روزا باركس رائدة في العصيان المدني ونضال السود في أمريكا

لولا "لا" التي قالتها روزا باركس منذ 50 سنة ما كان لكونداليسا رايس ولا كولين باول أن يحلما بشغل مناصب مثل وزير الخارجية أو مستشارة الأمن القومي في الولايات المتحدة.  ورغم تغني الجميع بنموذج الديمقراطية والحرية والمساواة الأمريكي، إلا أن ما لا يذكر غالبا هو أن توماس جيفرسون مهندس الديمقراطية الأمريكية قصد بوثيقة الدستور الأمريكي ومبادئ مثل  "أن كل البشر ولدوا متساوين" المواطنين البيض ذوي الأصول الأوربية فقط، وليس كل البيض بل الذكور منهم فقط من الطبقات الغنية العليا والمتوسطة.

لا لن أترك مقعدي!!

وفي ديسمبر من عام 1955 كانت باركس في طريقها إلى منزلها الواقع في مدينة مونتغمري من ولاية ألاباما في جنوب الولايات المتحدة بعد أن أنهت يوماً حافلاً بالعمل حيث كانت تعمل كخياطة.

كانت قوانين ولاية ألاباما في ذلك الوقت حينها تنص على أن يدفع السود ثمن التذكرة من الباب الأمامي وأن يصعدوا الحافلة من الباب الخلفي، وان يجلسوا في المقاعد الخلفية. أما البيض فلهم المقاعد الأمامية، بل من حق السائق أن يأمر الركاب السود الجالسين أن يتركوا مقاعدهم من أجل أن يجلس شخص أبيض.  

ولكن في ذلك اليوم تعمدت باركس الا تخلى مقعدها لأحد الركاب البيض وأصرت على موقفها، رافضة بكل بساطة التخلي عن حقها في الجلوس على المقعد الذي اختارته.  فقام السائق باستدعاء رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القانون. وكان للحادث اثر كبير في تأجيج مشاعر السود ضد الظلم والتمييز العنصري، فقاطع السود حافلات الركاب لمدة سنة كاملة.

ورفعت القضية إلى أعلى هيئة دستورية في الولايات المتحدة، واستمرت المحاكمة مدة 381 يوماً.  وفي النهاية خرجت المحكمة بحكمها الذي نصر موقف روزا باركس، وتغير وجه حركة الكفاح ضد العنصرية على أساس اللون في الولايات المتحدة.  وفي نهاية عام 1956 صار من حق السود الجلوس في مكان واحد مع البيض وإعطاؤهم نفس الحقوق في جميع القوانين. 

"ليس هنالك شيء اسمه نضال لأجل حق صغير، أو ظرفي أو مؤقت، بل هنالك النضال الدائم لأجل إنسان، خلقه الله حرّا وعليه أن يعيش حراً وكريما" هكذا قال مارتن لوثر كينغ الزعيم

وقد توفيت الأسبوع الماضي أم حركة الحقوق المدنية بالولايات المتحدة روزا باركس Rosa Parks عن عمر يناهز 92 عاما، وقد غيرت باركس حياة السود في الولايات المتحدة إلى الأبد ويعتبر تحديها واحدا من أهم الخطوات التي قام بها مواطن أمريكي أسود من أجل الحصول على حقوق متساوية لما يتمتع به الأمريكيون البيض. وعند إعلان وفاتها قال السيناتور الديمقراطي ادوارد كنيدي "خسرت الأمة (الأمريكية) امرأة شجاعة وبطلا أميركيا حقيقيا. قبل نصف قرن نهضت روزا باركس مدافعة ليس فقط عن نفسها بل عن أجيال وراء أجيال من الأميركيين."

وحصلت باركس على ميدالية الحرية الرئاسية (وهي أعلى وسام مدني يمنح للأمريكيين) في عام 1996 والميدالية الذهبية الفخرية من الكونغرس في 1999، وتم وصفها حينذاك "برمز حي للحرية في الولايات المتحدة".

العنصرية ضد السود ... ماضي أم حاضر؟

تاريخيا ارتبطت كلمة أسود بكلمة عبودية في الولايات المتحدة، وجاءت نشأة المجتمع والدولة في الولايات المتحدة على عدة أسس من أهمها ضرورة جلب عبيد بأعداد كبيرة من القارة الأفريقية للعمل في الأراضي الشاسعة، ولم يمنع ويتوقف استيراد العبيد من أفريقيا إلا عام 1806. وكان صوت الأمريكي الأسود الحر يبلغ ثلاثة أخماس صوت المواطن الأبيض، وتطلب الأمر حربا أهلية ضروسا للتغلب على تراث العبودية في الولايات المتحدة.

وهناك مظاهر مختلفة من التفرقة غير القانونية وهي تفرقة بأثر رجعي تتمثل في عدم الاندماج الكامل للسود بنسب تعكس تعدادهم في الحياة العامة في الولايات المتحدة.

ويصعب القول أن الأمريكي الأسود قد نال كل الحقوق، والفرص المتاحة لنظيره الأبيض بعد، نعم تحسنت ظروف معيشة السود بشكل عام، لكن الفوارق لا تزال قائمة. صحيح انه لم يعد يمنعون من دخول المطاعم والمسارح ودور السينما، ونعم هناك الكثير من رؤساء الشركات ورؤساء المدن والصحفيين والناجحين في كل المجالات، وطبقا لإحصاء عام 2000 بلغ عدد السود 34.7 مليون نسمة، أو نسبة 13.4% من إجمالي عدد السكان. وتبقي المشاكل الكبيرة للسود الأمريكيين ممثلة في عدة ظواهر مقلقة أبرزها:

• الفقر: يعيش 24.7% من السود تحت خط الفقر، وتبلغ هذه النسبة 12.7% على المستوي القومي الأمريكي. وبقصد بالفقر أمريكيا حصول عائلة مكونة من أربعة أفراد على اقل من $18,400 سنويا. 

• التعليم: يتعرض التلاميذ السود في حالات الإخلال بالنظام لعقوبات أكثر صرامة من نظرائهم البيض، ويجد الكثير من التلاميذ السود أنفسهم في مدارس ضعيفة التجهيز.

• الصحة: معدل عمر الأمريكي الأسود أقل من نظيره الأبيض ب 6 سنوات.

• العدالة ونظام المحاكم: يتعرض السود أكثر من غيرهم لرقابة الشرطة في الأماكن العامة/ كما أن احتمال الحكم عليهم بالإعدام يبلغ أربعة أضعاف احتمال الحكم على البيض في الجرائم المشابهة.

• السكن: تكون الأماكن الأكثر تلوثا في الولايات المتحدة عادة على مقربة من مناطق سكن السود.

• الزواج المختلط: ما تزال نادرة بين السود والبيض وتبلغ فقط (0.6%).

• سياسيا: يوجد عضو واحد بمجلس الشيوخ من السود  "باراك أوباما- ديمقراطي- ولاية إلينوي" من بين 100 عضو بنسبة 1% من الأعضاء، ويبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 42 عضوا من بين 435 بنسبة 9.6% من الأعضاء. ويحصد الحزب الديمقراطي ما يقرب من 90% من أصوات السود ومعظم أعضاء الكونغرس منهم ينتمون للحزب الديمقراطي.

وعملية تطور حصول السود على حقوق متزايدة بلغت أقصى مراحلها مع توقيع الحكومة الأمريكية في عام 1994 على معاهدة الأمم المتحدة بمحاربة كافة أشكال التمييز والاضطهاد بسبب العراق أو اللون أو الموطن الأصلي. وترى الإدارات الأمريكية المتتالية أن الطريق ما زال طويلا أمام اختفاء كل أشكال التمييز في الولايات المتحدة في الحياة اليومية والفعلية وأن قطعت شوطا طويلا من الناحية القانونية.

المصدر: تقرير واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 11/تشرين الثاني/2005 -  8/شوال/1426