ضحايا التعذيب في سجون صدام مازالوا يعانون

توقف التعذيب في مقر المخابرات العراقية السابق لكن المجمع الذي كان يثير هلع الكثيرين عاد ليضم بعضا من ضحاياه.

فقد لجأ الفقراء المشردون الى المجمع الذي يذكرهم دوما بماض مؤلم في عراق جديد فشل في الوفاء بوعود الاستقرار والرفاهية.

وقال حسين جابر الذي مازال يعاني من عرج شديد بعد سنوات من ضربه بقضيب معدني ساخن على أيدي عملاء من المخابرات في عهد صدام حسين مما تسبب في كسر عظمة فخذه وألحق به اعاقة مستديمة "ليس لدينا مكان اخر نذهب اليه."

وسيمثل صدام يوم 19 أكتوبر تشرين الاول الجاري أمام محكمة ستنظر في اتهامات بارتكاب جرائم ضد الانسانية تشمل في نهاية الامر قتل مئات الالوف ودفنهم في مقابر جماعية واستخدام أسلحة كيماوية ضد قرويين أكراد.

لكن هذه المحاكمة وهي من أشهر المحاكمات في التاريخ الحديث من المستبعد أن ترفع معنويات نحو 200 أسرة تقيم بالقرب من أكوام من القمامة المتناثرة حول مجمع المخابرات بغرب بغداد.

فهم يشغلون حجرات صغيرة كان يستخدمها يوما مسؤولو المخابرات من أعضاء حزب البعث وتطل على مبان قصفتها الطائرات الامريكية أثناء الغزو عام 2003. وبعض المباني مقامة فوق غرف سفلية كانت تستخدم في التعذيب وتغمرها الان مياه سوداء.

وأغلب الذين شغلوا المجمع المحاط بالاسوار من الشيعة الذي تعرضوا للقمع في عهد صدام وكانوا يتطلعون للديمقراطية وفرص العمل في عراق ما بعد الحرب.

لكن الهجمات الانتحارية وعمليات اطلاق النار والخطف التي يقوم بها انصار صدام ومتشددون يتبعون فكر تنظيم القاعدة مزقت البلاد.

ورغم وصول الاحزاب الشيعية الى السلطة في الانتخابات التي جرت في يناير كانون الثاني الماضي يشكو المواطنون العاديون من الشيعة من أن حكامهم المتشرذمين خذلوهم بفشلهم في تهدئة العنف وتوفير فرص العمل.

وأغلب الذين يقيمون حاليا في مبنى المخابرات السابق كانوا من قبل يقيمون في ضاحية في شرق بغداد كان يطلق عليها مدينة صدام. وعندما أطيح بصدام في أبريل نيسان عام 2003 تغير اسمها الى مدينة الصدر نسبة الى رجل دين شيعي بارز.

لكن نوبة الفرح التي سادت بعد سقوط صدام سرعان ما تبددت وارتفعت الايجارات في مدينة الصدر مما دفع الاسر للجوء الى مجمع المخابرات الذي كان مجرد ذكر اسمه يبعث على الخوف.

ويذكر الكثيرون أنه في عهد صدام لم يكن قائدو السيارات يجرأون حتى على النظر الى المبنى خوفا من ان تعتقلهم الشرطة السرية او تسجل ارقام لوحات سياراتهم.

ومازال هذا الخوف يسيطر على عمار داود الذي يقول انه أمضى ثمانية أعوام في السجن لقوله شيئا مهينا عن صدام وكانت هذه من أكبر الجرائم التي يمكن ان يرتكبها أي عراقي.

وقال داود انه علق مرارا على خطاف في السقف في وضع مؤلم للغاية لايام. وتحرك الذكرى مشاعر أليمة بداخله.

لكنه مثل اخرين في المجمع يرفض البوح بما اذا كان يريد حكما بالاعدام على صدام. وقال "لا يمكني القول. ما يدريني انكم لن تبلغوا رجاله انني تكلمت. انهم مازالوا في كل مكان في العراق."

وأضاف "عندما كان صدام في السلطة كنا نعرف من الذي نتعامل معه. لكن الان ليس هناك قانون ولا استقرار. لا نعرف من الذي قد يؤذينا."

ولا يوفر مقر المخابرات حماية تذكر من الميليشيات المسلحة التي أصبحت تحكم الشارع العراقي بدلا من أجهزة المخابرات والامن العديدة في عهد صدام.

ولا يظهر من الحراس سوى بضعة رجال يشغلون برج مراقبة قديما ويقول من سكنوا المبنى انهم يحمون مكتب حزب سياسي قريبا من المكان.

وخارج المجمع مباشرة في ضاحية المنصور الراقي يعرض القصابون كميات وفيرة من اللحوم والطيور على المسلمين في شهر رمضان.

ولكن الطقوس المصاحبة للصيام والافطار تمر بسرعة وبساطة في الغرف المعتمة الاضاءة في مقر المخابرات السابق. تنادي الامهات على اطفالهن الذين يلعبون في ساحة يفترشها الرمل خارج صف من غرف التعذيب.

ويقدم للصغار طعام مكون من الطماطم (البندورة) والباذنجان في اطباق رخيصة على غطاء مفروش على الارض.

ويخرج الشبان والصبية لكسب عيشهم من بيع البنزين في السوق السوداء مقابل نحو ثلاثة دولارات في اليوم في أحسن الاحوال بعد أن يئسوا من العثور على عمل. وينتظرون أحيانا لساعات على الطريق على أمل الحصول على عمل يومي لدى المارين بسياراتهم.

والبعض مثل مثنى داود شقيق عمار لا يمكنه حتى القيام بذلك. فهو يقفز على ساقه الواحدة ويوازن حركته بذراع واحدة.

ويقول انه بعد فترة وجيزة من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة حصل على عمل في صيانة طريق سريع وبدا ان حياته تتحسن حتى سمع ذات يوم اطلاق نار كثيفا.

وقال "ذهبت مع صديقي للطريق السريع ففتح جندي أمريكي النار علينا من بندقية الية. فقدت ذراعي وساقي."

ومن المستبعد أن يبشر الاستفتاء المقرر يوم 15 أكتوبر الجاري على الدستور او الانتخابات المقررة في ديسمبر كانون الاول بتحسن أوضاع داود او غيره ممن لا يرون سبيلا للخروج من المجمع الذي يمثل أثرا بارزا للعنف السابق بالعراق.

ويشعر جابر بنفس اليأس الذي كان يعتريه عندما كسر ضباط عظمة فخذه وبدا على النقيض من غيره واضحا جدا في المصير الذي يتمناه لصدام.

قال "تركوني راقدا هناك دون علاج لاسابيع.

"أريد أن أشرب من دمه."

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 13/ تشرين الأول/2005 -  9/ رمضان/1426