كاتب أفغاني يسحر القراء في الولايات المتحدة وروايته من أكثر الكتب رواجا

نجح الروائي الأميركي-الأفغاني خالد حسيني، عبر روايته الأولى "The Kite Runner" (أو طواف الطائرة الورقية)، وهي من الكتب الأكثر رواجاً في الولايات المتحدة، في مساعدة القارئ الأميركي على إدراك ما فرضته دوامة الحروب والنزاعات العرقية التي عانت منها أفغانستان في العقود الأخيرة من ثمن باهظ على البلد.

وقد ازدحمت أخيراً قاعة واسعة في ضواحي واشنطن العاصمة بجمهور من المستمعين المأخوذين بالرواية الذين وفدوا للاستماع إلى حسيني يتحدث عن حياته وكتابته، وخصوصاً عن روايته "ذا كايت رَنر" التي وصفها بأنها "نافذة صغيرة على الثقافة الأفغانية."

ولكن حسيني لم يكن يتمتع دوماً بمثل هذه الشهرة والشعبية. فبعد فترة قصيرة من صدور الرواية في العام 2003، وصل الكاتب الأميركي-الأفغاني إلى مخزن لبيع الكتب في ولاية كاليفورنيا ليوقع على كتابه لمن يشتريه من القراء ليجد أن عدد من حضروا سعياً للحصول على توقيعه لم يتجاوز شخصاً واحدا.

ولكن رواية "ذا كايت رَنر" تحولت، في الفترة التي انقضت منذ ذلك الحادث المخيب للأمل حتى الآن، إلى ظاهرة في عالم النشر. إذ أدى تناقل الأحاديث عنها بين قراء الكتب إلى ارتفاع مبيعاتها بشكل مذهل. وقد تمت طباعة أكثر من 2,5 مليون نسخة من الكتاب، وظلت رواية "ذا كايت رنر" مدرجة على قائمة صحيفة نيويورك تايمز لأكثر الكتب رواجاً لأكثر من عام. كما أنها احتلت هذا الأسبوع المرتبة الثامنة على لائحة "الروايات التي تتم استعارتها أكثر من غيرها" التي تصدرها نشرة "لايبراري جورنال" (المتخصصة بأخبار المكتبات)، وهي لائحة تضعها النشرة على أساس ما تزودها به المكتبات العامة من معلومات. كما يتم الإعداد حالياً لتصوير فيلم سينمائي مأخوذ عن القصة.

وقالت لزلي شوارتز، المروّجة لمؤلفات الكاتب في دلر ريفرهيد بوكس للنشر، إن برامج القراءة المحلية التي تطلب من أعضائها قراءة نفس الكتاب ثم مناقشته أسفرت عن مبيعات ضخمة للكتاب.

وقالت مكتبة الكونغرس إن اثني عشر برنامجاً في مدن تمتد من سنسناتي في أوهايو حتى باسادينا في كاليفورنيا، شجعت السكان على قراءة الرواية. وقالت شوارتز إنها وجدت أحياناً عشرين تجمعاً سكانياً كبيراً، بينها ولاية كاملة، تقرأ الرواية.

وأضافت أن بعض المدن التي توصي بقراءة رواية حسيني ترعى محاضرات عن أفغانستان وحلقات نقاش حول الكتاب وحتى نشاطات تطيير طائرات من ورق.

وقد وصل الآلاف من المعجبين بالمؤلف، ومعظمهم نساء في أواسط العمر، قبل ساعة كاملة من موعد اللقاء المخصص لقراءة الكاتب فقرات من روايته في 20 أيلول/سبتمبر في إحدى ضواحي واشنطن العاصمة. وقد تدافعن عبر أبواب قاعة حفلات موسيقية في إحدى الجامعات وتسابقن للحصول على 200 نسخة مختومة من البرنامج تؤهل حاملها الحصول على توقيع حسيني على نسخة من كتابه. ورغم أن القاعة تتسع لألفين ومئة شخص إلا أنها لم تتسع لجميع المعجبين الذين اضطر بعضهم إلى متابعة وقائع اللقاء في قاعة قريبة عبر الفيديو.

وقال حسيني، وهو من مواليد العام 1965 في كابول، إن المدينة التي أمضى فيها طفولته كانت "جذابة ومنفتحة على العالم... فيها دار للسينما تعرض الأفلام الأجنبية وجامعة ومدارس ثانوية وتوفر التعليم للبنين والبنات." وكانت عائلته تختلط مع الشعراء والكتاب والدبلوماسيين والصحفيين والأطباء والمحامين. وقال حسيني إن "ذلك هو ما حاولت إحياءه لنفسي في المئة صفحة الأولى من رواية "ذا كايت رنر" (طواف الطائرة الورقية).

وأضاف أنه كان في طفولته من عشاق الشعر وأغرق نفسه فيه فقرأ أشعار سعدي وحافظ والرومي وبيدل. وكان يشتري الروايات المترجمة إلى الفارسية من حانوت لبيع الكتب في كابول. وقال: "قرأت رواية "ذا إيكزورسست" (طارد الأرواح الشريرة) مسلسلة على حلقات... وأنا في العاشرة." وكان يكتب المسرحيات في حداثته لتسلية إخوته وأخواته.

* قصة صداقة تتخطى الحدود الإثنية

رواية "ذا كايت رنر" هي قصة صداقة وخيانة وإحساس بالذنب وفداء يتلوه خلاص بين صبيين هما أمير وحسن، يترعرعان معاً في مدينة كابول في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. والد أمير ثري، في حين أن حسن هو ابن خادم العائلة. وأمير من قبيلة البشتون، في حين أن حسن من قبيلة الهزارة. وأمير سني في حين أن حسن شيعي.

أما تسلية أمير وحسن المفضلة فهي تطيير طائرات الورق، أو المقاتلة بها في الواقع، في مباريات في سماء كابول. ويتم غمس خيوط أو حبال الطائرات الرفيعة بالغراء أو الصمغ ثم بالزجاج المطحون كي يتمكن سائس الطائرة من قطع حبال الطائرات الورقية الأخرى. والطائرة التي تبقى محلقة في السماء بعد سقوط جميع الطائرات الأخرى هي الطائرة الفائزة.

وكان حسيني نفسه يمارس هذه اللعبة في حداثته. وقد أشار في اللقاء إلى أجزاء أخرى في الرواية ترتكز إلى أحداث حقيقية في حياته. فقد عاش حسيني، مثله في ذلك مثل أمير، في أحد أحياء كابول الجميلة الغنية. وقال في سياق إشارته إلى المكان الخيالي الذي كان يلتقي فيه أمير وحسن: "لقد كان هناك بالفعل تل إلى الشمال من أرض والدي، وكانت هناك مقبرة وشجرة رمان."

وكشف الكاتب عن أن بعض التوتر في الكتاب ينبع من "الخزي" الذي شعر به كشخص بالغ عندما أدرك أن خدم عائلته كانوا من إثنية مختلفة.

وقد استوحى حسيني شخصية حسن من الخدم الذين عرفهم في طفولته. وكان المؤلف يحب بشكل خاص طاهياً من الهزارة كان يأخذه معه إلى السينما. ولعل ذلك الطاهي كان يدرك مكانته في المجتمع أكثر من الصبي؛ فأثناء مشاهدتهما معاً فيلم "(الوحش) غودزيلا"، قال الطاهي ممازحاً الصبي: "كل هؤلاء الذين تشاهدهم على الشاشة أبناء عمومتي."

وقد قام الصبي حسيني بتعليم ذلك الطاهي القراءة. وفرض على تلميذه حفظ الأبجدية غيباً وكان يحدد له واجبات مدرسية ويصححها له ويؤنبه على أخطائه. وكان الطاهي قد أصبح يتقن قراءة الصحف عندما غادر العائلة وانتقل للعيش في مكان آخر. وبعد فترة، خاطب الطاهي أستاذه الصغير في رسالة بعث بها إلى العائلة بالقول: "أنا جاهز لعمل أي شيء في سبيلك، ألف مرة." وهي عبارة تتردد في الرواية وتشكل نقطة مفصلية تشعل أحداثها.

* من أفغانستان إلى أميركا

انتقلت عائلة حسيني إلى باريس في العام 1976 عندما تم تعيين والده في منصب دبلوماسي. وبعد الانقلاب الشيوعي في أفغانستان في العام 1978، بلغت العائلة إشاعات عن وقوع حوادث قتل وتعذيب واختطاف ضد من كانوا في السلطة في الماضي. وقال حسيني إنه يذكر حياته في تلك الفترة وكأنها فصل في رواية للمؤلف جون ليه كاريه: "كان والدي يقول لنا، "انتظروا عند الباب. سأدير محرك السيارة." وبعد أن يدير المحرك ولا تنفجر السيارة يقول لنا، "هيا"، فنصعد إلى السيارة."

وقد منحت الحكومة الأميركية العائلة حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة فانتقلت إلى كاليفورنيا في العام 1980. أما في الرواية، فيغادر أمير أفغانستان بطريقة أخرى كانت أكثر شيوعاً بين النازحين عنها- كلاجئ يتسلل إلى باكستان في شاحنة. ولكن المطاف ينتهي بأمير هو أيضاً في ولاية كاليفورنيا.

وقال حسيني لجمهور قرائه إن ما تصوره الرواية من أحداث في كاليفورنيا هو القسم الأكثر مطابقة لأحداث حياته الحقيقية فيها. فهناك بالفعل سوق أفغانية للبضائع الزهيدة الثمن في سان خوزيه. وقال المؤلف إن الكثير من الوجوه المألوفة في كابول كانت تتواجد في تلك السوق: "كتاب ودبلوماسيون وشعراء يبيعون مضارب التنس وماكينات الخياطة."

وقال إنه أراد أن يظهر في كتابه مدى الصعوبة التي واجهها والداه اللذان "تركا هويتهما وخلفيتهما ومهنتهما ومركزهما في مجتمع كابول" وجاءا إلى سان خوزيه، حيث "لا يأبه بهما أحد."

أما حسيني نفسه فكان، كأمير في الرواية، منشغلاً بالذهاب إلى المدرسة والنضوج والوقوع في الحب في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ورغم أنه كان يشاهد بعض أنباء الحروب في أفغانستان بين الآونة والأخرى على التلفزيون، إلا أنه لم يكن يتابعها باهتمام.

ولكنه أضاف أنه سمع في أواخر التسعينات أنباء بأنه لم يعد بمقدور الشعب الأفغاني أن يرقص أو يرسم أو يغني في ظل حكم طالبان. وقال: "لم يعد هناك تطيير طائرات ورقية. وكنت بالكاد أصدق ذلك." وقال لجمهور قرائه إن تلك الأنباء دفعته إلى كتابة قصة قصيرة عن الصداقة بعنوان "طواف الطائرة الورقية." وقد طلب منه أحد أقاربه أن يخبرهم ما حدث للولدين بعد ذلك. وقال حسيني: "وانطلق خيالي محلقاً عند ذلك،" ثم أضاف مثيراً ضحكهم: "كانت هذه تورية."

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 3 / تشرين الأول/2005 -  28/ شعبان/1426