غزة تجاهد لنشر الرعاية الصحية بعد الانسحاب

يقول خليل الخطيب (60 عاما) وهو مريض بالقلب من سكان غزة "حياتي مهددة."

ويضيف "احتاج لفحص ليعرفوا ما اذا كانت شراييني مسدودة. لكنهم يرفضون منحي تصريحا لدخول اسرائيل ولا يمكنني عمل ذلك في غزة."

والخطيب الذي أُجريت له جراحة لتغيير مجرى الدم الى القلب في اسرائيل واحد من ألوف الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يطلبون تصاريح لدخول اسرائيل كل عام لتلقي الرعاية الصحية غير المتاحة في غزة الفقيرة.

لكن اسرائيل التي تواجه الانتفاضة الفلسطينية على مدى الأعوام الخمسة الماضية رفضت منح العديد من التصاريح لاعتبارات أمنية.

وتشير الدلائل الى انه أصبح من الأصعب على الفلسطينيين في غزة دخول اسرائيل الآن بعد أن أُجليت القوات والمستوطنون من القطاع بعد حكم عسكري دام 38 عاما.

ويمثل بناء القطاع الصحي تحديا كبيرا لغزة التي تحاول زيادة الاعتماد على الذات ويأمل الفلسطينيون في تحويله الى نموذج للدولة التي يريدون اقامتها هناك وفي الضفة الغربية أيضا.

وكان علاج اسرائيل "للحالات الانسانية" الفلسطينية أثناء احتلال غزة قد دفع الكثيرين لتوقع إمكانية الحصول على رعاية صحية متخصصة نادرا ما تتاح لسكان الدول النامية.

ودخول الفلسطينين لتلقي الرعاية الصحية والذين قدرت اسرائيل عددهم بنحو سبعة آلاف سنويا كان ينظر اليه عادة في أوساط السياسية الاسرائيلية باعتباره وسيلة لدعم صورة البلاد.

لكن منذ الانسحاب الاسرائيلي أصبح من الصعب للغاية عبور المعابر الرئيسية من غزة شمالا الى اسرائيل وجنوبا الى مصر.

وقالت مصادر عسكرية ان عشرات المرضى يسمح لهم حاليا باستخدام معبر اريز. ولكن منظمة أطباء من أجل حقوق الانسان الاسرائيلية قالت ان العدد انخفض في بعض الأوقات الى ثلاثة أو أربعة.

وبالنظر للمستقبل تتوقع المنظمة الحاجة لمبلغ 2.5 مليار دولار على مدى عشر سنوات للوصول بمستوى الرعاية الصحية في غزة الى ما يقرب من مستواها في الاردن القريب.

وتبلغ ميزانية وزارة الصحة الفلسطينية 55 مليون دولار سنويا ولا تغطي حتى مبلغ 90 مليون دولار هو تكلفة إرسال المرضى للعلاج في الخارج. وتدفع مكاتب أخرى الفرق.

وتقول وزارة الصحة ان أربعة من كل عشرة مرضى في غزة يحتاجون للعلاج في الخارج.

وتفتقر مستشفيات غزة لتكنولوجيا جراحات القلب ونقل الاعضاء وجراحات المخ وعلاج الحروق ولا تتاح بها كذلك فحوص مثل القسطرة وكشف انسداد الشرايين.

وقال مارك ريجيف المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ان اسرائيل تريد تقديم خدمات صحية للفلسطينيين بأفضل شكل ممكن.

وأضاف "لكن للأسف هناك مشكلة أمنية خطيرة. لا يمكننا تطبيق سياسة انفتاح لاننا اذا فعلنا ذلك سيستغل ارهابيون هذه السياسة."

وأشار ريجيف لحالة امرأة كانت ستنفذ هجوما انتحاريا قبض عليها على حدود غزة في يونيو حزيران وهي تحمل متفجرات تحت ملابسها. وقالت في وقت لاحق انها كانت تعتزم تفجير نفسها في المستشفى في اسرائيل حيث كانت تسعى للعلاج.

وأغلقت اسرائيل كذلك معبر رفح الجنوبي لمصر وهو المنفذ الوحيد الآخر للخروج من غزة قبل ان تسحب قواتها بمقتضى اتفاق "فك الاشتباك" من الصراع مع الفلسطينيين.

وكانت الحشود قد فتحت الحدود بالقوة لفترة وجيزة بعد الانسحاب لكنها أغلقت منذ ذلك الحين باستثناء فتحها لفترات قصيرة للسماح بنقل بعض الحالات الانسانية.

ومازالت المناقشات مستمرة بشأن اعادة فتح معبر رفح على الارجح بمراقبة أمنية أجنبية لتهدئة المخاوف الامنية الاسرائيلية بشأن تهريب السلاح. ورفض الفلسطينيون اقتراحا اسرائيليا باقامة معبر جديد كان من شأنه اعطائها سيطرة أكبر.

وبصرف النظر عن مدى سرعة حل مشكلة الحدود لا يمكن لغزة الاعتماد على مصر على المدى الطويل.

والمرضى الذين يعالجون في مصر او اسرائيل بدعم من وزارة الصحة الفلسطينية سيظلون تحت رحمة الاغلاق في حين أن بعضهم حالتهم غير مستقرة بما يكفي للسماح بسفرهم مسافة 350 كيلومتر في سيارة اسعاف الى القاهرة.

ويعتزم إقامة عدة مستشفيات جديدة في قطاع غزة على مدى العامين المقبلين تشمل وحدات خاصة للحروق وأمراض القلب لكن وزير التخطيط غسان الخطيب قال انه ليست هناك خطط رسمية طويلة الاجل لتطوير الرعاية الصحية في قطاع غزة.

وقال ان الأمر لا يعتمد فقط على القدرات المالية بل أيضا على الموارد البشرية.

ولم تصل بعد مليارات الدولارات تعهد بتقديمها مانحون دوليون طالبوا بوقف الفساد ودعوا لمزيد من الشفافية المالية في السلطة الفلسطينية.

ومن ناحية أخرى ينمو السكان في غزة بمعدل أسرع من زيادة عدد الاطباء. في عام 2004 كان هناك 0.75 طبيب لكل ألف فلسطيني في غزة بانخفاض بنسبة 13 بالمئة عن عام 1998.

ويقارن ذلك بنحو أربعة أطباء لكل ألف في اسرائيل وهي واحدة من أفضل النسب على مستوى العالم حسب بيانات البنك الدولي.

وليست هناك كلية للطب في غزة والقيود على الحدود صعبت على الطلبة تلقي الدراسة في الخارج. والكثير ممن يتمكنون من الدراسة في الخارج لا يعودون في حين لا يجد اخرون وظائف بأجر مجز في القطاع الطبي لدى عودتهم.

وقالت منظمة أطباء من اجل حقوق الانسان في تقرير ان "صعوبة هذا الوضع لا مجال للمبالغة في تصويرها.. اذا لم يتم التوصل الى حل منظم سيتفاقم الوضع بحيث يموت الكثير من الفلسطينيين."

وبكت امرأة ترتدي غطاء رأس أسود يائسة خارج مستشفى الشفاء الحكومي في غزة الذي لم يتمكن من تقديم العلاج المطلوب لابنها الجالس بجوارها البالغ من العمر خمس سنوات.

وقالت "يعاني من مشكلة في المخ لكن لم يسمح لنا بعبور الحدود الى اسرائيل...لا أدري ماذا أفعل."

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 18/ تشرين الأول/2005 -  14/ رمضان/1426