عندما يختزل الغرب الاستشراقي الشرق في خيال متعصب

منذ السطور الاولى لكتابه (الشرق المتخيل) يطرح كاتب فرنسي سؤالا عن هوية الغرب وفي سبيل التعرف عليها يقول ان الشرق غير قابل للادراك باعتباره فكرة خلقها الخيال الغربي الذي سبق أن صنع صورة أسطورية لعدو مختلق قبل بدء الحروب الصليبية.

وقال تييري هنتش أستاذ الفلسفة بجامعة كيبيك بمونتريال في الكتاب الذي حمل عنوانا فرعيا هو (رؤية الغرب الى الشرق المتوسطي) انه يتحفظ على "شرقنا المتخيل" وتساءل عن الاسباب التاريخية والسياسية التي جعلت الغرب مطمئنا الى ما يصدره من أحكام.. "هل سألنا أنفسنا كفاية على سبيل المثال لماذا يبدو لنا بديهيا كغربيين أن الارهاب عربي والتعصب اسلامي.. لا يكفي أن نقف ساخطين على هذه الاختزالات الرهيبة. لابد من فهم جذورها."

وأضاف أن الشرق في التصور الغربي مرادف لكل الغرائب والمتناقضات والمبالغات فهو أكثر حكمة وجنونا وزهدا وشهوانية وفظاظة ولباقة بحيث يسمح للغرب أن يسقط عليه كل ما يفرزه خياله لان "الشرق كامن في رؤوسنا."

ومن هذا المنظور يرى هنتش أن الشرق "غير قابل للادراك. اذ هو في كل مكان وفي لا مكان. انه مكان جامع لكل الرواسم الكليشيهات... لا وجود للشرق خارج رؤوسنا نحن الغربيين. ولا وجود حتى للغرب فالغرب فكرة تسكننا كما تسكننا فكرة الطرف النقيض لكننا لا نشعر بالحاجة لان نعرفه فنحن الغرب."

وترجم الكتاب الى العربية غازي برو وخليل أحمد خليل وصدرت الترجمة التي تقع في 470 صفحة من القطع المتوسط بالاشتراك بين المجلس الاعلى للثقافة بمصر ودار الفارابي في بيروت.

وقال المؤلف في استعراض تاريخي ان الشرق بدأ لدى "الصليبيين على شكل تخيل قبل أن يصبح واقعا متجسدا بالحملات الصليبية نفسها."

وفي عام 1095 ألقى البابا أوربان الثاني خطبة شهيرة في مجمع كليرمون بجنوب فرنسا دعا فيها لاسترداد الارض المقدسة من المسلمين وفي العام التالي بدأت الحملات الصليبية (1096 - 1292).

وقال هنتش ان أدبيات تلك الفترة كانت تصف الفردوس بأنه مكان يقع في الشرق مشيرا الى أن المرحلة الصليبية "امتصت غليانا سياسيا وعسكريا كان ممكنا أن يؤدي بأوروبا المسيحية الى الانهيار" بسبب وفرة الطاقة المحاربة الساعية الى التوسع.

وأضاف أن البابا أوربان الثاني وجه هذه القوى الى ما وصفه بالعدو المشترك في الخارج بعد أن حدد هدفا بعيدا هو فلسطين ورمزا هو الصليب حيث قال البابا في خطبته "يا له من عار لو أن هذا الجنس الكافر المحتقر عن حق المجرد من القيم الانسانية وعبد الشيطان تغلب على شعب الله المختار.

"هذه التعبئة العصبية تولد صورا أكثر مما تترجم عداء شائعا فهي تستخدم السيء من الذكريات التي تركتها في الجنوب الغزوات العربية الاسلامية وتمزجها بالورع الديني لاهل الشمال الذين يجهلون كل شيء عن العرب المسلمين لخلق عدو معاد للمسيحية أسطوري تماما في عموميته. الحقيقة أن هذا العدو المختلق له وظيفة ألا وهي صنع الوحدة عن طريق توجيه الطاقات نحو مشروع سرعان ما اتخذ طابع الحملة الاستعمارية."

وأشار هنتش الى استمرار هذا التصور الى الان مشيرا الى أن عام 1991 حين أخرجت قوات التحالف الدولي جيش الرئيس العراقي السابق صدام حسين من الكويت التي غزاها في الثاني من أغسطس اب 1990 شهد "سحق القوى الغربية للعراق بمأساوية."

وعلق قائلا ان "الاجماع الذي رافق تدمير العراق يستحق التأمل لا بوصفه مجرد انعكاس لعنصرية لم يعد ثمة داع للبرهان عليها بل بوصفه محصلة لشكل فكري يملك فيما يتعدى كل تامر تماسكا ومظهرا يمكن احترامهما والانتساب التام اليهما بكل نية طيبة."

وقال المؤلف انه مدين لمفكرين عرب ومستشرقين قال انهم أكثر انفتاحا في انتقاد رؤية الغرب للشرق ومنهم المستعرب الفرنسي مكسيم رودنسون (1915 - 2004) والتونسي هشام جعيط والبريطاني نورمان دانييل.

كما توقف أيضا أمام اجتهادات المفكر الفلسطيني البارز ادوارد سعيد (1935 - 2003) في تحليله "الصارم الذي لا هوادة فيه عن الاستشراق وهو تحليل قد تسنى لنا العودة اليه مرات ومرات. ولقد أصبح كتاب ادوارد سعيد ممرا الزاميا لكل تفكير حول الاستشراق. توثيقه غني للغاية وتحليلاته غالبا ما أصابت اصابة دقيقة وعرت مرات عديدة نزعة الاستشراقيين العرقية المتعالية سواء أكانوا علماء كبارا أم أقل علما."

وصدر كتاب (الاستشراق) لسعيد في نهاية السبعينيات وترجمه عن الانجليزية كمال أبو ديب.

وقال برو وخليل مترجما الكتاب في هامش ان الكاتب المصري أنور عبد الملك كان "أول من عمد الى مساءلة الاستشراق في فرنسا" في دراسة بالفرنسية نشرت عام 1963.

شبكة النبأ المعلوماتية -الأربعاء 12/ تشرين الأول/2005 -  8/ رمضان/1426