
تعد جريدة نيويورك تايمز New York Times من أبرز الأسماء المؤثرة في
عالم الصحافة الأمريكية. فلعبت الجريدة عبر القرنين الماضيين دورا
هائلا في تحديد مسار الرأي العام الأمريكي في مختلف القضايا. وقد قدم
تقرير واشنطن لمحة تاريخية عن الجريدة وأهم القضايا التي أثارتها عبر
154 سنة صحافة.
يرجع تاريخ تأسيس نيويورك تايمز إلى عام 1851. مؤسسا الجريدة هما
هنري جارفس رايموند الذي عمل صحفيا بولاية نيويورك وصديقه جورج جونز.
وقبل تأسيس الجريدة عمل رايموند كنائب لمحافظ ولاية نيويورك. أما جونز
فجاء من خلفية متواضعة وعمل في صباه فراشا لصاحب جريدة نورثن سبيكتاتور
Northern Spectator ، حيث تعرف على هوراس غريلي مؤسس جريدة نيويورك
تريبيون New York Tribune. وبعد فترة عمل قصيرة مع غريلي قرر جونز
إنشاء جريدة بمشاركة صديقه هنري رايموند. وأصدرت نيويورك تايمز اليومية
New York Times Daily أول عدد لها يوم 18 سبتمبر عام 1951. ومع إصدار
أول عدد للجريدة صرحا ريموند وجونز ذلك اليوم بأن نيويورك تايمز سوف
تصدر يوميا ماعدا يوم الأحد من كل أسبوع. ولم يعتقد أحد أن ذلك الإصدار
كان بداية تاريخ مليء بالإثارة والجدل والتفاعلات السياسية.
وقبل مرور أقل من عام واحد من تاريخ التأسيس قرر المالكان إصدار
طبعة مخصصة للولايات الغربية-وتلك الطبعة مستمرة حتي يومنا هذا وتظل
دليلا على نجاح الجريدة في جذب قرائها وفي إثبات جدارتها كمصدر موثوق
للأخبار والمعلومات. ومن المعروف أن الجريدة لعبت دورا جديرا بالاعتبار
في تأسيس وكالة الأنباء العالمية الأسوشيتد برس The Associated Press
عام 1956. وكان أول رئيس لها هو هنري رايموند.
وكانت بداية الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861 بمثابة نقطة تحول
للجريدة وأستطاعات من خلالها الصعود على الساحة الأعلامية الأمريكية
باعتبارها الجريدة الرسمية للحصول على تصريحات الحكومة الأمريكية
المتعلقة بالحرب وذلك نيابة عن أعضاء وكالة أنباء الأسوشيتد برس.
ومع التطورات التكنولوجية نجحت الجريدة في الارتفاع بمستوى تقاريرها
من حيث السرعة والدقة. ولكن الارتفاع الحاد في المبيعات قد حدث عام
1898 عندما انخفض سعر الجريدة إلى سنت واحد وبالتالي إزداد معدل
المبيعات من 26 ألف إلى 75 ألف بعد سنة واحدة. ونتج عن ذلك ارتفاعا
مماثلا في أرباح الأعلانات.
ومن الشخصيات المهمة في تاريخ نيويورك تايمز أدولف أوكس الذي أشترى
الجريدة بعد إفلاسها عام 1896 وعين نفسه ناشرا للجريدة في نفس الوقت.
وكان معدل المبيعات اليومي للجريدة في ذلك الحين حوالي 9 آلاف عددا
يوميا مقارنة ب100 ألف في 1901. ولعب أوكس وعائلته دورا كبيرا في عالم
الصحافة بالولايات المتحدة.
ولم تكن جريدة نيويورك تايمز معصومة من الجدال والاتهامات التي
نجدها اليوم حول مصداقيتها وحياديتها السياسية. ففي عام 1918 اتهمت
الجريدة بالتعاطف مع العدو بعد أن نشرت مقال مؤيد لاقتراح سلام تقدمت
به النمسا في إطار الحرب العالمية الأولى بدون الموافقة على الاستسلام
التام. وكانت النتيجة أن منافسي جريدة نيويورك تايمز شككوا في وطنية
ناشرها أدولف أوكس.
وبعد وفاة أوكس تولي مهام إدارة الجريدة زوج أبنته أرثار هايز
سولتسبيرغر عام 1935. وقد تنحى سولتسبيرغر عن منصبه عام 1961 عندما
تولي هيئة النشر زوج أبنته أورفل درايفوس حتى وفاته عام 1963.
ومن المعروف أن الجريدة شنت هجوما عنيفا ضد اقتراح الرئيس فرانكلن
روزفلت لإصلاح النظام القضائي عام 1937. وكان القانون الذي تقدم به
حلفاؤه بالكونغرس يقترح تعيين قاضي في المحاكم الفيدرالية لكل قاضي
تعدى سن ال70، أي أن القانون يعطي الرئيس الحق في تعيين 6 قضاه جدد
للمحكمة الدستورية العليا. ويقال أن ذلك التشريع جاء نتيجة معارضة
المحكمة الدستورية لبعض سياسيات الرئيس الأمريكي الراحل.
وكانت الجريدة طرفا في أحدى أهم القضايا التي نظرت فيها المحكمة
الدستورية العليا في مجال حرية الصحافة. والدعوى القضائية كانت موجهة
من مسئول من ولاية ألاباما حيث أتهم المسئول جريدة نيويورك تايمز
بالقذف. ولكن المحكمة قررت عام 1964 أن الجريدة بريئة من تلك التهمة.
وأصدرت بذلك عبرة قضائية legal precedent تعطي حماية لوسائل الإعلام من
دعاوات التعويض في القضايا المعنية بتداعيات القذف. كما قدمت المحكمة
العليا حماية أخرى للصحافة من خلال دعوى قضائية ضد الجريدة عام 1970.
وكانت الدعوى مقدمة من الحكومة الأمريكية بعدما رفض أحد الصحفيين
بنيويورك تايمز التعاون مع هيئات القضائية التي كانت تجرى تحريا عن
جماعة البلاك بانثرز Black Panthers.
واحتكت الجريدة بالمحكمة العليا مرة أخرى عام 1971 بعدما نشرت
مقتطفات من "أوراق البنتاغون" Pentagon Papers المشهورة وكانت الأوراق
عبارة عن وثائق مسربة من داخل الحكومة الأمريكية عن تاريخ تورط
الولايات المتحدة بالحرب بفيتنام. وسمحت المحكمة للجريدة بنشر الأوراق
بعد أمر قضائي بوقفها لمدة 17 ويوما. أخطأت الصحيفة قي تقاريرها التي
سخرت فيها من أفكار خبير علم الصواريخ والفضاء روبرت جودرد Robert
Goddard، وهي الأفكار التي كان يؤكد فيها على قدرة الصواريخ على الوصول
للفضاء. ولكن بعد وصول أول مركبة فضاء أمريكية إلى سطح القمر في نهاية
الستينات أدركت الصحيفة خطئها، فقامت بتصحيحه بنشر اعتذار لجودرد.
ويلاحظ بعض القراء أن الصحيفة تميل في أسلوبها إلى الاعتدال وإلى
المرونة في تغطيتها، حيث يحاول القيمون على إدارة الصحيفة وصحفيوها
إيصال الخبر والفكرة بدون تحيز كما تذكر الصحيفة على موقعها على شبكة
الانترنيت. وكشفت الصحيفة العام الجاري عن تصنيف كانت قد وضعته
لصحفييها، بين انتماء مارتين داود و ديفيد بروكس لليسار الليبرالي وجان
ترني لليمين المحافظين، أما توماس فريدمان فوصفه التصنيف بالمعتدل.
وعلى الرغم من أن هذا التنوع أدى إلى اختلاف الآراء التي تنشرها
الصحيفة فإن بعض اللبراليين يتهمونها بالتحيز للمحافظين والتوجه للطبقة
الوسطى والغنية من المجتمع الأمريكي وإهمال للطبقة الفقيرة.
وتعتبر شركة نيويورك تايمز إحدى أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم.
حيث تمتلك أكثر من عشرين صحيفة في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ثماني محطات تلفزيونية في ولايات مختلفة وإذاعتين للراديو
في ولاية نيويورك. كما تملك أسهما في أكثر من شركة مثل فريق بوسطن ريد
صاكسBoston Red Sox وفينوي بارك Fenway Park وأيضا قناة (ديسكفري)
Discovery Times Channel ومؤسسات أخرى كثيرة.
وفازت شركة نيويورك تايمز وللمرة الثالثة على التوالي بالمرتبة
الأولى كأحسن مؤسسة في الولايات المتحدة حسبما جاء في مجلة بزنس اثكس
Business Ethics. ويبلغ عدد جوائز بوليتزر التي حصلت عليها "113" جائزة.
كما حصلت الصحيفة على جوائز كثيرة من مؤسسات أمريكية وعالمية أخرى
للخدمة الإعلامية المتميزة التي تقوم بها.
وواجهت صحيفة نيويورك تايمز العديد من المشاكل القانونية، منها قضية
مراسلتها الصحفية جوديث ميلير Judith Miller التي تقضي عقوبتها الحالية
في السجن بتهمة نشر الأخبار والتقارير غير الصحيحة والمفبركة أثناء
تغطيانها للحرب في العراق. كما واجهتها قضية أخرى في بداية السبعينات
حين قامت الصحيفة بنشر معلومات حصلت عليها من البنتاغون بطرق غير
قانونية واعتبرها البنتاغون وثائق سرية للغاية تمس المصالح العليا
للولايات المتحدة.
وتتمتع الجريدة اليوم بمعدل مبيعات هائل يتعدى المليون قارئ يوميا.
وتمتلك الجريدة شركة نيويورك تايمز New York Times Company التي تمتلك
أيضا العديد من الوسائل الإعلامية الأخرى، بما فيها جرائد بوسطن غلوب
Boston Globe والإنترناشيونال هيرالد تريبيون International Herald
Tribune، بالإضافة إلى قنوات تلفزيونية محلية بأكثر من سبعة ولايات
ومحطتين راديو. ويرأس مجلس إدارة الشركة أرثار سولتسبيرغر الأبن وهو من
أحفاد أدولف أوكس.
ولم تبتعد الجريدة مطلقا عن الجدل والتفاعلات السياسية. فعادة ما
تتهم بالليبرالية في مواقفها السياسية تجاه القضايا الإجتماعية. ولكن
في الوقت نفسه توظف النيويورك تايمز العديد من الكتاب اليمينين مثل
وليام سافيار وديفيد بروكس. ومن الفضائح الحديثة التي واجاهتها الجريدة
هي فضيحة جاسون بلير وهو صحفي أتهم بتزوير وتلفيق التصريحات تحت اسم
مسئولين بالحكومة الأمريكية. وقد فقد بلير وظيفته واستقال مسئولان
بهيئة التحرير مباشرة بعد ظهور الفضيحة. |