كاتب مصري: الغزو العثماني التركي الى العالم العربي لم يكن احتلالا

عما اعتبره ابادة للارمن في بلاده قبل 90 عاما يقول كاتب مصري ان استيلاء الاتراك على العالم العربي لم يكن احتلالا بل تدرجا طبيعيا لما وصفه بحكم الدولة الاسلامية.

وكان أورهان باموك الذي تسلم في معرض فرانكفورت للكتاب الشهر الماضي جائزة السلام للكتاب الالماني قال لصحيفة سويسرية في فبراير شباط الماضي ان مئات الالوف من الارمن قتلوا على الاراضي التركية في مجازر عام 1915 واعتبر تصريحه تشهيرا بالهوية التركية وينظر القضاء التركي يوم 16 ديسمبر كانون الاول القادم قضية باموك (53 عاما) وفي حالة ادانته يتوقع أن يحكم عليه بالسجن ما بين ستة أشهر الى سنة.

ويرى مؤرخون مصريون أن بلادهم فقدت مكانتها ودورها وتعرضت للتدهور على المستويات كافة منذ استولى عليها الاتراك عام 1517.

لكن محمد عفيفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة يقول ان هذا الاتهام "مبالغ فيه الى حد كبير (كما أنه) محمل بالايديولوجية والافكار المسبقة" ومن هنا فهو لا يعتبر العثمانيين محتلين رغم استيلائهم على مصر ومعظم بلدان العالم العربي لاكثر من ثلاثة قرون الى أن الت هذه البلاد الى الاستعمار البريطاني والفرنسي باعتبارها تركة الرجل المريض كما كان يطلق على الدولة العثمانية.

وقال عفيفي ان من يعتبرون مجيء الاتراك الى العالم العربي احتلالا يتجاهلون السياق التاريخي لمرحلة بداية القرن السادس عشر الميلادي ويهدفون الى البحث عن جذور تاريخية "لشرعنة الفكرة القومية المصرية وهو أمر يمكن تفهمه في اطار القومية وتوظيف التاريخ ولكن من الصعب قبوله كحقيقة تاريخية."

وأضاف في كتابه (عرب وعثمانيون.. رؤى مغايرة) الذي أصدرته دار الشروق بالقاهرة في مئة صفحة من القطع الكبير أن وصف العثمانيين بالمحتلين والغزاة يأتي "لتبرير وشرعنة أسرة محمد علي" التي حكمت مصر منذ عام 1805 الى أن أنهت ثورة يوليو تموز 1952 حكم فاروق اخر ملوكها.

ويأتي الكتاب ضمن سلسلة تاريخية عنوانها (الجانب الاخر.. اعادة قراءة للتاريخ المصري) وصدر منها اضافة الى هذا الكتاب خمسة كتب هي (فؤاد الاول.. المعلوم والمجهول) ليونان لبيب رزق و(فاروق الاول وعرش مصر.. بزوغ واعد وأفول حزين) للطيفة محمد سالم و(اسماعيل صدقي.. الواقعية السياسية في مواجهة الحركة الوطنية) لصفاء شاكر و(انتفاضة 1935 بين وثبة القاهرة وغضبة الاقاليم) لحمادة اسماعيل و(رؤية الرحالة الاوروبيين لمصر.. بين النزعة الانسانية والاستعمارية) لالهام ذهني.

وقال عفيفي ان السؤال عن طبيعة ضم الدولة العثمانية للعالم العربي على يد السلطان سليم الاول عامي 1516 و1517 وهل كان ذلك فتحا أم غزوا يبدو "سؤالا في منتهى البراءة العلمية لكنه في الحقيقة محمل بألغام أيديولوجية."

وأشار الى وجود تيار قومي مصري عربي يعتبر وجود العثمانيين في العالم العربي احتلالا عانت منه المنطقة العربية عدة قرون اذ ان "هذا الغزو أخر من عوامل نمو الوعي القومي العربي... الغزو جاء دون رغبة أهل المنطقة."

كما أشار الى وجود تيار اخر وصفه بالايديولوجي الاسلامي ينفي عن الاتراك صفة الاحتلال بل يرى في مجيئهم الى العالم العربي الاسلامي "فتحا جديدا في تاريخ الاسلام وتوطيدا لاخر خلافة اسلامية (الخلافة العثمانية) وأن هذا الفتح حمى العرب والمسلمين من السقوط في أيدي أوروبا الصليبية الجديدة... يتحسر هؤلاء على سقوط الخلافة العثمانية التي في رأيهم كان من الممكن أن تحمي فلسطين (التي تعد) نكبة الاسلام في العصر الحديث من السقوط في أيدي اليهود."

ولا يتردد عفيفي في استعمال مصطلح "غزو" لوصف مجيء العثمانيين.

لكنه أوضح أنه من المعروف تاريخيا "أن من الالقاب المفضلة عن السلاطين العثمانيين لقب غازي وهذا اللقب بمفهوم العصر يدل على السلطان المجاهد المحارب القوي. اللقب بمفهوم عصره كان مقبولا ولكن الايماءات الحديثة الايديولوجية حول مسألة الغزو هي التي وصمت هذا اللقب بالعار في اطار وصف الدولة العثمانية بالبربرية والتوحش."

وأضاف أن مصطلح الاحتلال من المفاهيم التي استحدثت مع نشوء الفكرة القومية في العالم العربي في أواخر القرن التاسع عشر "كما أن التعمق أكثر والتزود بخبرة التاريخ في مسألة الاحتلال ستجرنا في الحقيقة الى حقل ألغام جديد. هل من الممكن أن نصف الفتح العربي لمصر بأنه غزو وبالتالي الوجود العربي والحكم الاسلامي بأنه احتلال وهي مقولة تجد من يروج لها من أنصار التيار القومي المصري المتطرف.

"اذا تدرجنا بالفكرة سنجد أن الوجود العثماني لم يكن احتلالا لانه التدرج الطبيعي لحكم الدولة الاسلامية."

وقال انه مهما تكن أوجه النقد الموجهة لفترة الحكم العثماني للعالم العربي فان ذلك الحكم "ساعد على ايجاد وحدة سياسية واقتصادية من نوع خاص بين الولايات العربية لاول مرة ربما بعد ضعف الدولة العباسية."

كما استهان بمقولة أن عصر النهضة المصرية الحديثة بدأ بوصول الرجل الابيض من أوروبا مشيرا إلى "أسطورة دور الحملة الفرنسية (1798 - 1801) في تاريخ مصر الحديث... مع أن الحملة لم تستمر إلا ثلاث سنوات فقط وعادت مصر بعدها ولاية عثمانية... محمد علي كان واليا عثمانيا."

شبكة النبأ المعلوماتية -الإثنين 7/تشرين الثاني/2005 -  4/شوال/1426