعروف، وبذلك سنقضي على ظاهرة(استئجار) المرشحين من الدوائر الأخرى، كما كان يفعل نظام الطاغية الذليل سابقا.

   في نظام الدوائر المتعددة، ينبثق المرشح من بين أهله (جغرافيا) فيكون الأقرب إلى تمثيلهم، لأنه الأقدر على فهم واستيعاب حاجات دائرته الانتخابية.

   كما أنه سيكون الأحرص على تلبية طلباتهم وتحقيق حاجاتهم وأمانيهم، ولذلك، ففي هذا النظام، تكون مشاريع التنمية أقرب إلى التنفيذ منها في نظام الدائرة الواحدة، كما أن الجهود المبذولة لمكافحة الفساد الإداري والمالي واللصوصية والمحسوبية والرشوة، وغير ذلك من الأمراض المزمنة التي تعشعش، عادة، في دوائر الدولة، تكون الأقرب إلى الفاعلية والنجاح.

   وفي هذا النظام، كلما ضاقت مساحة الدائرة الانتخابية، كلما اقتربنا إلى حقيقة التمثيل النيابي أكثر، ولذلك تعيد الدول المتقدمة، النظر في حجم المساحات الجغرافية للدوائر الانتخابية بين الفينة والأخرى، كلما زاد عدد نسمة السكان الذين يعيشون على مساحتها، ليحافظوا على أعلى نسبة من التمثيل الحقيقي دائما.

2- كما أنه الأقرب في تمثيل كل المساحة الجغرافية التي تجري فيها الانتخابات، فهو الأقرب إلى الإنصاف في تغطية المساحات الجغرافية للناخبين، بالاعتماد على عددهم في كل دائرة واحدة، على أساس التمثيل النسبي، ولذلك ففي هذا النوع من الأنظمة الانتخابية، لا نشهد إفراطا أو تفريطا في نسبة التمثيل، على العكس من نظام الدائرة الواحدة، كما حصل ذلك مثلا في الانتخابات الماضية، فبينما تمثلت محافظة من المحافظات بـ (18) مقعدا، لم تمثل بعض المحافظات الأخرى مطلقا أو بمقعد واحد، ما سبب إجحافا في التمثيل، إلى جانب ابتعاد النتيجة عن الواقع الجغرافي في التمثيل، لأن الناخب كان مضطرا إلى أن ينتخب قائمة واحدة تغطي كل العراق، من دون أن يكون له الحق في انتقاء المرشحين من بين العدد الكبير، كما يريد.

3- ولذلك، فهو النظام الدولي المعمول به في الدول الديمقراطية التي تتمتع بنظام سياسي نيابي ديمقراطي حقيقي.

   أما نظام الدائرة الواحدة، فعادة ما يتم اللجوء إليه عند الضرورة، في الدول التي تسعى للانتقال من النظام السياسي الشمولي إلى النظام الديمقراطي، كما هو الحال في الانتخابات العامة الماضية التي شهدها العراق بداية السنة الحالية.

4- إن نظام الدوائر المتعددة يحفظ حق مقاعد كل دائرة بغض النظر عن عدد الناخبين، لأنه يخصص لكل دائرة عدد مقاعدها حصرا، ويمنع الدوائر الأخرى من أن تنزو أو تستحوذ على مقاعد الغير، كما هو حال نظام الدائرة الواحدة، ما يحقق نسبة عالية جدا من العدل والمساواة في التمثيل، وهو ما يساعد على تطمين الناخبين على حقوقهم، من استيلاء الآخرين عليها لسبب أو لآخر، وهذا بدوره يساهم في دفع الناخبين للاشتراك بفاعلية أكبر واندفاع أقوى للمشاركة في العملية الانتخابية.

5- أخيرا، ففي نظام الدوائر المتعددة يكون الفائز في الانتخابات أكثر تمثيلا وتعبيرا عن إرادة الناخب منه في نظام الدائرة الواحدة التي يشعر فيها الفائز بأنه مدين إلى حزبه أو قائمته التي رشحته، وليس إلى أصوات الناخبين في دائرة انتخابية بعينها، إذ لم يكن باستطاعة الفائز اكتشاف الأصوات التي حملته إلى البرلمان، إلا في المجمل.

   ولهذا السبب، ولأسباب أخرى، يشعر الفائز بأنه مدين إلى أصوات دائرته في الفوز بالمقعد النيابي، فيسعى لإرضاء ناخبيه أكثر من سعيه لإرضاء حزبه أو قائمته، ليضمن فوزا جديدا في الانتخابات القادمة، ولذلك نرى، مثلا، أن الفائز في الانتخابات النيابية في الولايات المتحدة الاميركية، يضطر في أحيان كثيرة إلى إرضاء ناخبيه حتى على حساب سياسات حزبه الذي رشحه لخوض الانتخابات، لأنه يشعر بأن الناخبين، وليس حزبه، هم أولياء نعمته بالدرجة الأولى، وذلك من أجل أن يضمن فوزا محتملا في دورة جديدة قادمة، على الأقل.

   أما الملاحظة الثانية، فهي بخصوص تعدد القوائم الانتخابية هذه المرة، خلافا للمرة الماضية، وفيما إذا كان ذلك دليل على تمزق وحدة الصف؟ أم ماذا؟.

   في الحقيقة أنا أستغرب كثيرا ممن يعتبر تعدد القوائم الانتخابية تمزقا.

   فعلى العكس من ذلك تماما، فأنا أعتبر أن تعدد القوائم من أبرز مصاديق التعددية السياسية التي لا يمكن أن تشيد الديمقراطية من دونها، لأن الديمقراطية التي تعني، فيما تعني، حرية الناخب في الاختيار والتصويت والإدلاء برأيه، لا يمكن أن نتصورها إذا وقف الناخب أمام قائمة واحدة، ليس سواها وعليه أن يختارها بالتزكية، كما تفعل ذلك، عادة، الأنظمة الشمولية التي تعرض مسرحية الانتخابات بين الفينة والأخرى، لذر الرماد في عيون رعيتها أو للانحناء أما العاصفة كلما مرت بأزمة، إذ، في هذه الحالة، سوف لن يمتلك الناخب إرادة الاختيار، ما يعني إسقاط الديمقراطية بالضربة القاضية.

   إن تعدد القوائم الانتخابية دليل صحة وعافية سياسية، لأنها تدلل على احترام الفرقاء لإرادة الناخب الذي يمنح فرصة الاختيار، في هذه الحالة، عند عتبة صندوق الاقتراع.

   لذلك، فأنا أعتبر الانتخابات القادمة هي الأقرب إلى الديمقراطية منها في المرة الماضية، التي سلبت الناخب حق الاختيار لدرجة كبيرة.

   علينا أن نتذكر دائما القاعدة التي تقول، بأن العلاقة بين الديمقراطية والتعددية هي علاقة طردية، فكلما ازدادت التعددية اقتربنا أكثر من الديمقراطية، والعكس هو الصحيح، فكلما تقلصت فرص التعددية، كلما ابتعدنا مسافة عن روح الديمقراطية وجوهرها، إذ، كلما تعددت القوائم الانتخابية، كلما وسعنا من فرص الاختيار أمام الناخب، وتلك هي الديمقراطية بعينها.

   كذلك، فليس بالضرورة أن يكون من اختار النزول في قائمة منفصلة عن الآخرين، أنه اختار الانشقاق أو الخلاف أو ما إلى ذلك من الأوصاف السلبية، بل يلزم أن نعتبر ذلك دليل الوعي السياسي الذي لا يفرض على أحد اختزال نفسه، مرغما، في هذه القائمة حصرا أو تلك، كما أنه دليل على حقيقة الفضاء الديمقراطي الذي يعمل الجميع في ظله، فلا الوطنية ولا الديمقراطية يمكن اختزالهما بقائمة واحدة، أبدا.

   إن التعددية في القوائم الانتخابية دليل، من جانب آخر، على فشل كل الجهود التي حاولت الاستحواذ على تمثيل هذه الشريحة أو تلك من الشرائح الاجتماعية المتعددة الأديان والمذاهب والأعراق والآراء والاتجاهات السياسية والفكرية، بل وحتى الحزبية.

   علينا أن نحترم ارادات المرشحين وخياراتهم، بالضبط كما نتمنى جميعا أن تحترم كل القوائم الانتخابية، إرادة الناخب العراقي، الذي يجب أن تكون له الكلمة الفصل في الاختيار.

   لننحني جميعا أمام التعددية السياسية، احتراما وإجلالا لها، كما نتمنى على كل المرشحين أن ينحنوا إجلالا وإكبارا واحتراما لإرادة الناخب العراقي التي ستتجلى في حرية اختياره للقائمة التي يراها الأنسب والأقرب إلى تحقيق طموحاته، وما يتطلع إليه.

   كذلك، نتمنى أن لا تتميز القوائم الانتخابية، بالأسماء فقط أو العناوين والشعارات والمسميات والكلام الإنشائي المصفوف صفا محكما، وإنما نتمنى أن تتميز بالفعل اليومي على الأرض، قبل وبعد الانتخابات، لنطمئن، بأن اختلافا جوهريا وحقيقيا بين القوائم الانتخابية، هو السبب لتعددها، وليس التنافس على المقاعد، ومن أجلها فقط.

   كنت أتمنى أن تنزل الأحزاب بقوائم منفردة، وليس بتحالفات عريضة، لتواجه الحقيقة، حقيقة حجمها في الشارع العراقي، وليكتشف العراقيون أحجامها الحقيقية غير المزورة وبعيدا عن الادعاءات الفارغة، في أغلب الأحيان، كما أن ذلك كان سيمنح الناخب خيارات واسعة جدا، تعبر بشكل حقيقي عن إرادته وخياراته، وربما أتطرف أكثر وأقول، كنت أتمنى أن ينزل كل مرشح لوحده، لذات السبب الوارد ذكره للتو، ولتتشكل التحالفات العريضة بعد ذلك تحت قبة البرلمان، لأنني، في الحقيقة، لا أحبذ نظام القوائم الانتخابية الذي يسقط إرادة الناخب ويسلبه حق الاختيار، ولكن...

   أعذر المرشحين هذه المرة كذلك، كما عذرتهم في المرة الماضية، بسبب تحديات العنف والإرهاب وأيتام النظام الشمولي البائد، على أمل أن تتحسن الظروف السياسية والأمنية، لنشهد تعددية حقيقية في القوائم الانتخابية، تعبر بالفعل عن إرادة الناخب العراقي، بعيدا عن الفرض والإكراه والجبر والتزمت والتعنت والتهديد بالقوة.

   أما من يخشى على حقوق هذه الشريحة أو تلك من الضياع، بسبب هذه التعددية في القوائم الانتخابية، فأطمئنه كل الاطمئنان، فنظام الدوائر المتعددة، كما أسلفت قبل قليل، حفظ لكل دائرة عدد مقاعدها في مجلس النواب القادم، وإذا كان المرشحون قد فشلوا في تشكيل تحالفات عريضة قبل الانتخابات، فان بامكانهم أن يحققوا ذلك تحت قبة البرلمان، بعد أن يكون الجميع قد اكتشفوا أحجامهم الحقيقية وليست المنفوخة بقدرة قادر أو بعوامل خارجية.

   نعود من جديد لنتحدث عن برنامج الناخب العراقي:

   أولا:

   الناخب العراقي لا يهتم كثيرا بالأقوال، فلقد أتخم بها لدرجة الملل، انه يبحث عن المنجزات، ليتمتع بها.

   حدثونا، إذن، أيها المرشحون، عن إنجازاتكم لنثق قليلا بوعودكم الانتخابية.

   ثانيا:

   انه يتمنى أن يتمتع المرشح برصيد شخصي يؤهله للتنافس مع الآخرين.

   فهو لا يحب الإمعات التي لا تمتلك أي رصيد شخصي، وبالتالي لا تتمتع بقوة الشخصية، التي تؤهلها للأخذ بزمام الأمور بقوة ونفوذ، يحتاجها العراق اليوم، وهو يمر بكل هذه الظروف المعقدة.

   إن الناخب لا يحب المجاملين على حساب قضاياه المصيرية، كما لا يحب الذين يمسكون العصا من الوسط كلما مر العراق بأزمة، أو أولئك الذين يتغنون بــ (لعم) كلما أرادوا أن يصوتوا، أو أنهم ينتظرون أن يرفع (زعيم القبيلة) يده إيذانا لهم بالتصويت، قبل أن نرى أياديهم قد ارتفعت بالفعل، فمثل هؤلاء يخذلون الحق، عادة، ولم ينصروا الباطل.

   المرشحون أقوياء الشخصية، فقط، هم من لا يجاملون على حساب قضايا الناخب، فهم وحدهم القادرون على التصدي للفساد الإداري والمالي، المستشري في الدولة، وهم وحدهم القادرون على انتزاع حقوق الناخب من الدولة، إذا ما حاولت سرقتها بأية طريقة من الطرق، بالحيلة أو بالقوة، لا فرق.

   ثالثا:

   الناخب يبحث اليوم عن مرشح يقدم مصلحة بلده على مصالح الجيران، القريبون منهم والبعيدون، فالعراق والعراقي أولا، وأن نفط العراق للعراق، وخيرات العراق للعراقيين، وأن أمن العراق أولا، ومصلحة العراقيين أولا، وأن رفاه العراقيين وكرامتهم وتقدمهم أولا، وأن تنمية العراق أولا، وأن تاريخ العراق وحاضره ومستقبله أولا، وأن كل ما يتعلق بالعراقيين أولا وقبل كل شئ.

   رابعا:

   والناخب العراقي يبحث عن مرشح وطني، الوطن والمواطن عنده قبل انتماءه الديني أو المذهبي أو الاثني أو الجغرافي(المناطقي) أو الحزبي أو الفكري أو السياسي.

   انه لا يحب المرشح شديد التمسك بأيديولوجيته، متزمتا بآرائه، لا يصغ إلى الآخرين ولا يقبل أن يسمع نصيحة ناصح.

   خامسا:

   والناخب العراقي يبحث عن مرشح مصمم وقادر على تصحيح الأخطاء التاريخية التي بني على أساسها العراق الحديث مطلع القرن الماضي في ظل الاحتلال البريطاني.

   ومن هذه الأخطاء التاريخية، البناء الطائفي والعنصري للدولة العراقية ومؤسساتها المختلفة، بها فيها الجيش والأمن والمخابرات، فيعيد التوازن لها من خلال تكريس مبدأ الشراكة الحقيقية بين كل مكونات المجتمع العراقي، على أساس الكفاءة والنزاهة والخبرة والتجربة، وليس على أساس الانتماء، بكل أشكاله.

   ومنها، كذلك، الهوية، فيصحح قانون المواطنة سئ الصيت، الذي قسم العراقيين إلى فئتين، بل إلى فئات عديدة ودرجات متباينة، من أجل مواطنة عراقية ليس فيها لـ(شهادة الجنسية العراقية العثمانية) مكانا، هذه الوثيقة التي لا يوجد مثيلا لها في كل دول العالم إلا العراق(القديم).

   ومنها، كذلك، تصفية كل آثار النظام المركزي الحديدي الذي بنيت به الدولة العراقية الحديثة، وذلك من خلال العمل بجد ومثابرة، على تحقيق أقصى درجات النظام اللامركزي الذي يمنح الأقاليم والمحافظات مساحة واسعة لإدارة نفسها بنفسها، بعيدا عن قبضة المركز.

   ولما كنت شخصيا من الداعين المتحمسين إلى نظام فيدرالية المحافظات، لذلك أتمنى على المرشح للانتخابات، أن يبذل قصارى جهده من أجل تحقيق بناء هذا النظام السياسي الإداري الأفضل للعراق الجديد، برأيي طبعا، لنقضي، نهائيا، على كل احتمالات نشوء الأنظمة المركزية الاستبدادية الديكتاتورية، كما سنمنع به ولادة ديكتاتور جديد، يسومنا سوء العذاب، كما نمنع به لعبة السرقات المسلحة(الانقلابات العسكرية).

   سادسا:

   كما يتمنى الناخب العراقي أن يدلي بصوته لمرشح يتمتع بتاريخ نضالي وجهادي حقيقي ضد الاستبداد والديكتاتورية، نظيف اليد، لم يسرق أو يمد يده على المال العام،  ولم يتورط بدم العراقيين، معروف ومشهور بالنزاهة والكفاءة والتجربة، فالبلد لا تبنى بــ(الأزياء) ولا يمكن إعادة بنائه بالشعارات الجوفاء، كما أن الأميين الذين لا يعرفون ألف باء التعليم والسياسة والتدبير والحكمة، لا يمكنهم أن يقودوا سفينة البلد إلى بر الأمان.

   يتمنى الناخب العراقي، أن يجد متنافسين حقيقيين على القوائم الانتخابية، همهم خدمة الوطن والمواطن، يعتقدون أنهم أجراء عند الناخبين وليسوا متفضلين عليهم، يأخذون أجورهم من الناخب لقاء خدمة يومية يقدمونها إليهم من أجل تحسين مستواهم المعيشي، وتأمين حياة أفضل لأبنائهم، ألم نقرأ الآية القرآنية المباركة{يا أبت استأجره} لماذا؟{فان خير من استأجرت القوي الأمين} القوي في أمانته وشخصيته ومشروعه وحديثه وكفاءته، والأمين على قوته، فلا يوظفها لقمع الناخب أو مصادرة حقوقه، والأمين على أصوات الناخبين، فلا يبيعها في سوق النخاسة بثمن بخس دراهم معدودة، والأمين على المال العام وعلى أعراض الناس وممتلكاتهم وأسرارهم وحاضرهم ومستقبلهم.

   سابعا:

   الناخب، كذلك، يبحث عن مرشح يتحسس آلامه، ويعيش تطلعاته، وأحلام أبنائه.

   مرشح، يسعى بجد، لإنصاف الشرائح الأكثر تضررا من سياسات النظام الشمولي البائد، فيفرد لها اهتماما خاصا في تفكيره وبرامجه ومساعيه الرامية إلى إزالة كل آثار النظام المقبور، فيهتم بعوائل الضحايا وأيتامهم ونسائهم وأمهاتهم وآبائهم وشبابهم، ويعيد كل فلس سرقه منهم النظام البائد، منقول كان أم غير منقول.

   ثامنا:

   يتمنى الناخب أن يملأ مقاعد مجلس النواب القادم، مرشحون ذوو بطانة صالحة، لا يعترضونه إذا أراد أن يصل إلى مرشحه(الأجير) ولا يحولون بينه وبين مقترحاته إذا أراد أن يسمعها إليه، فان نصف مشاكل الزعماء والقادة سببها البطانة الفاسدة.

   يتمنى الناخب أن يدلي بصوته لنائب (ترابي) المزاج لا يتكبر ولا يستعلي على ناخبيه، يعيشهم طوال الوقت، ويقترب إليهم كالظل، يتحسسهم في كل كلمة يقولها وعند كل حركة تبدر منه، فالناخب هاجسه، ومشاكله تؤرقه ليل نهار، ما لم يجد لها الحلول اللازمة، فلا يعيش برجه العاجي، مكتفيا بصوت الناخب، فقط، لاعتلاء المنصب.

   تاسعا:

   يتمنى الناخب أن يعتلي مقعد البرلمان القادم، مرشحون يقاتلون بضراوة ضد الحزبية الضيقة التي باتت تهدد الحياة السياسية بالموت البطئ، وراحت تغلق كل الطرق بوجه المواطن العراقي البسيط الذي لا ينتمي إلى حزب أو عشيرة سياسية، وتأخذ عليه سبل الحياة، من دون أن يعني ذلك، طبعا، بأننا ضد الحزبية، أبدا، فالعمل الحزبي مطلوب في إطار التعددية، أما أن يكون الانتماء هو كل شئ في العراق، فهذا يعني أننا أحيينا عظام النظام البائد وسياساته وهي رميم، تلك السياسة التي كانت تقوم على أساس فرض الانتماء في كل مرافق الحياة، بل والممات.

 

   عاشرا:

   وأخيرا، سيمنح الناخب العراقي صوته لمرشح صادق صدوق، لم يبد تهالكا على السلطة، بأي شكل من الأشكال، فيتشبث بها مقاتلا عنيدا، حتى إذا لم يقنع الناخب بأدائه خلال الدورة الانتخابية التي يفوز فيها.

   انه سيبحث عن مرشح يبدي استعدادا منقطع النظير لترك الموقع لغيره إذا فشل في المهمة، بالضبط، كالأجير الذي يستغني عنه صاحبه، إذا ما فشل في إنجاز مهمته على أحسن وجه كما يريد سيده، وكما كان قد خطط لها.

   الناخب لا يحب المرشح الذي يتسلق الموقع بصوته، فإذا ما استقر مكانه، أدار ظهره عنه ولم يعره أي اهتمام، وكأنه لا يعرفه ولم يتوسله منحه صوته لدخول البرلمان.

   وقبل الختام، أود أن أهمس في أذن الناخب العراقي بالكلمات القليلة التالية:

   حاول، عزيزي الناخب، أن تتعرف على المرشح بشكل دقيق قبل أن تمنحه صوتك، لأن صوتك مسؤولية، ستحاسب عليها في الدنيا قبل الآخرة.

   حاول أن تسأل عنه ذوي الاختصاص إن كنت تجهله، اسألهم عن تاريخه وأعماله ومنجزاته وعلاقاته مع الآخرين، خاصة مع عائلته وجيرانه وأصدقائه ورفاق دربه، كما حاول كذلك أن تسألهم عن شخصيته، وفيما إذا كانت ثابتة أم مهزوزة تميل مع كل ريح، وأسالهم ما إذا كان يحب المال حبا جما، وما إذا كان يأكل التراث أكلا لما، وأسألهم ما إذا كان من النوع الذي يحترم تعهداته التي يقطعها على نفسه للآخرين، أم أنه من الناس الذين ينقلبون على أعقابهم؟.

   اسأل عن معاركه، أكان يقدم نفسه دفاعا عن الآخرين؟ أم أنه كان يقدم الآخرين ويقاتل من وراء جدر، دفاعا عن نفسه؟ أكان يضحي من أجل الوطن والمواطن؟ أم أنه كان يضحي بهما من أجل أن يحيا وتحيا عائلته وعشيرته؟.

   تأكد ما إذا كان يحترم الزمن والتضحيات المبذولة في تحقيق إنجاز ما؟ أم أنه يستهين بها، ولا يعيرها أي اهتمام يذكر؟.

   اسأل عنه ما إذا كان يؤتمن على مال اليتيم؟ أم أنه خوان لا يؤتمن على شئ؟ وما إذا كان ذا أخلاق وقيم ومناقبيات؟ أم أنه متحلل من كل التزام، لا يرعى بالآخرين إلا ولا ذمة؟.

   اسأل عنه ما إذا كان أنانيا لئيما لا يحب إلا نفسه، أم أنه ودود يحب الآخرين، ويتمنى لهم ما يتمنى لنفسه، حلو المعشر، خفيف الظل، ينسجم مع الناس، ولا ينفرهم منه.

   اصغ إليه وهو يتحدث، لتكتشف شخصيته، ولتتأكد ما إذا كان يحسن عمل شئ ما، وأنه كفوء في شئ معين، فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول{تحدثوا تعرفوا}.

   إذا سنحت لك الفرصة، حاول أن تستثيره وتثير أعصابه، لتكتشف ما إذا كان عصبي المزاج يكره السؤال والمساءلة، أم أنه يتصف بسعة الصدر والقدرة على استيعاب الآخرين، مهما اختلفوا معه.

   تأكد من أنه لا يحب الثناء من دون إنجاز، وأنه لا يطرب على المديح والثناء على شئ لم يفعله.

   اكتشفه، ما إذا كان يريد إقناعك بأن تبقى على وضعك من دون تطوير، من خلال تكريس معادلة(ناخب بلا تفكير) فيسعى، مثلا، للتعتيم على معنوياتك ورؤاك العقلية، والقضاء، بأي شكل من الأشكال، على قدرتك على التفكير قدر الامكان، والحيلولة بينك وبين القدرة على اكتشاف أي تناقض بين الماضي القديم والواقع الجديد، وإشعارك دائما بأن الرتابة واللاتفكير شئ صحيح، من خلال سعيه الحثيث لتحطيم تفكيرك في إنسانيتك ووطنيتك.

   ختاما: تأكد، عزيزي الناخب، من أن صوتك، الذي ستدلي به في صندوق الاقتراع يوم الانتخابات العامة القادمة، سيحقق أعلى نفع ممكن، وتأكد، في نفس الوقت، أنه لن يضر.

   وتذكر، بأن صوتك مستقبل، فأي مستقبل ستختار به؟ لك ولعائلتك وشعبك ووطنك؟.

20 تشرين الثاني 2005

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -اربعاء 23/تشرين الثاني/2005 -  20/شوال/1426