اكاديمي امريكي:  الاسلام والمسيحية توأمان يجب ان يتصالحا

يرى الاكاديمي الامريكي ريتشارد بوليت في كتابه المترجم الى العربية (دفاعا عن مقولة الحضارة الاسلامية- المسيحية) ان تعبير الحضارة الاسلامية-المسيحية يشير الى ترابط طويل وقدري بين مجتمعين صديقين متجاورين بينما يتقاسم المسيحيون واليهود تاريخا من التعايش المتسم بالمأساوية.

وقد ضم كتاب الدكتور بوليت الاستاذ في جامعة كولومبيا اربعة فصول سبقتها مقدمة الترجمة العربية كتبها مترجم الكتاب الدكتور محمود حداد رئيس دائرة التاريخ في جامعة البلمند اللبنانية تبعها تصدير للمؤلف.

الفصل الاول حمل عنوانا هو عنوان الكتاب نفسه اما الثاني فجاء بعنوان "اين الخطأ" وتناول الفصل الثالث نظريات الحداثة الغربية المختلفة. وفي رابع فصول الكتاب اعرب المؤلف عن تفاؤله بدور مقبل لحركات تجمع بين الاسلام التقليدي والحداثة.

وقد ورد الكتاب في 165 صفحة من القطع الكبير وصدر عن (دار النهار للنشر) و/منشورات جامعة البلمند/.

في الفصل الاول قال بوليت ان احدا على حد علمه شخصيا لم يستعمل عبارة الحضارة الاسلامية-المسيحية "بل أكثر من ذلك اظن ان الكثيرين من المسلمين والمسيحيين قد يصعقهم مجرد سماع الفكرة التي تتضمنها وان قراء اخرين قد يعتقدون ان كلمة (يهودية) حذفت من العبارة."

اضاف ان عبارة الحضارة الاسلامية-اليهودية قد تكون مقبولة "لو كنت أفتش عن عبارة تشير الى المعتقدات المقدسة السائدة في تلك الديانات الثلاث فقد تكون هذه العبارة مقبولة على كونها مستغربة. غير ان عبارت مثل.. الديانات الابراهيمية.. و.. ابناء ابراهيم..و.. النصوص المقدسة السامية .. تخدم الهدف تماما في تلك الحالة."

ويرى بوليت ان "الاساس التاريخي للفكر السائد في المجتمع المسيحي في اوروبا الغربية وليس في كل المجتمعات المسيحية في كل مكان والفكر السائد في المجتمع المسلم في الشرق الاوسط وليس في كل المجتمعات المسلمة في كل مكان المنبني على انهما ينتميان الى حضارة تاريخية واحدة يذهب الى ابعد من المعتقدات المقدسة.

"والعلاقة الاسلامية-المسيحية تختلف اختلافا واضحا عن العلاقة اليهودية- المسيحية المستترة ويتقاسم المسيحيون واليهود في الغرب الاوروبي تاريخا من التعايش المتسم بالمأساوية لا بالبناء ويصل الى ذروة مأساته في فظائع المحرقة اليهودية."

اضاف "اما التعايش بين المسلمين والمسيحيين في غرب اوروبا فإنه لم يكن في مثل هذه القسوة."

ويقول بوليت ان "تعبير الحضارة الاسلامية المسيحية يشير الى الترابط الطويل والقدري بين مجتمعين صديقين يتمتع كل منهما بالسيادة في منطقتين جغرافيتين متجاورتين ولهما مساران موازيان الواحد منهما للاخر. لا نستطيع فهم المسار التاريخي المسيحي ولا ذاك الاسلامي من دون النظر الى علاقته مع المسار الاخر بينما للحضارة اليهودية-المسيحية جذور تاريخية معينة داخل اوروبا وردات فعل لكل من الديانتين على الكوارث التي حصلت في القرنين السابقين."

ويثير المؤلف موضوع تناقض او عدم انسجام في النظرة الغربية يقوم على الكيل بمكيالين. وتمهيدا لذلك قال "كثيرا ما تجد الانتقادات القاسية وغير المتسامحة لدى بعض المجموعات الاسلامية ما يقابلها لدى بعض المجموعات المسيحية واليهودية وحتى ضمن بعض المجموعات العلمانية غير الدينية..."

واوضح انه من ناحية اخرى يقوم هؤلاء باتهام المسلمين من جميع الفئات "بأنهم شركاء في أبشع الممارسات الناتجة عن بعض المجموعات المنتمية الى دينهم.

"بينما نجد ان جيم جونز الذي قام بالانتحار مع عدة مئات من انصاره وديفيد كورش الذي هاجمته السلطات الامريكية وقتلته مع ثمانين من انصاره وديفيد كاهانا الذي كان يمثل مجموعة متطرفة يهودية تدعو الى طرد العرب من فلسطين وقد قتله مهاجر مصري في نيويورك.. هم في نظر الغرب المتحضر لا يمثلون المسيحية ولا اليهودية ولكن هذا الغرب نفسه ينظر الى اسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة) والملا محمد عمر (زعيم حركة طالبان في افغانستان) بصفتهما يمثلان الاسلام."

ورأى ان "اعادة نظر اساسية في التفكير الغربي حول العلاقات مع الاسلام تستلزم وجهة نظر جديدة الى التاريخ." وسعى الى شرح هذه النظرة في فصول الكتاب.

وفي نظرية تحمل الى الذاكرة نظرية انطون سعادة قبل اكثر من نصف قرن من الزمن في كتابه (الاسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية) رأى بوليت ان التطور التاريخي لكل من الاسلام والمسيحية الغربية رغم كل ما اعتراهما من صعاب "سارا بشكل متواز كثيرا احدهما مع الاخر الى حد ان مجتمعي المؤمنين يمكن التفكير فيهما كأنهما نسختان متشابهتان من نظام ديني اجتماعي واحد تماما مثلما يمكن اعتبار المسيحية الارثوذوكسية والمسيحية الغربية نسختين من نظام ديني اجتماعي واحد."

وقال ان المسيحيين اللاتين والمسلمين في الشرق الاوسط "مروا بتجارب مشتركة في فترات زمنية متقابلة لكنهم تجاوبوا مع تلك التحديات بطرق مختلفة. وكان لهذا التفاوت في ردات فعلهم نتائج اثرت على طريقة تعاملهم مع التحديات المقبلة. وتراكم هذا التباعد وساهم في اتباع طرق مختلفة لكل منهما..."

وتناول بوليت بعد ذلك موضوع المسيرة التاريخية للمسلمين والمسيحيين شارحا وجهة نظره هذه.

وبعد عرض تاريخي في هذا المجال خلص الى القول ان "أيا من النسيبين او القريبين المسلم والمسيحي لا يبدو قادرا على رؤية نفسه وتوأمه بطريقة شاملة متوازنة لان الواحد منهما غير مستعد ان يشاهد نفسه في المرآة."

وقال "اما اذا نظرنا اليهما كوحدة واحدة ومن ضمن اطار تاريخي فإن العالم الاسلامي-المسيحي لديه ما يجمعه اكثر مما يفرقه. فماضي الغرب ومستقبله لا يمكن فهمهما بشكل كامل دون تقدير العلاقة التوأمية التي ربطته بالاسلام طوال اربعة عشر قرنا. والملاحظة نفسها تنطبق على العالم الاسلامي."

وتمنى ان ان يعدل مؤرخو الحضارة الغربية وحضارة الاسلام نظرتهم كي يأخذوا هذه الحقيقة بالحسبان.

لكنه اضاف يقول "غير ان مجتمعنا لا يستطيع انتظار المسير البطيء الحالي للفكر التأريخي... فقضية وجود حضارة اسلامية-مسيحية تقوم بصورة اكثر الحاحا على حاجة كل الامريكيين لان يجدوا ارضا مشتركة مع مجتمعاتنا الاسلامية المهاجرة في الوقت الذي يهدد فيه الشك والخوف والاجراءات الحكومية القاسية والديماجوجية بشكل متسارع ان يقسمنا.

"ان الحضارة الاسلامية-المسيحية هي مفهوم نحتاجه بشدة اذا كنا سنحول يوما تراجيديا مشهودا (اي هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على نيويورك وواشنطن) الى لحظة تاريخية للاستيعاب والتكامل الاجتماعي والديني."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 20/تشرين الثاني/2005 -  17/شوال/1426