المسرح السياسي: متنفس للجماهير وصداع للحكومات

المسرح بشكله العام ارث مشترك بين المجتمعات كافة تتوارثه الاجيال جيلا بعد جيل فتطرح على خشبته قضايا يضحك البعض منها ويبكيها البعض الاخر... فهو مراة عاكسة له وشخوصه هم رموز لافراده.

ويناقش المسرح السياسي العديد من القضايا الجادة والهادفة سواء كانت سياسية او اجتماعية او في اي مجال اخر.

ويرفض البعض مصطلح المسرح السياسي على اعتبار ان المسارح تتبع مدارسها كالمسرح الكلاسيكي والمسرح الرومانسي والمسرح الواقعي او العبثي او الرمزي ويفضل بدلا عنه مصطلح المسرح الذي يطرح ويناقش قضايا عامة كجزء مهم من رسالة المسرح الذي يظل على اختلاف المجتمعات وفي مختلف الحقب الزمنية ملازا ومتنفسا لها وان كان بدرجات متبابنة وفق مساحة الحرية من مجتمع لاخر.

فالمسرح السياسي ومنذ عصوره القديمة لم ينفصل عن المجتمع بقضاياه المختلفة فكان دوما وسيلة للتعبيرعن قضاياه المجتمعية واداة لتوجيهه سياسيا وثقافيا واجتماعيا ومساحة للتعبيرعن أفكاروايديولوجية المجتمعات .

والمسرح السياسي في الوطن العربي لعب دورا مهما في هذا الشان وله من الاعمال ما يزال خالدا حتى الان سواء ما تناول منها الشان المحلي لكل بلد عربي على حده او ما تناول منها الشان العربي وقضاياه المستعصية والمشتركة بشكل عام .

وقال الفنان سعد الفرج وهو احد اعمدة الفن الكويتي في لقاء مع (كونا) ان " المسرح السياسي في اي دولة يعتمد على الفكرة المطروحة فاذا كانت تحوز على رضا السلطة تتم اجازتها ويتم غض البصرعما يطرح فيها اما اذا لم تعجب السلطة فيطبق عليها النظام ويمنع عرضها ".

واضاف ساخرا"المسرح (طوفة هبيطة) فلا يوجد قانون يحرم الاعتداء عليه ولا يوجد قانون ينظم العمل المسرحي الا القانون المتعلق بالمسرح الاهلي الذي يقع تحت مظلة جمعيات النفع العام والذي ينظمه قانون يمنع الخوض في النشاطات السياسية" .

وبين الفرج وهو كاتب وممثل في مسرحيات سياسية عدة ان لديه مسرحيات لم تر النور ولم يتم عرضها اعتراضا على نص المسرحية كمسرحية (ممثل الشعب) ومسرحيات اخرى منعت بعد عرضها كمسرحية (هذا سيفوه).

وقال " في غالبية الاحيان يكون المسرح السياسي ثقيلا على اي سلطة وفي احيان اخرى يكون محاربا من عدة جهات و لذلك فالايمان بالمسرح قل كثيرا عن السابق وما يعرض حاليا يقتل الجمهور باعمال كوميدية غير هادفة تعتمد على الكلمات النابية ".

وطالب الفرج بتقديم الدعم المادي للمسرح خاصة في ظل النظام الحالي الذي يحدد اسعار التذاكر والقيود المفرضة على الاعلانات والغير مسموح بها الا وفق نظام معين بالاضافة الىحماية الفنان من المساءلة والمحاكم والنيابة.

وفيما يتعلق بالمسرح السياسي على المستوى العربي قال "على مستوى العالم العربي المسرح السياسي موجود لكنه في معظم الاحوال مسير للدولة سواء بشكل مباشر اوغير مباشر فتعرض بعض الاعمال هنا وهناك لكن تظل النار تحت الرماد ".

واتفق الكاتب والمخرج عبد الامير التركي مع الفرج بقوله "ان المسرح السياسي انتهى فقط في الكويت وتوجد محاولات مختلفة في كل بلد عربي حسب القدرات ".

وقال " انني ارى ان المسرح السياسي قد انتهى في الكويت لانه بدا يحدث وجعا وما يوجد من مسلسلات ومسرحيات فطرحها السياسي مجرد حشو ومن يكتب مثل هذه الاعمال لا علاقة له بالسياسة ".

واضاف وهو كاتب لعدد من المسرحيات والاعمال المميزة "المسرح السياسي مهم وخطير فهو مسرح توعوي يلعب دورا مهما في المجتمعات ففي ايرلندا مثلا استطاع المسرح ان يعمل ثورة ... نحن لا نريد عمل ثورات ولكن ان نوعي المسؤولين واصحاب القرار بما يدور حولهم والشخصيات التي نقدمها عبارة عن مكونات تجمع مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويمكن ان تنطبق على أي فرد في المجتمع ".

 وشدد على انه من المهم لمن يكتب نص مسرحي ان يكون ملما بالوضع الحقيقي في المجتمع وبثقافته واوضاعه السياسية حتى يستطيع تقديم نص واقعي يعبر عما يدور في هذا المجتمع .

وقال "من الصعب عودة المسرح السياسي فى الكويت الى سابق عصره فهو يحتاج الى كثير من المقومات لم تعد موجودة ابسطها وجود فنان قادر على فهم وتجسيد الشخصيات الموجودة في النص".

واختلف الكاتب الصحفي محبوب العبد الله مع التركي بقوله " المسرح السياسي لم ينته وانما تراجع دوره على حساب المسرح الترفيهي الذي اصبح مقصورا على بعض المناسبات لاسباب تجارية ".

واكد العبد الله في حديثه لـ (كونا) ان المسرح السياسي له جمهوره الذي كان يتفاعل معه بشكل كبير فهو متنفس له عن همومه وقضاياه السياسية فهو يقبل على هذه النوعية من المسرحيات ولكن عدم وجودها يجعله يتجه الى النوعيات الاخرى .

وحمل العبد مسؤولية تراجع مثل هذه المسرحيات لاكثر من طرف بقوله " للاسف تراجع بعض الكتاب الكبار عن مثل هذه المسرحيات كما تراجعت الفرق الاهلية الاربع الموجودة في الكويت عن طرح مثل هذه المواضيع فهي مسؤولة عن تقديم طرح سياسي وتوعوي وتراجعها اعطى المجال للمسرح الترفيهي ".

كما حمل الجهات المختصة بالدولة كالمجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب مسؤولية تشجيع الفرق المسرحية على تقديم مثل هذا النوع من المسرحيات والزامها ببرنامج سنوي حتى يكون لدينا موسم مسرحي متواصل .

اما الكاتب بالصفحة الفنية بصحيفة القبس احمد ناصر فبين في حديث مماثل ان المسرح السياسي قديم يعود الى مطلع الستينات كمسرحية( حط الطير طارالطير) للمسرح العربي وغيرها من مسرحيات اخرى كمسرحية حرم سعادة الوزير و ممثل الشعب وهي من سلسة المسرح العالمي للكاتب اليوغوسلافي برانسليف نوشيش.

وقال " ظهرت العديد من المسرحيات السياسية في الكويت في الثمانينات مع الحرب العراقيةالايرانية وما قدم من مسرحيات سياسية في الثمانينات جاء مجاراة لموجة عربية عامة كمسرحيات الفنان دريد لحام و الفنان عادل امام وان البعض منها دق ناقوس الخطر كمسرحية (دقت الساعة) و(حامي الديار)" .

واضاف "انتهت هذه المرحلة ثم جاء المسرح التجاري في بداية التسعينات فبعض الفنانين اتجهوا الى المسرح التجاري واصبح البعض منهم تجار يعتمدون على المقياس التجاري وما عادوا يهتمون بهموم المجتمع " . واكد اهمية الدمج بين الطرح السياسي والكوميديا حتي تجذب الجمهور لها مستشهدا بعدد من المسرحيات السياسية التي جذبت لها جمهور كبير من خلال نجاح عملية دمج السياسة بالكوميديا .

ويبقى المسرح السياسي الذي تعود جذوره الى الدراما الاغريقية القديمة و من ثم العهد الاليزابيثي ومسرحيات وليم شكبير ومن ثم ولادته في الساحة الالمانية كنظرية ثقافية متكاملة وانتقاله بعد سنوات الى العالم العربي مطلبا للشعوب على اختلافها ليقول ويعبر عما لا يستطيعون قوله.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 24/ تشرين الأول/2005 -  21/ رمضان/1426