محور (إبراهيم – أبادير) والمسألة الشيعية

د. أحمد راسم النفيس

استوقفني يوم (19-10-2005) مقال نشرته جريدة الأهرام المصرية لكاتب يدعى (رجب البنا) يزعم فيه وجود محور يسعى لتفكيك مصر من خلال إثارة المسألة الطائفية وحقوق الأقليات ومن بينها المسألة الشيعية أسماه محور سعد الدين إبراهيم – أبادير!!.

ويختم السيد رجب بالقول (والجميع يرفضون كل صوت يأتي من الخارج‏,‏ فأهل مصر أدري بشئونهم‏‏ والساحة الآن مفتوحة للجميع وليس في مصر أقليات‏..‏ ليس في مصر سوي المصريين‏).

هل حقا أن الدكتور سعد الدين إبراهيم هو من أثار المسألة الشيعية في مصر؟؟.

إنه منطق أكل عليه الدهر وشرب إذ أن المسألة الشيعية قديمة قدم التاريخ الإسلامي ذاته ولا نعني بها انقسام المسلمين إلى فريق مؤيد لعلي بن أبي طالب وفريق مؤيد لخلافة غيره بل نعني تقسيم الناس إلى فريقين فريق رضيت عنه السلطة العربية الغاشمة أموية كانت أم عباسية أو مملوكية أو عثمانية وأخيرا قومية يتصدر للدفاع عنها وتبرير تصرفاتها الخرقاء (جامعة عربية قومية يرأس أمانتها طاووس العرب عمرو أبو موسى وصحافة قومية وأحزاب قومية وأخيرا سلطة عربية تعيش في القرن الحادي والعشرين وعقلها ما زال في القرن السابع الميلادي).

لا فارق بين معاوية بن أبي سفيان وعلان بن ترتان حيث يروي المؤرخون (لما ولى معاوية بن أبي سفيان المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41هـ دعاه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وقد قال المتلمس  لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم , وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ولست تاركا إيصاءك بخصلة: لا تتحم عن شتم علي بن أبي طالب وذمه والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم وإطراء شيعة عثمان والإدناء لهم والاستماع منهم) تاريخ الطبري ج5  ص254 

مرة أخرى نقول أننا لا نناقش القضية في بعدها المذهبي بل في بعدها السياسي الاجتماعي ومن خلال رؤيتنا لاستمرار العرب في ممارسة حالة التوله في تقسيم أبناء الوطن الواحد إلى فريقين الفريق الأول هم أبناء الله وأحباؤه أو بمعنى آخر أبناء السلطة وأحباؤها ومن كانوا على دينها (دين السلطة وليس دين الله) وفريق آخر هم المطرودون من رحمة هذه السلطة المتألهة ممن لا يمارسون التقليد الأعمى لطقوسها ويعيشون الانقياد الأكثر عمى لكهنة السلطة من أدعياء الورع والفهم الصحيح  للدين.

قبل أسابيع قليلة قامت الدنيا ولم تقعد عندما فضحنا ما قام به المماليك والأيوبيين من جرائم حق مصر والمصريين لم يكن أقلها جرائم الإبادة الطائفية والتهجير الجماعي للمخالفين في المذهب وكان أعظم ما تقدم به القوم من دفوع عن السيد/ صلاح الدين هو العمل (العظيم) الذي قام به عندما أعاد مصر للمذهب السني وهو عمل يهون من أجل تحقيقه انتهاك كل المبادئ والقيم والأخلاق والأعراف السياسية والاجتماعية والأخلاقية.

إنه شاهد آخر على أن المسألة الشيعية هي أقدم بكثير من محور سعد الدين أبادير فالعقل العربي العاجز عن معرفة وتحديد هويته لا يحس بهذه الهوية ولا يطمئن لها إلا على أصوات تكسير عظام الآخرين ممن يفترض هو بجهل وغباء منقطع النظير (أنهم الآخر الذي يهدد وجوده وبقاؤه) سواء كان هذا الآخر مخالفا في الدين أو في المذهب أو في الموقف السياسي.

إنه عقل خائف ومضطرب تسكنه الهواجس وتحركه الخيالات الجامحة والأوهام الزائفة والنتيجة الحتمية لهذا السلوك المضطرب معروفة وماثلة أمامنا في واقعنا السياسي الأكثر اضطرابا سواء في العراق أو في سوريا ولبنان.

المسألة الشيعية المصرية المعاصرة:

قمنا بتوثيق المسألة الشيعية المصرية في التاريخ القديم والمعاصر في كتابنا (المصريون والتشيع الممنوع) بما لا يدع مجالا للشك بأن من أثار هذه المسألة وقام بتفجيرها هو النظام المصري الذي يزعم الآن أحد الكتبة التابعين له أن المسئول عن هذا هو محور أبادير سعد الدين.

ما ضر هذا النظام العربي الشرق أوسطي أن يترك المتشيعين المصريين وشأنهم بدلا من ملاحقتهم داخل بيوتهم بالقضايا ومصادرة الكتب؟!.

إنه سؤال ما زال مطروحا حتى الآن وينبغي على هذا (البنا) أن يجيب عليه بدلا من التعلل بإبراهيم وأبادير وسوسن ونصر؟؟!!.

منذ أن سمع النظام المصري عن اعتناق بعض الأفراد المصريين للمذهب الشيعي حتى جن جنونه وقام بتحريك قواته وكأنه يريد أن يمنع إسرائيل من إعادة احتلال سيناء!!.

عندما يُسأل سدنة النظام عن حقيقة المسألة الشيعية يأتي الرد المتغطرس: إنهم بضعة مئات من الأفراد ولا يشكلون خطرا أو تأثيرا من أي نوع!!!.

إذا كان ذلك كذلك فما هو المبرر لاستنهاض همم الأجهزة الأمنية المثقلة بملف الإرهاب لتلفيق القضايا لهم ومواصلة استدعائهم لمقرات أمن الدولة لسؤالهم عن حكم وضع اليدين في الصلاة وعن رأيهم في أبي بكر وعمر؟؟!! ناهيك عن مصادرة الكتب سواء تلك الصادرة خارج مصر أو المطبوعة داخل البلد (كتاب التحكيم نموذجا).

معلوم أن النظام قد قام بتلفيق ما لا يقل عن أربعة قضايا للشيعة المصريين خلال عشر سنوات وقام هو بالإعلان عنها والتهليل لها كما لم يهلل للقبض على منفذي تفجيرات شرم الشيخ وأيامها كان الدكتور سعد الدين إبراهيم في وفاق مع السلطة في مصر.. وكان أن انتهت كلها إلى لا شيء!!.

فمن الذي قام إذا بتفجير الملف؟؟

هل هو محور سعد الدين- أبادير أم محور لاظوغلي- مصر الجديدة الذي لا ينافسه في الغباء إلا محور عنجر - دمشق.

النظام المصري الذي كان يعيش وقتها في وهم دوره المحوري في صنع السلام ومحاصرة إيران لم ينتبه إلى تغير المناخ الدولي الذي زين له آنئذ إقامة مهرجانات القبض على الشيعة المصريين وتزيين صفحات جرائده القومية بصورهم مشفوعة بأخس الأوصاف والنعوت عشية الحادي عشر من سبتمبر المجيد وقرر مواصلة سياسة ملاحقة الشيعة حتى أصغر جحر أمكنهم الاختباء فيه من بطشه وإجرامه (رغم أنه ما زال يزعم حتى الآن أنهم بضع عشرات أو مئات) باعتبار هذا دليلا على قوته وسطوته رغم أن الوجدان الشعبي المصري لا يرى في هذا دليلا ولا برهانا على القوة بل على الضعف وهو الوجدان الذي يلخص المسألة في كلمة واحدة (اتشطر على اللي أدك) وكان أن قرر مواصلة اللعبة حتى كتابة هذه السطور وما قرار بمصادرة كتاب التحكيم سوى دليل إضافي على هذا الغباء العنجري اللاظوغلي العربي القومي الأصيل رغم أن الأمور لم تعد كما كانت في السابق ورغم أنها مرشحة لمزيد من التدهور والانهيار.

مجرد سؤال: ما ضر هذا النظام وغيره من النظم العربية الأموية أن يترك كل إنسان وشأنه وحريته في عبادة الله على طريقته (فربكم اعلم بمن هو أهدى سبيلا) وهو العلم الذي نزعم أنه لم يودعه عند أحد من خلقه لا في الأزهر ولا في عنجر ولا في لاظوغلي.

وانتظروا المزيد من الهزائم والفضائح والنكسات فإنا منتظرون.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الأحد 23/ تشرين الأول/2005 -  19/ رمضان/1426